“وضد ّ كلّ أمرئ ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعـــداء”
الإمام علي
الصراع والبقاء للاقوى
سيبقى الأمر سجالا عند العرب بين قلة من المثقفين المنفتحين الأحرار الحقيقيين وبين كثرة من المنغلقين الخياليين الطوباويين، خصوصا عندما بدأت تتأسس بشكل ايديولوجي في تفكير العرب منذ العام 1979: آليات وعناصر ووسائل غريبة من التعصّب الأعمى في قمع ثقافتهم وفنونهم، والتنكيل بتراثهم، والجهالة بتاريخهم.. والمصيبة أن يتم كل ذلك من دون أي اكتراث للزمن، ولا أي احترام للتاريخ، ومن دون أي توازن ووسطية بين الدين والدنيا، وبين الواقع والمثال، وبعيدا عن أي منهج علمي ونقدي لدراسة النصوص وتوظيفها بعد نقدها وتفسيرها تفسيرا علميا. انه ـ مع الأسف ـ تأسيس غبي لا يقتصر على اقتحام ما يكتبه المعاصرون من نصوص أدبية، بل يجد البعض أن يجتث من أعماقنا كل نصوص القدماء والمحدثين وينهرهم بعد اتهامهم كي يسكتهم إلى الأبد في ظنه، ثم يهاجمون كل رموز اليوم مهاجمة رخيصة! ان ظاهرة الارهاب لم تأت من فراغ ابدا، بل كانت قد اوجدتها بيئة مساعدة وظروف حاضنة وادوات مؤهلة وتربية الحدود، بحيث كلما تقدّم الزمن وازدادت التشيؤات المعاصرة تصادمت الحياة عندنا بالمحددات من دون أي قطائع ولا تفقهات جديدة تساعد مجتمعاتنا على تقليصه او تخليصه من التناقضات..
متى تفاقمت التعقيدات؟
وربما يتساءل القارئ الكريم ـ كما سألني احد اصدقائي ذات مرة ـ: لماذا اخترت سنة 1979 بداية حقيقية للتحولات الماضوية في التفكير والممارسة العربيين على ارض الواقع. اجيب: ان الحياة العربية الحديثة لم تعرف على امتداد ستين سنة وللفترة 1929 – 1979 الا تنظيما دينيا قويا واحدا متمثلا بالاخوان المسلمين (تأسست هذه الجماعة عام 1928) ووجدت الى جانبه تنظيمات دينية ضعيفة برغم غلوها وتشددّها. صحيح انها كانت متشددة ولكنها لم تصل الى موقع القرار والمسؤولية في أي يوم من الايام، ولكن بعد مرور ستين سنة (أي عام 1979) تأسست اول جمهورية اسلامية متشددة طرحت مشروع ” تصدير الثورة الدينية “، وكان لتأسيسها وقوتها الايديولوجية صدى كبير في اشعال العواطف وتهييج النقمة وايقاد المشاعر الدينية خصوصا ان هناك على الطرف الاخر مملكة اسلامية متشددة فتشكلّت على الجانبين منذ ذلك اليوم جملة هائلة من القوى والاحزاب والجماعات المتشددة في كل البلدان العربية والاسلامية، واتخذت كل واحدة منها اسلوبا بها للعمل السري والعلني، أي بمعنى: لأول مرة يجد الدين نفسه سلطة قوية وحادة جدا في السياسة والمجتمع معا، وقد دعي ذلك ابان الثمانينيات من القرن العشرين بـ ” الصحوة الاسلامية “. لقد راهنت الملايين من العرب على تلك ” الصحوة ” من دون ان تسأل عن أي فلسفة سياسية لها، او أي برنامج لحكم مدني فيها، او عن أي اسلوب معاصر يحدد العلاقة بين الماضي وروح العصر؟؟ وعندما بدأ العصر في تسارعه التاريخي المذهل في السنوات العشر الاخيرة من القرن العشرين، غدت مجتمعاتنا ترتد على الحداثة والمعاصرة بشكل مخيف، ولم تزل تعيش تناقضا صارخا بين الماضي والحاضر، ولا يمكن التكهن بالمستقبل كيف سيكون؟
انقسام بنية التفكير العربي الراهن
ينقسم التفكير العربي اليوم الى ثلاث بنى اساسية: الاولى تمثلها اكثرية طوباوية ماضوية (= لا تنفك عن التفكير في مرجعيات الماضي) والثانية، تمثّلها اقلية تحديثية او معاصرة (= لا تنفك عن التفكير في مرجعيات هذا العصر).. اما البنية الثالثة، فهي على الهامش تعيش من اجل مصالحها الانية وهي تصفق للاقوى دوما وينضوي فيها مفكرون ومثقفون واعلاميون ومدنيون وجامعيون ومهنيون.. الخ، ولكنها لا تشكّل نقيض النقيض ابدا كي تنمو وتعيش! علما بأن أي بنية سيكون مصيرها الزوال ولو بعد حين.. ولكن بعد ان ينبثق نقيض النقيض في تفكيرنا وبناء الوعي الجديد.. وعندما يترسخ ديالكتيك فكري عربي واسلامي عالي المستوى في حياتنا واذهاننا.
انني اعتقد بأن الزمن سيطول امام التحولات التاريخية، واذا كانت الاقلية (النخبوية) ستنتصر في نهاية المطاف، فان زمنها سيطول جدا، فالارض غدت مشبعة بالافات والصدامات والبشر ينوء عن العقل بسوء التفكير وهياج الظنون وحدة العواطف .. ولئن غدت الحياة العربية لا تجد مرجعياتها الا في الماضي.. واذا كان التاريخ سيعيد توازنه من جديد عاجلا أم آجلا، فسيدرك العرب في يوم من الأيام كم ضيعوا من الزمن، وكم صرفوا من الأتعاب، وكم تلفوا من القيم.. وكم توهموا الاوهام حقائق.. وكم حاربوا من العقلاء والعلماء والمبدعين.. وكم ساهموا في خلق تناقضات لا حصر لها ضد بناء مستقبلهم.
هوية المتشددين المتخلفين
انهم يريدون أن يؤسسوا هوية جديدة للقمع والتخلف والتراجعية وآلية صاعقة للتنكيل والارهاب بعد أن غدا القمع سيدا مطاعا والتنكيل أمرا مألوفا والإرهاب الفكري تقليدا مباحا لكل المتسلطين من الكهنة الجدد في المجتمع العربي وقواه، ولكن ضد الثقافة الحديثة والفن القديم والحديث معا وكل أشكال ومضامين الحياة المعاصرة! تساعدهم في ذلك قوى سياسية وحكومية عربية وغير عربية وجماعات ممّولة ودور نشر ومؤسسات رسمية ومراكز (بحوث) أهلية وأجهزة إعلام كبيرة وتضمن وجودهم سلطات ووزارات وقوانين.. اذ تعتني بأحكامهم وفتاويهم وتعليماتهم عناية فائقة وكأنهم رسلا منزلين وأولياء صالحين وملائكة مقدّسين!! وهؤلاء فعلا هم الذين جنوا جناية لا توصف على مصائرنا السياسية وليست الثقافية فقط من خلال ما أعطى لهم من الأدوار الوعظية والترديدية والتسويغية والتخويفية والتحريضية والتسلطية والقمعية التي أثرت بالصميم في الجيل الجديد، ونحن نرى اليوم نتائج ما زرعته الأيدي من الدعوات والصحف والخطب والمواعظ على الشاشات ومن خلال الكاسيتات في العقدين الأخيرين من القرن العشرين تارة باسم الصحوة الدينية وتارة باسم تصدير الثورة وتارة باسم الاحياء والسلف.. الخ. ان الضرورة تقضي اليوم ان يقف العقلاء في لحظة تأمل واحدة كي يجبوا على التساؤل القائل: لماذا يؤيد 75 % من العرب ابو مصعب الزرقاوي بعد مصرعه وهو الذي كان قد اعترف بعدة عمليات ارهابية راح ضحيتها ابرياء من مدنيين اطفالا ورجالا ونساء؟؟ هل ان مصرعه من قبل الامريكيين قد اكسبه التأييد ام انه رمز ثقافة اجتماعية مضادة بدأت تمتد في مفاصل الحياة؟؟
انهم ينحرون العقل والحرية!!
لقد وجدوا في السبل الحديثة والمعاصرة حاجتهم لتوزيع بلاهتهم وافكارهم السوداء المتخلفة.. تجدونهم في كل مكان يطلعون علينا على الشاشات والفضائيات والمواقع الالكترونية او ينشرون انفسهم في الكتب والمقالات والمجلات والمحاضرات والخطب.. بل والانكى من ذلك انهم وجدوا مواقعهم على شبكة المعلومات الدولية (= الانترنيت) لنشر بياناتهم وفتاويهم وخطاباتهم.. بل والاعتى من كل هذا وذاك تسربوا الى مناهج التربية والتعليم، فخلقوا في الجيل الجديد امراضا لا تعد ولا تحصى، وكلها نفسية يطول علاجها.. انهم لا يقتصرون على ملة او مذهب او طائفة او فرقة.. انهم من كل واد يتجمعون علينا لينحروا العقل علنا من دون أي تحّرج او تخوّف، فالسلطة التي يمتلكونها باسم (الدين) والدين بكل سموه منهم براء، غدت طاغية لا يمكن ان تعترض عليها ابدا.. دعوني اسجل بعض الحالات التي تثير الاشمئزاز والقرف:
ان نماذج لا تعد ولا تحصى لاولئك الذين يقتلون العقل ويضحكون بكلامهم على الناس وسواء كانوا من هذا المذهب او ذاك، فما يذيعه بعض المعممّين من المضحكات لا يمكن قبوله ابدا، ولا يلومني احد ان انتقدت هؤلاء فهم ليسوا برجال مقدّسين ولا بمعصومين.. لقد سمعت احدهم في واحد من المجالس ويصف نفسه بالسيد والدكتور (….) يقول: بأننا نحن من آل البيت والصلاة علينا واجبة وان الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو آدم الاول وآدم هو آدم الثاني ولم يأمر الله بالصلاة والتسليم على أي آل لأي رسول او نبي الا على آل الرسول محمد.. فعليكم بالصلاة والسلام علينا!! فتضّج القاعة بما أمر! وهنا لسنا في باب ضد القيم السامية في المجتمع، بل ضد ما لا يحتمله العقل. وسمعت معمّم آخر على احدى القنوات الفضائية الدينية الجديدة وهو يشرح للناس كيف ان سفينة نوح كانت تمخر على الماء الذي طافت الارض به، وفجأة تترنح السفينة وتتمايل وكادت تنقلب ولما هدأت.. قال: اتدرون ماذا اصاب السفينة؟ اجاب: انها كانت تطفو فوق مدينة النجف وكربلاء المقدستين وبتأثيرهما كادت تنقلب السفينة فوق الماء.. فضج من كان يسمعه بالصلاة والتسليم!
لقد وصل الصراع المذهبي والطائفي في مجتمعاتنا اليوم الى اقصى مداه عند اصحاب الغلو لدى كل من الطرفين: السنة والشيعة اذ نسمع من حين الى آخر ان كل طرف يكّفر الطرف الاخر.. السنة من السلفيين يطلقون على الشيعة اسم الروافض، والشيعة من الغلاة يطلقون على السنة اسم النواصب!! ان كلا من الطرفين يغالي باتجاه تحقير الاخر، وسوف لن تهدأ العلاقة الساخنة بين الطرفين الا عندما يتم الغاء تقاطع مصالح الطرفين سياسيا وتؤسس مؤسسات مجتمع مدني تنتفي منه الهوية الطائفية ولن يتعايش أي مجتمع منقسم على نفسه طائفيا الا من خلال فصل الدين عن الدولة، واّلا فالصدام الطائفي سيحّل في كل مجتمعاتنا العربية والاسلامية على هذا النحو المرير.
من يوقف هذا البؤس الفكري عند العرب والمسلمين؟
كتب أحدهم في كتاب رائع الطباعة والورق والتجليد السميك قائلا ما نصّه وهو ينقل عن ابن القيم (هذا الاخير هو تلميذ ابن تيمية): ” ان معارضة الوحي بالعقل ميراث الشيخ ابي مرة (= ابليس).. واما رؤوس النفاة والمعطلين: ففرعون.. وجنوده كلهم ونمرود بن كنعان.. وارسطاطاليس وبقراطيس واضرابهما، وطمطم وتنكلوسا، وابن وحشية واضرابهم وابن سينا والفارابي وكل فيلسوف لا يؤمن بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه.. “! وانني أسأل: هل من تعليق على هكذا احكام ؟ هل يمكن لأي انسان ان يكفّر الاخر بمثل هذه السهولة وخصوصا اذا كانوا من رموز حضارتنا في التاريخ؟
اغتنم هذه الفرصة لأتقّدم الى حكومات دول (دينية) يزداد البؤس الفكري فيها الى حد مذهل، بحيث يزج بكل المثقفين الاحرار في السجون بسبب استنارتهم الفكرية والسياسية، وهذا ما يجري في كل اصقاعها. اننا نعلم بأن بعض تلك ” الدول ” ذات ثقل حقيقي في الحياة الاسلامية المعاصرة، ولا يمكن ان تبقى بعيدا عن أي توجهات اصلاحية سياسية وعن أي انفتاحات فكرية وعن أي تدقيق علمي او عن أي تحديث تربوي وعن أي تنوّر اعلامي.. وانها تحّسب ان ما تنتجه المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والخاصة في كل منهما صحيح من منشورات وكتب وثقافة بائسة.. وهذا ما يضر العقل ويجني على المجتمع.
دعونا نتوقّف قليلا عندما كتب أحد (الدكاترة) السعوديين في كتاب له طبع مؤخرا ايضا، فلنقرأ ما كتب وادعكم تتأملون هذا الفكر الخطير الذي اعتقد بأن خمسين سنة من انتاجه كانت كافية لصنع الارهاب بعد ان تراكمت كراهية الاخر يوما بعد آخر وخصوصا كراهية الغرب.. دعنا نقرأ: ” من اخطر اسباب الاهواء بين المسلمين قديما وحديثا ترجمة كتب الاديان والفلسفة. وما تحويه من عقائد ومذاهب وفلسفات. وقد مرت الترجمة بمراحل: الاولى في عهد خالد بن يزيد بن معاوية، حيث امر بترجمة كتب الصنعة من اليونانية والقبطية الى العربية في اواخر القرن الاول. والثانية: ظهور عدد من المترجمين في القرن الثاني، منهم: يحيى بن البطريق ترجم المجسطي ايام المنصور، وجورجيوس بن جبرائيل الطبيب، وعبد الله بن المقفع (ترجم بعض كتب ارسطوطاليس) ويوحنا بن ماسويه. والثالثة: في اوائل القرن الثالث وما بعده، وقد اشتهر بالترجمة يوحنا بن البطريق، والحجاج بن مطر، وقسطا بن لوقا البعلبكي، وعبد المسيح بن ناعمة الحمصي، وحنين بن اسحق وابنه اسحاق، وثابت بن قره الصابئ وحبيش بن الحسن، وقد ترجموا كثيرا من كتب الفلسفة. والرابعة: في القرن الرابع وما بعده، ومنهم متى بن يونس، وسنان بن ثابت بن قره، ويحيى بن عدي وابن زرعة.
ويعلق مستطردا هذا (المؤلف المعاصر): وقد ظهر التأثر بالكتب الاجنبية في وقت مبكر من بزوغ الاراء الشاذة في تاريخ الاسلام… وهكذا نجد ان هذا التيار العارم في ترجمة كتب الاديان والفلسفات والنحل قد اسهم بشكل كبير في انتشار الاهواء والفرق والبدع، والمقالات الفاسدة وكان رافدا قويا لأهل الاهواء ومصدرا مهما من مصادرهم.. ولا يزال هذا التيار من اسباب تأثر طوائف هذه الامة بالافكار والعقائد الوافدة من الامم الكافرة الهالكة. ويتمثل ذلك بالغزو الفكري ومظاهره كالعلمنة والحداثة والقوميات والحزبيات والشعارات الفارغة، ونحو ذلك ” (انظر: د. ناصر بن عبد الكريم، الاهواء والفرق والبدع عبر تاريخ الاسلام: مسيرة ركب الشيطان (الحلقة الثانية) (ط2 الرياض: دار الوطن، 1417 هـ) ص 190-194).
كلمة عتاب ونقد لابد منها
يطبع هكذا كتاب في العاصمة الرياض من دون ان يسأل المؤلف عن فحوى كلامه، او ان يراقب الناشر ما الذي نشر وينشر؟ ينشر هكذا كتاب في عاصمة دولة يتوجه اليها المسلمون من مشارق الارض ومغاربها؟ كم من مثل هذا الكتاب يطبع حتى اليوم ومنذ خمسين سنة؟ وهل يعقل ان ينشر هكذا كلام في العام 1417 هـ (= 1996 م) في قلب العالم الاسلامي؟ واذا كان العتب خفيفا على المملكة العربية السعودية نظرا للبنية الفكرية والدينية التي تحكم علاقاتها الثقافية بالعالم الاسلامي قاطبة.. فكيف سيكون العتب ثقيلا على مصر ونحن نجد ركاما هائلا من مثل هذا الغثاء يطبع وينشر على العباد في قلب مصر منذ خمسين سنة او يزيد؟ وكيف سيكون العتب ثقيلا ايضا على طهران وقم وما ينشر في ايران من كتب ومنشورات على الطرف الاخر من العالم الاسلامي؟ لقد شرح الاخ الاستاذ حسن العلوي بعض ما ينتجه الغلاة من الشيعة الجعفرية من كتابات بحق السيدة عائشة والصحابة اذ سمعته وهو يقّدم عرضا نقديا فاضحا على احدى القنوات الفضائية بهذا الصدد! ويرى بأن مثل هذه الثقافة تشعل المجتمع وتولد الكراهية والاحقاد.
ارجع لأقول: كم من الافكار الخاطئة قد نشرت منذ ان اعلن محمد قطب (رحمه الله) عن ” جاهلية القرن العشرين ” حتى اليوم؟ دعونا نتوقف عند كتاب نشر على غلافه عنوانه واسم مؤلفه ولقبه. لقد كتب على اعلى الغلاف: (المستشار الدكتور) علي جريشة وعنوان كتابه: الاتجاهات الفكرية المعاصرة والمنشور من قبل دار الوفاء بالمنصورة الطبعة الاولى عام 1986، وقد كتبه في المدينة المنورة، وهو كسلفه يبدأ بالفقرة الاولى معتمدا على كتاب الامام ابن القيم في كتابه: ” مدارج السالكين بين اياك نعبد واياك نستعين.. وهو يقول: ” اننا نعرض لتيارات فكرية سارت او سارعت في الغرب او الشرق قم قدمت الينا فصارعت في عالمنا الاسلامي عقدية الاسلام وشريعته. ولقد يستبين من ذلك اهمية الموضوع وخطورته.. انه ليس ” ترفا فكريا ” او كماليات عقلية.. انه قد يرتفع الى مرتبة الحاجة او الضرورة! ” (ص 6)
ومن يتصفّح هذا الكتاب سيجده يكيل السباب والشتائم للاتجاهات الفكرية والسياسية الحديثة كالديمقراطية والدستورية والعلمانية والحداثة السياسية والفلسفات المدنية.. الخ من دون فهم ولا ادراك، بل وتصل درجة الاقصاء لفلاسفة التاريخ وفلاسفة العصر الى درجة لا يمكن تخيلها من الكراهية.. من دون ان يسأل امثال هؤلاء الكتّاب انفسهم: من الذي اوصل الحياة الحديثة الى اعلى مداها من التقّدم لولا فلاسفة العصر؟ وانا استغرب كاتبا ومناديا ومنذ اكثر من عشرين سنة متساءلا: لماذا يستخدم هؤلاء الكتّاب كل منجزات العصر ومخترعاته وهم يؤججون الكراهية ضد هذا العصر؟ ما نوع هذا التدهور الاخلاقي الذي يتصف به امثال هؤلاء وهم كثر في دنيانا العربية وعالمنا الاسلامي والذين تعجّ حياتهم وكل ميادين تفكيرهم بالتناقضات؟؟
نداء الى الحكومات العربية والاسلامية
وهنا اتوجّه الى كافة الحكومات في العالمين العربي والاسلامي ان تنتبه الى ما يحدث في سوق المزايدات الفقهية وما ينشر على الناس من افكار ودعوات تؤجج المسلمين وتشعل فيهم الكراهية والاحقاد.. بل وتوقف عجلة الحياة عن الاستمرار.. انادي باعلى صوتي ان ما يلقى على الملايين اليوم على شاشات الفضائيات من دعوات لتأجيج صراعات وبث فتنة واساءات ومجتزءات ومحرمات.. ما يطرح من اعلام تفقهات وتزوير متشابهات وصنع تلفيقات وتحريف منصوصات.. الخ كلها تقتل الزمن وتولد الاحباط والتناقضات.. ان مجتمعاتنا العربية والاسلامية بحاجة ماسة الى الاجتهادات والى تموضع المصالح المرسلة المتقاربة والموحدة والمتفقة مع ضرورات هذا العصر وحاجات ابنائه.. فهل هناك من يؤيدني في ما اقول؟ وهل هناك من يفكّر في الذي اعنيه بعيدا عن المماحكات وتشويه المقاصد والتهجمات!
ايلاف 15 يونيو 2006
www.sayyaraljamil.com
Check Also
مطلوب لائحة اخلاق عربية
تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …