الرئيسية / مقالات / هاربر: التجربة الكندية وأميركا

هاربر: التجربة الكندية وأميركا

عندما فاز ستيفن هاربر رئيسا لوزراء كندا في 6 فبراير 2006 ، كان قد أمضى حياته السياسية وهو يأمل أن يرى كندا دولة أولى في العالم قوة وأمنا واقتصادا وصحة ونظافة .. وهو يمّثل حزب المحافظين ، وكان يقف على رأس المعارضة كزعيم له طروحات جريئة وأفكار مبتكرة وتدور حول المحاسبة والنقل العام والائتمان الضريبي والتدريب المهني والمنح التشجيعية .. وكلها وجدت لها مجالا عندما تولى حكومة كندا ، وهو الرئيس الثاني والعشرين لكندا الفيدرالية ، وقد ركّز الرجل على الأولويات ، ومنها : تأسيس إدارة اقتصادية قوية بما في ذلك تخفيضات ضريبية كبيرة للأسر العاملة واتخاذ إجراءات صارمة ضد الجريمة مع عقوبات اشد صرامة وتطوير وسائل الشرطة .. مع إعانة الطفل ورعاية المعاقين والاعتناء بالصحة وتطوير البحث العلمي وحماية البيئة من الانبعاثات لغازات الاحتباس الحراري .. فضلا عن استتباب الأمن والوقاية من الإرهاب واعتنى بالمصدرين والمصنعين الكنديين من اجل إثراء الدور الكندي في السياسات التجارية العالمية .. وبالرغم من بعض الأخطاء ، إلا أن ستيفن هاربر قد نجح إلى حد كبير خلال السنتين الأخيرتين من الحفاظ على الاقتصاد الكندي من فواجع الكساد العالمي ، خصوصا وان تداخلا جغرافيا واقتصاديا هائلا بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية ! وربما كان هاربر خصما لدودا للحزب الليبرالي الكندي ، كونه استطاع أن يغّير الكثير من انجازات الليبراليين في حكمهم كندا ..
باختصار ، فان ستيفن هاربر الذي ولد يوم 30 ابريل ، 1959 ، في تورنتو ، اونتاريو. انتقل الى ألبرتا في عام 1978 للعمل في الصناعة النفطية وذهب للحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة كالغاري. وكان قد انتخب أصلا نائبا عن حزب الإصلاح في انتخابات عام 1993 الفيدرالية ، ثم تولى منصب رئيس منظمة وطنية في مجال الدعوة إلى التقدم بالرغم من أفكاره المحافظة سياسيا ، وقبل أن يدخل عالم السياسة اتصف بمثابرته واشبع هواياته الموسيقية وغدا نشيطا تساعده زوجته لورين وليس له إلا طفلين ومسكن دائم كان قد اقتناه قبل وصوله السلطة . واستطيع القول انه زعامته قد جمعت بين القيادية والإدارية معا ، فهو قد انتصر بقيادته السياسية وهو لم يفشل في إدارته الكندية في خضم أصعب مرحلة وهو في قلب الكساد العالمي. واعتقد ان هاربر لم يقف لوحده للحفاظ على الاقتصاد الكندي من خلال إجراءاته العديدة ، ولكن وبالرغم من تمتع البنوك الكندية بالاستقلالية ، لكنها تخضع لرقابة حكومية صارمة ، وهذا لم نجده في الولايات المتحدة الأمريكية ، وان الرقابة الحكومية الكندية هي جزء لا يتجزأ من النظام الاقتصادي الكندي .
دعونا نتوقف عند اللقاء الأخير بين هاربر واوباما بواشنطن لما له من أهمية فوق العادة لدى القيادة الاقتصادية لكل من الحكومتين ، خصوصا ، وان البلدين غارقان في حالة من الركود ، وان احتمالات النمو لا تزال قائمة لتوليد الثروة مع تعرضهما لضغوط وتحديات كبيرة ، أهمها ضمانات النجاح لتدفق رؤوس الأموال وتحفيز النمو الاقتصادي من خلال دعم الحياة وتوليد الثروة بتوسيع فرص الأعمال التجارية وإزالة القيود .. إن جلسة الرئيسين معا لم تكن الأولى ، فلقد اطلع اوباما على التجربة الكندية عن كثب في زيارته كندا قبل أشهر ، ولكن لقاء اليوم سيتمخض عن جعل كندا شريكة فعالة وعملية للإدارة الأمريكية حول القضايا الاقتصادية والتجارية ، وخصوصا فرص العمل التي سيتم إتاحتها مع الحرص على تنمية الاقتصاد العالمي من جديد .. وان يتكامل دور أمريكا الشمالية من اجل فرض إجراءات حماية على الواردات من الصين .. وتجنب الوقوع في أخطاء الكساد الكبير ، علما بان ستيفن هاربر يدرك بأنه لا يمكن بدء الانتعاش عن طريق تقييد الفرص المتاحة في السوق .
إن كندا ، كما تراها الإدارة الأمريكية ، طموحة وذات مصداقية وواقعية ، وان الاعتماد عليها من شأنه أن يعجّل في الانتعاش ، والمساعدة في حماية فرص العمل ناهيكم عن ضمان عمل الشركات الكندية والأمريكية معا ، وخصوصا ، في مجال مشروعات الإشغال العامة .. وإذا كانت قد لقيت تأييدا من جميع المقاطعات والأقاليم ، فان المعارضة الكندية المتمثل أصلا بالليبراليين ينظرون إليها كونها استجابة لقيود الشراء الأمريكية ، وان من الأهم لعودة الاستثمار الأميركي استعادة القانون حتى يمكن اعتباره اتفاقا للانتعاش الاقتصادي .
إن ستيفن هاربر بحاجة ، هو الآخر ، إلى الاستفادة من فرصة فريدة لكسب الأنظار دوليا ، كما انه لا يمكنه أبدا أن يغّرد لوحده من دون الولايات المتحدة ، علما بأن التجربة الكندية كانت سببا لمداولة بعض التشريعات أمام الكونغرس الأميركي , في ما يخص حماية البيئة والمجالات الحيوية الأخرى مثل الطاقة والبنية التحتية .. ويتوقع الخبراء في كلا البلدين من الاتفاق الثنائي : إبقاء الأسواق مفتوحة للمشتريات في كلا البلدين وهو مشروع تأسيسي لاوباما بوصفه زعيما للعالم في اجتماع بيتسبيرك بعد أيام ، للعمل معا لتوسيع الفرص التجارية ، وان الحصول على صفقة مع كندا من شأنه أن يظهر انه على استعداد للتجارة علنا. وبصراحة تامة ، فإن الانتعاش الاقتصادي يعتمد على ذلك. وبنفس الوقت ، فان إستراتيجية هاربر تسعى للخروج من ارتفاع عجز الحكومة ومستويات الديون .. وقال : إن “إجراءات التحفيز” لا تزال ضرورية طالما أن الانتعاش من الركود يبدو “هشا”. وأضاف “يجب أن تكون هناك خطط للخروج من مستويات العجز العالية ومن الديون الحكومية بحيث استثمار رأس المال في القطاع الخاص. إن هاربر يعلن عن نفسه أنه “صوت رجال الأعمال في العالم ، وصاحب العلاقة الأكثر ازدهارا”. وقال :
“كندا والولايات المتحدة هي ، كما نعلم ، من اقرب الأصدقاء ، ونحن نقدر هذه الصداقة بشكل كبير في الكونغرس ، وقال هاربر : “إننا نعرف أنهم من أكبر الشركاء التجاريين لنا ، وهم جيران لنا ، وعلاقتنا وثيقة للغاية ، ونحن صديقان حميمان جدا”.

نشرت في البيان الاماراتية ، 23 سبتمبر 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …