الرئيسية / فن وموسيقى / طير عراقي مغّرد بحناجر اسكندنافية !!

طير عراقي مغّرد بحناجر اسكندنافية !!

فرقة سومر ويبدو على اليسار كل من الفنان طلال عبد الرحمن مع العود جالسا  والفنان الموسيقار احمد الجوادي مع الفايولين واقفا


 


سومر: فرقة عجيبة !
عندما سمعت قبل سنوات مضت وكنت اقيم بدولة الامارات .. ذلك ” الصوت ” العراقي الدافئ القادم من اعماق اسكندنافيا .. وهو يصدح بكل نغماته وآهاته ووقفاته وصعداته وقراراته مع موسيقى رخيمة كانت تصاحبه ، اطرقت بكل جوارحي اسمع اغنيات العراق الشجية التراثية القديمة باداء متمكن عالي المستوى من قبل فتيات سويديات .. تعجّبت وفكّرت طويلا متسائلا : كيف استطعن السيطرة على مخارج الحروف العربية ليغنين الاغنيات العراقية العذبة والصعبة في آن واحد ؟؟ لم اكن وقت ذاك اعرف من يقف وراء هذه الفرقة العجيبة المنطلقة من السويد قبل سنوات ، ولم اسأل عن مؤسسها واعضائها من الاخوة الفنانين العراقيين .. ومرت السنوات تباعا ونحن نهاجر من مكان الى آخر ، وانا اسمع بانشطة حيوية لتلك ” الفرقة ” الرائعة التي ذاع صيتها عند كل العراقيين .
اين رفاق الصبا ؟
كنت ابحث منذ سنوات طوال عن صديقين اثيرين مبدعين من الموصل ام الربيعين ، زاملتهما منذ ايام الثانوية قبل قرابة اربعين سنة ، استمر اولاهما معي في الجامعة يدرس اللغات واسمه طلال عبد الرحمن ، وقد التقيت به بعد سنين استاذا في الجامعة ، وغادر ثانيهما نحو القاهرة ، واسمه احمد عبد الهادي الجوادي ليدرس الموسيقى على يد الموسيقار الراحل احمد الحفناوي ، ويقال ان احمدا التلميذ غدا افضل من احمد الاستاذ ولكنني لم التق بالصديق احمد الجوادي ابدا منذ العام 1969 .. وانني لم ازل اذكر طلالا وهو يعد العدة لمغادرة العراق سّرا الى السويد وكان يائسا متبرما قنوطا من سوء الاوضاع بالعراق ، فهمس في اذني يقول : سأهرب يا عزيزي بعيدا لانطلق من اجل حريتي التي لا تعرف السجن ابدا ! مضت السنوات العجاف بكل مآسيها واوضارها ومصائبها ونحن نهاجر من مكان الى آخر ، اذ سمعت ان الموسيقار الجوادي قد ترك العراق هو الاخر وكان استاذا قديرا في معهد الدراسات النغمية وكلية الفنون الجميلة ببغداد ..
لقاء العمر
قبل اشهر ، كنت ازور العاصمة الاردنية عمّان مشاركا في المؤتمر التأسيسي للمجلس العراقي للثقافة .. ولم اكن اتصّور انني سالتقي واحدا من اصدقائي القدماء ، اذ لم اعرف ابدا اسماء كل الحاضرين .. فاذا بي اجد نفسي وجها لوجه امام طلال بعد كل تلك السنين وكانت الصدفة لا تقدر بملايين وكأن كّلا مّنا قد وجد كنزا اضاعه ، فشكرنا مضيفّنا على اتاحة الفرصة لتلاقينا .. كان لقاء حارا لا يوصف وقد ذكرت طلالا بمقولته التي همسها في أذني عشية هروبه .. بعد ساعة من الزمن اجتمعنا نحن الاثنين مع صديقنا واستاذنا القدير الدكتور احمد الحسو الذي احتفينا نحن الاثنين به معنا وللرجل ثقافته وادبه وكان مذيعا في اذاعة بغداد منذ نهاية الخمسينيات ومستشارا صحفيا للرئيس الراحل عبد السلام عارف وغدا استاذا في التاريخ الاسلامي لاحقا !
لقد كانت مفاجئة ان اعرف للمرة الاولى ان طلالا هو مؤسس فرقة سومر السويدية وهو الداينمو المحرك لها ، تلك التي اعجبنا بها .. ومما زادني فرحة واغتباطا ان يعلمني الاخ طلال بأن صديقنا المشترك الموسيقار الجوادي هو احد اركان فرقته بالسويد .. اخذت اسأله عنه وعن احواله بعد ما يقرب من اربعين سنة على افتراقنا .. وسألته عن سومر في كل دقائقها واحوالها .. وكيفية تدريب شابات سويديات يغنين الاغنيات العراقية القديمة ؟

فرقة سومر : وغنّى طير السعد
حدثّني الرجل عن التأسيس وقبوله التحدّي في عالم لا يمت بصلة ابدا الى العراق .. وكيفية تشكيل الفرقة .. واساليب نجاحها حتى انتصرت باستقطابها لذاك التآلف الرائع والتعبير العاشق للعراق منذ ايام المحنة حتى اليوم .. واسم سومر دلالة قوية في التعبير عن العراق كونه عرف اقدم الحضارات البشرية ممثلا ذلك بسومر وأكّد وبابل وآشور .. الخ وما دامت فرقة سومر عراقية الاسم والهوى والمضامين ، فلقد وقف ضدها كل اعداء العراق وخصوصا من الناحية الاعلامية ، وهو امر لا يخفى على الجميع ابدا .. وكانت الفرقة قد انتجت العشرات من الاعمال الفنية وهي تترجم للعالم اول شراكة عراقية سويدية ثقافية مدهشة .. فضلا عن مشاركتها للعشرات من المهرجانات والحفلات .. ومنها ما قدمته من غناء تراثي عراقي وعربي على مسرح دار الاوبرا في مدينة غوتنبورغ السويدية .
ان الفرقة كما حدّني الصديق الفنان طلال تضم في تشكيلتها مغنية نرويجية واخرى سويدية ـ من طالباته ـ تؤديان اصعب اساليب الغناء الطربي العراقي والعربي كما تضم عازفين عراقيين وسويديين .. لقد تأسست الفرقة عام 1996 في السويد ، وللعلم فان السويد هي الاستثناء في هذا العالم بتشجيعها فنون العالم .. وانني ادرك ذلك كونها تعتّز بامتلاكها المئات من الفرق الفنية .. ويكفي ان السويد قد برزت من اعماقها في سبعينيات القرن الماضي اشهر فرقة غنائية تتكون من اربعة فنانين رائعين اشتهروا في العالم كله وهم يمثلون فرقة آباABBA الشهيرة التي كنت قد نشرت بعض ذكرياتي عنها وعن مكانتها قبل سنين .

طير عراقي مغّرد
لقد انتجت فرقة سومر عددا من الاعمال على الاقراص المكتنزة ، كان اولاها بعنوان ( سومر ) وثانيها بعنوان ( العراق ) وغيرهما . ان ما يميز فرقة سومر عن غيرها ، ان الاداء بالعربية يؤدى بحناجر سويدية صرفة من قلب المجتمع السويدي .. وهن لا يتكلمن العربية ولكنهن اجادتا اجادة مدهشة غنائهن بالعربية دقة في اللفظ والاداء مع احساس مرهف .. فضلا عن كون هذه الفرقة تؤدي اصناف الغناء العربي والوانه فضلا عن الموال المصري والادوار والموشحات الاندلسية والميجانا السورية اللبنانية والعتابة البدوية والمقام العراقي والريفي العراقي .. الخ
لقد اهتم الاعلام السويدي بهذه الفرقة وقدمها في برامج خاصة ونقلت الاذاعة السويدية بعض انشطتها .. كما قدمت محطة الـ BBC البريطانية فلما قصيرا وبرنامجا كاملا ، ونشرت عروضها عنها فيما بثت اذاعة البي بي سي البريطانية برنامجا كاملا عنها , وتناولت عروضها عدة صحف..
تجربة فنية فريدة
ان تجربة سومر الفنية فريدة من نوعها ، فهي فضلا عن امهر الفنانين العازفين ، فانها ادمجت فنانات سويديات ونرويجيات لأول مرة في اداء الغناء بالعربية بعد تدريب خاص لنطق الحروف العربية واصول الغناء بالعربية وحسن الاداء فيه بكل سلاسة واحساس مفرط .. ويمكننا القول ان الفضل يعود اساسا الى هذا الفنان العراقي ويعود ايضا الى السويديين انفسهم الذين تميزوا عن غيرهم بعشق الموسيقى المهاجرة ويسمونها ( موسيقى الشعوب ) ، ويعجب المرء اذا عرف ان هناك 12 الف فرقة ، وان الفرق العربية لا تزيد عن عشر فرق في مقدمتها فرقة سومر التي فرضت حضورها اليوم على الجميع .
ان اهم ما يشغل البال السؤال القائل : كيف يمكن ان يؤدي اي انسان غربي غناء بالعربية بمثل هذا المستوى ؟ سؤال سألته للاخ طلال الذي يقوم بمهمة التدريب ، فقال لي : ” يمر التدريب بمراحل بدءا باختيار الاغنية ورغبة كل من ماريانا وآنا في ادائها ، ثم ابدأ التلقين للنص بكتابتهما النص العربي باحرف سويدية وبطريقتهما الخاصة ، واشرح لهما مضمون الكلام وبعضه ساذج لا يعني شيئا في الذهنية الغربية .. ثم ابدأ مرحلة التدريب على النطق الصحيح وتصويب مخارج الحروف ، وهي عملية صعبة تحتاج لجهد جهيد من الاعادة والتكرارحتي يستقيم النطق ، ثم تبدأ مرحلة الغناء بتقطيع العبارة الى عدة مقاطع وتقليد السماع .. ثم مرحلة الاداء ولكن ان يكون حرصنا بالروحية العربية وحسب لهجة كل بلد عربي ، فلكل بلد عربي طريقته وروحيته في الغناء .. هناك تدريبات خاصة من خلال التسجيل واعادة السماع والتصحيح واتقان الصنعة ليتم بعد ذلك اجراء البروفات .. وبعض الاحيان ارتطم بجدران المستحيل عندما ترفضان التخّلي عن كيانهما الغربي وتتقمصان روح فتاة شرقية او عربية .. واعيد الكرة من جديد حتى تنفتح امامنا ابواب المستحيل .

تحية من الاعماق
واخيرا ، فأنني احي الصديق القديم طلال عبد الرحمن ، الزميل الجامعي والفنان والشاعر ورفيق العود والكلمة الرائعة على جهده الحضاري في بناء هذه اللحمة بين ثقافتنا العربية والعراقية وبين المجتمع الاسكندنافي في السويد .. كما وأحّي بهذه المناسبة رفيق الصبا الاخ الموسيقار احمد الجوادي متمنيا ان القاه بعد اربعين سنة من الافتراق .. واتمنى من صميم القلب ان نجتمع كلنا نحن المهاجرين واللاجئين على ارض العراق الطيبة من جديد ونجدد مع كل اصدقائنا القدامى هناك اروع الذكريات واخصبها .. تحية الى فرقة سومر بكل اعضائها لما قدمته وتقدمه من اروع الاعمال ، متمنيا لها دوام الذيوع والشهرة وكل النجاح والتوفيق .

www.sayyaraljamil.com
الف ياء ، 9 ديسمبر 2007

شاهد أيضاً

فقرات من كلمة الدكتور سيار الجميل في حفل تكريم صديقه الفنان حمودي الحارثي في كندا الحفل اقامه اتحاد الفنانين التشكيليين العراقيين الكنديين يوم 29 /5 / 2011 على قاعة اسيمبلي هول في مدينة تورنتو

ايها الاصدقاء الاعزاء اسعدتم مساء شكرا جزيلا لاتحاد الفنانين العراقيين الكنديين استضافته لي هذه الامسية …