الرئيسية / الشأن العراقي / العراق : لا إمبراطورية ولا دوقيات !!

العراق : لا إمبراطورية ولا دوقيات !!


أفكار واهية
إن من يستمع إلى خطابهم وتصريحاتهم ، سيجد أن بينهم وبين روح هذا العصر مسافة تبتعد حتى تصل العصور الوسطى ، حيث كانت تتصارع الدوقيات مع بعضها البعض حتى على الأزقة والطرقات ، وكانت دوقيات أوروبا قد عاشت منفصلة واحدتها عن الأخرى لقرون طوال ، فأين هي حدود دوقياتنا العراقية وقلاعها القديمة ؟؟ المشكلة أن ايّا منهم جاهل في التاريخ ، وجاهل حتى في الثقافة العامة ، وقد تشّبع بنزعة الكراهية لما صادفه في حياته .. إنني لا أجد أية دوقيات أبدا في أرشيف تاريخ العراق وتاريخ المنطقة ! لقد كانت كل شعوب المنطقة واقعة في مجال العصف الإمبراطوري لهذا الطرف أو ذاك ! انه لا يكفينا بعض من الذين يريدون أن يؤسسوا لدوقيات عراقية من العراقيين ، بل دخل على الخط بعض الأخوة من الكّتاب العرب الذين يقدمون تنظيراتهم الواهية من اجل دوقيات عراقية ، ويطلقون أحكامهم على مسائل عراقية صميمية لا شأن لهم بها ، ولا علم لهم فيها ، وهم يكرسّون الانقسامات بين العراقيين.. وكنت أتمنى أن تبقى أفكارهم مجرد مقترحات ، أو آراء تحض على الشراكة والانسجام ، بدل أن تكون قاطعة كالنصل ، وكأنهم أصحاب قضية من دون أي مراجع ، أو مستندات تؤيد ما يذهبون إليه . لا مانع من أن يدلي كل برأيه ، ولكن على الجميع أن يتحلوا بالإنصاف بحق كل العراقيين ، أو أن يكتبوا في شؤون أخرى ، هم أكثر التصاقا بها . كنت قد سجلت منذ سنوات طويلة قائلا أن كتّاب العراق قاطبة ، قلما يتدخلون في شؤون غيرهم ، كونهم يعرفون حدودهم مع غيرهم ، في حين أجد شتى الكتّاب العرب يدخلون أنوفهم في الشأن العراقي دائما من دون معرفة ولا أية معلومات .. فالمفاهيم المستخدمة في العراق لا يدرك أبعادها غير العراقيين .

لا دولة للقانون بلا عدالة في المجتمع !
ان العراق لم يتخّلص بعد من التمايز بين أبنائه وقبائله ومناطقه وبيئاته الاجتماعية ، فمن الأجدى اليوم أن نجد اختزالا في الفوارق الجغرافية ، ولكن هذا لم يحصل أبدا ! إن كل وطني عراقي متحضر ، ويحمل فكرا إنسانيا ومدنيا محّبا للجميع ، ويحمل نزعة عالية من الشفافية والتقدمية والحداثة سيصفق جدا لدولة القانون ، ولكنه يريد من طرف آخر ، أن يرى كل العراق وقد تساوى في خدماته ، وطور بنيته التحتية ، واستثماراته ، وتفوق كل اقتصادياته ، وجماليات كل مدنه وبلداته وقصباته من شماله حتى جنوبه ! ان هذا لم نجده أبدا اليوم ، فثمة مدنا عراقية متخمة بآلاف الطفيليين الجدد من أصحاب الملايين الذين لا نعرف من أين أتوا بها، وسرقوها ، واكتنزوها من السحت الحرام .. وان مدنا أخرى كبيرة ومثقلة بالسكان ، نجدها ، تعاني من الجوع والقهر والانسحاق ؟ فليس ثمة عدالة في المجتمع العراقي أبدا ، ثمّ لماذا تطبق الأحكام القاسية على مناطق ، ولم تطبق على مناطق أخرى ؟ هل هناك توزيع عادل للثروة العراقية على كل العراقيين ، وحسب كثافتهم البشرية ، وتوزيعهم السكاني ؟ لماذا يخضع الاقتصاد العراقي ومصير النفط العراقي اليوم لعوامل وتحالفات سياسية ؟ هل هناك إرادة قوية في القضاء على الفساد في أي شبر من ارض العراق ؟ وأيضا اكرر التساؤل : من يصنع الإرهاب في العراق ؟ من له مصالح قذرة من العراقيين كي يصنع فوضى العراق ، ويقتل الأبرياء أولا ، ويقتل المخالفين ثانيا ؟ إن من ابرز مطالب أي مشروع حضاري وطني عراقي أن ينفتح العراق على بعضه الآخر ، أو تحل الانغلاقات بديلا ، كما يجري اليوم . إن المجتمع العراقي لو منح الفرصة للانفتاح والحريات بدل كل هذه الانغلاقات ، والاضطهادات ، وزرع الفتن ، والخلافات .. لبدأ مشروعا حضاريا رائعا في ظل الوعي والمعرفة والقانون بعيدا عن التحزبات والسياسات البدائية . إنني مع دولة القانون ، ولكن علّي أن لا أنسى تحقيق العدالة في المجتمع .

نكون او لا نكون ؟
من أهم الاستنتاجات التي يمكن للمرء التوّصل إليها ، وهي قابلة للأخذ والرد ، تقول بأن التضاد الكبير اليوم ، كما نجده حاصل ، إنما يكمن بين العراق وطنا ( أو : مجموعة أوطان ) من طرف وبين العراقيين شعبا ( أو : كومة شعوب ) من أطراف أخرى .. العراق لم تسحقه قرارات النظم السياسية والعسكرية والحزبية والتسلطية والفاشية والدكتاتورية فقط ، بل سحقته وأجهزت عليه أيضا النعرات الاجتماعية القبلية ، والعشائرية ، والجهوية ، والنزعات الطائفية ، والعرقية والشوفينية ، والانفصالية وخلقت منها ركامات من الكراهية التي لا معنى لها أبدا في مثل هذا العصر ، كما تعلمنا به كل التجارب المتحضرة والإنسانية .. ناهيكم عن سوء التشظيات الإيديولوجية والسياسية .. لماذا كّل هذه الحرب الباردة اليوم من اجل التقاطع على ارض ( عراقية ) هنا أو هناك ؟ لا يمكن القول ـ مثلا ـ أن إقليم اونتاريو كندي وإقليم كيبك غير كندي ، فكل أقاليم كندا هي كندية ، وهكذا بالنسبة لكل التجارب الفيدرالية في العالم ، فالحكومة الفيدرالية بيدها صنع القرارات السياسية قاطبة ، وحكومات الأقاليم بيدها صنع القرارات الإدارية ، أما حكومات المدن ، فهي خدمية أساسا ولا علاقة لها بالسياسة الا لما تريده الحكومة الفيدرالية . اعتقد أن كل عراقي له الحق أن يستوطن ويعمل في أي ارض من وطنه ، كما هو الحال في أي دولة فيدرالية ، وإلا نكون نضحك على أنفسنا ، إذ نشرذم أنفسنا ونحن نتسمّى بعراقيين ! إن العراقيين جميعا بحاجة إلى الوعي بما هو حاصل في تجارب أخرى في العالم ، قبل أن يتنازعوا وتفشل ريحهم جميعا ، فتأكلهم القراصنة .. ولكنني أسأل: هل كان العراقيون يدركون ما الذي تضمنّه دستور بلادهم الجديد من بنود خطيرة ومتهرئة عندما بصموا عليه في العام 2005 .. وعندما اعترضنا على بعض بنوده ، قامت الدنيا ولم تقعد ! السؤال الآن : هل يتملكنا وعي قائل : إننا كعراقيين ، هل سنكون يوما أو لا نكون ؟

ما المطلوب اليوم ؟
من المهم أن يدرك كل العراقيين ، إن كل العالم يعلم أن مفاتيح العراق كلها بيد أسياده الكبار الجدد. فهل يعقل أن يصبح الشعب العراقي كله جانيا ، وهو مجني عليه ؟ إنني أناشد كل العراقيين أن ينسجموا، ويتفاهموا ، ويتفاعلوا ويتلاقوا مع بعضهم البعض حضاريا لا سياسيا ، ووطنيا لا حزبيا ، ومبدئيا لا مصلحيا .. وعليهم بالتحرك نحو المستقبل بلا أية انقسامات ، ويعيدوا التفكير ثانية في مسيرتهم السياسية على ضوء مشروع وطني ، يتفقّوا على قواسمه المشتركة ، ويتقبلوا كل التعديلات على ” نصوص ” لا يمكنها أن تتحقق أبدا سواء تضمنتها بنود دستور ، أو لوائح قانون إدارة ، أو ما شابه ذلك .. وعلى كل العراقيين أن يعيدوا التفكير بكل المسيرة التي بدأت على أسس خاطئة .. ويصححوا خطواتهم على نحو وطني وديمقراطي ، فالكل ينبغي منه قبول الأجزاء ، وان الأجزاء عليها باحترام إرادة الكل .. وعلى كل الأطراف العراقية أن تعلن عن أهدافها الحقيقية ما دامت هناك ثمة شراكة وطنية ومصير واحد .. فان كان تحقيقها يمر من خلال أجندة ومناورات سياسية فإنها ستموت ، وان كانت موحّدة في مشروع حضاري مدني ودستوري لكل العراق .. فسيعيد العراق دوره التاريخي مع توالي الأيام ، وسيجد الجميع فرصتهم المتساوية والمتلاقية .. المنسجمة والمتناغمة مع حياة العصر ، أو سيتفّتت العراق لزمن طويل حتى يستعيد روحه من جديد بعد عشرات السنين ، كما جرى على امتداد التاريخ .

الصباح ، 19 آذار / مارس 2009
وتنشر على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …