الرئيسية / افكار / هل تنجح الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية ؟

هل تنجح الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية ؟

لعّل اهم ما يمكن تسجيله هنا حول مفهوم الديمقراطية، انها من الظواهر التي اوجدها الانسان على الارض، فهي ظاهرة مدنية دنيوية لا علاقة لها ابدا بأي من الاديان ولا يمكن اعتبارها ظاهرة دينية سماوية بأي شكل من الاشكال.. ويجوز ان تستخدمها الاحزاب والقوى السياسية الدينية، فهي تمنح الحق لكل البشر بمختلف معتقداتهم في ممارستها كحق مكتسب للانسان على هذه الارض. وعليه، فلقد تفوقت على تعريفها التقليدي : حكم الشعب نفسه بنفسه، بعد توسّع تجاربها وامتداد تطبيقاتها للعديد من مرافق الحياة العامة.

مفهوم الديمقراطية وتعريفها

ان مفهوم الديمقراطية ـ باختصار ـ هو اسلوب عمل منظم للانسان في خياراته ومواقفه وحرياته واخلاقياته في تشكيل الارادة الجمعية.. وينبغي على الجميع احترام ( الديمقراطية ) بعد ايلائها الثقة والعمل بها.. انها ـ كما يبدوـ من تجاربها العربية الفاشلة ليست حكرا على الليبراليين وحدهم، بل بالامكان ان يمارسها الراديكاليون والانقلابيون والقوميون والاصوليون.. علما بأن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان يمارسها الا القوى الليبرالية التي تضم حقيقة اولئك الذين يقبلون الاخر وكانت لهم تربوياتهم في الانفتاح وقبول الاخر، وان اي قوى مؤدلجة واحادية ودينية .. لا يمكنها ان تقبل ابدا ان تقبل التوجهات هذه ، فكيف بها والعمل مع الديمقراطيين ؟ ! ولقد اثبتت الاحداث ان ” الديمقراطية ” غدت مطية او اداة للمغانم الفردية والقوى الفئوية والاحزاب الدينية ! نعم، لقد اصبحت شعارات الديمقراطية نهبا للقوى التي لا تؤمن بمضامينها ابدا ! لقد غدت بضاعة للسلطات من اجل تخدير الشعوب، او استيلاد مصير المجتمعات وحريات الناس ! لقد اصبحت الديمقراطية اداة غير نافعة تتناقلها الايادي من دون علم بها ولا فهـم لها.


اغتيال الطفولة الديمقراطية

لقد انتقلت من هدف له سموه وتجلياته عند المتمدنين الليبراليين الى مصطلح كريه يقترن بالغوغائية والفواجع الكارثية في مجتمعات لم تعد السيطرة عليها كالماضي.. وعندما ندرك فلسفة الديمقراطية في اساليبها وتنوع انشطتها وميادينها سنفهم عند ذاك ان ايجابياتها اكبر بكثير من سلبياتها.. وان مجرد استخدامها بشكل عشوائي او تعسفي او اكاذيبي سيحولها الى اداة هدم ووسيلة تناحر بين ابناء المجتمع الواحد، وهذا ما اثبتته التجارب كلها في عموم العالمين العربي والاسلامي. ان المشروعات الديمقراطية قد اجهضت في دولنا ومجتمعاتنا نتيجة عوامل غاية في الوضـــوح، ومنها:

1/الانقلابات العسكرية الطائشة.
2/ المؤامرات الأجنبية المدمرة.
3/ الايديولوجيات الراديكالية الهائجة.
4/ الدكتاتوريات السلطوية الفاسدة.
5/ الأحزاب والقوى والجماعات والمرجعيات الدينية المتعصبة.


اخفاق ( الديمقراطية) عند العرب والمسلمين

لدينا ثلاث مراحل تاريخية مرّت في حياتنا العربية ( الحديثة ) غّلبت فيها المصالح السياسية والنصوص الايديولوجية والترسبات التاريخية على المشروعات الديمقراطية الحقيقية.. كما ان مجتمعاتنا لم تمر اصلا بأي اصلاحات حقيقية في القرنين التاسع عشر والعشرين تغّير فيها من مفاهيم الناس كي تستعد وتتأهّل لأي مشروع ديمقراطي حقيقي.. فكان الفشل يحيق ولمّا يزل يصيب أي تجربة في الصميم، ويخرج من ينادي بهذا ” المشروع ” محبطا وقد خابت آماله في أي تقدم سياسي يمكن ان يحّول المنطقة تحولا بنيويا حقيقيا نحو المستقبل.. كما ان من ابرز مشكلات الفكرين السياسيين العربي والاسلامي ( وخصوصا في دول الشرق الاوسط ) : اختلاط المفاهيم بشكل لا يمكن ان تتّبين الصواب من الخطأ، فكل منهما يمزج بين الموروث والحديث (= التراث والمعاصرة ـ كما اسماها ـ )، كما ويخلط بين التقاليد السياسية لكل من الاسلام والغرب، أي بمعنى: تضمين الديمقراطية في السياسة الشرعية الدينية وهو امر خطير جدا هنا ينبغي القول انه لا يمكن أبدا تبنّي أي مشروع في الديمقراطية على قاعدة منقسمة اصلا بين اساسين متباينين على اشد ما يكون التباين.. ان ما يثير الاستغراب جدا في العالم الاسلامي قاطبة ازدواجية المضامين في الخلط بين آليات الديمقراطية السياسية الغربية وبين مفاهيم التسلط الشرقي بمسميات مختلفة.. ان العالمين الاسلامي والعربي يخلطان بين الاساليب الغربية وبين المواريث الاسلامية، بل راح كل من العالمين يكذبان على نفسيهما في مزاوجة غير فاعلة ولا صائبة بين الموروث المعطّل وبين الحداثة الكاذبة ! واذا كانت الديمقراطية في مضمونها وفلسفتها، اسلوب حياة وتعامل وتربية وسلوك وتقّبل للاخر وفسح المجال لانواع من الحريات، فبأي اكذوبة يمّرر كل العرب والمسلمين الديمقراطية كونها صندوق انتخابات ؟ وحتى هذا ” الصندوق ” لا يسلم من التزيـــــيف والتزوير والتلاعب ؟؟

المطلوب : إيجاد نقيض النقيض

الديمقراطية يا سادة ليست بوابة لسيطرة جماعة او قيادة او مجلس او تكّتل او طائفة او عصابة او عشيرة او قبيلة.. الخ على مجتمع باكمله.. لتغدو فئة حاكمة لها نزعتها الدكتاتورية ! ان الديمقراطية فلسفة حياة ومستقبل لشعب ينبغي ان يتربّى تربية مدنية عليها منذ الصغر، ويمارس كل الحريات ضمن حدود القانون، بل ويطّبق القانون وتتكافأ فيه الفرص.. الديمقراطية لا يمكن ان تسّوق في شعب متخّلف تسوده الانقسامات وتزدحم فيه التناقضات.. لأنها ستفتح الباب على مصراعيه امام الاحترابات بين بطش الاغلبيات ضد الاقليات، واستخدام شتى انواع التمييز الديني والطائفي والعرقي والقبلي والاجتماعي. ولكن لا يمكن ان تكون الدكتاتورية هي البديل ابدا.. ان النقيض لا يمكنه ان يبقى سيد الموقف، اذ ان الضرورة التاريخية تفرض علينا ايجاد نقيض النقيض.. وعندي، ينبغي خلق مرحلة نقاهة أي ايجاد فترة زمنية يخضع فيها المجتمع الى تأهيل حقيقي على الوعي والتربية والسلوك والمعرفة وانفتاح التفكير والمرونة من اجل ان يتأهل كل المجتمع للفرص السياسية الديمقراطية، وهذا لا يتحقق الا من خلال مرحلة انتقالية اولا تحدد خطواتها مواد دستورية ثانيا، وتسودها ممارسة العلمنة ثالثا وتتطور خلالها المؤسسات الديمقراطية وحياة المجتمع المدني رابعا.. وكلها تجتمع ضمن مشروع وطني حقيقي حقيـــقي خامسا..

وأخيرا : ما المشكلة ؟

يمكنني القول، اننا نضحك على انفسنا ان اقتنعنا بأن ” الديمقراطية ” مطبقة او انها تطبّق في العالمين العربي والاسلامي !! ان الوعي بهذه الظاهرة الاهم في حياة الانسان اليوم في كل ارجاء مجتمعات الدنيا، هي ضرورة تاريخية ومصيرية، اذ لا يمكن العيش ابدا في خضم تناقضات الاخذ من التقاليد والاخذ من الحداثة في آن واحد.. لا يمكن خداع اجيال كاملة على اوهام الانتصار من خلال ممارسة هذه التناقضات البليدة.. لا يمكن لأي حكومة تسمّي نفسها ديمقراطية تفضل مصادر اخرى على ارادة الشعب.. لا يمكن ابدا اختزال الديمقراطية في صناديق انتخاب والشعب لا يعرف ابدا كيف يعامل بعضه بعضا.. لا يجوز ابدا ان تخادع اية سلطة نفسها بأن تحصر ما تسميه بالممارسات الديمقراطية في الدولة وتبقي المجتمع بعيدا عن الفهم الحقيقي للديمقراطية.. لا يمكن ممارسة الديمقراطية مع الدولة الدينية قط، فالديمقراطية ينبغي ان تمارس في فضاء تسوده الحياة المدنية والقوانين المدنية المنبثقة عن دستور مدني ضمن مؤسسات المجتمع المدني.. ان المشكلة ليست في التطبيقات والممارسات الخاطئة بقدر ما تكمن في التفكير والظاهرة المسيطرة.. اننا لا يمكننا البتة ان نصفق لأي حزب ديني او طائفي ونستعرض عضلاتنا باسم الديمقراطية.. اننا لا يمكننا ان نخادع انفسنا وندّعي الديمقراطية وثمة مرجعيات دينية لا يمكن تجاوزها.. اننا لا يمكننا البتة ان نتشدق باسم الديمقراطية ونحن نمارس المحاصصات والاجندة الخاصة بالتمييز على اساس ديني او طائفي او عرقي او جهوي.. اننا لا يمكننا ابدا ان نصادر الحريات الشخصية والاجتماعية والسياسية والعامة ونحن نطلق الشعارات الديمقراطية.. اننا لا يمكننا ابدا ان ندّعي العملية الديمقراطية وفي دستور البلاد نصوص لا تتفق وروح الديمقراطية وعلمنة المؤسسات.. ان الديمقراطية واحدة في كل هذا الوجود، ولا يجوز تجزئتها ولا يجوز بعثرتها ولا يجوز تشويهها.. مهما كانت الظروف ومهما اختلفت المجتمعات.. فهل باستطاعة العالمين العربي والاسلامي ان يمارسا الديمقراطية ويؤمنان بفلسفتها من دون اية اضافات او اي حذوفات ؟ انني اشك في ذلك !

الصباح البغدادية ، 23 آب / اغسطس 2007

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …