الرئيسية / افكار / مدارسنا وجامعاتنا : مداجن بشرية مرعبة !!

مدارسنا وجامعاتنا : مداجن بشرية مرعبة !!

ابتليت مؤسساتنا التعليمية والتربوية باناس ليسوا مؤهلين ابدا لتكوين جيل جديد ، بل واصيبت المناهج الدراسية بجملة من التشوهات والرزايا لخمسين سنة مضت ، وبدأت اليوم ، تنتج ثمارها المرة ، ناهيكم عن التقاليد الرثة التي نقلت الجيل الجديد من خصب التفكير والابداع الى طرق التقليد والاتباع . لقد كانت المناهج التربوية قبل خمسين سنة مؤهلة لصناعة اجيال حيوية وفعالة ومنفتحة لمشاركة العالم ابداعاته وتطوراته المذهلة ، ولكن ثمة انقلابات سيئة قلبت الموازين ظهرا على عقب ، واضحت كل مسارب التقّدم مسدودة مما انتج اخفاقات لا اول لها ولا آخر . ولم يقتصر الامر على المدارس ، بل انتقلت العدوى الى الجامعات التي غدت مجرد مدارس مفرغة من التقاليد الاكاديمية ومحشوة بركام من التدريسيين الذين لا يفقهون اسرار هذا العصر ، ولا بكيفية تأهيل قوى المستقبل البشرية .. انهم لا يعرفون غير تلقين تلاميذهم وطلابهم النصوص والعناوين بلا اي فلسفة أو منهج أو خطط متطورة لصناعة المستقبل .
لقد شهدت بنفسي جملة من المآسي في دواخل مدارس وجامعات عربية بحكم انتقالي في اكثر من بلد عربي .. التقيت بمعلمين ومعلمات وبمدرسين ومدرسات لا كفوئين ولا كفوءات .. وجدتهم متعصبين ومتعصبّات لا يعرفون من اسس المعرفة التربوية ولا الاساليب البيداغوجية سواء كانوا في مدارس حكومية ام اهلية .. وجدتهم يمزجون بين مبادئ المعرفة وهول الاوهام ووجدتهم يقسرون الاطفال الصغار وحتى الشباب على الممانعة والكبت وزرع الرعب عندهم .. وجدتهم يلعبون بعقولهم ، ويعلموهم التمييز والتحريض على الكراهية .. وجدتهم يزرعون الاحقاد في قلوبهم.. ويباركون الارهاب والحض على قتل الانسان .. وجدتهم يحرفون النصوص ليسوّقونها بما يتلاءم وتفكيرهم الخطير .. وجدتهم لا يعرفون من دين الله الا احتقارهم لغير المسلمين بل وجعلهم ابناء قردة وخنازير .. وجدتهم يؤكدون على كل سلبيات التاريخ في التفرقة والتشظّي والانقسام من دون التعلّق بالايجابيات وشحن العواطف بها والتعلّم منها .. وجدتهم يرسخون عفونات الواقع وكل موبقاته وانغلاقاته .. وجدتهم لا يطيقون ذرعا بغيرهم من الواعين والاذكياء والعقلاء والنابهين والاحرار فيحاربوهم .. وجدتهم لا يتقبلون الاخر ولا الرأي الاخر .. بل ويعلمّون الجيل الجديد كيف يقف بالضد لكل من يخالفه الرأي ويكفّره ويجعله ضالا !! وجدتهم يعششّون في الجامعات مقلدين مرددين يعدمون زمنهم بالقال والقيل .. لم يرثوا ثمار حضارة ولا ابداع تفكير ولا تعايشات مجتمع ولا زرع محبة ولا انتصار نهضة ولا حب علم ومعرفة .. بقدر ما ورثوا كل الخطايا والاحقاد والكراهية وروح العداء والمؤامرات والمشاغبات والدعايات المضادة والخطب الرنانة والمواعظ الفارغة والشعارات البراقة والمهاترات الاعلامية .. الخ وجدتهم مستهلكين غير منتجين وقد اصابهم الكسل التاريخي والتواكلية المقيتة مع ضياع الشعور باهمية الزمن .. مع جملة ممارسات خاطئة التي لا يقبلها لا الوجدان ولا الضمير الحي ولا الشرع والقانون .
منذ خمسين سنة مضت وهجرة الاف العقول العربية الى الغرب لم تنقطع .. ولم يزل هناك ثلة من اساتذة ومربين عرب يعانون من شقاء الوعي مع ادراكهم انهم في مجتمعات متخلفة تأكلها بقايا التاريخ وتتصادم فيها تناقضات التفكير ؟؟ وعليه ، فان مجتمعاتنا ستصادف مشاكل ومعضلات لا تعد ولا تحصى في قابل الايّام والسنين .. ولا استطيع ان أتصور أبدا هذا الانفجار الديمغرافي الرهيب من البشر في بلدان عربية وإسلامية لكل واحدة منها معاناتها .. بحيث تضيق بالناس ، مدنهم الكسيحة ، واسواقهم الرثة ، ومدارسهم وجامعاتهم العادية .. ولنا ان نتساءل : انهم بعد سنين ماذا سيأكلون ؟ وماذا سيعملون ؟ واين يسكنون ؟ ومن أي ماء يشربون ؟ والى متى سيبقون كسالى لا ينتجون ، اذ انهم يستهلكون الحياة والزمن وكل المستوردات وكل الاشياء ؟؟
ان من اكبر الاخطاء ممالأة المجتمع واسترضاءه بكل ما يحفل به من تناقضات ورخويات من دون الوقوف لمعالجته وتحديثه بالاعتماد على مناهج مدنية تربوية واعلامية وقانونية كي يتحّول مجرى التاريخ نحو الاصوب بوسائل اصلاحية وتحديثية .. وليكن معلوما ان ليس كل من نادى باصلاح المناهج التربوية والتعليمية والمفاهيم الاجتماعية يصنّف تابعا للغرب او يحسب على القائمة الامريكية فهذه سذاجة وخدعة لا اريدها ان تنطلي على الناس ! اننا ان بقينا على اوضاعنا هذه فان مجتمعاتنا مؤهلة لتصدير موديلات من نماذج ارهابية ومتوحشة لا تكتفي بالوقوف ضد السلطات السياسية ، بل انها ستقف ضد المجتمع وكل شرائحه واساليبه وطرائق حياته المدنية ، بل ستطال كل العالم ! ان هناك تدميرا للسايكلوجيات البريئة التي تنتشر في مدارسنا وجامعاتنا ، وانظروا حالات الكبت والعنف التي يعيشها الاطفال والشباب وماذا سيصيبهم من انحرافات ، فهم عرضة للتناقضات التي لا تعد ولا تحصى ، بل والانكى من كل هذا وذاك استخدام آخر ما وصلت اليه تكنولوجيا المعلومات في بث القصص المخيفة وزرع الكراهية من خلال الحكايات والخطابات المرعبة .
ان مدارسنا وجامعاتنا قد اصبحت اليوم اشبه بمداجن بشرية لا يمكن ان تكون بيئات صالحة لتنشئة اجيال جديدة لها تكويناتها المدنية : التربوية والاخلاقية والمعرفية الحقيقية ، وان ما يكمن فيها من مربين اسوياء لا يستقيم عددهم مع حجم الجهلاء والاغبياء .. وسواء كانت حكومية ام خاصة فهي لا تصلح الا لجمع الاموال والكسب غير المشروع ، بل واصبحت تلك المؤسسات الحيوية بأيدي اناس لا يؤمنون بقيمة هذا العصر ، وانهم يكسبون الجولة بسبب عدم وجود من يقف ضد اساليبهم التي عادة ما تتهّم أي منتقد لهم بالتكفير.. وهكذا ، يفتقد كل العاملين فيها واجباتهم الحقيقية وحقوقهم الطبيعية . ان اسماء لامعة من الاساتذة العرب تمّ اقصاؤهم في السنوات الخمس الماضية من الجامعات العربية بسبب افكارهم التي لا تستقيم والهجمة الظلامية. فهل يعي اولو الامر ذلك ؟ اتمنى ذلك من صميم القلب .

www.sayyaraljamil.com

البيان الاماراتية ، 11 يوليو 2007

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …