الرئيسية / قراءات اخترتها لكم / صورة الأتراك عند العرب… نصرت مردان

صورة الأتراك عند العرب… نصرت مردان

يأتي كتاب د. إبراهيم الداقوقي (صورة الأتراك لدى العرب) تكملة لكتابه الأول (صورة العرب لدى الأتراك) الذي أصدره قبل سنوات. اعتمد فيه كعادته على تحليل المحللين السياسيين ومؤلفي الكتب المدرسية حول العرب، وقد أورد في الكتاب هذه الصورة بقوله ((. . إذا كانت بعض الصحف التركية الرسمية، رسمت صورة قاتمة للعرب. وقالت ان العرب يقومون باستغلال الدين ويتدخلون في شؤون تركيا، ويؤيدون الإرهاب ويطمعون في المياه والأراضي التركية ويضطهدون الأقليات التركية في البلدان العربية، فان ثمة مجموعة من الصحف التركية تساند القضايا العربية وتتعاطف مع العرب أمام الهجمة الإمبريالية الصهيونية- التبشيرية ضد العرب والمسلمين. ومن هنا فان هذه الصحف تركزت حول قضايا النضال العربي ضد القوى الطامعة في أراضيها وخيراتها والعاملة على إعادة استعمار البلدان العربية أو تقسيمها مجددا، سواء من حيث الدفاع أو المساندة أو التأييد)).
في كتاب (صورة الأتراك لدى العرب) يستخدم الداقوقي نظرية لازويل من حيث تقسيم مواضيع البحث إلى موضوعات، والموضوعات إلى رموز للتوصل الى النتائج من خلال ست خطوات في تحليل ملامح الصورة. وقد قام بجمع المعطيات وتصنيفها وتحليلها في ۱۳ صحيفة يومية وأسبوعية وشهرية وفصلية عربية لمدة ستة أشهر من خلال دراسة وتحليل الافتتاحيات والتعليقات والتحقيقات والأعمدة والأنباء، إضافة إلى مضمون المصدر غير الإعلامي.
اعتمد الداقوقي في رسم (صورة العرب لدى الأتراك) على أربع فرضيات: ذهبت الفرضية الأولى إلى تأكيد الوصاية الفكرية التي فرضتها السلطات السياسية العربية في جعل الإعلام العربي يتحول إلى بوق لسيده، وإعلام يلهث مراء الإعلام الغربي من حيث المضمون والسياسات بدلا من أن يكون إعلاما مستقلا ومبدعا له هويته وشخصيته.
أما الفرضية الثانية فذهبت إلى التأكيد على وجود صورتين سلبية وإيجابية للأتراك لدى النخب السياسية والفكرية العربية. حيث أن معظم دعاة الفكر القومي في المشرق العربي، يعتبرون الحكم العثماني للبلاد العربية استعمارا تركيا. كما أنهم يصفون الفترة العثمانية بالتأخر والانحطاط. بينما النخبة السياسية والفكرية العربية في المغرب العربي يعدون الحكم العثماني للولايات العربية حماية لها من الغزو الاستعماري الغربي – الصليبي، وبذلك يرسمون صورة نمطية إيجابية عن الأتراك العثمانيين. كما أن معظم الشعب العربي وبعض النخب الفكرية والسلطوية العربية كما يؤكد ذلك المؤرخ العراقي سيار الجميل ((لا يحمل تلك الفكرة السلبية عن الأتراك)).
الفرضية الثالثة قائمة على التأكيد بأن الصورة السلبية المقولبة للنخب الفكرية والسياسية العربية والتركية، بعضها ضد بعض، نابعة من عدم الثقة الذي يحمله حكام كل طرف عن الآخر بسبب تراكمات الماضي، وانقطاع الصلة بينهما وعدم محاولتهما تطوير العلاقات بينهما بشكل أفضل. تحققت صدفية الفضية عند انجار الأزمة السورية – التركية بسبب وجود اوجلان في سوريا، وتقديمها الدعم لحزب العمال الكردستاني والتي كادت تؤدي إلى نشوب الحرب لولا تدخل بعض الحكام العرب لنزع فتيلة الحرب.
الفرضية الرابعة، قائمة على وجود فجوة دينية – ثقافية بين العرب والأتراك والتي انعكست على التيارات السياسية المختلفة التي نشأت فيها. خاصة بعد بروز التيار الديني القومي العلماني في تركيا في حين استمر التيار الديني التقليدي في البلاد العربية. وكنتيجة لهذه الفجوة، اتهم الأتراك العرب بمساندة الإرهاب الأصولي ضد تركيا العلمانية، في حين قامت التيارات القومية العروبية والإسلامية بوصف الدولة التركية الحديثة بدولة اليهود التي تأتمر بأوامر واشنطن وتل أبيب. انعكست أثار هذا الفرز السياسي على العلاقات الثنائية في مجالات الأمن القومي والتنمية الوطنية والثقافية، وخلقت صورة نمطية مقولبة سلبية لدى بعضهما البعض.
يؤكد الداقوقي بأن الباحث أو المؤرخ الذي ينظر العلاقات العربية – التركية بمنظار الأحكام المسبقة الواردة
في الفرضيات الأربع، يقوم بتحميلها انطلاقا من أيديولوجيته هو، وليس من معطيات تحليل المضمون الإعلامي أو رصد الظاهرة التاريخية، لذلك يقع في مصيدة الجهل والتحيز وترديد شعارات أيديولوجية معدة سلفا، لجهله بضرورة حياد الباحث الإعلامي لتستقر أفكاره وأبحاثه في هاوية الاتهامات الرخيصة.
في الفصل الأول المعنون (العوامل المؤثرة في تشكيل صورة الأتراك لدى العرب) يرى الدكتور إبراهيم الداقوقي بأن العلاقات العربية – التركية امتازت عبر تاريخها بالاتفاق والاختلاف والصراع منذ بداية القرن العشرين، بحيث أصبحت المصالح الناجمة عن الجوار مصادر للقلق لكلا الطرفين. يرجع الداقوقي أول اتصال للعرب بالأتراك إلى عام ٥٤ ه-، عندما عبر القائد عبدالله بن زياد والي خراسان (زمن معاوية بن أبي سفيان) نهر جيحون واستولى على بخارى ورامدين وبيكند من بلاد الترك في ما وراء النهر، حيث اختار ألفي مقاتل من رماة النشاب الشجعان وأرسلهم إلى العراق حيث أسكنهم البصرة. وعلى مدى ألف ومائتين عاما من إقامة الإمبراطورية العربية الإسلامية وحتى سقوط الإمبراطورية العثمانية ۱٩۱٨، تمكن الأتراك بعد امتزاجهم الحضارة الإسلامية من إقامة العديد من الإمبراطوريات الإسلامية تمتد من الصين حتى البحر الأبيض المتوسط، حيث تمكن الأتراك المسلمون من السيطرة على الجزء الأعظم من العالم القديم لفترة ستة قرون والشرق الأوسط طيلة ألف عام تقريبا.
يحدد الداقوقي: الأمن القومي، الموقف من الأحلاف العسكرية ومن الاتحاد السوفيتي، القضية الفلسطينية والقضية القبرصية كمتغيرات سياسية في العلاقات العربية – التركية خلال الخمسينيات و، وحتى منتصف الستينيات. كما يتناول هذا الفصل صورة الأتراك بين الإرث العثماني وأيديولوجية الدولة الحديثة، حيث يركز على اتصال العرب بالأتراك بعد أن أصبحوا جزءا من الخلافة العباسية، وقام أشرافهم بتزويج بناتهم بالخلفاء، الأمر الذي كفل لهم أن يكونوا القومية الثانية المتنفذة بعد العرب في الإمبراطورية الإسلامية، مما دفع الجاحظ إلى تأليف كتابه المعروف عنهم (فضائل الأتراك)، بتصويرهم كحماة للإسلام بعد تقاسمهم الصراع مع العرب ضد الصليبيين.
ويذكر الداقوقي في هذا الفصل أيضا، بأن جميع التيارات الفكرية المتطاحنة في الإمبراطورية العثمانية – عدا العلمانية – بقيت تحترم فكرة الخلافة، كما احتفظ معظم العرب والمسلمين بصورة إيجابية عن الخليفة العثماني رغم ثورة الشريف علي بن الحسين ضد الاتحاديين في الحرب العالمية الأولى. واستمر الدعاء لخليفة المسلمين في مساجد الحجاز لمدة عام كامل بعد الثورة العربية. لكن هذه الصورة تغيرت بعد تبني آتاتورك مبدأ العلمانية كأيديولوجية رسمية للدولة، مما ساهم في قطع جذور الثقافة التركية بالتراث الإسلامي – الشرقي من جهة، والى الاتجاه كليا نحو الثقافة والفكر الغربي من جهة أخرى. كما أن اندفاع تركيا بعد وفاة آتاتورك نحو الأحلاف العسكرية، ساهم في تغريب تركيا، وأدى لدى النخبة السياسية والمثقفة في البلاد العربية نتيجة المتغيرات في المنطقة ودور الإعلام الصهيوني إلى عزلة تركيا، ويمضي الدكتور الداقوقي في تحليله إلى أن اعتراف تركيا كأول دولة إسلامية في بإسرائيل في ۱٩٤٨، وانتمائها إلى منظومة الدفاع الغربي بعد الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي والمشاركة عام ۱٩٥۱ في الحرب الكورية، ورفضها لقرار تأميم قناة السويس، وتصويتها ضد استقلال الجزائر ومعارضتها للوحدة بين مصر وسوريا أثرت على صورتها لدى العرب. لكن التطورات التي حدثت بعد هزيمة حزيران في ۱٩٦٧ واتخاذ تركيا موقفا رافضا لضم أي جزء من الأراضي التي احتلتها إسرائيل، ودعوتها إلى الانسحاب الفوري من كافة الأراضي المحتلة، وقيامها بإغلاق مكتب إسرائيل السياسي في تركيا عام ۱٩٦٨، وإلغاء اتفاقياتها التجارية مع إسرائيل ۱٩٦٩ ومطالبتها بتطبيق قرار الأمم المتحدة ٢٤٢و۳۳٨ بعد حرب أكتوبر ۱٩٧۳، والتعاطف الشعبي التركي مع العرب والقضية الفلسطينية، أدت إلى تحسين صورة الأتراك لدى الرأي العام العربي إلى درجة كبيرة، بحيث قامت كل من العراق وليبيا والسعودية بتزويد تركيا بالنفط عام ۱٩٧٤ خلال تدخل قواتها في جزيرة قبرص وإعلان أمريكا حظر الأسلحة على تركيا خلالها.
ويشير الدكتور إبراهيم الداقوقي في الفصل الثاني (تحولات الصورة التركية في الدراسات العربية الحديثة) إلى (صورة الأتراك لدى القوميين العرب)بأن القوميين العلمانيين العرب يقيمون الحكم العثماني باعتباره (استعمار تركي) مشيرا إلى أن الدكتور جورج كلاس يصف هذا الحكم بأنه كبت وقيد الحريات، وطمس التراث، وأزهق الأرواح، وأذل وقهر الشعب. وأن العثمانيين كانوا محتلين. كما ينقل الداقوقي رؤية الدكتور محمد انيس، في أن العثمانيين لم يدخلوا أي تغيير ذي بال على مصر بسبب عدم تمتعهم بأي رصيد حضاري. وينقل أيضا رأي حسن العلوي القائل ((ان التخريب والتدمير الذي أحدث في الشخصية العربية وفي الفكر القومي، سهل للغزاة الأتراك أن يسقطوا فيما بعد بغداد وينهوا العصور العربية لتلك الحضارة)). وعلى هذا الأساس فالأتراك برابرة وغزاة وتتار القرن العشرين، حسب أحمد صدقي الدجاني، كما أن دعوة تورغوت أوزال (رئيس الجمهورية الأسبق) الى العثمانية الجديدة، لاتمثل إلا الجانب الإمبريالي للحكم العثماني وتحالفه مع القوى الإمبريالية، حسب رأي طلعت مسلم. ويرى خالد زيادة، إن القومية التركية لم تستخدم الخطاب المناهض للإمبريالية.
على النقيض من هذه الآراء فان التيار العربي الإسلامي الممثل بالأمير شكيب ارسلان وأحمد فارس شدياق، ومحمد عبده ومحمود شكري الألوسي ومعظم رواد النهضة ومفكري شمال أفريقيا، يحتفظون بصورة إيجابية عن الأتراك بكونهم، حماة دار الإسلام من أخطار التوسع الصليبي البرتغالي – الإسباني. كما يرى المؤرخ والمفكر العراقي سيار الجميل، إن التيارات الوطنية والقومية العربية، استمدت

مرجعياتها من تأثيرات عثمانية دستورية حرة أو تأثيرات أوربية جسدت الخطاب العربي المعاصر.
وعن صورة الأتراك في وسائل الإعلام العربية، يخلص الدكتور الداقوقي بان الأتراك في كتاب (صورة التركي في الشعر العربي الحديث) لنعيم اليافي وماهر المنجد، هم (جهلة ووحوش أبادوا بوحشيتهم التي تفوق كل وصف جزءا كبيرا من الحضارة العربية والإنسانية). رغم انهم (أي الأتراك) كما يقول الداقوقي، لهم خطهم المعروف ب- (اورخون) المؤلف من ۳٨ حرفا كتبوا بها مسلاتهم التي نصبوها في ٧۳٢ م، ولهم أساطيرهم الشعبية التي تتحدث عن انحدارهم من صلب (الذئب الأغبر – بوزقورت) التي تتحدث عن تطلعات الأتراك وآمالهم وحروبهم مع الصين الذين بنوا سد الصين لصد غارات الأتراك بعد احتلالهم لعاصمتهم بكين عام ٢۰۰ م وتغيير اسمها إلى خان باليق (سوق السمك) كما أطلقت المصادر الصينية على الأتراك تسمية (توك – يو) التي تعني القوم الشديدي البأس.
ويمضي الداقوقي إلى تحديد ثلاث مواجهات بين العرب والترك خلال الحقب التاريخية الطويلة، كانت لها آثارها السلبية والإيجابية في عملية التثاقف بينهما من جهة أخرى:
۱- المواجهة الأولى جرت منذ بدء الفتوحات العربية، وإيمان الأتراك للدين الإسلامي.
٢- المواجهة الثانية ثورة الشريف الحسين بن علي ضد العثمانيين. ولا تزال هذه الصورة النمطية المقولبة السلبية قائمة في ذاكرة القوميين العرب والأتراك على حد سواء رغم مرور ما يقارب القرن على ذلك.
۳- المواجهة الثالثة ناتجة عن اتباع سياسة خارجية تتجاهل العرب منذ أربعينيات القرن المنصرم، وتتحالف مع خصومهم بهدف كسب الهوية الأوربية، مقابل تجاهلها لهويتها الشرقية – الإسلامية، وقيامها باجتياح شمال العراق منذ حرب الخليج ۱٩٩۱ لمواجهة نشاط حزب العمال الكردستاني، ودخولها اتفاقيات عسكرية مع إسرائيل، وانسجام سياستها مع الاستراتيجية الأمريكية إلى المنطقة. وقد ساهمت هذه المواجهات في تراكم وتناقض الصورة النمطية المقولبة لدى النخب الفكرية والسياسية العربية وانعكست على وسائل الإعلام المختلفة.
يرى الدكتور الداقوقي في بحثه عن (صورة الأتراك في الأدب، الشعر العربي نموذجا) اختلاف أراء النخب الثقافية والحاكمة حول الأتراك. المثير أن معظم القصائد التي قيلت بعد انقلاب الاتحاديين في ۱٩۰٨ تضمنت الشكوى من تقلبات الدهر وألم الفراق، رغم انتقاداتها المريرة للأتراك، لأن معظم شعراء العرب كانوا مؤيدين للعثمانيين أو راغبين في استمرار العلاقات معهم في إطار وشائج الدين والتاريخ. ويبدو ذلك من خلال ما قاله خلدون الحصري، تأسيسا على رأي والده رائد القومية العربية ساطع الحصري (ان الأتراك كانوا يحترمون اللغة العربية). كما يذكر د. عبدالجليل التميمي (إن العثمانيين حموا اللغة العربية ودافعوا عنها، واستعملوها كوسيلة لإنتاجهم الفقهي والتاريخي أمر لا نزاع فيه البتة). كما أن الشاعر أحمد شوقي أكثر الشعراء العرب تناولا في قصائده لموضوع الأتراك والعثمانيين. إضافة إلى فارس الخوري وعبدالمحسن الكاظمي الشيخ محمد رضا الشبيبي وحسين مجيب المصري وصالح علي العمري. ويرى الداقوقي، انه يمكن تصنيف الشعراء إلى مجموعتين: مجموعة أفرطوا في التعصب، والمجموعة الثانية قدموا صورا إيجابية للأتراك قائمة على المديح والثناء من خلال وصفهم بالخلفاء والحماة. بينما القصائد العربية التي قيلت خلال ۱٩۰٩ – ۱٩۲٤ تحمل نبرة النقد والتجريح وإيراد الأوصاف السلبية عنهم، كالمستبد والباغي والسفاك والسفاح. . إلا أن الداقوقي يؤكد أن الشعراء لم يصفوا الشعب التركي بأية صفة رديئة لأن المقصود في تلك القصائد هم الحكام. وحالة عدم الثقة المتبادلة بين الزعماء والأتراك لا ينصرف على أبناء الشعبين العربي والتركي.
في الفصل الرلبع من الكتاب يتناول الداقوقي (صورة الأتراك في الكتب المدرسية العربية) كتب التاريخ التي تدرس في الأردن وتونس، ويتوصل إلى ما يلي:
۱- عدم ورود كلمة نقد واحدة حول الخلافة العثمانية كمؤسسة إسلامية و لا حول الخلفاء العثمانيين في الكتب المدرسية التونسية، ببنما تؤكد الكتب المدرسية الأردنية لدى تناولها لأحداث الثورة العربية الكبرى، إلى أن السلطان سليم الأول أغتصب الخلافة العربية. بينما يرى المؤلفون في تونس، إن الخلافة انتقلت إلى السلطان عمليا، وهو أجدر بها.
٢- اتفاق المؤلفين في تونس والأردن على أن الفتح العثماني للبلاد العربية كان إنقاذا لها من السيطرة الأجنبية. ويرى التونسيون على خلاف مؤلفي الكتب المدرسية الأردنية أهمية العنصر الديني في نظام الحكم العثماني، إضافة إلى تطهير تونس من حكم الأسبان.
۳- اتفاق الكتاب التونسيين والأردنيين على تسامح العثمانيين في بداية حكمهم، واختلافهم في فترة حكمهم الأخيرة. استمر التونسيون في النظرة الإيجابية للعثمانيين حتى الاحتلال الأجنبي لبلادهم. بينما يرى الأردنيون أن سياسة التتريك التي أثارت العرب ضد العثمانيين جاءت بعد وصول جمعية الاتحاد والترقي

للحكم في ۱٩۰٨.
٤- يشير التونسيون إلى الوجه المشرق البناء للحكم العثماني في بلادهم التي عاشت ازدهارا اقتصاديا في العهد العثماني بازدهار الحركة الصناعية والتجارية في المدن، بينما تشير الكتب المدرسية الأردنية إلى، تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية في الولايات العربية.
ويخلص الدكتور إبراهيم الداقوقي إلى تحديد النتائج في نهاية دراسته إلى أن هناك صورتين للأتراك لدى العرب: صورة سلبية تحتفظ بها ذاكرة النخب الفكرية العربية في المشرق العربي حول الأتراك في أنهم لم يكونوا أكثر من مستعمرين، مستبدين، غزاة، قساة. . الخ مقابل صورة إيجابية للأتراك لدى مثقفو وحكام المغرب العربي باعتبارهم حماة الإسلام والبلاد العربية ضد الاستعمار الصليبي والتجزئة والصهيونية في شمال أفريقيا إلى الخليج العربي. أما الصورة الإيجابية فهي عدم عكس الصورة السلبية على الشعب التركي.
كما توصل الداقوقي إلى أن الشكوك المتبادلة بين العرب والأتراك بقيام كل منهما بتهديد الأمن القومي للأخر، هي تأكيد على صحة الفرضية الثالثة. وأظهرت النتائج أن الانطباع السيء عن الأتراك يعود إلى الكتب المدرسية بالدرجة الأولى ومن ثم إلى المسلسلات التلفزيونية أو المسرحيات أو الأفلام التي تتناول حياة العرب في العهد العثماني. وقد أكدت نتائج الدراسة إلى أن هناك ميلا قويا لدى القوى الوطنية العربية والتركية لتجاوز الفجوة الدينية – الثقافية من أجل تطوير العلاقات بينهما وفق مبادئ اقتصاد السوق تجاريا، وتطبيق التوليف القومي – الإسلامي – العلماني المعتدل سياسيا، حيث أن التطورات السياسية تؤثر سلبا وإيجابا على العلاقات التركية – العربية بما يخدم مصالحهما في المنطقة ويحقق السلام والأمن والاستقرار فيها. وفي نهاية الكتاب يرد الداقوقي على سؤال كبير وهام: العلاقات العربية – التركية إلى أين ؟ يتحدث فيها عن التاريخ السياسي لتركيا بعد آتاتورك على ضوء التحولات في الستينات ومعطيات حرب الخليج الأولى والثانية، وترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الإسلامي.
انطلق الداقوقي في كتابه من نقطة الإدراك بأن المطلوب من الباحث إضافة إلى اعتماده على مضمون البحث الذي يتطلب من الباحث بالدرجة الأولى حياد الباحث بهدف التوصل إلى النتائج العلمية، فنجح في ذلك نجاحا مشهودا يعزز قدرته كباحث موضوعي، قادر على سبر غور المواضيع التي يتناولها مهما كانت حساسة و شائكة.
اعترف أن مثل هذا العرض الموجز لكتاب (صورة الأتراك لدى العرب) للدكتور إبراهيم الداقوقي لا يوفي هذا الكتاب الهام حقا والذي يتناول فيه المؤلف بحيادية الباحث الموضوعي في فصول الكتاب ومحاوره، مديات واسعة وبكم هائل من المعلومات لرسم صورة الأتراك لدى العرب عبر الخوض في مراحل تاريخية مهمة وحاسمة في حياة الشعبين. ولعل أهمية الكتاب ستزداد على ضوء استقراء القارئ له وفق المتغيرات السياسية المتلاحقة في عالمنا.

شاهد أيضاً

حمّى رفع الشعارات: السياسي والأصولي والمثقف وصاحب المال

أطنب القدامى في الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة في مختلف العصور وكشفوا النقاب عن الإكراهات …