الرئيسية / الشأن العراقي / العراقي الحقيقي.. من هو ؟

العراقي الحقيقي.. من هو ؟

(حكاية إنسان منحاز للعراق)
أتدرون أين أجد عراقيا حقيقيا ؟ أين هو ؟ من يكون ؟ انه من باستطاعته أن يقدّم شيئا خلاقا للعراق وأهله ، ليمتلك صوتا من وراء الزمن يناديه باسم العراق عبر كل العالم .. وعليه أن يثبت ما يقوله : أنا العراقي الحقيقي في مثل هذا الزمن ، بطاقتي عراقية ، هويتي عراقية ، ثقافتي عراقية ، أعصابي عراقية ، كينونتي عراقية ، تربيتي عراقية ، عواطفي عراقية ، أهوائي عراقية ، أغنيتي عراقية ، جلستي عراقية ، حكاياتي عراقية ، مقاماتي عراقية ، شهيّتي عراقية ، أكلاتي عراقية ، صلواتي عراقية ، عزلتي عراقية .. أفراحي عراقية ، أحزاني عراقية ، رؤيتي عراقية ، قراءاتي عراقية ، كتاباتي عراقية ، وطنيتي عراقية .. وكلها تشكل خصوصيتي العراقية .
قالوا له : وكيف نكون مثلك ؟
تابع يقول : لست شيوعيا ولا قوميا ، ولا بعثيا ولا صداميا .. لا إرهابيا ولا تكفيريا ، لا شوفينيا أو فاشستيا ، لا دعويا ولا مجلسيا ، لا هيئتيا ولا توافقيا ، لا طائفيا ولا إسلاميا ، لا قوميا ولا قبليا ، لا عشائريا ولا جهويا ، لا متصوفا ولا انعزاليا ، لا سنيا ولا شيعيا ، لا شرقيا ولا غربيا ، لا تقدميا ولا رجعيا ، لا نخبويا ولا طبقيا ، لا ارستقراطيا ولا ديمقراطيا ، لا عميلا ولا وطنيا ، لا رأسماليا ولا اشتراكيا ، لا شماليا ولا جنوبيا ، لا امبرياليا ولا كومبرادوريا ، لا احمر
ولا اخضر ، لا ابيض ولا اسود ، لا عربيا ولا كرديا ، لا تركمانيا أو شبكيا ، لا مندائيا ولا يزيديا ، لا شبكيا ، لا كلدانيا ولا آثوريا ، لا سريانيا ولا ارمنيا .. انا باختصار : انسان حّر منحاز للعراق !
قالوا له : إذن .. أنت من تكون ؟
قال : أنا عراقي اعتز بعراقيتي منذ أن وعيت الحياة ، وسأبقى هكذا حتى أموت ، ولا اطلب من الآخرين ، إلا احترام استقلاليتي القاطعة وتثمين خصوصيتي العراقية التي لا أتنازل عنها أبدا !
قالوا : وماذا تريد من حكام العراق ؟
أجاب : أريد على من يقف على رأس البلاد أن يكون رئيسا لكل العراقيين ، وان يشعرهم انه الأب الحاني عليهم جميعا ، بلا أي تفرقة .. أريده ، وهو على رأس البلاد ، أن يتخّلى عن حزبه وطائفته وقوميته ولغته وجهويته .. ويفك ارتباطه بتاريخه وقوميته حتى وان كان ذلك على حساب عواطفه وأفكاره .. أتمنى أن أتباهى به وبوطنيته وبتواضعه وبابتسامته وتنقلاته بين العراقيين جميعا وان يمدحهم أكثر من مديحه الأمريكان ..
سألوه : ومن تريد أن يكون رئيس الحكومة ؟
أجاب : أريده أن يكون سيدا حقيقيا للعراق .. أن يكون مهموما بشعبه ويرحب بقضايا شعبه .. وأن يتخلى عن حزبه وعشيرته وجهويته ، ويفك ارتباطاته بأصحاب العمائم كلهم ، إذ ينبغي أن يؤمن بان العراق لا يحكمه إلا الأفندية بعيدا عن الملالي من رجال الدين وعن الضباط العسكريين وعن الحزبيين الأحاديين .. وان لا يعتمد إلا على رجال مناسبين وكفوئين ونزيهين.. عليه أن يتخلّى عن ماضيه ويصنع له تاريخا جديدا وهو على كرسي الحكم ، شرط أن لا يبقى متعلقا بالكرسي ، ولا يسعى إليها ، بل يجعلها تسعى إليه !
سألوه عن الوزراء
فقال : إن لم يحسن رئيسهم اختيارهم من دون أية محاصصات أو ملء شواغر ، فسينجح في تأليف ( كابينيت) عراقي حكومي ممتاز .. وسيظهر كم يركض كل واحد منهم في تقديم ما تتطلبه البلاد من مستلزمات ، وما يحتاجه الشعب من خدمات وضرورات ..
قالوا : وماذا تريد من نواب الشعب العراقي ؟
أجاب : إن العراق اليوم بحاجة إلى نواب أمناء وأذكياء لهم إخلاصهم وعراقيتهم وكفاءتهم .. يعملون بوازع من ضمائرهم وأخلاقهم وسلوكياتهم .. وان لا يعملوا بأجندة تفرضها مصالح جهوية وفئوية وطائفية وفاشية وإقليمية ودولية .. النواب الحقيقيون من يختارهم شعبهم العراقي بالاسم والذات ، لا أن يكونوا مختبئين وراء قائمة أو جدولة أو تحالف أو تكتل أو تيار .. فيكونوا عالة على العراق! إن النيابة تمثل سلطة تشريعية في البلاد ، وينبغي أن يدرك من يصلها انه مؤهل لصياغة قوانين البلاد ويكون مسؤولا أمام الله والوطن والعباد على تطبيقها ..
سألوه : وماذا عن نظافة المسؤولين ؟
أجاب : أتمنى أن الجميع قد جاؤوا من بيوت شبعانة ، ولكن أتمنى على كل مسؤول عراقي أن يعلن قبل جلوسه على الكرسي ، هو وكل أفراد أسرته على الملأ ، كم هي أملاكه وممتلكاته في الداخل والخارج ، وان يعلن أيضا عن موجوداته كلها عند خروجه من السلطة ، وان يعدد مكتسباته الشخصية والعائلية أمام العالم بعد خروجه عن المسؤولية .
وماذا أيضا ؟
قال : على كل مسؤول عراقي ان يجعل القانون سيده ، وان لا يحتكم إلا لإرادة الله فيما يخص نفسه ، وان يحتكم لإرادة الشعب فيما يخص مصالح العراق العليا والدنيا .. عليه أن لا يخضع لأية إرادة أخرى مهما كان وزنها ، ومهما كانت قوتها ، ومهما كان تأثيرها . على كل مسؤول عراقي أن يمّيز بين أصحاب النفوس الكبيرة وبين صغار النفوس ! وان لا يعتمد على تابعيه من المتملقين والمداهنين والمنافقين والمداحين والمتسلقين والمصفقين .. بل على من ليس له أي مصالح أو إغراض أو أهداف مبيتة .
وماذا أيضا ؟
أجاب : على كل مسؤول عراقي أن يعلن للملأ التخّلي عن طائفيته مهما كانت سنية أم شيعية أم غيرها ليقول للناس : ” أنا عراقي وبس ” ، وعليه أن يتخذ من الشيعة أعوانا له إن كان سنّيا ، وان يعاشر السنّة ويعتمد عليهم إن كان شيعيا .. وان يكون قريبا من كل الأديان مهما كان دينه ، وان يكون له مبدأ واحد ، فإما أن يكون علمانيا أو يكون إسلاميا ، فلا يمكنه أن يقول بـ ” القانون ” وهو إسلامي ، ولا يمكنه أن يقول بـ ” الشريعة ” وهو علماني !
وماذا عن دوره بين الاتجاهات السياسية ؟
أجاب : عليه أن يستفيد من تجارب الماضي الصعب ، باستفادته من الشيوعيين وحواراته مع القوميين ، وان يدافع عن المظلومين وان يجد نفسه مع اليزيديين والمندائيين والشبك والتركمان .. عليه أن يدافع عن الأكراد وقضيتهم وهو عربي ، وان يحترم العرب وأفضالهم وهو من الأكراد .. وان يفصل بين العرب وتراثهم وبين ما تتخذه الحكومات العربية من سياسات .. أن يزور قرى المسيحيين وأهل الاهوار والغربية والشرقية ويأكل مع كل الناس ، ويلبي طلباتهم بعد أن يفتح أبوابه أمامهم .. وان يحترم كل الآراء والانتقادات ..
وماذا عن نهجه الوطني وهو العراقي الحقيقي ؟
أجاب : عليه العمل على أن يبقى العراق واحدا موحدا مهما بلغ حجم من يكره العراق من الانقساميين .. وعليه أن يصلح مواد الدستور لما فيه مصلحة العراق العليا ، وان يكون العراق بلدا مدنيا ومسالما ومنفتحا تنتفي منه المحاصصات الدينية والطائفية والعرقية والقبلية والعشائرية ، وتختفي منه المليشيات المسلحة والأجهزة غير الرسمية من شماله حتى جنوبه .. وان يكون العراق مستقل الإرادة والأرض والسيادة .. وان يعمل على تطوير البلاد وثقافاتها وتعايشات أبنائها ويغيّر مناهج التعليم فيها ، ويتبع مشروعا تربويا عراقيا لبناء أجيال نظيفة ومسالمة وحيوية ومنتجة . عليه أن يزرع الفرح في كل العراق أن يكون عادلا في فرض القانون ومعاقبة كل المسيئين والمرتشين والجناة والقتلة .
وسألوه : وماذا عن المواطن العراقي ؟
أجاب : نعم ، ذاك الذي أريده عراقيا حقيقيا يعشق العراق عشقا لا حدود له .. ويعتز بانتمائه إليه ، ويخلص له ولأهله .. نعم ، عليه أولا أن يؤمن بالعراق تاريخا وحاضرا ومصيرا ، وان يؤمن بتنوعات المجتمع العراقي ويقبل بالآخر .. عليه أن يكون قدوة رائعة إن عدّ نفسه من الأغلبية ، وان يكون صاحب حق إن عد نفسه من أي طيف آخر .. عليه أن يحسن للعراق وان يؤمن بالعراق المدني ، ذلك أن العراق الديني سينتهي إلى التفسخ والحروب الأهلية .. عليه أن يحتفظ بانتماءاته الأخرى اجتماعيا من دون أي تسويق سياسي .. عليه أن يكون ذكيا في حواره مع غيره من العراقيين دون أن يجرح العراقي أي عراقي آخر أو يشتمه أو يسبه أو يشمت فيه .. على كل عراقي حقيقي أن يجد في تاريخ العراق صفحات ايجابية قابلة للتوظيف والتجديد ، وان يلغي ذاكرته التاريخية التي خّزن فيها كل الآلام والأوجاع والأحقاد كي يستغلها في اقرب مناسبة ممكنة ! إن العراقي الحقيقي لا يمكنه أن يضمّخ يديه بدماء العراقيين مهما بلغت درجات الصراع ! على كل العراقيين الحقيقيين أن يتسامحوا مع أنفسهم قبل أن يروجوا أية شعارات وأكاذيب .. عليهم أن يعترفوا بأخطائهم التي جنوها بحق العراق منذ خمسين سنة .. عليهم أن يبذلوا الغالي والرخيص من اجل كبح جماح أية فتنة ! عليهم أن لا يكونوا منافقين ، وان لا يصفقوا لهذا العهد أو ذاك ، وان لا يكونوا وصوليين في تحقيق مآربهم الشخصية .. عليهم أن يمارسوا طقوسهم الدينية ويتمتعوا بحرياتهم شرط أن لا تكون طقوسهم وتقاليدهم قبل العراق ! على العراقيين الحقيقيين أن يعارضوا سياسيا ، ولكن لا أن يكونوا مخربين للعراق وحارقين له ، وان لا يشعلوا فتنة بين أبناء العراق .. عليهم أن لا يعارضوا وطنهم ويستهجنوا تأسيس دولته عام 1921 ، فالعراق تكوين حضارة وتاريخ ، ولم يلد على يد مندوب سامي أو ملك هاشمي أو زعيم ثوري أو قائد ضرورة !!
وماذا تقول كلمتك الأخيرة ؟
أقول على العراقي الحقيقي حاكما ومحكوما أن يكون إنساني النزعة ، يستعيد قيمه الحضارية التي يبدو انه قد افتقدها بفعل التحديات المريرة .. عليه أن يسعى لخلق مجتمع مدني يشتهر بمؤسساته المسالمة .. عليه أن يرى المرأة العراقية واحدة من أروع المخلوقات ، وكانت مشاركة للرجل في صنع كل حضارات العراق وثقافات العراقيين .. على العراقي أن يكون حقيقيا بما يمتلكه من رائع التصرفات والعلاقات وان يتمثل آبائه وأجداده من أصحاب القيم والتقاليد الرائعة في بيوتهم ومجالسهم ومقاهيهم ودوائرهم .. عليه أن يكون نظيفا بلا رشوة ولا اختلاس.. أن يكون منفتحا على العالم كله بلا أية تعقيدات وان ينزع عمامته في الشوارع ولا يلبسها إلا في أماكن العبادة .. على العراقي الحقيقي أن يكون ضد الإرهاب وقتل العراقيين وان يكون صريحا وذكيا في تعامله مع الزمن .. مع البيئة .. مع الحياة .
أخيرا ، ألا تعتقد بأنك مثالي ولا علاقة لك بالواقع ؟
أجاب : نعم ، أنا اطلب المستحيل ، ولكن إن حصلت اليوم على عشر معشار ما احلم به ، فانا المنتصر في معركة الزمن .. وعندما اطلب المستحيل ، فانا اعرف ما العراق وما العراقيين !
وأنا مؤمن بان حلمي سيتحقق يوما بالعراقي الحقيقي !

نشرت في جريدة الصباح البغدادية ، 3 سبتمبر / ايلول 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …