الرئيسية / تراث آل الجميل / علي الجميل والاكتواء بالجحود العراقي

علي الجميل والاكتواء بالجحود العراقي

في سنوات الدراسة،تعلمنا أسماء نخبة أدبية وسياسية للدول الناطقة بالعربية ومنها من يبعد عنا آلاف الاميال، ولو كنت بعيداً عن الكتاب والمتابعة الثقافية لكان حالي حال الغالبية ممن تعرف أسماء عربية ولكنها تجهل أبناء وطنها حتى سمعت البعض وعن حسن نية يتحدثون عن بلد عربي وأكثر بطريقة الإعجاب بينما حديثهم عن العراق ينحصر في جملة بسيطة وهي إننا لا نملك مايملكون وباللهجة العراقية ( شْعِدنا إحنا) ولكن المتابعة والقراءة أرتني الغبن الذي أوقعتنا به مناهجنا الدراسية المبنية على إلغاء الوطن ومبدعيه،كما لا ننسى غالبية المعلمين الذين تقيدوا بالمناهج الدراسية ولم يتوسعوا،بل أن بعضهم ينحاز للعربي على حساب العراقي حتى في الشعر الذي لايختلف إثنان على أهمية العراق ودوره فيه،ومازلت أتذكر عندما كنت في الثالث المتوسط،وفي منهاج الأدب،كانت هناك قصيدة بويب للسياب،وقصيدة بسيطة لمحمود درويش الذي لم يكن عوده في الشعر قد اشتدّ بعد،وكان لنا حرية الاختيار،فاختار مُدرس اللغة العربية قصيدة محمود درويش،لأنها من وجهة نظره أفضل من قصيدة السياب،فحزنت كثيراً للأمر،ولا أدري هل شَعَرَ بقية الطلاب مثلي أم لأني ممن تملكهم حب الشعر وكتابته منذ سنّ مبكرة،وعليه ألا يحق لأحمد شوقي أن يعلن جهله بالشاعر والمجاهد الكبير محمد سعيد الحبوبي،حين غنى مطرب المقام العراقي الكبير محمد القبانجي،أمامه إحدى قصائد الحَبّوبي،فجاء ردّ القبانجي ليختصر حالة مأساوية نعيشها ليومنا هذا،وهي تتكرر بطريقة توحي إن مقولة “مغنية الحيّ لاتطرب”،هي تراث عراقيّ بامتياز،فحين تساءل القبانجي” عجباً أصغر إنسان في العراق يعرف شوقي وشوقي لايعرف أكبر شاعر في العراق”،كأنه وضع يده على الجرح،فبعد أكثر من سبعين عاماً على الحدث يتوفى الشاعر رعد عبد القادر،فيكتب الشاعر اللبناني عباس بيضون”انه لم يسمع به من قبل”فيا ترى لو كان رعد عبد القادر لبنانياً أومصرياً هل كان عباس بيضون كتب ما كتب،ولو كان سلفه الحبوبي مصرياً هل كان أحمد شوقي قد جهله تماماً، بل ماذا لو انقلبت الحالة،وكان أحمد شوقي عراقياً،فبكل تأكيد لما نال عُشر معشار ما ناله،وما ينطبق عليه ينطبق على كل المصريين الذين عرفناهم،من أدباء وفقهاء وسياسيين،ورواد نهضة،لا ننكر اننا نكنّ لهم جميعاً الاحترام والتقدير بما يتناسب وما قدموه،أو كان علي الوردي وهادي العلوي وكامل مصطفى الشيبي وعبدالرزاق الحسني وجواد علي وحسين علي محفوظ وصديق الدملوجي والأب البير أبونا ومصطفى جواد ويوسف حبي وعلي جواد الطاهر وعناد غزوان وجعفر أبو التمن وكامل الجادرجي وحسين جميل ومحمد حديد والخالصي وعبدالرحمن البزاز ومير بصري ومحمد الحسين كاشف الغطاء ويوسف غنيمة والدكتور فاضل حسين صاحب القول الفصل علمياً(من خلال شهادةا لدكتوراه التي وضعها تحت عنوان مشكلة الموصل) بعراقية ولاية الموصل، والكثير من الأسماء الأخرى في شتى الميادين، ممن خدموا العراق واللغة العربية والمنطقة، ورغم ان بعض الأسماء التي ذكرت، سوف يقول قائل إنها أخذت حقها من الشهرة قياساً بغيرها،فنجيبه وهل هذه الاسماء تجدها في مناهجنا الدراسية،وهل هي معروفة على نطاق شعبي كما طه حسين ومحمد عبده وسعد زغلول وأحمد عرابي وعبدالكريم الخطابي وعمر المختار وأحمد شوقي والعقاد وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران،وهل جماعة كركوك الأدبية معروفة كما جماعة أبولو والديوان والمهجر،على الأقل في الشارع العراقي،فكيف بالعربي إذن!.
نحن نتساءل بألم كوننا نصرّ على تجاهل قاماتنا في شتى مجالات الحياة،متناسين اننا بذلك نصرّ على تجاهل أنفسنا وغبنها،ولايمكن لمن يتجاهل منجزه ودوره أن يلوم الآخرين على جهلهم به.
الذي قادني الى هذا الحديث هو الذكرى الثمانون لرحيل علم من أعلامنا وواحد من رواد نهضتنا،الرجل الذي أول مَن استخدم مصطلح “الأمة العربية” وعنى بها كل الناطقين بالعربية في المشرق والمغرب،ومن سبقه كان يعني بها المشرق العربي فقط متجاهلا شمال افريقيا،وله مواقفه الشجاعة والوطنية من خلال قلمه الحرّ والشجاع،في خدمة قضايانا، رائد من رواد الصحافة والقصة والرواية اذا اعتبرنا ان كل ماكتب في هذه المجالات قبل الحرب العالمية الثانية هو من الروّاد،الذين فتحوا لنا الآفاق من خلال اقتحامهم لهذه المجالات الجديدة على لغتنا،ولا أريد المقارنة ولكني أعيد ما طرحته أعلاه من تساؤل ومقارنة، فأقول لو ان كتابي الرائد علي الجميل ” حديث الليل” و ” حديث السياسة” قد كُتبا بعد كتاب ” حديث الأربعاء ” لطه حسين، ألم يتبارى أولاً أهل العراق للقول إنه قَلّدَ الدكتور طه حسين،ولكنه وقد كتبهما قبل كتاب حديث الأربعاء،فلم نسمع أو نقرأ مَن قال إن الرائد علي الجميل قد سبقَ الدكتور طه حسين،لأن حالنا أهل العراق لا نرى المحاسن في نفوسنا ونُشَهّر بالمساوئ.
والراحل علم لم يصل للأربعين من العمر كحال السياب والحصيري وغيرهما،أو ممن رحل عنا وهو في أوج عطائه كحسين مردان ومحمد باقر الصدر وسواهما،لتكون خسارتهم فادحة ونحن أوقدنا لهم النسيان والجحود والتجاهل ليكتووا جزاء ما قدموه للعراق وللناطقين بلغة الضاد.

شاهد أيضاً

يا نجوماً

(نظمها بالفرنسية ) ثم ترجمها الى العربية   صورة  للقصيدة بخط يد الشاعر يا نجوماً قد …