الرئيسية / مقالات / سريلانكا : هل سُحِق نمورُ التاميل ؟

سريلانكا : هل سُحِق نمورُ التاميل ؟

أعلن رئيس سريلانكا ماهيندا راجاباكسا مؤخرا عن سحق نمور التاميل ، وان التلفزيون الحكومي عرض جثة زعيم النمور فيلوبيلاى برابهاكاران ، وان قواته المقاتلة التي عبثت بشؤون البلاد سنين طوال قد انهارت مع حكومته . وصرح رسميا بان البلاد كلها قد حررّت من الإرهاب ، وجرت احتفالات في كولومبو العاصمة بعد ان وضعت أطول الحروب الأهلية أوزارها في قارة آسيا . لقد أكدت الحكومة السريلانكية بأن الصراع الوحشي الذي خاضه نمور التاميل قد كّلف سريلانكا قرابة 75000 نسمة ، ولم يكسبوا الرهان الذي خاض النمور من اجله صراعهم الذي استمر 26 عاما ، اذ كان طموحهم يتمّثل بتأسيس دولة للتاميل ايلام في مناطق التاميل الشمالية والشرقية من سريلانكا .. وكان النمور قد سيطروا على جزء كبير من سريلانكا قبل هزيمتهم النكراء مؤخرا .. وان دولة مصّغرة لهم كانت تدير لهم الجيش والمحاكم والضرائب .. وكانوا يجمعون مبلغا قدره 300 مليون دولارا سنويا لقضيتهم من خارج البلاد !


زعيم التاميل

هنا ، ربما تكون الحرب قد انتهت ، ولكن الصراع الكامن لم يزل يستشري في النفوس ، لا سيما وان الأحقاد كبيرة جراء المظالم التي اقترفها الطرفان بحق الاخر ! كما ان المرارة لم تنشف بعد اثر مصرع 8000 من التاميل المدنيين بواسطة عمليات النمور الانتحارية .. وبعثرة الآلاف المؤلفة من التاميل المشردين البالغ عددهم 265 الفا ناهيكم عن أولئك الذين يرزحون وراء أسلاك شائكة في مخيمات اللاجئين البائسة. لقد اعتبرت جبهة نمور تحرير تاميل ايلام فصيلا ارهابيا نظرا لكثرة ما اقترفته من الاغتيالات السياسية والتفجيرات الانتحارية.
اليوم ، يبدو التاميل شعبا بائسا سحقه الفقر والجوع والمرض .. وعانى طويلا من حمامات الدم .. شعب شرده القتال كبقية المجتمعات الممزقة .. وتتوقع كولومبو العاصمة السريلانكية سخاء المساعدات الدولية .. ويبدو أن كندا هي في صدارة قائمة الدول التي ستعمل على إعادة بناء مجتمع التاميل ، شريطة اخذ وعود لإعطاء الأقلية التاميلية المساواة في الحقوق وحصة أكبر في الحياة العامة للبلد. ونعلم من خلال تدريسنا تاريخ آسيا المعاصر انه منذ استقلال سيلان عام 1948 ، فإن الأغلبية السنهالية البوذية تجتاح تلك الجزيرة المخروطية الواقعة في المحيط الهندي والتي يبلغ عدد سكانها 21 مليون نسمة ، وتدريجيا ، وجراء تدفق تلك الأعداد الكبيرة من أصقاع الهند إليها ، فلقد حدث تخلخل كبير .. واختل نظام الوظائف العليا في الحكومة والتعليم والأجهزة الأمنية بين السكان ، إذ بدا المجتمع السيلاني منقسما على ذاته .. فوجد التاميل الهندوس أنفسهم يتراجعون بشكل مطّرد وتتبخر حقوقهم !


شعار نمور التاميل

إننا اليوم أمام مشهد سيرلانكي محزن ، وقد حذّر جيهان بيريرا رئيس المجلس الوطني للسلام في سريلانكا قائلا : “الآن نحن في بلد واحد .. ويجب أن نعمل على تضميد تلك المشاعر التي طال أمدها .. وبغير ذلك ، فمن المحتمل أن يخلق ثانية برابهاكاران جديد “. أما الزعيم السريلانكي راجاباكسا ، فقد وعد بتنفيذ عدة تغييرات على الدستور السريلانكي ، وان يعطي زخما جديدا للمناطق ذات الأغلبية التاميلية ، وان يتم منح إدارة حكم محلي للمقاطعة التاميلية ضمن إطار دولة موحدة. ويبدو أن الحكومة في العاصمة كولومبو تدرس ، أيضا ، خلق نوع من مجلس الشيوخ لحماية حقوق الأقليات ، وأنها تخطط الحكومة لتوظيف المزيد من المتكلمين بالتاميلية في الدوائر الرسمية البيروقراطية وان ينخرط قسم آخر منهم ضمن قوات الدفاع. ان سريلانكا مدعوة إلى تقديم حد أدنى من الإصلاحات السريعة ، إذ يخشى التاميل أن يتراجع راجاباكسا عن وعوده جراء النصر الذي أحرزه .. وهذا مدعاة لحدوث كارثة حقيقية !
إن الاتحاد الأوروبي يدعو لفتح تحقيق في جرائم الحرب دوليا ، وأيضا في مقتل مدنيين خلال الأشهر الأخيرة. وهنا قد تتهم الحكومة السريلانكية ، مما يخدش صورتها أمام الرأي العام ، ذلك إن النمور لم تستخدم المدنيين كدروع بشرية ، وان سريلانكا ، قد أنفقت ما يقرب من 2 مليار دولار على الحرب هذا العام ، وهي اليوم بحاجة ماسة إلى المساعدة على إعادة بناء المناطق المتضررة في الجزيرة ! إن الشباب التاميل في دواخل سريلانكا أم في الشتات يشعرون بالغضب الشديد على النهاية الدموية التي حاقت بشعبهم .. فهل ستبقى حكومة كولومبو تعيش احتفالاتها بالنصر ؟ أم أنها ستواجه العالم بعد أن يستيقظ على ما كان هناك من مظالم كان ينبغي التصدي لها ! وإذا نجحت في إقناع العالم بصواب خطواتها ، فهل تقدر على مغازلة خطر تجدد أعمال العنف ؟ وإذا كانت قد عرضت شريطا مصورا لجثة زعيم النمور .. فما معنى إعلان النمور في الخارج أن زعيمهم لم يزل على قيد الحياة وبصحة جيدة ؟ وحتى إن مات زعيم النمور ، فهل حركة مقاتلة عمرها قرابة 30 سنة ستموت مباشرة ؟ ليس المهم أن يذيع الرئيس السريلانكي ، أن بلاده تحررت من الإرهاب، وانه للمرة الأولى منذ 30 عاما ، يتم توحيد البلاد بعد هزيمة متمردي نمور التاميل ، بل المهم أن يبدأ صفحة جديدة من الحياة السياسية والدستورية ، وان تمنح كافة الحقوق لشعب التاميل الذي صبغته الدماء وأبكاه البؤس والشقاء .. هل ستتعلم المجتمعات المعقدة ، غير المتجانسة ، كيف يمكنها أن تبني شراكة ومعايشة مصيرية ؟ وهل يتعلم الحكام كيف ” لا يجعلوا الشجرة التي أمامهم تعيقهم عن رؤية الغابة التي خلفها ” ربما كانت روح هذه الحكمة القديمة أكثر ما تحتاجه سريلانكا اليوم ، حكومة وشعبا ، بعد أن غطى الدم حقول الشاي الخضراء لأكثر من ثلاثين سنة ؟
البيان الاماراتية ، 27 مايو / آيار 2009 ، ويعاد النشر على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …