الرئيسية / افكار / نظرية المؤامرة: الحلقة المفقودة.. السياسات الخفية والمشروعات المعتمة !

نظرية المؤامرة: الحلقة المفقودة.. السياسات الخفية والمشروعات المعتمة !

“في السياسة, ليس هناك ما يحدث صدفة. وإن حدث, فقد خطط له أن يحدث بهذه الطريقة”.
الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت

المعنى والتفسير
المؤامرة لغة ، هي ” المشاورة ” ، والتآمر : تبادل الامر والاوامر .. والمصطلح من الفعل ” أمر ” ، اذ يقول الجوهري في الصحاح : ” وآمرته في أمري مؤامرة ، اي مشاورة .. والائتمار والاستئمار : المشاورة .. ورجلٌ امّر وأمّرة ، اي ضعيف الرأي يأتمر لكل أحد ، مثل أمّع وأمعّة ” ، ويبدو ان هذه الصفة تلازم ، بالعربية ، اي متآمر بالخفاء ضد واقع معين ربما لا يرفضه ، ولكن يتآمر عليه من اجل تحقيق مصالحه . اما بالانكليزية ، فالمعنى واضح وجازم ، اذ سحب المصطلح “conspiracy” من الاصل اللاتيني ” “conspirare” التي تعني “to breathe together” أي (الهمس مع بعض) ، وهو قريب من معنى “التشاور” في اللغة العربية. اما مصطلح ” المؤامرة ” سياسيا ، فهو اليوم يعني : الاتفاق بين شخصين او اكثر على انجاز عمل سياسي مضاد لنظام قائم ، او لحالة سائدة ، او لانقلاب عسكري ، او لاشعال صراع ، او لبث مبادئ وافكار .. الخ اما المصطلح قانونيا ، فهو اتفاق بين طرفين او اكثر لتنفيذ خطة سرية محددة مضادة للوضع القائم ، وقد تصل الى ارتكاب جريمة في العلن . ان المؤامرة في التفكير الغربي تأخذ بعدا غير قانوني وغير اخلاقي ، باعتبارها تجمع سري لاغراض شريرة ! أما المعنى الشامل ، فهو التآمر بين دول وجماعات معينة ضد دولة اخرى .. او تآمر زعماء دول ضد قيم حضارية .. او تآمر احزاب وحكومات للتبشير بمبادئ معينة .

نظرية المؤامرة
ان نظرية المؤامرة (Conspiracy Theory)، هي واحدة من تفسيرات التاريخ الذي يستند اساسا في رؤيته على رؤية تحول اختراق الحدث لمعرفته بعديا عن ظاهره ، اذ لابد من كشف بواطنه .. انها كما يسمونها ” الرؤية التي تقوم على نظرية المؤامرة : The Conspiratorial View of History وهي تقابل الرؤية الوقائعية (The Accidental View of History). وبقدر ما للاولى من تحميل ” الحدث ” اكثر مما يستحق ، وخصوصا في اعمال العرب والمسلمين ورؤيتهم ، فان الثاني يبقى ساذجا في تناوله الاحداث والوقائع بمعزل عن اية دوافع وخطط ومؤامرات .. انه يؤمن بالمصادفات وليس لتفاعل اية اجندات وبرامج وتدخلات وتنفيذ خفايا واسرار بتدابير مسبقة من تجمعات واتصالات وعلاقات !
انني اعتقد ان ” نظرية المؤامرة ” ، من دون المغالاة بها ، هي اكثر واقعية من اسلوب الامر الواقع بالمصادفة ( أي بمنطق : السذاجة الوقائعية ) .. أي بالرغم من عدم الانقياد لاعتماد النظرية في تفسير كل صغيرة وكبيرة ! ان نظرية المؤامرة ، ليست ساذجة وبلهاء بحيث يستخدمها كل من هبّ ودب ليتهم هذا وذاك من دون اي مكاشفات واستقصاءات ، أو اي تحقيق للاسرار والحيثيات ، واستنباط للخفايا والمؤامرات .. ان من يستخدم هذه ” النظرية ” عليه ان يكون صاحب منهج نقدي ذكي في تقديم الحيثيات في اية مكاشفات .. او ان يسأل عدة اسئلة ذكية جدا ويحاول ايجاد اجوبة عليها ..
ان من يحاول ان يكتب تاريخ أية مكاشفات لمؤامرات واسرار واتفاقات ونضالات سرية .. ان يستند الى ادلة ووثائق .. وان يستنطق الاحداث والوقائع ومصادرها وشخوصها ، وقياس ردود الفعل ازاءها .. ويبحث عن كل من كان وراء صناعة الخطط وما كان وراء التنفيذ .. وان لا يقتصر على ظاهر ” الحدث ” من دون معالجة بواطنه ، وان يضع العواطف جانبا في محاكمة من يعتبرهم رموزا وعظماء .. وان لا يعتمد على ساسة وعسكريين شاركوا في صنع الحدث ، بل التأكد ممن كان يحركهم .. وما هو حجم المصالح التي تجنيها الاطراف المشاركة في الحدث عن الاطراف البعيدة عن الحدث في الظاهر .. ؟؟

الاسرار والخفايا
نعم ، ان التاريخ الذكي لا يؤمن بالاعتباطية ابدا ، فالتاريخ هو حالة صراع دائم ، والمتصارعون لهم تنوعاتهم في برامجهم وخططهم وممارساتهم .. فليس هناك اي حدث تاريخي مهم ان لم يكن يحمل في جوفه اسرارا خطيرة ، منها ما يكشف عنها ، ومنها تبقى طي العتمة ، ومنها ما يذهب مع اصحابه الى القبر ! واليوم ، لم يبق من دور معلن للانباء الحقيقية في هذا العالم الذي تتلاعب فيه قوى معينة سياسيا واقتصاديا واعلاميا .. لم يعد العالم كما كان في القرن العشرين بالرغم من كل خفاياه واسراره ! لم تعد الناس تقف عند نشرات الاخبار قرب اجهزة الراديو ، لتتناقل اخبار وانباء واحداث المرحلة .. لم يعد المسؤولون بمسؤولين حقيقيين في ان يقولوا ما يؤمنوا به ، ويعتقدوا فيه ، ويعملوا من أجله ، فثمة خطوطا حمراء لا يمكنهم ان يجتازوها .. لم يعد الخطاب السياسي صريحا وشجاعا في ان يقول ما يؤمن به اصحابه في القاعات والساحات ، وما يرددوه من شعارات في الشوارع والحارات .. لم تعد الحياة الاعلامية الا مرتعا لخلط الاوراق .. لم يعد اغلب المحللين السياسيين يفضحون الخطط ويتعمقون طويلا للوصول الى ما يمكن ان يصّب في حصيلة نهايات كانت معلومة للجميع .. اليوم ، الاعلاميات تعيش مشكلات لا حصر لها ، ليس بسبب التطور الذي حدث في ما يسمونه بـ ” ثورة المعلومات ” ، التي تترجمها شبكة المعلومات الدولية (= الانترنيت ) ، فان كانت هذه ” الثورة ” قد قدّمت الانسان خطوات واسعة ومذهلة الى الامام ، لكنها جعلته امام ركام هائل من الاكاذيب ، والتزويرات ، والتشوهات ، وقلب الحقائق ، او خلق حقائق لا وجود لها .. او جعل الاوهام حقائق مع تدليس واخطاء .. وخصوصا في ثقافات شعوب عالم الجنوب .
ارجع لاقول ، انه ليس بسبب هذه ” الثورة ” المعلوماتية المدهشة ، بل بسبب اتباع سياسات خفية لا يفصح عنها وعن اجندتها ابدا .. لا يعرف العالم الى اين يسير ! من الذي يقف على رأس الحدث حقيقة وفعلا ! ثمة مارد هائل يقف في العتمة ، وبيده كل ادوات السيطرة ، وهو يحرك كل الخيوط بمختلف الاتجاهات .. انها ليست مسألة تحول من سذاجة الى براعة ، بل انه التحول من زحمة الاتجاهات الى عولمة المكونات ! ثمة احداثا واضحة غير مبهمة كونها لا تشكّل اية خطورة ، ولا تسبب اية مشكلات ، ولا تنتج عنها اية تداعيات .. ولكن ثمة خفايا وسياسات تعتيم واضحة لا يمكن حتى لصناع القرارات في دول وكيانات هذا العالم من حلها ابدا .. ان الغموض يلازم جملة هائلة من الاحداث الخطيرة التي تمر بنا ، منذ ولادة ارادة الاستقطاب ! ان حدثا خطيرا وقع عام 2001 ، وعند مفتتح القرن الواحد والعشرين كان وسيبقى يثير جملة هائلة من الاسئلة من دون اية اجابات حقيقية على اسئلة خاصة وكبيرة ، سيبقى اصحابها يبحثون عن مجيب لها ، ولا مجيب ابدا .

أسئلة ليست محرجة
كان مصطلح ” المتآمر ” كريها جدا في القرن العشرين ، وخصوصا في ثقافتنا العربية المعاصرة .. وكثيرا ما تطلق هذه ” التهمة ” على من يتعاون مع الاجنبي وراء الحدود ضد بلده .. وعلى امتداد السنوات الاخيرة ، خبا تأثير هذا المصطلح الذي لم يعد له أي ضرورة ـ كما يبدو ـ اذ يتضّح علنا ان الجميع قد اقتنع بمثل هذه الممارسة .. خصوصا بعد خلط الاوراق ، انه لم يعد يعرف من العدو ومن الصديق ؟ وهل هذا الذي يقف ضد امريكا .. هل هو ضدها فعلا ام معها في الخفاء ؟ من كان فعلا وراء احداث خطيرة تاريخية جدا مثل 11 سبتمبر 2001 ؟ هل كان العراق فعلا يمتلك اسلحة دمار شامل ؟ لماذا لم يعلن الرئيس العراقي السابق صدام حسين عن اسرار كان يمتلكها وحده ، لكنه لم يبح بها وقد اخذها معه الى الابد ؟ من هم الذين كانوا وراء مصرع عدد كبير من الزعماء والفنانين ولماذا ؟ نذكر منهم : المهاتما غاندي ؟ جون كندي ؟ مارلين مونرو ؟ عبد السلام عارف ؟ جون لينين ؟ الملك فيصل آل السعود ؟ انور السادات ؟ اسحق رابين ؟ الاميرة ديانا ؟ بنازير بوتو ؟ وغيرهم كثير
هذه اسئلة مختزلة وحقيقية وغير محرجة ابدا عن الحالة التي وصل اليها العالم اليوم وهو يقترب من العام 2009 عند بدايات القرن الواحد والعشرين . وان ما يحصل في مجتمعاتنا ودولنا في عموم منطقتنا يقع تحت طائلة مثل هذه ” السياسات ” التي كانوا وما زالوا يريدونها معتمة لا اثر واضح لتوجهاتها ورسم ابعادها .. بل اصبح حتى اولئك الذين اشتهروا كونهم من امهر الكتّاب والاعلاميين المحترفين والمفكرين والمحللين السياسيين لا يدرون طبيعة التوجهات ولا يعرفون كونهم في البدايات ام النهايات ! ان العالم قد تغّير فعلا ، ولكن ليس كل العالم ، فالامور بسيطة ، وواضحة ، ومفهومة لدى مجتمعات مستقرة ، ولكنها معقدة ، ومبهمة ، وخفية في مجتمعات غير مستقرة ابدا .. وقبل ان ابحث عن عوامل خارجية لجملة من الانكسارات والاخفاقات التاريخية التي مرت بها منطقتنا في عموم الشرق الاوسط ، علينا ان نتوقف عند عواملنا الداخلية التي جعلتنا في خضم تناقضات لا اول لها ولا آخر ..

خطايا مجتمعاتنا وسياسات دولنا
ان التناغم والانسجام اصبح مفتقدا في مجتمعاتنا التي تتنوع فيها الناس واصولهم واديانهم ومللهم وطوائفهم وعناصرهم .. وبالتالي عاداتهم واخلاقياتهم .. والتاريخ يشهد كم هي الانقسامات كبيرة عندما تتغلب العوامل الخارجية ، ويتأثر الواقع المضني بالشعارات وطنين الخطاب مع ركام من المؤامرات واساليب المناورات المكشوفة .. يبدو واقعنا ازاء ثقل كبير من المتغيرات التي ستفاجئ الجميع ، اذ لا يمكن ان تبقى المشروعات خفية ويتم التعتيم عليها في بحر من الانقسامات من دون ان تتكلل بنتائج غاية في الخطورة .. انني هنا انبه الى اخطار كبيرة قادمة ، بتفاقم الانقسامات السياسية التي تنال من ” الهوية ” ، وتنال من ” المواطنة ” ، وتنال من المعتقدات لأجندة مجهولة ليس باستطاعتنا جميعا معرفتها .. ان الخطر الذي ستتعرض له مجتمعاتنا كبير جدا ، ومدعاة خطورته تكمن في كون اي مجتمع من مجتمعاتنا يبدو عليه منفوخا وخياليا وطوباويا ولا يؤمن بأي واقعية ، ولا بأية حقائق متاحة ، ولا يسمع لصوت العقل حتى لمرة واحدة .. ان مجتمعاتنا السياسية كلها ، لما تزل هشة المضامين ، وان بقاياها تعيش على ادبيات ومفاهيم مستعارة او مسروقة نظرا لخوائها من اي برامج ومضامين سياسية حديثة كالتي يعمل الاخرون عليها يوميا لتطويرها بما يتناسب ومواجهات المستقبل .. ان من اكبر اخطاء مجتمعاتنا انها دخلت صراعات مخيفة في ما بينها ، لتجد نفسها في النهاية خارج كل من الواقع والتاريخ ..

الاستعارة والتقليد
لقد كانت الايديولوجيات التي استعيرت من مصادر لا علاقة لها بنا وبمشاكلنا وواقعنا وكل ترسبات تواريخنا وبقاياه .. سببا في تشبث المجتمع بعاداته وتقاليده باسم التراث مرة وباسم الاصالة مرات ، باساليب مخادعة ، من دون اي معاصرة حقيقية يجسدها انتاج حقيقي وابداع حضاري .. لقد كان مبدأ الحياد الايجابي ـ مثلا ـ يكذب على نفسه ، ويتحايل على الاخرين ، وهو يمثل سياسة عدم الانحياز ، والعالم كله يدرك بأن الاستعمار العالمي عندما خرج من الابواب علنا دخل من الشبابيك سّرا ! لقد كان مبدأ هّشا كونه لم يستطع ان يستمر ويتطور في ظل الاحادية القطبية للولايات المتحدة الامريكية لاحقا .. لم نعد نسمع بمصطلح ” الاستعمار ” و ” الامبريالية ” كما تربينا على ذلك منذ الصغر ! لقد بدأت المجتمعات تبحث عن الضرورات ولقمة العيش بدل النضال ضد الاستعمار . انها اليوم قد افقدت تاريخها ( النضالي ) ضد الامبريالية العالمية اهم اسسه ومبادئه ! والمصيبة ان مجتمعاتنا وجدت نفسها فجأة في قبضة القوى الدينية التي كانت تسعى للسلطة بشتى الوسائل منذ ثمانين سنة .. بل وكانت الولايات المتحدة الامريكية احد ابرز تلك الوسائل التي جعلت التيارات الدينية تهيمن على مقاليد الحياة في عموم الشرق الاوسط منذ العام 1979 !
وعليه ، فان الظاهرة المدنية برمتها مستعارة بما فيها الحياد الايجابي ( الذي لم يعلن عن خفاياه واسراره حتى اليوم ) والظاهرة الدينية كلها مصنوعة، وان الوعي لم يستنبط حتى يومنا هذا بأن دول الشرق الاوسط قاطبة كانت ولم تزل فاقدة استقلاليتها وارادتها ، وان الشرق الاوسط برمته كان وسيبقى في رعاية الغرب سواء كان ذلك معلنا امره للجميع .. ام كان يعمل ضمن خفايا مؤامرات وتنفيذ اجندة سرية حتى وان لم يتفق عليها مع صّناعها .. فالذي يخطط من مكان ما ، لا يمكنه ان يشرك عملاؤه اية اسرار او برامج ، اذ ليس امامهم الا كلمة : نعم !

الشعارات السياسية والفكرية
ربما يسأل سائل : لماذا كانت كل الصراعات السياسية والفكرية طوال القرن العشرين ؟ ماذا نفعت ” التقدمية ” وماذا كسبت ؟ وهل سحقت ” الرجعية ” وانتهت في الثقافة السياسية العربية المترهلة انشائية الصنع ؟ لماذا تدافع المناضلون ليلا ونهارا ؟ لماذا اشتغل الحزبيون في الاوكار وتحت الارض ؟ لماذا اندفعت المسيرات والمظاهرات المليونية بتعبئة قل نظيرها ؟ لماذا غاب الملايين في زحمة الخطابات ، وهم يتلفون وقتهم في التصفيق والهتافات ؟ اسموه بالشارع السياسي ، واسموه بالعمل الثوري ، واسموه بالكفاح النضالي ، واسموه بقوى الشعب العامل ، واسموه بالجماهير المناضلة .. الخ من المسميات .. ولكن ؟ اين هي نتائج الماضي ؟ لماذا انطلت كل المسرحيات على شعوب ونخب ومثقفين .. بل وقادة من مدنيين وعسكريين ؟ هل العالم يتقدم ام يتأخر ؟ اين منطقتنا من هذا العالم ؟ لا اعتقد البتة بتقدمها اية خطوات الى الامام ، فخطواتها دوما نحو الوراء . انها لو بقيت تزحف على مقعدها لكان وضعها افضل بكثير مما آلت اليه احوالها اليوم ! انها ضربت في الصميم ضربات قاصمة ، وسواء تدري فتلك مصيبة ( وهي لم تدري ) وسواء لم تدر فذلك اعظم .
لو كشف المعلوم عن مجتمعاتنا ، وبانت الحقائق كاملة لبكى الجميع بكاء الصعب على ما فاتنا من زمن ، وما بعثر من ثروات .. وما فاتنا من مشروعات خفية كانت بلداننا ضحاياها ، وكانت اجيالنا وقودها ، وكانت مصائرنا اثمانها .. انني اسأل اليوم : هل لم تزل خطاباتنا تنقسم ذات اليمين وذات اليسار ؟ هل لم تزل الخطابات القومية العاطفية تؤجج المشاعر لدى الملايين ؟ هل لم يزل الاعلام الثوري ساري المفعول باسم العمال والفلاحين ، او باسم الثورية والاشتراكية ؟ لا تقولوا ان مجتمعاتنا تغّيرت لتكون ماضوية التفكير اسلاموية الهوى والتحزب .. بل قولوا ان العالم قد تغير .. واصبحتم على هوامشه ، فلقد ولدنا منذ بدايات القرن العشرين على الهوامش ، واستمرت اوضاعنا على الهوامش ، وانتهت بنا الاحوال على الهوامش ..

صناعة الظواهر التاريخية
هنا ، استطيع ان اجازف قليلا كي اقول بأن ثمة ارادة خفية لمن يريد السيطرة على العالم لا يمكنه البقاء كي يصنع الاحداث ، ويهندس الوقائع ، ويشهر الشخوص المؤهلة لاتمام ادوارها فقط .. بل له القدرة على صناعة الظواهر والاتجاهات وتحريك المجتمعات كما يريد .. علينا ان نكون اذكياء لنفكر معا في كيفية صناعة اتجاهات الظاهرة القومية ، واللعب معها في منطقتنا لما بعد الحرب العالمية الثانية وولادة اسرائيل ؟ ولنفكر معا ونتأمل قليلا في صناعة اتجاهات الظاهرة الدينية واللعب معها في منطقتنا لما بعد الثورة الايرانية وكامب ديفيد ؟
ان اخطر الاحداث البشعة والحروب والتهجيرات والتفجيرات والصراعات الاهلية والقوى والجماعات والاغتيالات والتفجيرات والانقلابات .. الخ صحيح انها قد سببت شرخا عميقا في التفكير ، لكنها لا تخلو من عناصر غامضة تحركها قوى مسيطرة هنا او هناك . ان سرية العمل كان لاسباب واضحة ، ذلك أن مجتمعاتنا لم تتقّبل الاخر كما هو حال مجتمعات اخرى .. فكانت المؤامرات ومحاولات الانقلابات تجري بسرية تامة .. ومع استعداد مجتمعاتنا بكل تعقيداتها والتي تقف على اداراتها كيانات ودول وحكومات هشة ، فمن المفروض انها دخلت في صراعات لا معنى لها ابدا تحت مانشيتات متنوعة ، ففقدت منطقتنا في مجملها ادوارها شيئا فشيئا لصالح التأخر والتشرذم والتخلف الذي نعاني منه الان في كل شبر من منطقتنا كلها !
ان من يتعمّق قليلا في اوراق تاريخ العسكر في كل من تركيا وايران والباكستان والبلاد العربية سيجد خفايا لا اول لها ولا آخر في العمل لصالح هذا الطرف او ذاك وواجهتها سلاسل الانقلابات العسكرية التي كانت ولم تزل تمجّد ويفاخر بها ويغنى لها ويرقص على اناشيدها ويقدس قادتها !! .. لم تكن الاحزاب في الاعم الغالب نظيفة في توجهاتها الاصلاحية والقومية والثورية والدينية .. الخ ، بل يشهد المحقق المدقق علاقات خفية تربط رؤوس ولجان مركزية وشخوص ارتباط بهذه الدولة او تلك .. بل وان ما يحاك في مخابرات دول معينة ، يطبق مباشرة في عواصم دول اخرى ! ولم يقف الامر عند هذا الحد ، بل ان شخصيات وقادة وزعماء ووزراء ونوابا لهم روابطهم المعينة ، ويمكنهم ان يستسلموا للامر الواقع حتى وان كان لا علاقة لهم مع اي طرف له ثقله وهيمنته في مكان ما !

ماذا نستنتج ؟
ان مجتمعات ودولا اخرى قد نجحت في صنع ارادتها من خلال تجديد مواثيقها وخطاباتها وانظمتها الداخلية ، بل وحتى توجهاتها ، وبدأت تنتقد اخطاءها في القرن العشرين وخصوصا في تحديد نمط علاقاتها بالقوى الكبرى دوليا ومع قوى الاقليم اقليميا ، ومع قوى الداخل محليا ؟ .. ولكن تبقى مجتمعاتنا تتفاخر باخطائها ، وتمجد خطاياها ، وتتطهّر بجلاديها وتنشد ما تعتبره امجادا خالدة لها ! ان سر هذا التخلف الطاغي على مجتمعاتنا انها مجتمعات ليست غبية بل ذكية ، ولكنها تسير في غير طريقها ، وهي مسحوقة ومحبطة ومنقسمة وانوية لا تمتلك الوعي بالحقائق كونها لا تقرأ ولا تتعلم من الاخطاء ابدا ! فهل يعقل ان خمسين سنة مرت على ما يسمى بالتحرر العربي والعمل على تحرير فلسطين من دون برامج علمية ، بل من خلال شعارات ايديولوجية .. وبقيت تلهب حماس الناس ومشاعرهم كذبا وبهتانا عشرات السنين ؟؟ !

للحديث صلة

www.sayyaraljamil.com

نشرت في ايلاف 2 نوفمبر 2008
ملاحظة : في حالة اعادة النشر ، يذكر الناشر ايلاف رجاء .

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …