الرئيسية / الشأن العراقي / صاحبة الجلالة أقوى من قبة البرلمان !!

صاحبة الجلالة أقوى من قبة البرلمان !!

لم اطّلع وانا في غمرة السفر لما وراء البحار هذا الاسبوع على قضية الاستاذ احمد عبد الحسين مع بعض البرلمانيين العراقيين، وقد آليت ان اقول كلمتي اليوم انصافا للحق ودعوتي لكل من لم يدرك حقائق الاشياء ولا يعرف كيف يتفانى في خدمة العراق. دعوني اخاطب اولئك الذين يريدون كتم اصوات العراقيين الاحرار ..
دعوني احادثهم بصراحة واكاشفهم بعد هذا الذي قرأته اليوم عن قضية هذا الكاتب الذي يمارس دوره الحقيقي اليوم بكل جرأة وحرية .. وهم يريدون محاكمته قضائيا لا لسبب جناه الا لكونه انتقد اولئك الذين لا يعرفون الا مصالحهم الشخصية بعيدا عن العراق وبعيدا عن هموم العراقيين..
لقد عرفت الشاعر احمد عبدالحسين منذ زمن بعيد كواحد من المثقفين العراقيين الشباب الذين تشردوا في الشتات وكان يعاني الامرّين من بعده عن ترابه واهله وفضائه الحقيقي.. كان يكاتبني وهو منشغل الروح والفؤاد بوطنه الذي لم يترك له وللالاف المؤلفة من خيرة شباب العراق أي هامش للتعبير والكلمة الحرة.. كان يعّبر بقصائده الرائعة عن اسوأ المآسي التي عاشها العراقيون في الزمن الصعب.. كان يعاني من تدفق احاسيسه الرقيقة وسط عالم لا يرحم أبدا.. كان يتألم لاخبار وطن تأكله البلايا والرزايا..

ولما تغير كل شيء في العراق، سمعت بعودة جملة واسعة من المثقفين والمبدعين العراقيين الى ارض الوطن ، اذ كانوا وما زالوا يؤمنون بالتغيير الجذري لحياة العراق والعراقيين .. وكنا ان فقدنا العشرات منهم ليكونوا ضحايا طاحونة العنف وقد علستهم دوامة الارهاب الصعبة واختلفوا في ذلك عن السياسيين الذين حفت بهم اكوام من الحرس والسيارات المسلحة .. ولعل اكثر شريحة دفعت ولم تزل تدفع وستبقى تدفع بالمزيد من الضحايا هي شريحة المثقفين والاعلاميين والمتعلمين المستنيرين والمبدعين الذين يعانون اليوم الامرّين في واقع مأزوم بين طرفين اثنين لم يرحمهما ابدا..
أولهما: طرف يتجمع فيه الساسة من اصحاب المنافع والمصالح الشخصية الذين اصبحوا بين عشية وضحاها قوى سياسية طفيلية وهي لم تفقه لغة المصالح العليا والمصالح العامة ولا تدري كيف يتم التعامل مع المجتمع ضمن آليات الديمقراطية الحقيقية.. وثانيهما: طرف يتجمع فيه المتمردون من دعاة العنف والذين يمارسونه اناء الليل واطراف النهار لايقاف عجلة الحياة والحرية والاستنارة في العراق..
ان (الديمقراطية) بصيغتها العراقية الجديدة التي اوصلت بأساليبها (النزيهة) احزابا معينة الى البرلمان قد فاجأت العراقيين بأسماء لم يعرفوها ابدا، قال احدهم – قبل ايام – أنه لولا الامتيازات الشخصية لاعضاء البرلمان لما وجدنا ايّا منهم تحت قبّته!! هؤلاء الذين اعدتهم احزابهم اعدادا غير كاف على عجل يجلسون اليوم ليرسموا مستقبل العراق.. ولا ادري كيف يرسمون مستقبل البلاد وهم لا يطيقون ذرعا لسماع أية وجهة نظر ولا أي رأي ناقد ولا أي نقد سافر ولا أية محاججة او حوار .. هؤلاء الذين يقال عنهم انهم حتى جلوسهم تحت القبة البرلمانية ففي جلوسهم محاصصة وتنابذ في الصدور ولكن احدهم يجامل الاخر في العلن.

هؤلاء الذين يتشدقون بالديمقراطية لا يطيقون قراءة مقال ينتقدهم صاحبه بجرأة وحرية ومسؤولية! هؤلاء الذين يعتبرون انفسهم وقد امتلكوا حصانة برلمانية لا يدركون ابدا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم والعراق يمّر بأخطر مراحل حياته وتاريخه على الاطلاق ! هؤلاء الذين يريدون نقل العراق الى العصور الحجرية لابد ان يدركوا بأنهم يقعون تحت طائلة الحساب والعقاب، فلا أية حصانة تنفعهم ولا أي ثواب يقيهم مهما طال الزمن وثمة تجارب اعضاء برلمانيين في منطقتنا سبّبت مشكلات لا تعد ولا تحصى لدولها .. فلا يعتقد احد من برلمانيينا انهم فوق القانون.
هؤلاء الذين جاءوا ليمارسوا دورا تشريعيا وهم لا يفرقون بين الضاد والظاء .. هؤلاء الذين يدافعون عن احزابهم وطوائفهم اكثر من دفاعهم عن مناطقهم وعراقيتهم .. هؤلاء الذين يعتقدون او انهم باتوا يصدقون الكذبة الكبرى بأن الشعب قد اختارهم لشخوصهم، فهم أوهى من ان يكونوا من الرجال الحقيقيين ومن النسوة اللامعات لتشريع تاريخ جديد للعراق .. هؤلاء الذين يضيع بينهم بعض المثقفين المستنيرين يتشظون بين اناس طائفيين وبين اناس متخلفين وبين نسوة متحجرات وبين من لعب ولم يزل يلعب على الحبال .. بين اناس مناضلين ومستنيرين ومثقفين وآخرين من دونهم مهربين وسارقين .. وبين من لم يدرك بديهيات الحياة ولا يعلم اولويات الثقافة العراقية العامة .. .. الخ.

كان العراقيون في الماضي ينتقدون نواب العهد الملكي في العراق كونهم من الاعيان وشيوخ العشائر الذين كان الشعب يعرفهم واحدا واحدا، فهم اشهر من نار على علم وبرغم تخلفهم كانوا يعرفون قدر انفسهم وكانوا يدافعون عن الويتهم وعشائرهم وتقاليدهم العراقية، صحيح انهم جاؤوا من اجل المناصب الرفيعة لا من اجل الرواتب والامتيازات السريعة، ولكن بات النواب اليوم لا يعرفهم أحد، بل ولم يسع أي نائب اليوم ان يقدّم شيئا ذا بال الى العراق والعراقيين.. بل ان بعضهم يدرك جهالته ولكنه لا يعرف قدر نفسه.. وتجدهم انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يعرفون .. وانهم لا يسمعون القول ولا يتبعون احسنه.. وانهم يهددون ويتوعدون .. وانهم يتهربون من أي مشروع خيري للعراقيين كي لا يتبرعوا ولا يساعدوا!

لم يقل محرر ( آراء ) في الصباح الاغر الاخ احمد عبد الحسين إلا كلمة حق ولم يرد فيها إلا الحق وهو يرى بأم عينيه تصرفات نواب الشعب تحت قبة البرلمان العراقي العتيد !! وهو يتابع مجريات مجلس النواب الجديد في العراق كيف تسير اليوم !! وهو ربما يتساءل ونحن معه : كيف يمكن لبلاد مثل العراق ان يرسم مستقبلها نواب كهؤلاء يتشرذمون مع الاهواء الحزبية والمحاصصات الطائفية، وليس لهم أي افق عريض للتفكير ؟؟ وكيف يمكن لدولة مثل العراق تزدحم بالمشكلات ان تتصدرها سلطة تشريعية تتوالد قوانين البلاد وتشريعاتها على ايديها ؟ اليس من الاجدى يا نواب العراق ان تقدّروا الامور حق قدرها؟ اليس من الاصوب يا نواب العراق ان تستمعوا لمن هو ادرى منكم بمصالح البلاد والعباد ؟ اليس من البديهي ان تكون السلطة الخامسة التي تعبّر عن الرأي العام ( وهي الصحافة: صاحبة الجلالة ) والتي تنقل لكم الواقع المهترئ في العراق .. وهي تريد منكم ان تقوموه وان تجتمعو يوميا لاصدار تشريعات وقوانين تبني للحياة العراقية الجديدة من دون أي كلل ولا أي تعب ولا ملل .. وان تفضلوا المصلحة العراقية العامة على مصالحكم الخاصة .. وان تحترموا ارادة من ينتقدكم، وتشكروه لأنه يرى مستقبل العراق بين ايديكم .. بدل ان تملؤوا الارض صراخا وضجيجا وعويلا بتقديم من يهز شجرتكم الى المحاكم للاقتصاص منه .. ونسيتم ( لعبة الديمقراطية ) التي اوصلتكم الى ما انتم فيه، وليس في بالكم الا اصدار قوانين تتبّنى مصالحكم !
تحية للصديق الشاعر احمد عبد الحسين على موقفه الوطني الصادق .. ونهيب به ان يبقى صاحب كلمة حرة مستنيرة نافذة تخترق كل الجدران، وكل الاقلام العراقية التي عرفت كيف تكتب وماذا تكتب من دون أي املاءات .. وان تدوى صرخاتكم تحت كل القبب .. وليس لها والله الا العراق .. فهل من سامع ومجيب ؟ انني أشك في ذلك!.
www.sayyaraljamil.com

الصباح البغدادية

6 يوليو 2006

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …