الرئيسية / مقالات / اللورد كرومر وبول بريمر : شتّان ما بينهما !!

اللورد كرومر وبول بريمر : شتّان ما بينهما !!

كل يوم يمضي ونحن نصطدم بمعلومات كاذبة ودعايات مغرضة تصنعها دوائر معينة في الغرب من اجل نشرها في إعلامنا وثقافتنا على أيدي كتابنا وساستنا وإعلاميينا فتصبح حقائق مؤكدة ، ويغدو المخطط ، تحصيل حاصل مع تجاهل للحقائق المؤكدة على الأرض .. لقد بدأت أقارن بين ذاك الذي نشره الساسة والقادة والمستشارون والسفراء في بدايات القرن العشرين .. وبين هذا الذي ينشره الغربيون اليوم عن منطقتنا والمناطق الحيوية من عالمنا العربي ، فأجد كم هو البون واسع بين ما كان وخصوصا على أيدي الانكليز والفرنسيين وبين ما آل اليه الحال اليوم على ايدي الأمريكيين ! متمنيا على ثقافتنا العربية ان تقارن ـ مثلا ـ بين اللورد كرومر في الماضي وهو يكتب عن مصر وبين بول كريمر اليوم وهو يكتب عن العراق !
نعم ، لنتأمل طويلا في الذي كتبه كرومر عن مصر وسوفاجييه عن بلاد الشام وعبد الله فيلبي عن الجزيرة العربية وارنولد ولسن عن العراق وغيرهم .. كم كانت كتاباتهم مهمة ولا يسجلون أي معلومات من دون التحقق عنها والتدقيق فيها لأنهم اختيروا لمؤهلاتهم عن الشرق وكفاءتهم في الثقافة السياسية الأوربية عصر ذاك ، بل وان واحدا مثل اللورد كرومر كان يدري عن مصر أكثر من أصحابها من اجل ان يصنع قراره بدقة متناهية ، ومثله كان عبد الله فيلبي في الجزيرة العربية بمؤلفاته العديدة التي لم تزل مصادر قوية لمعلومات مؤكدة .
ومثلهما كانت تلك الآنسة الانكليزية الرائعة المس بيل التي اشتهرت كثيرا ، وقد أحبت العراق حبا جما فأحبها العراقيون وسمّوها بـ ” الخاتون ” وقد كتبت عنه وعنهم أجمل كتاباتها ، بل وماتت ببغداد ودفنت في ترابها .. ولكن عندما نفحص هذا الغثاء الذي ينتشر اليوم بشكل جنوني بين الكتاب الغربيين ( والأمريكان في مقدمتهم ) وخصوصا في تآليفهم وكتبهم عن بلداننا من دون معرفة حقيقية ! نعم ، سنرى ان هؤلاء اما ينساقون وراء معلومات كاذبة تروجها مؤسسات معينة ، او أنهم من الضالعين في مخطط ولهم أجندة معينة ، وهم الذين ليس لديهم الا تزييف المعلومات وتشويه الحقائق ومن دون ان تكون لهم أي تجارب للعيش في مجتمعاتنا وبلداننا .. ولكنهم ينشرون مجموعة اكاذيب يعتمدها مع الاسف الشديد صنّاع القرار ، فانظروا ما الذي سينتجه هؤلاء بصدد تحديد مصير بلداننا ومستقبل اجيالنا ؟؟
لم يكن يأتي المعتمدون السياسيون الغربيون والمندوبون والسفراء والحكام العسكريون القدماء من فراغ ، اذ كانوا يعرفون المنطقة معرفة عميقة ، بل وان قسما منهم يكلّم البدو بلغتهم اذ يجيد حتى لهجاتهم .. وأتساءل مع نفسي وأنا اكمل قراءة كتاب ( عامي في العراق ) لبول بريمر : هل يمكننا ان نقرن أمثال أولئك القدماء بهذا الاخير الذي جاء الى العراق ولم يعرف عنه شيئا .. وقد اخبرنا في كتابه هذا الذي اصدره مع بداية هذا العام 2006 أنه لم يكن يمتلك أي معلومات عن العراق ومجتمعه عندما وافق على تحّمل المسؤولية لادارة العراق ، فكان ان قرأ عنه قبل اسبوعين فقط من وصوله اليه !! وبالرغم من استعراض بريمر عضلاته حول ما قدّمه في ادارته للعراق وتقييمه لمن عمل معهم .. ولكن اعتب على الرجل تسجيله معلومات خاطئة كان قد تشبّث بها وحملها معه ومن خلالها كان يصنع قراراته .. وبالطبع هي قرارات تعّبر عن سياسة الولايات المتحدة الامريكية نقف في الميدان على نتائجها المرعبة !
وهنا يمكنني القول ان الانكليز والفرنسيين كانوا يعلنون ما سيخططون له وخصوصا بعد ان انفضح امرهم اثر معاهدة سايكس بيكو .. يعلنون عن اجندتهم في مؤتمرات القاهرة وسان ريمو وسيفر .. ولكن امريكا لا تعلن البتة اليوم عما تريد الوصول اليه .. وانا واثق ان ما تخطط له لمنطقتنا يمر بمعلومات غير صحيحة اذا كانت تعتمد على ما ينشره الغربيون عن عالمنا العربي ومجتمعاتنا .. ولعلّ من ابرز الصدمات التي واجهتها في العراق منذ العام 2003 هو حالة العراق الصعبة التي لم تكن تتوقع حدوثها .. بل ولم تزل مّصرة على تنفيذ اجندتها من خلال معلوماتها الخاطئة عن المجتمع العراقي ، ومن دون الاصغاء للحقائق العراقية التي لا يدركها الا علماء العراق والخبراء في شؤونه .
دعوني اقول بأن العراق ليس حقل تجارب في منطقتنا الساخنة وليدفع اهله ثمن ما تريده الولايات المتحدة التي اخطأت التقدير في ان يكون العراق مختبرا للدكتاتورية مرة وللديمقراطية مرة اخرى .. ليغدو عرضة للتقسيم والتآكل عندما روجّت ولم تزل للمحاصصات وللتحزّبات وللميليشيات والتوافقات بمعزل عن حقائق العراق التاريخية والاجتماعية وكلها يتلقفها الجميع باعتبارها من المسلمات ، وهذا ما يفني الواقع العراقي الذي يقام على اسس ومعلومات خاطئة . وهذا ما حدا بكل من البريطانيين ليام اندرسون وغاريث ستانسفيلد في كتابهما : مستقبل العراق : الدكتاتورية .. الديمقراطية والتقسيم ! بأن يطرحا حلا مخيفا بكل بلادة وشناعة متمثلا بتقسيم العراق .. ولم ازل اقرأ في هذا الكتاب الذي يمّهد من خلال معلومات خاطئة لمشروع تقسيم العراق الى خمسة اوصال نشروها مصورة على الغلاف .. وكأنهم يقولون : ما دام العراق هكذا صورته فلابد له ان ينقسم .. وانا اصرخ بوجهيهما : ولتذهب المنطقة كلها الى الجحيم من بعد ذلك ! فهل من وعي عربي حقيقي بما يروجّه الغربيون اليوم من اكاذيب لا اساس لها من الصحة كي يؤسسوا مستقبلنا المشؤوم على ايديهم ويا للاسف الشديد !
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 3 مايو 2006


شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …