الرئيسية / الشأن العراقي / هل عاد الرئيس بوش بخفيّ حنين ؟؟

هل عاد الرئيس بوش بخفيّ حنين ؟؟

يمكنني ان اتأمل قليلا ، وافكر مليّا كي اعرف ما فلسفة الرئيس بوش من جولته في المنطقة ؟ ولكن لا يمكنني ان اعلم بفحوى الرسالة التي حملها للزعماء العرب الذين قضّى معهم اجمل الاوقات ؟ وهل كانت زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي ذكية ومنتجة اكثر مقارنة بزيارة الرئيس الامريكي ؟ وهل فعلا كانت زيارة الاثنين ـ مع اختلاف الاهداف والمهام ـ من اغرب الزيارات التي يقوم بها زعماء ومسؤولون غربيون ؟ ساركوزي حمل آراء ومشروعات اقتصادية للمنطقة اكثر منها سياسية كي يسّوق فرنسا في المنطقة .. اما بوش ، فمهمته اخطر كونها تدخل سياقات الاستراتيجية الامريكية في العالم .
يبدو واضحا ان منطقة الشرق الاوسط مرشّحة لتفاعلات خطيرة خلال العام 2008 ، وستزداد خطورة والتهابا في العام 2009 ، وربما ستحسم قضايا متعددة في العام 2009 لتتفاقم مشكلات من نوع جديد لا يدركها اغلب الزعماء العرب ، فكيف باستطاعة شعوبنا ادراكها ؟ لقد استطاعت الولايات المتحدة ان تجعل النبض الاوربي كله امريكيا اثر التغيرات التي حدثت في اكثر بلدان اوروبا الغربية صلابة ازاء المشروعات الامريكية ، وبالذات ما يخص قضايا الشرق الاوسط التي ستحتاج تعقيداتها الى حلول دولية اثر الاخفاقات التي كان من ورائها قوى اقليمية معينة ..

انني اعتقد بأن الرئيس بوش وبالرغم من تحركاته من اسرائيل الى بعض البلدان العربية ، كان في جعبته اكثر من رسالة اراد توصيلها بنفسه كي تكون ثقيلة جدا ، وان تؤخذ بجدية مباشرة .. وقد اخطأ بعض المحللين العرب عندما فلسفوا الامر بكل سذاجة كون بوش الابن حامل ايديولوجية دينية يسعى للتبشير بها !! انني انعي على بعض كتابنا ومفكرينا ان يفكروا بهذه الطريقة .. ربما كان بوش يحمل رسالة او اكثر من نوع ما ، ولكنها بالتأكيد ” سياسية ” تعّبر عن ضرورات معينة في الاستراتيجية الامريكية .. كي يثبت ليس للشرق الاوسط وحده ، بل للعالم كله وبشكل خاص للاوربيين ، ان الامريكيين لهم اجندتهم المعينة في الشرق الاوسط بشكل خاص سواء كانوا جمهوريين ام ديمقراطيين .. وسواء جاءت الزيارة قبل الانتخابات او بعدها ؟ وسواء حملها بوش ام حملها من سيحّل محله في قابل الايام !
واذا كان البعض من محللينا يعتبر الرئيس بوش لم يحقق الا الخسارة ، او انه دخل مستنقعا لا يمكنه الخروج منه منتصرا .. بل ويذهب احد الزملاء من الكتاب الاكاديميين العرب الى ان افتقار بوش للمهنية تجعل من زيارته للشرق الاوسط تنال الغرابة او الاكثر غرابة !! انني اعتقد ـ وربما كنت مخطئا ـ ان الرئيس بوش ، ربما لا يمتلك المؤهلات القيادية التي كان عليها الرئيس السابق كلينتون ، بل ربما لا يصلح لادارة محطة بنزين ، لكنه لم يتحرك من تلقاء ذاته ، بل لندرك ما الذي تفعله الدوائر المرتبطة به .. وان المؤسسات الامريكية كلها تعمل من اجل اجندة ربما تكون خاطئة ، ولكن لا تفسر بهكذا طريقة ابدا ..
انني اعتقد ان دفعه لمباحثات التسوية الاسرائيلية ـ الفلسطينية لم تكن نمرة واحد في الاجندة الامريكية ، حتى يمكنه ان يهيئ طبخة جديدة ووجبة سريعة لصراع دام اكثر من خمسين سنة ، وعلينا ان لا نندهش كونه ذرف دموعه على ضحايا متحف الهولوكست .. المهم ، ان ما يشغل بال الامريكان اهم بكثير من حق العودة ومسألة القدس ! أنه بالتأكيد يحمل رسالة تحمل النمرة واحد في ما يمكن عمله امريكيا ازاء ايران سواء في العام 2008 او في العام الذي يليه .. لقد جاء وتكلّم كلاما معسولا عن الديمقراطية التي يريدها للشرق الاوسط ، ولم ينس فضل الشيخ امين الريحاني على العالم في نهاية خطابه الذي يبدو انه اخذ وقتا طويلا في اعداده من قبل مستشاريه ، وبغض النظر عن مستوى الخطاب وما حفل به مضمونه .. فان ما جاء ليقوله سرا داخل الجدران العربية المغلقة هو غير ما قاله علنا عن الديمقراطية وحقوق الانسان .

صحيح ، ربما زار اسرائيل ليؤكد ثوابته الاولى التي نعرفها جيدا ، ولكنه طار كل هذه المسافات كي يقول شيئا يشغل امره اليوم كل الغرب .. جاء بنظرية واحدة تخص واقعا يعيش على الارض وسيتطور حتما الى مواجهة دولية .. ربما كانت هناك مجموعة افكار اساسية بالنسبة لما سيحدث في المنطقة التي تزداد توترا مع توالي الايام .. وستقع الخطورة على العراق اولا باعتباره بلد لم يزل في القبضة الامريكية ، وله تاريخ صعب مع ايران .. ربما جاء ليقول للخليج كلاما مهما جدا ازاء اوراق ايران وسياستها في المنطقة .


واخيرا : نتساءل : هل رجع الرئيس بوش بخفي حنين ؟
هل قضى بوش اسبوعا كاملا حتى ياكل ويستمتع بحياة الشرق الاوسط حتى يرجع بخفي حنين ؟ صحيح انها كانت مفاجئة لأنها تمحورت حول اسس معينة ولاغراض استراتيجية لها اهميتها عند مطلع السنة 2008 .. وسواء حقق بوش امنياته ام لم يحقق أي واحدة منها ، فهو قد ادى مهمته السياسية سواء رضي هذا الطرف بها ام لم يرض بها الطرف الاخر ! وكانت آخر كلماته وتحذيراته وهو بمصر العربية ، يوجه بهزّ الجرس لكل من ايران وسوريا عدم تدخلهما في شؤون المنطقة . يبدو لي انه عاد راجعا وفي جعبته الكثير لأكثر مما نتصوره ! وستخبرنا الايام بما كان وما سيكون .

www.sayyaraljamil.com

جريدة الحياة اللندنية ، 23 يناير 2008

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …