الرئيسية / مقالات / التدمير الخّلاق من أجل شرق أوسط جديد !

التدمير الخّلاق من أجل شرق أوسط جديد !

مقدمة : تبرير للهيمنة
يقول زباغينو برزيجنسكي مستشار الامن القومي الامريكي السابق بأن ” الهيمنة قديمة قدم الانسان ” ، فهو هنا يؤمن بمبدأ “الهيمنة ” من اجل مصالح القوى الكبرى في العالم .. ولعل منطقة الشرق الاوسط ، هي من اهم مناطق العالم اليوم نظرا لاستحواذها على المجال الحيوي للمربع الذي اسميناه منذ سقوط الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية في بداية التسعينيات من القرن العشرين بـ ” مربع الازمات ” بعد ان انتقل من حالة ” مثلث ” للازمات .. لقد شاع مفهوم : الشرق الاوسط الجديد منذ التسعينيات ايضا ، وجاء لأول مرة من خلال طروحات شمعون بيريز رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق .. ثم انتقل المفهوم الى بناء شرق اوسط كبير ، اذ حاولت كوندريزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية ان تستخدم مصطلح ” الاكبر ” ، ولكنها اكتفت بـ ” الكبير ” ، ولكن من دون اي منهاج عمل معلن عّما سيكون عليه الشرق الاوسط الكبير ! وبقي مصطلح “شرق اوسط جديد” معروضا علي العالم منذ حزيران / يونيو 2006 ، وذلك في تل ابيب عندما كانت كوندوليزا رايس تحاول استبدال الاكبر بالكبير لتشيعه وسائل الاعلام المتصيدة للمصطلحات والمفاهيم والشعارات الجديدة .

مصداقية التوقعات من مثلث الازمات الى مربع الازمات
نعم ، كانت تقديراتنا صائبة بتحول الشرق الاوسط ومجاله الحيوي من مثلت ازمات الى مربع ازمات ، ودخول مناطق جديدة عليه ، وخصوصا عندما امتدت زواياه الشرقية بين منطقة الخليج جنوبا الى منطقة قزوين شمالا ، وتقابلها الزوايا الغربية امتداد من منطقة البحر الاحمر جنوبا الى منطقة البحر الاسود شمالا .. ويعلمنا عن ذلك التحول الاستراتيجي هو التحول في السياسة الخارجية الامريكية نفسها ، باستخدام عبارات تزامنت مع افتتاح باكو شرقا وامتدادا نحو تبليسي وسطا ووصولا الى جيهان غربا (BTC) ، اي تلك المحطة النفطية الكائنة عند شرق البحر المتوسط ، فضلا عن الاحتدامات العرقية التي تهتز لها مناطق قوقاسيا وترانس قوقاسيا ونزولا الى ايران والعراق وتركيا .. مرورا باوضاع سوريا ولبنان والاراضي الفلسطينية التي تفككها الانقسامات .. مقارنة باسرائيل التي لا نجد فيها حتى الان اية انقسامات معلنة على السطح ، وهي التي تعتبر نفسها احدى مكونات الشرق الاوسط .
اصل التسمية
كانت اسرائيل قد اعلنت واشاعت مصطلح ومفهوم الـ “شرق اوسط جديد” ، منذ زمن طويل ، وكانت تجدد الدعوة اليه في كل حين ، ولعل اكبر الدعوات قد تبلورت في وقت لاحق ، تلك التي كانت معلنة من قبل وزيرة خارجية الولايات المتحدة رفقة رئيس الوزراء الاسرائيلي في ذروة الاتفاق الانكلو ـ امريكي برعايه الحصار الاسرائيلي للبنان .. ربما كانت تلك ” العملية ” جزءا من صفقة بناء هذا ” البرنامج ” الجديد ، فكان رئيس الوزراء اولمرت والوزيره رايس قد ابلغا وسائل الاعلام الدولية ان مشروعا لقيام “شرق اوسط جديد” يجرى اطلاقه من لبنان .. خصوصا عندما يكون لبنان منطقة ساخنة جدا بعد العراق بعد العام 2003.
نعم ، لقد تّم الاعلان عن خريطة طريق في الشرق الاوسط مؤكدا من قبل العهد الانكلو امريكي الاسرائيلي ، وبخطة عسكرية تؤمن مشروعا تم وضعه منذ زمن ليس بالقصير ، وجرى في مراحل التخطيط لعدة سنوات ، ويتكون في خلق قوس من عدم الاستقرار والفوضى ، والعنف تمتد من لبنان ، فلسطين ، وسوريا الى العراق ، والخليج العربي ، ايران ، وحدود منظمة حلف شمال الاطلسي – ثكناتها أفغانستان.

العراق والفوضى البناءة

ان مشروع “شرق اوسط جديد” وقد عرض المشروع علنا من قبل واشنطن وتل أبيب ، مع توقع ان يكون لبنان نقطة ضغط لاعادة ترتيب الشرق الاوسط برمته ، وبالتالي اطلاق العنان لقوى “الفوضى البناءه” ، علما بأنني اعتقد ان اطلاق المشروع كان في العراق وتطبيق نهج “الفوضى البناءه” كالذي لمسنا آثاره واضحة في البنية العراقية ونسيج المجتمع العراقي وتحقيق اكبر النتائج في العراق مقارنة بما حدث في لبنان .. ان المشروع جزء من الحرب ، من اجل الهيمنة التي قال بها بريجنسكي ، وان مربع الازمات لم يزل في طريقه الى الاشتعال يوما بعد آخر .. اذ تعلمنا الظروف كيف يتطور العنف وتتفاقم الحرب فى جميع انحاء المنطقة .. وهذا من شأنه ان يكفل بدوره تفكيك الشرق الاوسط برمته والقضاء على صورته التي عاشت في القرن العشرين ، وتوليد صورة جديدة له مع ضمان وجود اسرائيل في وضع افضل ! نعم ، ان اعادة رسم خريطه الشرق الاوسط ، ليس وفقا لاحتياجات الموقع الجغرافي الاستراتيجي كما يرى البعض ، بل من اجل تحقيق اهداف ربما لا يدركها ابناء كل المنطقة مع كل الاسف . اما بصدد الفوضى البناءة ، فليس هناك اية حدود لاستخدام كل الترسبات المذكية للانقسامات سواء كانت دينية ام طائفية ام مذهبية ام عرقية ام محلية وجهوية .. الخ

خريطه الشرق الاوسط الجديد
لقد عودتنا بعض مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية ، وخصوصا في الولايات المتحدة الامريكية ، ان تصدر بين الحين والاخر رؤى ومعلومات وخطط جديدة مع خرائط ملونة .. ربما لم يكن لاصحاب القرار دخل فيها ، ولكن ثمة تعبير بنفس المعاني التي تحملها والصور التي تشكلها في اكثر معانيها ، وهي تعلن عن تنامي ولادة ‘شرق اوسط جديد’ واي شيء تقوم بادائه الولايات المتحدة الامريكية ، فهي على يقين بأن ” الجديد ” هو الذي سيسود ، وان من يعلن عن ” الجديد لا يمكنه ان يتراجع عن اعلانه في الدفع الى شرق اوسط جديد ، اي بمعنى ليس للعودة الى الوراء ابدا .. واذا اراد البعض ان يفّسر تراجع الولايات المتحدة عن بعض قراراتها ، فاقول ان الولايات المتحدة لا تتراجع عن اخطائها وهي على الارض ، فكيف بها تتراجع عن اعلاناتها وهي على الورق ، هذا اولا .. اما ثانيا ، فما تعلنه الولايات المتحدة رفقة حلفائها هو ليس من قبيل السياسات القابلة للاخذ والرد ، بل انها تعلن عن ” مبادئ ” مؤمنة بها ولا تتنازل عنها ابدا ، فالسياسات الامريكية تطبيق للمبادئ سواء كانت صحيحة في نظر العالم ام خطأ ، واذا كانت تغّير من خططها على الارض تبعا لما تواجهه من ردود فعل في الحاضر ، لكنها لا تتنازل ابدا عن مبادئها التي تعتبرها خطط للمستقبل .

مزلاج التدمير الخلاقّ
وحسب البروفيسور مارك ليفين الذي كتب عن التحولات العولمية سواء على ايدي الليبراليه الجديدة ام المحافظين الجدد ، فان إدارة الرئيس بوش ستغدو في نهاية المطاف ، بمثابة المزلاج الى التدمير الخلاق الذي يمارس اليوم في العراق ، ومن المحتمل ان يزحف شيئا فشيئا الى بلدان ومجاتمعات اخرى ، كوسيلة قوية تلتزم العملية التي خصصّت لخلق عالم جديد ليس في الشرق الاوسط ، بل في اغلب المناطق الحيوية في العالم ! وربما انتقل التدمير الخلاق الى امريكا نفسها ، كما يتوقع البعض ، ولكن ثمة خطط لحماية العالم المتمدن من اوبئة العالم المتخلف ( كذا ) ! ولكن الامر الذي لا يدركه البعض ممن وضع بيضه كله في السلّة الامريكية بأن المصالح الامريكية لا يمكن لأي بشر الرهان عليها وعلى مصداقيتها .. فلا صداقات ولا وعود ولا عهود ولا حتى تحالفات او مواثيق وخصوصا مع القوى الضعيفة ! ان الولايات المتحدة قد تنجح في خلق شرق اوسط جديد ، ولكن لا ضمانات لها بأن تستطيع شعوب الشرق الاوسط الجديد ان تحقق امنياتها الوطنية واهدافها القومية كمجتمعات مستقلة .. ان بلقنة الشرق الاوسط لا يمكنها ان تكتسب شرعيتها الدولية في هذه الحالة . وعليه ، يكون مشروع الفيدراليات مثلا جزءا من المشروع ، ويحاول العراقيون تطبيقه دون جدوى حتى اليوم .. علما بأن القرار التشريعي العراقي قد صدر منذ اكثر من سنتين دستوريا ، وهو يراوح بمكانه في اطار البرلمان العراقي وباسم الفيدراليه العراقية ، لتقسيم العراق الى ثلاثة اجزاء هو يسحبها.

واخيرا : مشروعات اخرى
واخيرا ، فان خريطة شرق اوسط جديد غير معروفة نسبيا ، وهي لا تقتصر على منطقتنا العربية ، بل ان مجموعة خطط وصور وخرائط ومهام ورؤى تتضمنها مشروعات عدة قد خصصت للباكستان وايران وافغانستان .. ناهيكم عن آسيا الوسطى وقوقاسيا وترانس قوقاسيا وتركيا .. ثمة افكار عن مصر والسودان (= وادي النيل ) وعن المغرب العربي وافريقيا جنوب الصحراء .. سنعالجها في مكان آخر .

www.sayyaraljamil.com

الوسط ، 4 فبراير 2008

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …