الرئيسية / افكار / هل من إرادة لتغيير مجتمعاتنا ؟

هل من إرادة لتغيير مجتمعاتنا ؟


لماذا التغيير الاجتماعي ؟
ثمة أسئلة خطيرة لابد أن يسألها عدد كبير من المثقفين الذين تتباين رؤاهم عن معاشر السياسيين حيال ما يخبأه المستقبل لمنطقتنا وبلداننا التي لم تؤسس حتى يومنا هذا طريقها نحو المستقبل! ثمة أسئلة تنتظر أجوبة وافية عليها من دون أية التواءات أو منافذ هروب، خصوصا أننا نعيش في عصر تتسابق فيه المصالح الدولية، وتتزايد فيه التحديات العولمية ، وتختلط فيه الرؤى الفكرية والإيديولوجية، وتتباين فيه الاتجاهات الإعلامية، وتزّيف فيه المعلومات الإلكترونية المتنوعة والأجهزة الخفية المتسعة والمضادة! وستبقى الأجيال القادمة تردد عبارة: إن أمتنا تمر في أحلك ظروفها.. عبارة رددتها الأجيال السابقة، فغدت «عبارة» مستهلكة لا قيمة لها أبدا، هي والمصطلحات التي ترافقها، مثل: المخاطر والتحديات والأزمات والمشكلات والعضلات.. إلخ إن كلها صحيحة مادام العرب لم يستجيبوا حتى يومنا هذا لتلك التحديات بتأسيسهم تاريخا من نوع جديد، كما أنهم لم يجدوا لهم حتى اليوم علاجات جذرية واقية وحدود دنيا من الحلول العملية التي ربما يعرفها الجميع ويتداولها أولئك الذين يفكرون بالمصير التاريخي الذي ينتظرنا جميعا!

انتحار الإرادات
ربما يقول البعض إن الأسئلة معروفة لا حاجة إلي أن نكررها مرات ومرات! وربما يتنادي الجميع بأن الحلول جاهزة لا حاجة لمجتمعاتنا مع أولئك الذين يعايشونهم في المنطقة بأن يطرحوا البدائل! ولكن دعوني أتوقف عند هامش صغير ومتواضع لابد من التفكير فيه خصوصا أن البعض يطمح اليوم أن تتلاقي كل الاتجاهات والتيارات مع بعضها البعض من دون رصد مسبق كي تنبثق إرادة اجتماعية وسياسية كتلك التي تمثلها الأجيال السابقة برغم إخفاقاتها المريرة طوال القرن العشرين، بل كانت منطلقا للعديد من الحركات الفكرية والسياسية الساخنة، وكانت مواطنها بؤرا راسخة لعدد لا يحصى من التجمعات والمنتديات والأحزاب السياسية والنخب الثقافية سواء الليبرالية أم الراديكالية والتي لم تنجح ويا للأسف إلا في ترسيخ الحكومات العسكرية والأنظمة الشمولية والدكتاتوريات المنغلقة تحت مسميات وشعارات لا أول لها ولا آخر.. وأنها لم تزل تعيد إنتاج نفسها بنفس الحماس والحيوية والقوة ولكن ليس باتجاه الأنشطة السياسية والفكرية العربية الذكية، بل ضمن اتجاهات متخلفة أو أصولية مكفهرة وتيارات ماضوية متخلفة وما ورائية بعيداً عن كل قيم التقدم والحرية والاستنارة في الحياة كما أنها لم تبق أبداً صامدة بوجه التحديات القاسية التي مرت عليها ولم تتجاوزها مطلقاً علي غرار بقية المجتمعات الأخرى (وخصوصاً مجتمعات المعسكر الاشتراكي الذي عاش في النصف الثاني من القرن العشرين) التي صاحبتها تغييرات جذرية مع مفتتح القرن الواحد والعشرين، ولكنها تعاني اليوم من سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية وهي تواجه العالم الصعب كله.

أي مشروع مستقبلي ؟
ليس لدينا نحن العرب اليوم أي مشروع مستقبلي حقيقي سياسي أو حضاري، تنموي أو ثقافي دولاً ومجتمعات، بل تمر بنا، وتهب علينا اليوم سياسات وموجات من أفكار تدعو علناً لنحر الإرادات العملية والإنتاجية والإبداعية، وهي مستعدة دوماً لإعادة إنتاج المستهلكات وبقايا الموروثات العقيمة التي لا نفع فيها اليوم مطلقاً، وهذا كله يحدث اليوم في مجتمعات عربية وإسلامية والتي كانت بحاجة ماسة إلي عمليات جراحية تحديثية وإصلاحية تعمل علي استعادة الروح النهضوية والحريات المسئولة والإصلاحات وتنمية التفكير بعد الانغلاقات والاحتجاجات والعزلة والتشرذم أمام العالم! كان علي الحكومات العربية المعاصرة أن تدرك سرعة التحولات وقوتها في العالم، كي تفعل شيئاً من أجل التغيير في كل اتجاهات ولكن ذلك لم يحدث – مع الأسف، بل حصل العكس وساد استشراء التطرف وتكريس التجزئة ومحاربة الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان وتخصيب النزعة الماورائية والإنشائيات الإعلامية والخطابات الفضفاضة الفارغة وتعزيز الماضويات التي لا نفع فيها ونحن نواجه هذا العصر بكل تحدياته!

التحديات والصعاب بالانقسامات والتناقضات!
هنا أسأل: هل ستكون هذه الأقوال كسابقاتها من التصريحات العربية؟ وهل ستكون مجرد أفكار يتداولها صفوة من المفكرين العرب الذين يعلنون ما يريدون قوله من دون أي دراسة ولا تفعيل ولا توظيف ولا متابعة؟ هل ستكون وجهات نظر تلك الصفوة معبرة عما تحتاجه مجتمعاتنا أم أنها ستزيد من هوة التناقضات بين ما يطمح إليه البعض من العقلانيين وبين ما يعلنه الشارع السياسي الذي يقوم بتهييجه والتهريج بأوساطه أولئك الشعاراتيون، كي لا ينتج إلا الهيجان، وقد غدا صوته مبحوحاً ومجروحاً؟ وهل نبدأ بسعي حثيث لتأسيس ثوابت إستراتيجية تغيير حضاري بعد فوضي الانقلابات والانتفاضات السياسية في القرن العشرين بلا جدوى؟
وعليه، هل تقبل حكومتنا كلها بأي دور للمؤسسات المدنية والأهلية، لكي تفعل ما تريد في إطار القانون؟ أعتقد أن الوقت قد فات اليوم، إذ غدت التدخلات الخارجية «والأمريكية خصوصاً» سافرة بحيث يمكن لأي حكومة في العالم اليوم إلا ورعاية مصالحها الحيوية إزاء هذا القادم الجديد الذي افتتح القرن الواحد والعشرين بكل قوة واندفاع، ومن المحزن جداً أن هناك من نبه إلي مثل هذه التحديات قبل حلولها ومنذ سنوات خلت، ولكن للأسف لم تلتفت الحكومات العربية ولا مجتمعاتنا إليهم وإيجاد حلول عملية ونوعية للحياة المشتركة، ففات القطار سريعاً على الجميع، ولن يتوقف عند جميع المحطات.. فأين سيصطدم.. الله وحده يعلم!
ولكن السؤال: هل سنتعلم من جملة التجارب القاسية التي مرت بنا في القرن العشرين ولم تزل تمر بهم؟ أبداً، وكأن الله قد كتب علينا، إننا لم نعرف من التاريخ إلا داعس والغبراء! اليوم يمر عالمنا في مخاض صعب جداً من التغييرات الإستراتيجية الكبرى التي ستؤثر في مفاصله كلها، خصوصاً عندما نعلم أن سطوة الدولة القوية قد ازدادت وتفاقمت جداً بحكم قوة إمكاناتها وتضخم أرصدتها وتطور كل مرافقها ومؤسساتها وآلياتها ومنتجاتها واقتصادياتها التي شاركها فيه المجتمع جنباً إلي جنب في كل العمليات.

هل بدأ تاريخ جديد للعالم؟
كل هذا وذاك يعلمنا بما لا يقبل مجالاً للشك أن تاريخاً جديداً قد بدأـــ في نظري ـــ عام 2009 أي أثر الاقتراب من نهاية العقد الأول من هذا القرن، وسيلحظ الناس اختلافاً مباشراً عما ألفناه في القرن العشرين من التجارب والأحداث والتفاعلات والآثار.. إنني أجد أن إرادة الدولة غدت أقوي بكثير من تطلعات المجتمع الذي لم يزل يعتقد أن صوته له تأثيره وفاعلياته في الحياة السياسية، وهو علي خطأ كبير في التقدير وخصوصاً بعد مرور القرن العشرين الذي عاش مختلف البدائل التاريخية بولادة وظهور وقوة وموت العديد من الأيديولوجيات والعقائد السياسية التي كنستها اليوم عمليات ما اسمي بــ «تغيير العالم» إذ غدا هذا «المشروع» هو المهيمن علي هذا العالم لا يسمع فيه إلا صوته ولا يعمل إلا من خلال ما يفرضه علي الآخرين من التوجهات والأساليب والمناهج والخطط والعمليات.
لقد بدا واضحاً أن كل ما تبعت عليه ومن شأنه دول ومنظومات وتكوينات سياسية وعسكرية وأجيال ممثلة بأحزاب ومنظمات وكتل وجيوش وجماعات ونقابات ونخب وهيئات.. فضلاً عما تربت عليه الشعوب من قيم ومبادئ وطنية وقومية ودينية وأعراف وظيفية ونقابية ومهنية.. ناهيكم عن أعراف وقوانين ومؤسسات ومنظومات.. كلها لا نفع أبداً فيها، ولا قيمة لها، ولم تتمتع بأي نوع من السيادة والكبرياء وشرف المواطنة وعمل فعل شيء.. لأنها غدت جزءا من تقاليد الماضي التي يعتبرها هذا العصر بمثابة موروثات مركبة وتالفة لا دور لها ولا نفع منها اليوم في ظل تغيير العالم المعاصر. وغدت مجموعة القيم والأفكار السياسية والعقائدية لها من الخصوصية التي لا يري العولميون الجدد إن الشعوب بحاجة إليها.. باستثناء العادات والتقاليد الاجتماعية والفلكلورية فهي جديرة بالانتشار إذا ما رغبت فيها شعوب أخرى.

سطوة التاريخ وسقوط المستقبل
إنني أدع نفسي كل يوم لوحدها قليلا ليس من أجل مناجاة السماء روحيا فقط، بل من أجل التفكير في الأرض ومصيرها تاريخيا! أفكر قليلا لأدع قرائي الأعزاء يفكرون مليا خصوصا عندما نسترجع ما كنا قد تربينا عليه نحن في القرن العشرين من القيم والثوابت والمبادئ والأصول.. أفكر اليوم كم أصبحت كلها هشة قابلة للانكسار، والتفتت في أية لحظة من زمن جائر وعلي أيدينا! كيف كانت فكرة الوطن والسيادة وعلم البلاد والنشيد الوطني وجيش البلاد وحرمة الشبر من الأرض والمقدسات والشهادة ودور المثقف والتغني بالإنسان.. أذكر معلمنا كيف كان يقول والوردة البيضاء معلقة علي صدره: الوطن كالثوب الأبيض الناصع علينا أن نحافظ علي نظافته كيلا تصيبه أي بقعة حمراء أو لطخة سوداء لا يمكن أن تمحي عنه أبدا، فنكون قد سجلنا نقطة مشوهة في تاريخنا أمام كل العالم وستحاسبنا الأجيال علي ذلك! كنا نسأله ويجيبنا ونحن من اليافعين كيف نحافظ على أسوار الوطن وأسراره من العاديات؟ وكيف نعتني بالإنسان؟
وكيف نكون أذكياء ويقظين ومنتبهين، فلابد أن نختبئ قليلا عندما تهب علينا العواصف الهوجاء.. وعلينا أن نتحاشى شراسة الخناجر والسكاكين كيلا نتضرج بدمائنا ونفتقد هيبتنا في العالمين! وعلينا أن نتعامل مع الآخرين بكل مهارة وحذق في الأسواق الفاحمة المزدحمة من أجل النفع العام والصالح العام بعيدا عن دكاكين البارود في ساحات الهرج والمرج، ثم نخرج من تلك الأماكن والثوب الأبيض كالقرطاس! أما لو تعرض الثوب للتمزق ووهج الحرائق؟ فلابد من اتقاء النار بأي ثمن كان.. فمن سيقي حرماتنا وأجسادنا وجلودنا..؟! رحم الله معلمنا كم كان شريفا يقدس الوطن والإنسان والصالح العام!
وأخيرا، متى يدرك زعماؤنا أن مجتمعاتنا بحاجة إلي تغيير وتحولات في تكويناتهم وبنيوياتهم وأفكارهم وأنشطتهم ومؤسساتهم وأجهزتهم.. ولينظروا إلى ما يجري في كل العالم من تغييرات، ويتعلموا من انتصارات بعضها وإخفاقات الآخرين، هل باستطاعتنا أن نتعلم شيئا من درس الصين، وتحولاتها الجوهرية من أجل نفض مجتمعاتنا الراكدة؟ ان التغيير لا يمكنه ان يبدأ ان لم تتبلور قناعات باهميته ، وينتشر الوعي باهمية المجتمع ، وتطور تفكيره مع الادراك المتبادل بين كل من الدولة والمجتمع على اسس عقلانية ومدنية .. مع منح المجتمع كل حرياته الشخصية ، وطرحه الاراء المختلفة من قبل ابنائه في نقد الدولة . ان مجتمعاتنا قاطبة بحاجة الى جملة واسعة من التغييرات في مختلف الميادين .

نشرت في مجلة روز اليوسف المصرية ، العدد 4289 – السبت الموافق – 21 أغسطس 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …