الرئيسية / مقالات / نتانياهو سيّد اللعبة.. ولكن!

نتانياهو سيّد اللعبة.. ولكن!

لقد بات واضحاً أن بنيامين نتانياهو يتمتع بقدرة واضحة على المناورة والأخذ والبدل، ويمتلك خبرة يقدر عمرها بثلاثين سنة في السياسة الإسرائيلية والمفاوضات الصعبة، وهو طموح أكثر من غيره أن يدخل اسمه التاريخ، ولكن ما خطواته الآن؟ هل سيتعامل مع الفلسطينيين على أسس متوازية ضمن المبادئ التي قدّمها ميتشل والتي تتضمن وقفاً للاستيطان مع الإقرار بمبدأ تبادل الأراضي؟ والبدء بخطوات التطبيع عربياً؟ لقد وجدناه لا يريد إلا فرض التعامل بالصيغة التي يريدها، من دون أن يلوي أحداً ذراعه، بل له القدرة على أن يلوي ذراع من يفاوضه.. ولا اعتقد أن باستطاعة الموقف الأميركي، أن يكون متشدداً إزاءه، فراح يرفض أية مقترحات بوقف الاستيطان التام، بل تعهد بوقف جزئي له في الضفة، وتسارعه في القدس الكبرى..
ونجح نتانياهو في فرض شروطه، التي رضخ لها محمود عباس بضغط أميركي من أجل مفاوضات غير مباشرة قبلها نتانياهو على مضض، ولكن سعى أن تكون مباشرة وسريعة، قبل سبتمبر القادم. لقد بدا الموقف الأميركي مائعاً جداً في رضوخه لإرادة نتانياهو، وبدا أوباما منهزماً أمام تعنّت إسرائيل التي تريد أن تتعامل مع الفلسطينيين وجهاً لوجه مستغلة أوضاعهم وقدراتهم.
لقد استخدم نتانياهو مخادعة سياسية، وبالتأكيد انه أوهم أوباما بما اسماه بالوقف الجزئي للاستيطان في الضفة من أجل تمرير ما يريد، ومن أجل سحب البساط من تحت أرجل من سيفاوضه.. وقد شبهته من خلال مراقبتي لما يحدث على الساحة منذ شهور، انه جعلهم كرة كان ولم يزل يتلاعب بها هنا ويتقاذف بها هناك، وان نتانياهو هو سيد اللعبة، وهو يرى ميوعة الموقف الأميركي من طرف، ويدرك أن الفلسطينيين يعيشون بلا أي سقف، وهم منقسمون على أنفسهم، ويجد بلاهة الجامعة العربية، وتهالكها لأي حل وبأي ثمن. كلنا يتذكر حالة الفرح التي عمّت قلوب العرب بوصول أوباما للسلطة، وكتابات الأغبياء وجذل بعض المسؤولين كونه البطل المنقذ الذي سينقذ فلسطين وان القدس سترجع إلى أهلها على يديه.. وقد بدا اليوم، كم يفتقد العرب للرؤية العميقة للأمور، وكم هي نظرتهم ضيقة للأمور.
لقد توضّح لهم جلياً كم هي العلاقة عضوية واستراتيجية بين أميركا وإسرائيل، بحيث وجد أوباما نفسه لا يقوى أمام نتانياهو.. ولكن المضحك أن الأمين العام للجامعة العربية بدا بلا حنكة أبداً، وهو يبرر كل التراجعات العربية. ويظهر المواقف العربية أنها دوماً في نهاية المطاف، من دون أن يرى مواقف إسرائيل المعاكسة التي تبديها كونها في بدايات المطاف دوماً، وان من السذاجة أيتها الجامعة العربية الإعلان عن أن تكون التراجعات العربية ثمناً لكسب أوباما بعد أن كنتم تعوّلون على دعمه بلا أية نتائج!


إن المواقف الرسمية العربية، وبالذات الفلسطينية تتحمّل مسؤوليتها الأساسية أيضاً، فلقد ظهرت للعالم اليوم، وهي فاقدة كالعادة هيبتها ومكانتها بعد أن صفقت لاوباما وإدارته، وقد اعتبرته حليفاً استراتيجياً، وعوّلت عليه في حل القضية وإعادة الحقوق إلى أهلها! لقد رضخ الفلسطينيون والعرب بعد جدل عقيم لا نفع فيه إلى إرادة نتانياهو من خلال أوباما، ولا اعتقد أن ضمانات الجدولة الزمنية التي طالب بها العرب ستضمن خلو المفاوضات من المناورات التي يجيد حبكتها نتانياهو مع تصاعد الانقسامات الفلسطينية حول مبدأ المفاوضات، ولا أحد يعرف ما النتائج التي أفضت إليها جولة جورج ميتشل مبعوث السلام الأميركي في الشرق الأوسط، ولكن ثمة تحركات متعددة الاتجاهات والأهداف عربياً وشرق أوسطياً وأوروبياً.. والحراك الواسع على مستوى القادة في المنطقة يوحي بأن الأيام القادمة، ستشهد بلورة لإجراءات جديدة من أجل مفاوضات مباشرة بين نتانياهو ومحمود عباس، ولكن بمشروع إسرائيلي، وبانقسام فلسطيني، وبوصاية أميركية، وبدعم عربي لا إجماع فيه، وبسعي أوروبي واضح المعالم.. من أجل الوصول إلى اتفاقات جديدة حول القضايا المطروحة، والتي ستفضي إلى تسوية شاملة والتي لا اعتقد أبداً أنها ستكون سهلة الحصول أبداً.
السؤال: هل باستطاعة كل من الطرفين أن يجدا المفاوضات بمثابة زورق وهم على متنه، كي يوصلهما معاً إلى التسوية الشاملة؟ ما نوايا نتانياهو؟ ما الذي يريد تحقيقه والتوصل إليه؟ ما وضع البيت الفلسطيني اليوم، وهل اقتنع الفلسطينيون سياسياً ليس بأسلوب المفاوضات، بل بمبدأ التسوية؟ حتى يكونوا أصحاب إرادة موحدة في أية عملية سياسية قادمة؟ هل يدرك القادة العرب فقدان التوازن بين الطرفين، وان إسرائيل سترجح كفتها دوماً على حساب الفلسطينيين ومطالبيهم؟ إن المشكلة الآن قد تجاوزت مسألة الدعم والمساعدات، بل أضحت مسألة الصراع أمام بوابة جديدة للتاريخ يقف عندها الفلسطينيون الذين هم أحوج ما يكونوا اليوم للوقوف أمام تلك البوابة كتلة واحدة ومتراصة، من دون أية انقسامات أو صراعات، ويكونوا أذكياء جداً في التعامل مع إسرائيل التي يمثلها نتانياهو.
فهل سيتحقق السلام العادل؟ وهل ستقوم الدولة الفلسطينية المستقلة؟ وهل سيغدو الشرق الأوسط واحة سلام؟ أمنيات رددها الناس منذ زمن طويل، ولكن لا اعتقد أن ذلك سيحصل بسهولة كما يتخيّل بعض الناس.

نشرت في البيان الاماراتية ، 22 آب/ اغسطس 3010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …