الرئيسية / الشأن العراقي / نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” الذي كنت قد نشرته منذ 12 مايو / ايار 2011 .. وها انا ذا البي رغبتهم الكريمة باعادة نشره ثانية نظرا لازدياد حالات الفساد والنهب المنظم للمال العام في العراق ، وتفشي ظاهرة المفسدين والفاسدين في العراق الى درجة تثير القرف .. ولم نجد حتى الان اية حلول ولا اية معالجات من قبل المسؤولين العراقيين بالرغم من النداءات التي يطلقها الرأي العام في العراق وخارجه . ان ما وعد به الناس من اجراء اصلاحات كانت مجرد وعود كاذبة لم نجد اية اجراءات ولا تنفيذ اية خطط ولا اية معالجات للاوضاع السيئة .. دعونا نعيد انتاج هذا ” المقال ” ثانية :

الا يمكن مقارنة اوضاع العراق اليوم، او ما مضى من الايام .. بأوضاع غيره من البلدان .. فالفساد لم يزل طاغيا في العديد من مرافق المجتمع العراقي مع معاناة الناس.. وتراخي العملية السياسية، وزيادة الاستياء، وانعدام الخدمات وقتل الناس وغياب الامن .. والايام المائة تقترب من نهايتها، فماذا حدث؟ ما الذي تغير او تبدّل؟ اين هي البرامج التي وعدونا بها؟

التعايش الوطني بديلا
إن العراقيين لم يعد بمقدورهم ان يعيشوا بعد اليوم، وهم يترقبون مجرد اتفاقات سياسية بين كتل وفرقاء سياسيين ، او اختلاف على محاصصات باسم (الشراكة الوطنية)! انهم لم يعدوا يتحملون او يصبرون على الوعود بالاصلاح.. ولم يجدوا اي بادرة حقيقية للاصلاح! انهم لم يعودوا يصدّقون التصريحات التي تصدر عن كبار المسؤولين، اذا كانت هناك اجندات مفضوحة للابقاء على الفساد والفاسدين! ان العراقيين قد انقسموا فعلا اليوم بين من يرفض وجود هذا المحتل الاميركي، وبين من ينادي بالابقاء عليه عملا بالضرورات تبيح المحظورات.. السؤال الان: هل اخفقت العملية السياسية؟ وما ذنب العراقيين ان تهدر ازمانهم واموالهم، وتسفك دماءهم، وتذهب ارواحهم.. اذا كانت النخبة الحاكمة غير متفقة اصلا على أي مشروع وطني ؟ ما ذنب الشعب العراقي ان يعيد التجربة من جديد بسبب الوعود الكاذبة لمشروع سياسي ثبت فشله منذ زمن بعيد ! ؟ ما ذنب العراقيين يتأخرون يوما بعد يوم عن تحقيق ما ينتظرونه اصلا ، بسبب اصرار البعض على الابقاء على الفساد والفاسدين؟ وبسبب اصرار البعض الاخر على تأزيم الشراكة في الحكم اصلا؟ ؟

هل من ازالة للخطوط الحمراء؟
ان العراقيين اليوم لم ينقسموا على بعضهم سياسيا فحسب ، بل تجدهم وقد انقسموا اجتماعيا وثقافيا، بل ووطنيا ازاء ( مبادئ) .. وكل طرف جعل من نفسه آلهة لا يمكن التعامل معها، بل ووضع بينه وبين الاخرين خطوطا حمراء لا يمكن لأحد ان يجتازها، فكيف يتم اي حوار او يجري اي لقاء او يتم اي جدل.. وكل طرف يعتبر نفسه مسؤولا حقيقيا عن العراق والعراقيين؟ اذا كانت ارادة العراقيين مجمعة على التخلص من الفساد والفاسدين من كل اجهزة الدولة، فما الذي يجعل بعض المسؤولين الكبار يقفون حجر عثرة امام محاسبة الفاسدين؟ لماذا يريدون نقض قرارات برلمانية تهدف الى تنظيف العراق من الفاسدين؟ لماذا يمنع التظاهر والمتظاهرين؟ لماذا تخلط الاوراق بمثل هذه الطريقة؟ لماذا تصرحون بالديمقراطية، وتؤمنون بها.. اذا كنتم تحرّمون الرأي الاخر؟ انكم لا تفرقون ابدا بين الناس، الا بمن يخدم مصالحكم.. كم انتظر الشعب اي مبادرة منكم لفتح طريق جديد او اتباع اسلوب جديد مخطط له ومدروس بعناية للوقوف معا.. اي وقوف السلطات معا ضد الفساد والفاسدين، ولكن لم يتم ذلك ابدا ! ان اس الخراب يكمن في مبدأ توزيع المسؤوليات على اسس محاصصية باسم (الشراكة الوطنية) اي شراكة وطنية هذه تعتمد الانقسامات باسم التوافقيات، اي شراكة في الحكم هذه تبقي وضع الخدمات في العراق بدرجة الصفر او تحت الصفر لسنوات؟ ومن حق الناس ان يسألوا عن واردات البلاد.. واين تذهب؟

نقطة نظام ضد كل ما يجري!
إن كل الأسباب التي تفاقم خطرها لا يمكن أن تقارن أبدا مع حجم الفساد الذي أصاب ليس الدولة حسب، بل انتقل الى المجتمع بفعل عدم علاجه او اصلاحه، والفساد وباء العصر الذي شمل اغلب مرافق الحياة العراقية، بدءا بالعديد من المسؤولين ومن يلتف حولهم من الحواشي والتابعين.. وصولا الى اصغر الموظفين، بل يقال انه حتى الزبالين يفرضون اتاواتهم المرتفعة على العباد لرفعهم القمامة، فيمتنع الناس ليرموا ازبالهم قريبا كي تتجمع اكواما وتلالا !! ان استشراء الفساد والفاسدين في بلاد ضعفت فيها المؤسسات، وهزلت فيها القوانين منذ خمسين سنة.. بحاجة الى قرارات نزاهة وهيئة اجتثاث فساد وفاسدين.. وان يتعّرض اي مسؤول للمساءلة والمكاشفة العلنية امام الناس ان وقف مع الفساد والفاسدين.
ومن المعيب ان نسمع ان مسؤولا كبيرا يتدخل امام البرلمان طالبا نقض قرارات واحكام جزائية بحق الفاسدين في الدولة ! بل ويحق للناس ان يتساءلوا عن اسباب تدفع بمسؤولين كبار يقفون مع الفساد والفاسدين! علمنا بأن العراقيين يتساءلون منذ اكثر من ثماني سنوات عن حجم ما يتقاضاه المسؤولون الكبار في الدولة من رواتب خيالية لا يمكن ان يصدقها احد!
هنا علينا أن نسأل: الى اين تريدون ايصال العراق؟ اذا لم يكن بمقدوركم ان تحكموا بلدا صعبا، ومليئا بالمشكلات والازمات والتحديات.. فلماذا قدمتم وتسلمتم الدور وتقلدتم المسؤولية؟ هل المسألة اعتباطية؟ الجواب: لا.. ان المسألة اكبر مما تتصورون او تتخيلون.. ان المسألة اصعب مما تعتقدون.. فالصراع على السلطة والمناصب لم يكن كما وجدنا من اجل مصلحة العراق والعراقيين، بل من اجل مصالح شخصية او فئوية ومادية .. ولقد انكشف كل شيء امام الناس، خصوصا وان الناس تراقب عن كثب دور كل مسؤول وحركته ومصداقيته ونزاهته وقوته وخصاله ودفاعه من اجل احقاق الحق وازهاق الباطل.. ان العراقيين يطالبون ان يكشف كل المسؤولين عن حساباتهم وعوائلهم ليروا حجم ما يكتنزه هؤلاء اليوم .. ولكن لا المناصب باقية ولا السلطة دامت لأحد.. وعليه، فان من يريد ان يثبت حسن نيته ومصداقيته امام العراقيين ان يعلن عن حجم ما يأخذه من الدولة، وعلى الدولة ان تعلن عن حجم الفساد إن كانت ضد الفساد المستشري في الدولة، فالعراق كما تأتينا التقارير الدولية هو الاسوأ حالا من بقية البلدان العربية والعالم، بل كنت اعتقد ان هناك عدة بلدان عربية أكثر تعاسة من العراق، ولكن بدا لي أن المسألة أكبر بكثير مما نتخيل..

الأحلام كينونة كل مشروعات الدنيا
نعم، إن الشعب العراقي يطمح ان يرى نهاية للفساد والفاسدين، وهو يعتز بكل الوطن والوطنيين.. انه يريد ان يعيش كما يعيش خلق الله في كل مكان.. انه لم يعد يريد الا بصيص امل في صحراء دامسة الظلام.. انه يريد من يقف الى جنبه في محنه ومصاعبه.. انه يستقبل الصيف اللاهب ومشكلة الكهرباء والماء لم تزل عالقة، وكأن لا وعود اطلقت منذ سنين لاصلاحها ! انه مّل من كل الكلام الذي لا يحقق الوعود.. انه يطمح اليوم ان يسجل حالة تاريخية فاصلة بين عهدين، أو بين تاريخين، أو بالأحرى بين زمنين.. ولكن لم يجد من يقف معه من اجل تحقيق الاهداف.. ان ما يصلني من اخبار عن بغداد وحالتها التعيسة، وهي العاصمة .. تجعلني اقول: اذا كان حال بغداد العاصمة هكذا، فكيف ستكون احوال المدن والبلدات والقصبات الاخرى؟ ان مشكلتنا العراقية التي تقض مضاجعنا كلنا نحن العراقيين هي سياسية، فكل الخطابيات سياسية، وكل المواعظ سياسية، وكل المقالات سياسية، وكل الانقسامات سياسية، وكل الفضائيات سياسية، وكل العملية سياسية، وكل الصحف سياسية، وكل المؤسسات سياسية، من دون ان اجد العراقيين وقد اصبحوا ضمن مشروع مستقبل، وهم خلايا نحل من اجل وطن قد انقسم على نفسه ، وهو بحاجة اليهم . وطن مطلوب منهم جميعا ان يخدموه بكل طاقاتهم، وينظفوه، ويعيدوا بناءه، ويزهروا حدائقه، ويطوروا مرافقه، ويحاسبوا المقصرين والفاسدين .. ويبلطوا شوارعه ويعيدوا البهجة الى وجوه اطفاله.. ويعيدوا للحياة العراقية رونقها المفقود.. ويرفعوا علما واحدا للعراق في كل مكان، ان ما اكتبه اعلاه ليس انشاء وليس خيالا وليس باحلام لا تتحقق كما يتخيل بعض الكتّاب المستفيدين .. فأي مشروع يبدأ بخطوة، ولا يمكننا ان نتخيل اي مشروع بلا افكار، ولا اية افكار من دون احلام.. الحلم ان نسعى الى تحقيقه، لا ان يصطلي بنيران اولئك الذين وجدوا الفرصة مناسبة لخراب العراق والابقاء على خرابه مهما كانت الاثمان.. انهم يشعرون ان وجودهم مرتهن بخراب العراق.. بل وان البعض من الاشقياء يؤمنون بأن وجودهم لا يتحقق الا على اجداث العراقيين ودمائهم ..كونهم يكرهون العراق والعراقيين !

وأخيرا: من أجل مشروع وطني
ينبغي على المشرعين في البرلمان ان يصدروا قوانين تلو القوانين.. جزائية ورادعة بحق كل من تسّول نفسه الاضرار بالحق العام والمال العام والهدر العام.. على المسؤولين جميعا ان يلتفتوا الى شعبهم، بدل مناكفاتهم السياسية.. لقد كادت المائة يوم ان تنقضي كالتي وعد بها رئيس الوزراء ، ولم نلمس اي بارقة امل كان الشعب ينتظرها، علما بأن العراقيين يدركون حق الادراك ان الاصلاح لا يمكن ان يولد فجأة ولا يولد في مائة يوم.. وعليه، فان العراقيين مطالبون اليوم ان يقولوا كلمتهم، ويحددوا مصيرهم.. اذ لا يمكن ان يبقوا ساكتين على استمرار الخراب وادامة الدمار .. ولا يمكن ان يبقوا يعانون الامرين في حياتهم المهددة بالتفجيرات وكواتم الصوت والخطف وانعدام الامن.. كذلك لابد للشقاء اليومي ان ينتهي الى الابد، فالكهرباء لابد ان تتوفر بلا اي وعود ولا اي تسويف ولا اي ارجاء..
ان العراق لا يصلح ان لم تصلح عمليته (السياسية)، ولابد ان يحّل مشروع وطني بديلا عن كل الاجندات سارية المفعول التي اثبتت السنين فشلها ، وان يبزغ زمن جديد يتصالح كل العراقيين من اجل صياغة مشتركة لهم للمستقبل بعيدة عن كل موبقات الماضي وتشظيات الحاضر.. وان تتغلب النزعة الوطنية على كل الانتماءات الاخرى.. وان يكون مشروعهم حضاريا متمدنا وعراقيا حقيقيا .. هذه التمنيات التي يعتبرها البعض مجموعة مثاليات، هي الاسس الحقيقية لبناء العراق في المستقبل، اذ لا يمكن ان نبقى مجموعة شظايا على ارض خربة.. وان لا يبقى العراق (خان جغان) لتصريف سياسات هذا واجندات ذاك.. لا يمكن للعراق ان يبقى مثلوم الارادة ولا يستطيع الحركة وهو مكبل من قبل الاخرين .. لا يمكن ان يبقى لسنوات قادمة يعاني الامرين، ولا يعرف الناس فيه اين تذهب وارادتهم النفطية الهائلة ! لا يمكن ان نبقى من دون ” عهد أمان ” يستند الى دستور مدني وحضاري، ويشعر كل العراقيين فيه بالامان إننا جميعا نعلم، بأن العراق تكفيه ازمنة الشقاء الطويلة، وعليه ان يبدأ زمن الفرح والزمن الجديد.. اتمنى ان يتحقق ذلك بحول الله.

يعاد نشرها ثانية على موقع الدكتور سيّار الجميل بتاريخ 23 آب/ اغسطس 2012
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

لا وصاية على جامعاتنا العراقية !

لم أفاجئ أبدا بأفكار السيد علي الاديب وزير التعليم العالي والبحث العلمي في العراق ، …