الرئيسية / الشأن العراقي / ماذا توقّعتُ للعراقِ قبل السقوط ؟

ماذا توقّعتُ للعراقِ قبل السقوط ؟

مقدمة :
لمناسبة مرور خمس سنوات عجاف على العراق واهل العراق اثر سقوط النظام السابق والذي كان حلقة زمنية طويلة من السنوات الصعبة بكل ما حدث فيها .. ومعاناة العراقيين في سلسلة من الاضطهادات والمؤامرات ومشروعات السحل والقتل والحروب والحصارات والتهجير والاغترابات والالام .. فانني استعيد ما كنت قد قلته في بداية سنة 2003 من سقوط النظام العراقي السابق في ” تقرير ” ، رّدا على سؤال من قبل الانترناشنال كوريار ، ونشر بالانكليزية 21 يناير / كانون الثاني 2003 ، كما نشر في ملحق خاص بالعربية في جريدة البيان الاماراتية 2 فبراير 2003.. : ” ان التغيير في العراق سواء حصل باجتياح ام بغيره يصعب ان يقابله العراقيون بالارتياح الا بعد ان يطمئنوا الى الاهداف الحقيقية ، وهم يتطلعون الى الامن والرخاء والحرية .. كما استطيع القول انه يصعب الجزم بامكان بلوغ السيناريو الاسوأ اي تفكيك العراق. وأتوقع ان احداً لا يعرف ابدا ماذا سيحصل بعد سقوط النظام العراقي الذي ربما سيقاتل قتالا شرسا ولا يمكن ان يستسلم بسهولة اذا ما توفرت لديه الوسائل والادوات ، ولكنه سيتفكك حالما انقطع صوته عن العالم الى الابد ” .
اهمية العراق : قلب العالم
نعم ، كان العالم في خضم التكهنات عمّا سيحدث للعراق ، وكنّا نسمع من الميديا الامريكية عبارة ” عراق موّحد ” وتكريس امريكا للمال والوقت لـ ” اعادة بناء العراق ” بعد الاطاحة بالنظام السابق .. كان الناس يحسّون بالمخاطر .. وكانت المعارضة قد كرّست كل طاقاتها من اجل اسقاط النظام الحاكم بالرغم من كل تمزقاتها وخلافاتها ومشاكلها التي لم يستطع احد من حلّها . كان الخوف قد استيد ايضا بالعديد من .. قلت في التقرير المشار اليه ايضا : ” .. ويعلم الجميع أن العراق هو غير افغانستان او الصومال او لبنان بسبب جيوستراتيجيته المركزية في مربع الازمات اولا وبما يمثله من ثروات نفطية تسعى امريكا لتأمين مصالحها الاستراتيجية لخمسين سنة قادمة ! وعليه ، فان مصير العراق وحالاته في المستقبل المنظور ستحدد ربما لعقود طويلة شكل المنطقة وسياساتها. الاسئلة الان : هل لدى اميركا خطط واضحة لعراق المستقبل؟ وهل انها ستلتزم باعادة بناء العراق؟ وهل لدى ادارة بوش اجوبة عن ثلاثة اسئلة هي التحديات لكل السيناريوهات: هل سيكون العراق مستقراً ؟ وهل سيبقى العراق موحّداً ؟ وهل سيغدو العراق ديموقراطياً ؟ ” . هذه الاسئلة طرحتها على الملأ ، وحاولت الاجابة عليها
العراق بين الفوضى والاستقرار
اما بالنسبة للاستقرار فماذا كانت توقعاتي ؟ كتبت قائلا : ” المقصود بالاستقرار ليس اكثر من غياب الفوضى والاضطراب. والجواب المرجح هو: لا ذلك ان واقع العراق وطبيعة النظام لا يتركان مجالاً للتفاؤل بل يثيران المخاوف من ان يصاحب الصراع الداخلي دماء غزيرة واختلالات كبيرة في المجتمع سياسية واقتصادية واجتماعية تراكمت نتيجة مآسي حربي الخليج الماضيتين وعقودا زمنية حافلة بالمصادمات والصراعات والثارات والعقوبات القاتلة والعزلة، يضاف اليها سنوات من القهر والاضطهاد والتهميش للقوى السياسية والاجتماعية المتنوعة وهي حالة عمقت الاحقاد. ومثل هذا الوضع لا يبشر الا بمستويات متعددة ومتداخلة من الاضطرابات اولها الثأر والانتقام من عناصر واجهزة وقبائل وعشائر ومدن .. وفي المقابل مقاومة الطبقة الطفيلية المنتفعة لأي تغيير لئلا تفقد امتيازاتها. وكذلك التنافس بين المجموعات العرقية المختلفة في المجتمع على موارد البلاد وخصوصاً حقول النفط في الشمال والجنوب . ذلك ان صراعا سينشأ ان لم يبدأ بعد بين الاكراد والتركمان وسوف يسارع كل منهما الى وضع اليد على آبار كركوك وعين زاله بالموصل ، ناهيكم عن التدخل في الجنوب من قبل تلك القوى التي تتخذ من ايران مقرا لها وخصوصاً من خلال البصرة والعمارة . وكل تخوفاتي ان تنجرف مختلف القوى المتضادة في اشتعال حرب اهلية في غيبوبة للسيادة والنظام ، مما يهدد بالتفكك ” !!
هل يبقى العراق موحداً؟
اما محاولتي في الاجابة على السؤال : هل يبقى العراق موحداً؟
ان التكهن بمصير العراق ليس سهلاً ، فثمة عوامل في دواخله تدفع دوما في اتجاه ابقائه موحداً وأخرى في مخارجه تدفع في اتجاه تفكيكه. فمسألة وحدة العراق لا تتعلق بنظام الحكم الحالي ولا برئيسه ولا بحزبه لأن العراق بحدوده الحالية وخارطته المعهودة موجود قبله. ان نظام الحكم في العراق هو غير انظمة الحكم في بلدان مثل يوغوسلافيا والاتحاد السوفييتي لكي تثار المخاوف حول وجود العراق من بعد زواله .. وعلى الرغم من الواقع الاثنوغرافي المتنوع للعراق، فلم تظهر نزعات انفصالية جدية إلا عند نسبة الخمس من الاكراد في بعض الاحيان . وعموماً كان الاكراد وما زالوا يفضلون اهمية علاقتهم العضوية العراقية مع المركز. ان من اكبر الفجائع التي سيمنى العراق بها اذا ما طبق عليه اي سيناريو يعتمد الاجندة الطائفية ، لأن في ذلك مقتلا له ولمجتمعه بالذات الذي لم يعرف طوال حياته الطويلة الا التعايش والتضامن في درء الاخطار والتحديات . ان مجرد تصنيف الدولة في العراق على اساس طائفي سيفكك المجتمع العراقي تفكيكا ، وينحره نحرا مؤلما .. ان كلا من الدين والطائفة والمذهب لابد ان تبقى جميعا منزهة عن اللعب بها سياسيا في مستقبل العراق لأنها هي التي ستقسم العراق بل وتطحنه تحت عجلاتها التي لا تبقي ولا تذر !! ان قيام اية مؤسسات عراقية معلمنة في المستقبل المنظور تراعى فيها تكافؤ الفرص للجميع ضمن اطار تشريع دستور مدني دائم ، ستضمن مصير العراق من هجمة الاجندة الطائفية ، علما بأن ليس هناك اي فرز حقيقي بين الطوائف والملل والاديان في العراق ، وليس هناك الا التداخل في ما بينها ، فالمجتمع العراقي فسيفساء متداخلة بعضها بالبعض الاخر ولا يمكن عزل كل جزء عن الاخر ابدا ” . فلا ادري هل كنت على صواب ام خطأ ؟
العراق والتحديات الاقليمية
اما بصدد التحديات الاقليمية : موقف تركيا وايران ، فلقد فرض سؤال آخر حول تأثيرها على وضع العراق ابان تخلخله ، فكتبت قائلا : ” لقد خلق الوضع القائم خلخلة في المواقف ذات الانماط الثلاثة : المحلي الداخلي والمحيطي الاقليمي والدولي الخارجي .. وان المحيطي الاقليمي عندي هو الاخطر ، وهو الذي يخدم احتمال التفكيك بل الانهيار التام في ظل غياب الداخلي والخارجي . واخشى ان تدخلاً اقليميا سافرا من قبل تركيا او ايران او الاثنين معا سيطال المدن العراقية فتعم فوضى ابان ما يسمّى بالمرحلة الانتقالية .. وان مجرد مساومة اي طرف اقليمي سيعزز خطر التفكيك، ليس من ضمن عوامل داخلية فحسب بل من قبل قوى خارجية وسيفتح الاضطراب شهيته على طموحات اكبر لأطماع الطرف الاخر . كما ان اكراد العراق يخافون خسارة الحكم الذاتي الذي حققوه وهم يتمتعون به ويجدون الفرصة سانحة لاحياء حلم دولة كردية من الدول المحيطة وهو ما تخشاه تركيا وما قد يدفعها الى التحرك ضد الاكراد ودخول الشمال، اضافة الى ما يعنيه انفصال الاكراد من ضخ زخم في مشكلة الاقليات الى دول اخرى. وقد تجد ايران الفرصة مناسبة لاستخدام نفوذها عند جماعاتها ومؤيديها من اجل تحقيق مصالحها في الجنوب وتنطلق اصوات كانت لا تزال قليلة وخافتة للانفصال ، مع ما يعنيه هذا من تهديد لدول الخليج العربي “. لا ادري كيف سيكون موقف العرب ، ولكن اغلبهم متعاطف مع النظام الحالي للرئيس صدام حسين .. ولا اعتقد انهم يميزون بينه وبين شعب العراق ، وهذه مشكلة لا يدركها الا العراقيون !
هل صدقت امريكا ؟
اما بصدد مصداقية اية سيناريوهات اميركية : النظام السياسي والاداري والعسكري ، فلقد كتبت قائلا : ” تستطيع اميركا ان تغلف هجمتها على العراق بما تشاء وتلونها بوعود الديموقراطية كما تشاء، لكن القول بنظام ديموقراطي حقيقي في العراق بعد زوال اي نظام توليتاري هو ضرب من التشذيف اقله لسنوات آتية. والسبب لا ينبع مما تردده بعض الدوائر الاميركية من ان العراقيين اعتادوا انظمة استبدادية ولن يعرفوا التعامل مع غيرها، فالعراقيون قادرون بما لديهم من علم وثقافة وطاقات على بناء دولة دستورية معلمنة حديثة ، ولكن يكمن السبب في صعوبة المرحلة الانتقالية وأولوية تفادي الفوضى والتفكيك. ثم اي مستقبل ديموقراطي للعراق يعتمد في الدرجة الاولى على صيغة تحفظ العراق وفي الدرجة الثانية على صدق اميركا في التزام اعادة بناء العراق ديموقراطياً ” .
اليوم ، يتبين كم كان الامريكيون مضللين للعراقيين في السياسة التي اتبعوها ، وبرغم كل الوعود التي قالوها .. ولكن الاخطاء ( وربما الخطط ) التي اتبعوها كانت قد اساءت جدا للتغيير من اجال بناء عراق موحد حديث التكوين ، وخصوصا عندما تحّدث مسؤولون امريكيون عن اقامة ” “ديموقراطية فيديرالية” تسمح بدرجة من الاستقلال الذاتي للمجموعات الثلاث السنّية والشيعية والكردية تبدأها في الفترة الانتقالية باحتمال اختيار ثلاثة او اكثر من قادة المجموعات هذه لادارة مشتركة للعراق الى حين اجراء انتخابات ” . لقد كان ذلك طامة كبرى في التعامل مع المجتمع العراقي وتأسيس نظام حكم يقوم على هذا المبدأ الذي اكل الاخضر واليابس .
المصير
لقد تخيلت السيناريو كما يلي قائلا : ” .. ولحظة يبدأ النظام بالتخلخل وفقدان الاتصال تكون القيادة قد انتهت واختفت ففي خضم الحرب سوف يهرب الجميع من الساحة اذا اختفت القيادة .. وستحل الانتفاضة الشعبية اذا اطمأنت قواها الى خلو الساحة من رموز النظام وستتبلور قوى جديدة من اركان النظام القديم لكي تقوم في حفظ رؤوسها في المرحلة الجديدة ليس من النظام الجديد ، بل من ثارات المجتمع والعمل من اجل استعادة السلطة والنفوذ من جديد بخلط كل الاوراق من خلال قيام تحالفات جديدة . ويستبعد قيام ديكتاتورية عسكرية في العراق لأنها فاقدة لمكوناتها وعناصر قوتها ازاء ما كان على امتداد اربعة عقود من الزمن ! ” .
وقد اخطأت في تصوراتي لما بعد السقوط ، اذ قلت : ” المهم الذي لابد ان ندركه بأن امريكا لم تنفض يديها من المعارضة ولكنها تدرك بأنها غير قادرة على ان تملأ الفراغ السياسي والاداري والعسكري الذي سيحدث في الاجهزة والدوائر والمؤسسات .. وعليه ، فانني اعتقد وربما كنت على خطأ ان امريكا ستعول على الجيش العراقي في حفظ الامن واستخدامه في اعادة اعمار العراق .. كما انها ستعتمد على نخب مستقلة في الداخل تستطيع تسيير ادارات الدولة في المرحلة الانتقالية فوجودهم يضمن استمرار العمل ” .
وأخيرا : هل من استنتاجات ضرورية ؟
اتمنى لو جرت الرياح بما يشتهي العقلاء .. واتمنى لو استطاعت الولايات المتحدة الامريكية قراءة مصالحها بعد تأمين مصالح الشعب العراقي .. وكنت اتمنى ان لو كان في الميدان من يقول لا للاحتلال ولا للطائفية ولا للمحاصصات ولا للمليشيات ولا للاستعجال في اصدار دستور مثير للزوابع .. وكنت اتمنى لو ان لا يغدو العراق ساحة لتصفية الحسابات مع الارهاب وغيره .. وكنت اتمنى ان لا ينساق من وصل الى المسؤولية وراء الشعارات الموهومة .. واتمنى لو لم يسحق الامريكان البنية التحتية للعراق .. تمنيت ان يعمل الجميع لاستقرار العراق وامنه من اجل التفكير بمؤسساته وتطوير ضروراته قبل الشروع والاستعجال في الاعلان عما لا يمكن تطبيقه ابدا ! وتمنيت لو اعترف الجميع باخطائهم ، ووقفوا وقفة واحدة لتأسيس مشروع وطني عراقي حضاري بمعزل عن الامريكيين وتمنياتهم وسيناريوهاتهم .. تمنيت ان تبدأ صفحة جديدة وتطوى صفحة الماضي ويبدأ التعامل مع المحتل الامريكي معاملة الند للند من اجل مصالح العراق العليا .. ولكن كل هذا وذاك من التمنيات لم يحصل ، وها نحن نرى اليوم ما الذي حل بالعراق وأهله .. وما سيحل بهم في قابل الايام .
www.sayyaraljamil.com
الوسط ، 3 ابريل / نيسان 2008


شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …