لا مراء ان الوزن الديمغرافي للعرب بلغ 300 مليون نسمة ان لم يكن قد زاد على ذلك بفعل حالات انفجار بشرية ، وهي درجة لم يبلغها العرب ابدا من قبل . وعليه ، فثمة صراع اجيال بين من يتخضرم بين قرنين . ولعل اهم ما يشغل البال تنامي ظاهرة الازمات التربوية التي تعاني منها المدارس والجامعات قاطبة وثمة تساؤلات عن ظاهرة الهجرة من بلدان او ظاهرة العمالة الاجنبية في بلدان اخرى ، فضلا عن العلاقات بين القديم والحديث التي ستبقى الشغل الشاغل للمفكرين الاحرار الذين يشعرون بمخاطر التكوينات الفكرية في خضم هذا العصر .
الجيل الجديد يتخضرم بين قرنين
لقد مرت اجيال القرن العشرين باربعة مراحل حددّتها بـ : مرحلة الاستنارة حتى الحرب العالمية الاولى ، ومرحلة الليبرالية في ما بين الحربين العظميين ، ثم تبلورت مرحلة المد القومي لما بعد الحرب الثانية .. وصولا الى مرحلة اسميت بـ ( الصحوة الاسلامية ) التي نمر بمخاضها اليوم منذ العام 1979 وفيها سيتخضرم جيل جديد يسعى في تكوينه اليوم كي يدخل ميادين الحياة مع نهاية هذا العقد الاول للقرن الواحد والعشرين ..انه جيل بدأ في ظل معضلات تمثلّتها زيادة سكانية استثنائية حتى في تاريخ العالم .. وهي المرحلة التي يسميها فيليب فاركوس بـ ” اللحظة الثالثة ” . وانني اعتقد بأن هذه ” اللحظة ” هي التي تشكّل المحور الاساسي لبدء حياة تاريخية جديدة ستبدأ مع العام 2009 وتنطلق نحو المستقبل .
دعونا نتأمل قليلا في المعلومات الاكيدة في ادناه :
كان العرب يشكلوّن نسبة 2.2 % من مجموع سكان العالم وارتفعت هذه النسبة الى 6. 4 % في العام 2000 بوجود 280 مليون عربي ، ومن يشاركهم العيش من القوميات والاعراق المتآخية . ويعّلق العديد من المختصين الغربيين هنا ، على ان الاهمية ليست عددية حسب ، وانما بمستوى الانتقال المكثّف من منطقة الى اخرى وهما تشكّلان مؤشرّين فعّالين بتأثيرهما المتوارث عن ” الخصوصيات التاريخية ” ! واذا كان البعدان الاسلامي والعربي لهذه المنطقة من العالم قد حظيا باهتمام الكثير من العلماء والباحثين كما تدل الادبيات العديدة ، فان المنطقة بحد ذاتها لم تكتسب اهميتها بسبب ثرواتها النفطية حسب ، بل بسبب موقعها واستراتيجيتها في قلب العالم اولا. ثمة من يؤكد على ان الديمغرافية البشرية هي البعد الثالث .
انني اقول بأن الديمغرافية لا تعتني الا بالكم ، ونحن في كل عالمنا العربي والاسلامي اليوم لسنا بحاجة الى اعداد بشرية مليونية كبرى غير منتجة ولا متعلمة تشقى شقاء الحياة والعيش والبطالة والتعاسة ، بل علينا بالنوعية التي لا تكتمل الا بتربية الاذهان وتحسين ظروف الانسان ، أي بمعنى : استعادة التفكير المستنير في حياة العرب والمسلمين بدل اطباق الجهالات والتخلف والتكلّس والاستهلاك في كل المجالات . فكيف باستطاعتنا ان نخلق ثلاثة اجيال تتداول الحياة وتسعد في حياتها المنتجة والمنتظمة ويتعّلم كل جيل من سابقه .. اقصد ما الذي يمكننا فعله في الجيل الجديد الذي سيتسلم مقاليد الحياة بعد العام 2009 ليستمر حتى العام 2099 ؟
مشروع مبادئ مستقبلية
ثمّة مبادئ وأهداف وغايات تضمنها برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية للعام 1994، ولابد من تجديد التزامنا بالمبدأ الخامس منه . مؤكدين على أهمية الجهود الإقليمية المثمرة التي ساهمت في تحسين الأداء نحو تحقيق مستويات أعلى في التنفيذ . وهنا لابد من الالتزام ببذل المزيد من الجهود للمضي نحو التحقيق الكامل للأهداف المعتمدة. إننا ندرك أن الإستراتيجيات والأهداف المرجو تحقيقها على المستويين الوطني والإقليمي تتطلب تضافراً في الجهود وتعاوناً وثيقاً بين جميع الجهات المعنية بمجالات السكان والتنمية، سواء في ذلك الحكومات أم القطاع الخاص أم مؤسسات المجتمع المدني أم المنظمات الإقليمية العربية والدولية، وذلك في إطار شراكة حقيقية تتيح التواصل وتبادل الخبرات، وتكامل الأدوار ضمن مشاريع وبرامج تضم جميع الشركاء وتستهدف تحسين نوعية حياة مجتمعاتنا . وأن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية يستلزم تهيئة بيئة سياسية وأمنية مستقرة وداعمة لجهود الحكومات وسياساتها الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة. وهنا لابد من :
اولا : دعوة الحكومات إلى تفعيل السياسات السكانية واستراتيجيات التنمية البشرية وتطوير مصادر التمويل الذاتية من خلال مبادرات الهيئات المحلية والقطاع الخاص وتوظيفها في تنفيذ السياسات السكانية .
ثانيا : دعوة الحكومات إلى توطيد المجتمع المدني لتهيئة بيئة مؤاتية للشراكة في مجال السكان والتنمية، بكل الشفافية والديمقراطية. والاسراع من قبل دول مجلس التعاون الخليجي على معالجة ظاهرة آثار العمالة الوافدة باساليب غاية في الذكاء بحيث لا يؤثر ذلك على تطوراتها الاقتصادية والانمائية .
ثالثا : دعوة الحكومات إلى الاستفادة من النافذة الديمغرافية في الجيل الحالي، باعتبارها فرصة فريدة للإسراع في وتيرة التنمية المستدامة ، وتطبيق سياسات للتشغيل تعينها على الاستفادة من القوى العاملة المتزايدة، وتحقيق الأهداف الإنمائية المنشودة ومحاربة ظاهرة بطالة الشباب وفقر المرأة، وتلبية احتياجات المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.
رابعا : دعوة الحكومات إلى تكثيف الاهتمام بظاهرة هجرة العمل العربية وإدراجها في السياسات الوطنية التنموية، وتوطيد العلاقة مع الكفاءات المهاجرة والسعي إلى جذبها إلى بلدانها الأصلية، وتعزيز دورها في جهود التنمية ونقل المعرفة واتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بالحد من هجرة الأدمغة.
خامسا : دعوة المجتمع الدولي إلى مواجهة الأضرار الناجمة عن الحروب والنزاعات المسلحة، وآثارها على الأسرة، وبخاصة على النساء والأطفالً. مع تأكيد أهمية وفاء الدول والمؤسسات المانحة بالتزاماتها المالية التي تعهدت بها.
سادسا : تقدير القيمة العالية للشباب، باعتبارهم عنصراً أساسياً لتحسين الحاضر وصنع المستقبل، والتشديد على إيلائهم الأولوية والرعاية، والوفاء باحتياجاتهم وتحسين نوعية حياتهم، وتمكينهم معرفيا وتوفير الخدمات اللازمة لحمايتهم من الامراض المعاصرة .
سابعا : تأكيد أهمية تمكين المرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإيصالها إلى مواقع اتخاذ القرار وحمايتها من أشكال التمييز والعنف ، وضمان الحقوق الإنجابية لكل من المرأة والرجل، بوصفها جزءاً من حقوق الإنسان.
ثامنا : تعزيز أنشطة الإعلام والتثقيف والاتصال المتعلقة بقضايا السكان والتنمية وإبراز دور الإعلام كشريك في التوعية العامة بمتطلبات عملية التنمية والتطوير .. ناهيكم عن الوعي والمعرفة والتفتح في الذهنية والتفكير .
فهل ستتحقق جملة من التطلعات الإنمائية التي تطمح إليها بلداننا ، سعياً إلى تحقيق الرخاء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي للاجيال الثلاثة القادمة ؟
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …