الرئيسية / النقد السياسي والتاريخي / مذكرات حازم جواد : مساءلات تاريخية

مذكرات حازم جواد : مساءلات تاريخية

لقد بدأ القادة البعثيون العراقيون القدامى يصدرون مذكراتهم السياسية التي تحكي ادوارهم واعترافاتهم ومسؤولياتهم عن الاحداث المأساوية التي جرت في العراق وخصوصا في عقد الستينيات الذي يعد علامة فارقة وانتقالية ومرحلة جمهورية عسكريتارية مريرة في الصراع الحزبي بين عهدين تاريخيين اثنين في حياة العراق ابان القرن العشرين : العهد الملكي الهاشمي 1921 – 1958 ( = 37 سنة ) والعهد الجمهوري الفاشي 1968 – 2003 ( = 35 سنة ) . لقد قرأنا ما كتبه قادة بعثيون قدماء امثال : هاني الفكيكي في ( اوكار الهزيمة ) ثم طالب شبيب في ( عراق 8 شباط من حوار المفاهيم الى حوار الدم ) .
ولقد نشر السيد حازم جواد واحد من ابرز قياديي البعث في العراق قبل اربعين سنة ، نشر قبل ايام مذكراته السياسية او جزءا منها في حوار مع الصحافي الاخ غسان شربل في جريدة الحياة ( الاعداد 9- 18 /2/ 2004 ) بعنوان ” سفر البعث وطريق المنفى ” . ويعد حازم جواد واحدا من ابرز الزعماء القياديين لحزب البعث العربي الاشتراكي في مطلع عقد الستينيات وساهم في الانقلاب العسكري الدموي يوم 8-9 شباط / فبراير على حكم الزعيم عبد الكريم قاسم وكان واحدا من قياديي الانقلاب المذكور وشهد مصرع الزعيم قاسم ، بل ساهم في التوقيع على اعدامه يوم التاسع من شباط 1963 ونّصب وزيرا للداخلية كواحد من ثلاثة اكبر زعماء للبعث : علي صالح السعدي وحازم جواد وطالب شبيب .. وكانت للرجل مواقفه وسمعته ومكانته عند البعثيين اذ ورد اسمه كثيرا في كتاباتهم واعترافاتهم وتوزيع مسؤولياتهم .. وقبل ان اقّدم مساءلاتي التاريخية للسيد حازم جواد حول ما ذكره من ذكريات في حواره ، لابد ان اقدّم نبذة مختصرة عنه للتعرّف على شخصه قبل ان نخوض غمار البحث في مسائل تاريخية تخص مشكلات العراق التي يتحّمل جزءا من مسؤوليتها السياسية سيما وان اكبر سؤال يفرض نفسه عليه : كيف استطاع ان يبقى حيّا على عهد صدام ونحن نعرف ماذا فعل صدام بكل رفاق حازم القدامى ؟؟
حازم جواد : من هو ؟
ولد حازم جواد في الناصرية سنة 1935 ودرس فيها ثم انتقل الى بغداد وانخرط في دار المعلمين العالي وكان قد انتمى لحزب البعث العربي الاشتراكي ، واستطاع ان يرتقي فجأة الى القيادة بسبب قرابته الى مؤسس الحزب في العراق فؤاد الركابي من الدرجة الثانية ، فالركابي ابن عم جواد والد حازم .. كان ابوه فقيرا يشتغل بتكفين الموتى وتأدية طقوس العزاء للناس .. لكن حازم لم يواصل تعليمه اذ طرد من دار المعلمين ليتفرغ للحزب تفرغا كاملا . وقد اصبح مسؤولا عن خلايا البعث القليلة في العراق التي غدت في عهدته بعد هروب فؤاد الركابي امين سر الحزب الى سوريا ولم يزل حازم في الرابعة والعشرين من العمر .. ورافقه في القيادة كل من فيصل حبيب الخيزران المحامي وطالب شبيب ( وهو الاخر لم يكمل دراسته ) ثم علي صالح السعدي الذي توثقّت علاقته وتوطّدت مع حازم ، ولما كان السعدي اقرب الى حياة التشرد والشقاوة فقد غدا في سلم الاولوية .. هؤلاء الاربعة من المدنيين العراقيين اختلفت جذورهم ومنابتهم وانتماءاتهم لكي يجمعهم حزب يعيش على فتات القوميين والحركيين والناصريين ولكنه سيعشش في مناطق محددة ومعروفة في العراق وخصوصا في العاصمة .. ولقد شاع – كما كنت اذكر – اسم البعثيين ليطلق على كل القوميين والناصريين العراقيين وساعد على نشر البعث في العراق التصاق سوريا به التي كانت تحتفل عند نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات بعرس الوحدة مع مصر . لقد حقق البعثيون المدنيون العراقيون خرقا كبيرا في جهاز المؤسسة العسكرية العراقية ايام المد الشيوعي العراقي على عهد الزعيم عبد الكريم قاسم ، فانضم احمد حسن البكر وغيره بعد ان كان صالح مهدي عماش وعبد الستار عبد اللطيف قد انضموا منذ وقت طويل للبعث ..
ملاحظات عامة :
اود ان اسجل هنا مقارنا ، اذا كان رجالات العراق الملكي قد اعترفوا بعد وطأة المهانة والذل بما لهم وما عليهم امام محكمة الشعب ذائعة الصيت التي ترأسها المهداوي ثم بدأوا يكتبون مذكراتهم للتاريخ .. واذا كان الشيوعيون العراقيون قد اعترفوا على شاشات التلفزيون بعد وطأة التعذيب والاعدامات الجماعية من قبل البعثيين لهم بكل ما كان وما حدث .. فان بعثيي العراق عام 1963 لم يحاكمهم عبد السلام عارف فلقد تشّفع لهم جمال عبد الناصر وغيره ويغادر ميشيل عفلق وامين الحافظ وجماعته بطائرة خاصة ويتفّرق المنشقون البعثيون بعيدا من دون كتاب ولا حساب ليرجعوا بعد خمس سنوات الى حكم العراق ويؤسسوا لهم تاريخا مروعا ومخيفا لم يغادرنا الا قبل عام واحد ! واذا كان العارفيون قد سحقتهم تحقيقات قصر النهاية وتقتلوا وسلخت جلودهم وانهزموا من التاريخ ، فان البعثيين العراقيين الاوائل منهم والاواخر لا نطالبهم بمذكرات او سجل احداث وكأنهم لم يتحملوا اوزارا كالتي حملها الذين من قبلهم في حكم العراق !
لابد ان يعترفوا اعترافات كاملة بجناياتهم في حق الشعب العراقي وتاريخ العراق واذا كان هاني الفكيكي وخالد علي الصالح وطالب شبيب قد امتلكوا شجاعة ورجولة في قول كلمة الحق .. فالمطلوب من الاخ حازم جواد ومن تبّقى من الرعيل الاول او كما يسمونه الكادر المتقّدم ان يعترف اعترافاته كاملة لا ان يقّدم لنا مذكراته .. لا نريده ان يستعرض بطولاته وكأنه صانع لتاريخ رائع زاهر ، بل ان تكون لديه الشجاعة الكافية ليقول كل ما يعرفه ، فان لم يحاكمه الشعب فسوف يحاكمه التاريخ !
المسائلات التاريخية
لقد خالف حازم جواد بمذكراته غيره من رفاق الدرب في نهجهم واعترافاتهم بما جنوه بحق العراق والعراقيين .. ويكفي ان يأتينا الرجل اليوم كي يقول بتبرئة نوري السعيد وعبد الكريم قاسم وكأن الوعي قد استرد بعد كل هذي السنين وان الاعتراف بالخطأ لم نجده صريحا واضحا وضوح الشمس ! ولابد ان أسأل الاخ حازم جواد : لماذا لم تقدم على نشر حتى هذا الذي قلته على عهد صدام حسين ؟ لماذا لم نسمع منك اي تأييد او اختلاف في الذي قاله رفاق دربك وخصوصا صديقك طالب شبيب – رحمه الله – . انني لا اقلل من شأنك فلك تاريخ سياسي بالتأكيد يختلف عن تاريخ علي صالح السعدي ، ولكن ثناء القياديين البعثيين في مذكراتهم واعترافاتهم عليك يجعلنا نزكيك في مواقف كنا نود لو كنت صريحا وتحمّلت مسؤوليتك كاملة غير منقوصة ! انني عندما قرأت مذكرات واعترافات طالب شبيب اثنيت على الرجل ثناء كبيرا ووجدته يمتلك قدرا من الشجاعة لم تبد عليه مؤخرا ، فلقد عرفت قيمة طالب شبيب في حزب البعث منذ ايام مباحثات الوحدة بين السوريين والعراقيين والمصريين بزعامة جمال عبد الناصر عندما استخدمت محاضرها وقرأت وثائقها في كتابة درسات تاريخية عدة ، اذ كان للمرحوم طالب شبيب دوره الرائع في تلك المباحثات واعتزازه بعراقيته مقارنة بما كان عليه علي صالح السعدي واحمد حسن البكر من التفاهة !
وعليه اسأل : لماذا يريد الاخ حازم جواد ان يبقى على ذاكرة تاريخية متصدئة من دون ان يعترف بخطايا تاريخ ما فعله البعث في العراق .. اذ يكفيه ان صدام حسين ولد في رحمه وانتج كل ما شهدناه على امتداد اربعين سنة من حياة العراق والعراقيين ! الم يحن الوقت بعد من أرهاق ضمير في محاسبة النفس لقول كلمة حقيقية للتاريخ قبل ان يقبض الله امانته . انني اشارك الاخ القاضي زهير كاظم عبود في تعليقه بأن ” ماوقع به السيد حازم جواد من نقل احادي للحقيقة من وجهة نظره لايعدو الا حقائق أكيده حاول السيد جواد أن يطمسها أو يثير زوبعة من الكلام بقصد أتهام غيره بمايريد هو لاوفق ماتقول الحقيقة فهو لم يزل لحد اللحظة يسمي انقلاب 17 تموز ثورة بالرغم من ان العديد من قيادي البعث من عاد الى تسميتها الى حركة أو أنقلاب ” ( مقالته الاخيرة في اصداء ايلاف 23 / 2/ 2004) .
لقد اخذت المذكرات حيزا كبيرا لمقتل عبد الكريم مصطفى نصرت وبالرغم من صدق ما تحّدث به الاخ حازم جواد ، الا ان مثل هذه التفاصيل كنت اتمناها ان تكون عن 1963 ، وما احدثه نظام حزب البعث في مرحلة عهده الاول واعترافه بالاخطاء الجسيمة التي ارتكبت ومدى مسؤولية قيادة الحزب فيها وخصوصا جنايات الحرس القومي بحق العراقيين وما فعلوه وما ارتكبوه بحق النساء والرجال ! ثمة ملاحظة اخرى لديّ وانا لست منتميا او متعاطفا مع اي عهد سياسي من العهود التي مرت بالعراق على امتداد القرن العشرين نظرا لما ارتكبته جميعها من الاحكام المقرفة والجنايات السياسية والاقتصادية بحق العراقيين جميعا .. اقول بأن الملوك الهاشميين وكل الحكام والرجالات السابقين وفي مقدمتهم نوري السعيد وسعيد قزاز وبهجت العطية قد دفعوا ثمنا غاليا بارواحهم وكرامتهم وكل غاليهم ونفيسهم .. ودفع عبد الكريم قاسم نفسه ومن كان برفقته من القاسميين وكل الشيوعيين ثمنا باهضا من ارواحهم ودمائهم وعذاباتهم واهاناتهم واعداماتهم .. ودفع جماعات عارفية وقومية واسلامية ثمنا غاليا من عذاباتها واعداماتها واغتيالاتها بدءا بعبد الرحمن البزاز عبد العزيز العقيلي وطاهر يحي وانتهاء بشامل السامرائي وآخرين .. وأسأل الاخ حازم جواد بعيدا عن ذاك الذي فعله البعثيون في ما بينهم من قتل واعدام وتعذيب : هل حوسب البعثيون في يوم من الايام من قبل العراقيين ؟ هل دفع البعثيون ثمن اخطائهم بدءا بعلي صالح السعدي واحمد حسن البكر مرورا بصالح مهدي عماش وانتهاء بصدام حسين وعلي حسن المجيد ؟؟ لا اقول ان على العراقيين ان يطلبوا بثاراتهم منهم وتبقى سيول الدم تجري في وادي الرافدين .. بل اقل ما يمكن للبعثيين ان يفعلوه اليوم هو اعترافهم بحجم الجريمة التاريخية الكبرى التي ارتكبوها او ساهموا بارتكابها في تاريخ العراق المعاصر !!
هل من مصداقية وشجاعة في قول الحقيقة التاريخية ؟
واقول بأن قصر النهاية ، مصطلح اطلقه البعثيون في العام 1963 على قصر الرحاب ، ولم تأت التسمية من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم كما قال السيد جواد اذ كان قاسم قد ترك كل من قصري الزهور والرحاب الملكيين واتخذ مبنى وزارة الدفاع مقرا له ولمجلس حكومته باعتبار ان قلعة وزارة الدفاع في الباب المعظم تعود الى العهد العسكري العثماني ولكنه امر بان يكون قصر الرحاب دائرة للمصايف والسياحة حتى مجيىء البعثيين ليتخذوا من الرحاب قصرا للنهاية بحيث تنتهي حياة كل من يدخل فيه من هول الفظائع التي جرت في ردهاته .. في حين اتخذ كل من قصر الزهور والحارثية مقرا للمخابرات العراقية لاحقا كاخطر مكان في حياة العراق والعراقيين على عهد البعثيين ! واتفق مع كل الذين خالفوا حازم جواد ان الشيوعي عبد اللطيف الحاج لم يتعاون في التحقيقات التي جرت معه عام 1963 ولم يخن حزبه ورفاقه ودفع حياته تحت التعذيب ثمنا لمبادئه وليس كما اعلن جواد بان الحاج ابدى استعداده للخيانة !
واتمنى من الاخ حازم جواد ان يوّثق لنا مواجهته لسلام عادل اثناء التحقيقات والاخير قيد التعذيب وكيف يمكننا ان نثق بأن سلام عادل وهو بمثل تلك الحالة الصعبة يقّدم نصائح للقيادة البعثية الى حازم جواد .. وهو يدرك انه سيقضي نحبه لا محالة وهل كان الظرف مهيىء من قبل المتهم بالقاء نصائح من النوع الثقيل لزعيم بعثي يفترق معه في الرؤية والتفكير والايديولوجية ؟ ! كما اتمنى على السيد حازم جواد ان يوّثق تهمته لمحاوره انه عميل بريطاني . ولو افترضنا ان مثل هذه النصائح قد قالها سلام عادل وكان اكبر قيادي شيوعي عراقي لحازم جواد ، فربما كانت له رؤيته الواقعية للامور اكثر من البعثيين .. ولكن مهما كان امر هذا الخبر ، فأنا لا اوافق حازم جواد في ان يقنعني ان حزبه كان وطنيا يعمل لصالح الشعب ومستقبله .. ابدا ! ويكفي ان رفاقك القياديين البعثيين لم يخبرونا ان حازما اجرى مواجهة انفرادية مع سلام عادل .. واذا ما حدث فقد كانت هناك جلسة تحقيق بين اركان قيادة البعث من طرف وبين سلام عادل وهو معصوب العينين وجسمه ينزف دما . وبعد هذا وذاك ، ما قيمة ان يذكر ذلك اليوم ما دام القادة من السجناء الشيوعيين قد لقوا حتفهم تحت التعذيب او تحت وابل من الرصاص ؟؟
لقد كان طالب شبيب اكثر مصداقية وشجاعة بالاعتراف وتحّمل المسؤولية من حازم جواد ، علما بأنني عندما قرأت طالب شبيب انطبعت عندي افكار جد حسنة عن حازم جواد ونظافته ونزاهة يده وقول الحقيقة .. وكم كنت اتمنى ان لا اقرأ ما ذكره في مذكراته الاخيرة التي غّيرت صورته عندي تماما .. ومع كل ذلك فهو انسان يختلف تماما عن رفيقه علي صالح السعدي الذي بقي صديقا له برغم ما حدث من خلاف بينهما وهو الذي ارجع جثمانه الى بغداد .. اما ان ينفي حازم جواد ما شاع عن علي صالح السعدي قولته انهم في العام 1963 قد جاؤوا بقطار امريكي .. فهذا ما لايمكن قبوله ابدا يا حازم ! لقد سمعناها عبارة منذ عشرات السنين ولم اسمع بأن السعدي قد نفاها هو نفسه .. فلماذا تأت اليوم من اجل نفيها كما ولم اسمع بك قد نفيتها على مر هذي السنين ! ولا يمكنك ان تدافع ابدا عن ارتباطات خفية او علنية مع الامريكان وغيرهم في تلك المرحلة ..
ولقد تأكد لنا نحن البعض من معشر المؤرخين العراقيين ان معظم الانقلابات العسكرية التي حدثت في المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية كانت تهندسها الولايات المتحدة الامريكية وخصوصا في الشرق الاوسط اثر الفراغ الذي تعرض له بضعف كل من بريطانيا وفرنسا . واعتقد ان الرجل لا ينكر ان الولايات المتحدة الامريكية قد اقامت لها علاقات متنوعة مع قيادات سياسية وحزبية وعسكرية عربية وعراقية .. وربما عنده جملة من الاسرار التي لا يبوح بها ، ولكن بالتأكيد ستكشفها الايام في قابل .
وأسأله حول اعدام البعثيين للشيوعيين العراقيين في اشرس مذبحة ذهب ضحيتها المئات منهم .. تقول : ” بدأت بعد اسبوعين او ثلاثة. كانت تصدر بلاغات من الحاكم العسكري العام بأسماء المقرر إعدامهم. أعدم الجيش العسكريين وعلى رأسهم العناصر التي اشتهر عنها تعذيب الضباط في 1959 في سجن كتيبة الدبابات الثانية وفي ابو غريب “. ولكن من هو الذي رمزت اليه بالاحرف م . م . بعد مضي اكثر من اربعين سنة على الحدث ؟ وكيف يمكننا ان نقتنع بأن قياديا مثلك وعلى رأس السلطة وانت وزيرا للداخلية يفاجئك الاعدام كأي مستمع بعيد لا صلة له بالموضوع ؟ وان افترضنا انك قد فوجئت بذلك ، فهل من المعقول ان تبقى ساكتا من دون اي اعتراض او استقالة اذا كنت فعلا حريص على حقن دماء العراقيين ؟ لماذا سكت وكأن موافقتك تحصيل حاصل على تلك الجريمة التي ذهب ضحيتها المئات من دون اية محاكمات عادلة ؟؟ والامر يسري ايضا على موقفك من اعدام الزعيم عبد الكريم قاسم الذي تأتي اليوم لتقول بأن العراق ما كان له ان يسحل نوري او يقتل قاسم ؟ اين كنت يوم وقفت امام عبد الكريم وصحبه وسجلت موافقتك على اطلاق النار واعدام الرجل واعوانه من دون محاكمة عادلة ؟ ومع كل هذا وذاك تبرر قتل الزعيم ولا تعتبره خطأ تاريخيا لا يمكن تبريره ابدا ! وثمة معلومات تاريخية اود تصويبها لك اخي حازم اذ لم يأت الزعيم عبد الكريم وصحبه في مصفحة واحدة بل كان هو في مصفحة وصحبه اقتيدوا في مصفحة اخرى ! كما وانه لم ينزل مهرولا نحو باب الاذاعة ، بل نزل بهدوء وحيّا الجند ولكنه تلقى اكثر من اهانة هو وصحبه حتى وصولهم الاستديو في الاذاعة والتلفزيون.
حازم جواد : ما له وما عليه
لقد عرف حازم جواد خبايا البعثيين وخططهم كما عنده معلومات اكثر عن انقلابي 17 و 30 تموز 1968 متمنين عليه ان يقص الحقائق كما يعرفها ولماذا استمر مسلسل فوران الدم العراقي ومسلسل اغتيالات الكبار من قبل صدام حسين وعناصره ولكنه لا يبرىء احمد حسن البكر الذي يسميه بـ ” الماكر الكبير ” ويثني على حردان التكريتي الذي رفض ما اقترحه البكر عليه بقتل صدام يوم 17 تموز 1968 وما كان قد اقترحه عليه عبدالسلام عارف من تصفية ميشيل عفلق وامين الحافظ وصلاح جديد وقيادة البعث من الوفد القومي في 18 تشرين الثاني / نوفمبر عام 1968 ، ولا ندري مدى صحة ما يقوله السيد حازم ! ويتكلم ايضا عن شخصين غامضين جدا في حياة العراق الجمهوري اولهما رشيد مطلك صاحب مطعم شريف وحداد صديق عبد الكريم قاسم منذ الثلاثينات وهناك علي عبد السلام الذي قتل شر قتلة في بدايات المرحلة الثانية من عهد البعث .. وأسأل الاخ حازم اذا كنت تعرف علي عبد السلام معرفة وثيقة وقد زرته بعد اخراجه من قصر النهاية ليروي لك قصة تعذيبه ثم يأخذونه بعد يومين ليطلقوا النار على جمجمته ويرمون بجثته قرب باب داره .. فماذا تعرف عنه اكثر بكثير مما قلته عنه ووصفته بالغموض لمدة اربعين سنة .. ثم هل يعقل ان يكون هكذا رجل بمثل هذه الخطورة ان يقتل ويبقى من يزوره مثلك على قيد الحياة في عهد يرصد كل شاردة وواردة ؟ والسؤال الاكثر اهمية : رجل قيادي بعثي مثلك ان تبقى على عهدي البكر وصدام طليقا من دون اي مسائلة ولا حتى شكوك ان لم يكن من البكر ، فبالتأكيد من صدام الذي لا يريد ان يشم اي رائحة تذكره بالعام 1963 ، والا كيف تفسّرها لنا يا اخي حازم ؟
وأسألك : كيف قبلتم ان تمنحوا عبد السلام عارف رئاسة الجمهورية العراقية ولأول مرة في التاريخ من دون اي انتخابات رئاسية ؟ وكيف وافقتم انتم البعثيون المدنيون ان تمنحوا عبد السلام عارف وصالح مهدي عماش رتبتين عسكريتين فخمتين اولاهما منحتموه رتبة المشير الركن وثانيهما منحتموه رتبة الفريق الركن ؟؟ واذا كان عبد الستار عبد اللطيف هو المعارض الوحيد لمثل هكذا قرار اهوج ، فأين كنتم انتم ؟ ولماذا خفتم من الانشقاق والازمة بين المدنيين والعسكريين ؟ لماذا كنت متهاونا في قبول اعضاء جدد في مجلس قيادة الثورة ؟ لماذا كنت تتنازل دوما للبكر وعماش .. هل كان الجيش اقوى من الحزب داخل الهيئة القيادية ؟ هل كان لعبد السلام عارف دوره الحقيقي في حركة 8 شباط ام ذهبتم للاتيان به وتنصيبه عليكم رئيسا ؟ لم تتلطخ يديك بالدماء فلماذا وافقتم من البداية على جريان نهر الدم ؟ يقول حازم جواد: ” لا دم على يدي وليتنا وفّرنا دماء البعثيين والشيوعيين وقاسم ونوري السعيد ” .. وبرغم ما تحّدث به الرجل عن نزاهة ايدي عارف الاول وعارف الثاني وجماعة البعثيين في العام 1963 ، فان ما اقترفوه بحق العراق كان ندوبا سوداء في تاريخهم .. واذا اجاب الاخ جواد بأن لا دم قد جرى على يديه ويتمنى لو وفروا الدماء العراقية جميعا .. فأنه يعلن كما اظن عن توبته وندمه على بلاد جميلة ساهموا جميعا في حرقها وتدفق سيل دماء فيها . سؤال آخر اود ان اخاطب به الرجل اذا كان لا يعتبر جماعة 1968 انهم ليسوا من البعث ، فلماذا لم يعلن ذلك قبل سقوط نظام عات ساهم في تاسيسه البكر وعماش وعمل على ترسيخه صدام حسين الذي لا ادري كيف استطاع حازم جواد ان يفلت من قبضته اذا ما كان يتوجس ان الاخير لا يعتبر الجماعة من البعثيين ؟ فضلا عن كونه يأتي بجثمان السعدي الى بغداد ويتقّبل التعازي بعبد الكريم مصطفى نصرت وبرفقته عبد الغني الراوي العدو اللدود لكل من البكر وصدام ؟؟ وهل باستطاعة طارق عزيز ان يقول لحازم جواد انه يشتغل مع عصابة بعد 17 تموز 1968 ؟؟ وأعيد السؤال من جديد : كيف استطاع حازم جواد ان يحمي نفسه من شرور صدام حسين ؟ هل تعاون معه ؟ هل يكفي صمته في ان يكون ثمن حمايته ؟ هل وصلت الثقة الى الدرجة التي تبقيه على قيد الحياة ؟؟
هل هي عودة الوعي وصحوة الضمير ؟
هل هي عودة للوعي يا اخي حازم جواد ان تصف 14 رمضان 1963 بحركة وقد كنت مصيبا ؟ هل تعترف بأن ليس على يديك دم ولكن على ضميرك طبعا ؟؟ هل تصف ما قام به الشواف حركة وقد كنت مصيبا ؟ هل تعترف بالمذابح الجماعية ؟ هل ان ضحاياكم وضحايا الاخرين لا تعوضها الانجازات وقد كنت مصيبا ؟ ولكن هل تعتقد انكم قدمتم انجازات تاريخية سيذكرها التاريخ ؟ ان اجمل ما اعجبني في مذكراتك قولك : ” نعم, كنا نعتقد بأن الهدف الرقم واحد كان تحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة كما كنا نفهمها في ذلك الوقت, ولكن ظهر ان الامور في المنطقة معقدة جداً جداً, ونظرتنا لها كانت مبسطة وسهلة, وحتى نظرة الرئيس جمال عبدالناصر, على رغم اخلاصه القومي لم تكن واقعية ” . وعندما سئلت : انت الآن موجود في لندن, هل شعرت حين فتحنا ملف الذكريات بألم لدماء البعثيين؟ قلت : ” نعم ولخصومهم, من الشيوعيين وغيرهم, انا الآن في وضع آخر, ففي ودي ان اعيد الاعتبار حتى لنوري السعيد وجماعته ” . ولم تكتف بذلك بل واعترفت – وهذا ما اريد ان يسمعه البعثيون كلهم – عندما سئلت : انت اذاً تعترف بفشل حزب البعث؟ قلت : ” ليس فقط حزب البعث, بل بفشل الحركة القومية والوطنية الثورية في الاربعين سنة الاخيرة ” .
واخيرا ، اعيد قائلا ومتسائلا : لماذا دفع الجميع : انظمة واحزابا ثمنا تاريخيا غاليا من دمائهم وكرامتهم وان تكون لهم اسوأ النهايات سواء كانوا ملكيين هاشميين ام شيوعيين ام اسلاميين بمختلف صنوفهم ام قوميين عارفيين ام اكراد وتركمان شماليين ام ليبراليين واستقلاليين ام عسكريين متنوعين .. ازاء حزبيين بعثيين ؟؟ فالبعثيون هم فقط لم يدفعوا ثمن اخطائهم التاريخية وجناياتهم على مصير العراق ، فالبعثيون عام 1963 خلصهم من غضبة العراقيين كل من جمال عبد الناصر وتدخلات سافرة من دولة عظمى . والبعثيون عام 2003 خلصتهم الولايات المتحدة الامريكية عندما اسقطت نظام صدام حسين ! وآخر ما يمكنني تسجيله على السيد حازم جواد ، تمنياتي عليه ان يتفرغ لكتابة مذكراته المطولة الحقيقية وان يكتبها بتجرد وامانة وموضوعية وشجاعة متناهية وبمصداقية ويتركها من بعده للتاريخ .. وبذلك يكون قد خدم العراق والعراقيين وكل تاريخهما واجيالهما القادمة .
( ايلاف ، يوم 25 فبراير 2004 ) .

شاهد أيضاً

على المشرحة.. لا مواربة سياسيّة في الحوار العلمي (الحلقتان الثالثة والرابعة)

ثالثا : الاحرار العرب : مستنيرون لا خونة ! 1/ اخطاء تاريخية وتحريف للتاريخ ويستكمل …