الرئيسية / افكار / هل للعرب المعاصرين فلسفة وفلاسفة ؟ …ام انهم انتجوا كلام اللواغيا ؟

هل للعرب المعاصرين فلسفة وفلاسفة ؟ …ام انهم انتجوا كلام اللواغيا ؟

مدخل
الفلسفة كما يعّرفها المعرفيون منذ القدم انها – باختصار – : ” البحث عن حقائق الاشياء ” . والفلسفة – في معاجم اللغة العربية – هي ” الحكمة ” ، فهل انتج العرب المعاصرون والمحدثون ” حكمة ” من نوع ما وكشفوا عن حقائق اشيائهم ومعانيها على امتداد أكثر من قرن كامل مضى من الزمن ؟؟ وهل ابدعوا معرفيا : نظريا وتطبيقيا في البحث والخلق لنظريات وافكار شغل العالم كله بها ؟؟ يقال : احكم الامر من الحكمة ، اي : اتقّنه ومن تنسب اليه الحكمة قد احكمته التجارب على المثل : ويقال لمن كان حكيما قد احكمته التجارب ، واحكمت الشيىء فاستحكم : صار محكما . قال ذو الرمة :
لمستحكم جزل المروءة مؤمــــن من القوم ، لا يهوى الكلام اللواغيا
ونعود لنسأل : هل انتج العرب فلسفة وحكمة على امتداد قرن كامل ، أم انهم عشقوا الكلام اللواغيا ، بكل ما فيه من اطناب واسهاب وثرثرة وتهويل ولغو وحشو وتكرار وهذر وانشاء خاو من المعاني .. الخ
العرب اليوم : بعيدا عن استنارة فكر وعن فاعلية تفكير
كنت قبل ثلاثة اسابيع ضيفا خفيف الظل على قناة الشارقة الفضائية في برنامج حيوي اسمه ( اوراق ) ، وفي حوار مبسّط مع صاحبته ومقدمته السيدة باريهان كمق عن حاجة العرب الى منهج فكر ! قلت منذ البداية : بأن ليس عند العرب المعاصرين فكرا محدثا فهم في مرحلة طالت نهضويتهم فيها من الركود وهم ما زالوا في دوامة من التفكير الباحث عن نقاط البدء بعد لا الفكر المستنير الراسخ القائم بذاته ! ومن المضحك المبكي ان يطلق البعض على انفسهم بـ ” المفكرّين ” !
قالت محاورتي وهي مثقفة ومتابعة : لماذا ؟
قلت : لأن ليس هناك أي مجتمع في الدنيا اليوم يحترم نفسه ويتقّبل مثل هذا المصطلح او التعبير عن بعض ابناء نخبه . هذا مصطلح بليد اشاعه العرب بقولهم ” هذا مفكّر .. ” وهذه ” نخبة من المفكرين ” .. فالاصح – عندي – ان يطلق على كل واحد منهم اختصاصه الجامعي او المهني او النظري فيقال : الطبيب والمهندس والمحامي والقاضي والاكاديمي والمؤرخ والكاتب .. الخ أما ان يقال عن هذا ” مفّكر ” وذاك ” فيلسوف ” فهذا ما يضحك حقا .. فكل انسان مهما كان حجمه في هذا الوجود انما يفّكر في الاشياء ومعاني وما حوله من الامور ليسكن الى معتقداته ويتخذ عنها مواقفه وقناعاته وثوابته . وربما تختلف من احدهم الى الاخر جراء تباين عواطفهم ومشاعرهم وانسياقهم وراء مؤثرات واحداث وخطابات وانساق لا حصر لها ابدا .
قالت : وماذا بعد ؟
قلت : ليس من واجب كل من هّب ودبّ ان يتطفل على تخصص الاخرين ، واذا قبلنا بالمصطلح على مضض ، فأنني أسأل : هل استطاع ( الفكر العربي المعاصر ) ان يفرض نفسه في مساحة معينة ومضيئة وضيئة في الفكر الانساني الحديث اليوم بكل ما وصل اليه هذا الاخير من التطور والعمق ؟؟ هل نجح اي ( مفكر ) عربي بفرض نظرية معينة او فلسفة متميزة وشغل مساحة كبرى ومعتبرة من القراء والمهتمين والدارسين في العالم ؟؟ الجواب : كلا .. واستطردت متسائلا : هل نجح العرب بكل جحافلهم من المثقفين والمختصين بعد مضي قرنين من الزمن على ما يسّمى بنهضتهم الحديثة ان يفرضوا موسوعتهم العربية العالمية – مثلا – وبأكثر من لغة على الثقافة البشرية ؟ انهم ان كانوا قد فشلوا فشلا ذريعا حتى في الاتفاق على مبادىء معرفية وخطوط منهاجية عامة فكيف يا ترى ستكون لهم فلسفاتهم وفلاسفتهم ؟ ربما هم يقولون ويتنطعون بأن لهم ما ليس للاخرين من فلسفة وفلاسفة .. دعوهم يقولون ويزايدون ما يشاؤون بينهم وبين انفسهم ، ولكن من مصلحة اجيالنا القادمة ان لا ندعهم في غيّهم يعمهون ! وساعرض في ادناه صورة نموذج من هذا الغثاء الذي يجتاح ثقافتنا العربية المعاصرة تحت طائلة شعارات تدعمها شهادات ورقية ( اكاديمية ) يغلّف بها بعض الجاهلين بها انفسهم !
حوار بيزنطي
نعم ، بعد لأي من ذلك الحوار التلفزيوني ، طلع على الشاشة ضيف من الاردن قدّم تعقيبا بائسا على كلامي كونه لم يفهم الصح من الخطأ وقال كلاما عاطفيا بما يشبه لغو من الكلام .. وكان المسكين لا يدرك الف ” التفكير ” من يائه ! كان على اسوة اقرانه من الوعاظين الذين تربوا في صحراء قاحلة لا تعرف فيها المعرفة ولا شطآن العقل ولا لغة الاخر ولا فلسفة العالم .. كان مهذارا ثرثارا وكأنه لم يدرك ولم يكتب ما يقوله الحكماء والعقلاء على امتداد قرن كامل من الزمن ؟؟ وهو الذي لم يعلموه الا كيل المديح والاجترار والاستطراد وقلة العقل وهذه مصيبة ابتليت بها ثقافتنا العربية اليوم وخصوصا عندما تخرج في اروقة جامعاتنا العربية البائسة ركاما من الجهلة الذين لا يصلحون ان يكونوا في اسفل سلم المجتمع لا في اعاليه ! نعم ، قال : كيف لا ونحن لدينا فلسفة وفلاسفة جهابذة عرب من المحدثين المعاصرين امثال ذاك وذاك .. فلاسفة كتبوا كما كبيرا من الكتب التي خدمت ثقافتنا العربية وقلت في نفسي : يا لسخرية القدر ان تغدو مؤلفات مسردة ومترجمة وكتابات لنصوص اعاد انتاجها اصحابها من جديد ونشروها في حياتنا الثقافية بثياب رثة .. فصّدق العرب ان لديهم فلسفة وفلاسفة !
اجبت هذا المتدخل بما يستحق بكل هدوء ، اذ ادرك انه وأمثاله قد نكبهم الجهل ورفعهم الزمن فاصبحوا من السفهاء الذين لا يمكن الحوار معهم ، ولّم ينفع معهم الا الاهمال والترفع فهم بمثابة لجام يعضلهم حتى يموتوا !!
عاد ليهذر من جديد ثانية مستخفا بتكنولوجيا العصر ومجّملا كلامه بترديد ما كان قد تلقّنه من عبارات سياسية في المجد والجهاد والسؤدد وكال المديح لتقاليده البدوية المجيدة التي اعتبرتها مجتمعاتنا المدينية العربية في الامس القريب تقاليد بالية لا تنفع المجتمع المعاصر ! وعاد ليردد بكل وقاحة بأن للعرب اليوم مدارس فلسفية وفلاسفة عظام ومناهج راقية في الفلسفة ! واراد تحويل النقاش الى قضية سياسية كالعادة العربية الفاشلة عندما تنضب آلية المعرفة ومن اجل ان يتبجح ضد العراق فاسكته بعد ان سألتني محاورتي بكل ذكاء : هل تتفق مع هذا الذي يطرحه ( الدكتور ) ؟ قلت لها : كلا لا اوافق ما يقوله هذا الرجل ! فالامور ليست بمثل هذه السذاجة .. فأي فلاسفة عظام هؤلاء ؟ وأي مناهج راقية في الفلسفة عند العربان المحدثين ؟ وأي مدارس بها يتميزون ؟ ان كل من كتب في الفلسفة من ادباء واكاديميين وشعراء ومثقفين عرب لا يعدو ان يكون مجرد انشاء كلام او تجميع نصوص او توصيف حال او ترجمات كتب او شرح قواعد او كتابة مقالات او ابيات شعر فلسفية .. الخ
اين الفلسفة والفلاسفة ؟
انني اتحّدى ثقافتنا العربية ( الحديثة ) الاتيان بفيلسوف عربي واحد اليوم عند مطلع القرن العشرين او حتى من مثقفي القرن العشرين .. قدّم نظرية فلسفية عرفها العالم كله ؟ او انه قدّم ابداعا فلسفيا في موضوع حيوي معين على الارض العربية وليس جزءا من انتاج معرفي في جامعات غربية ؟؟ ولقد طالبت الجيل الجديد الذي اتمنى عليه ان يوظف طاقاته وخبراته بعد عشر سنوات من اليوم بعد رحيل جيلنا نحن هذا المخضرم بين قرنين .. طالبته بأن يؤسس ثورة نقدية عارمة لمنتجات آبائه في القرن العشرين ليقف على حقائق مذهلة وعلى اسماء كتاب مشهورين في ادبياتنا العربية كتبت في الفلسفة وغيرها ، لكنه سيكتشف انها اسماء مخادعة ومهزوزة ومخاتلة ومستلبة لم يكن ذلك الكم الوفير الذي كتبته تلك الاسماء ونشرته الا مجرد ترجمات خفية عن لغات اجنبية ويا للاسف الشديد ! خصوصا وان ابرز هؤلاء عاشوا في بيئة محلية لا تعرف الا لغة التهويل والمديح والتعظيم لأناس وصفوهم بالمفكرين والفلاسفة والعمالقة الكبار وهم لا يصلحون حتى لكتابة عرضحالات لدوائر رسمية او على اكثر تقدير اعتبارهم كتبة مقالات او مؤلفي كتب لا حياة فيها ولا فكر لها ولا ابداعات مثمرة عنها !
لقد اشتغل العرب من المسلمين وغير المسلمين القدماء بالفلسفة بعد ان تأثروا بالفلسفة الاغريقية فابدعوا واثمرت جهودهم اثر اعظم حركة للترجمة قامت في بغداد وبرغم كل ما قدمّه حنين بن اسحق والكندي والفارابي ومسكويه وابن رشد وابن طفيل وابن باجه والبيروني وابن ميمون وابن سينا وابن خلدون وغيرهم من اقوى الفلاسفة واصحاب المناهج والمدارس من علماء الكلام والاشاعرة والمعتزلة .. الخ الا ان حربا ضارية لا هوادة فيها مورست ضدّهم تحت مسمّيات واتهامات شّتى فوصف بعضهم بالتهافت ووصف بعضهم الاخر بالانعزال والبعض الاخر بالزندقة والالحاد .. نعم ، كل ذلك جرى في دواخلنا العربية علما بأنهم ابدعوا واثمرت جهودهم عن براعة فكر حقيقي استفاد العالم كله منهم .. ولكن عصرنا الحالي لم يشهد ولادة فلاسفة عمالقة ولا حتى اقزام صغار يتفلسفون او حتى يهذرون عن عشق للفلسفة او عن جنون بها ..
لقد عجز الفكر العربي المعاصر عن الفلسفة بسبب عوامل عديدة لا يمكنني اغفالها في مثل هذه المداخلة ! فالعرب على امتداد تاريخهم الحديث قد غلبوا الافكار السياسية والمعتقدات الايديولوجية المتنوعة على تفكيرهم المعرفي فحادوا عن طرائق العقل ، وكانوا وما زالوا يتغّلب الايديولوجي عندهم على المعرفي . والمعاصرون اليوم كانوا وما زالوا يختنقون في اقفاص حديدية سجنهم فيها حكامهم واباطرتهم .. او انهم وجدوا انفسهم في مجتمعاتهم يتشربون من ترسبات عقيمة وبقايا التخلف وهم في شرانق تحزهم خيوطها ولا تسمح لعقولهم بالتفكير الحر والتعامل النقدي المباشر مع الحياة .. والمعاصرون اليوم عندنا قد فتحت الاجيال الاولى منهم عيونها واسماعها ومشاعرها وكل جوارحها على ما يسّمى بـ ” النهضة ” و ” التقدم ” ، وبعد ان اخذها هذا شمالا وسحبها الاخر يمينا وجدت الاجيال الجديدة نفسها وقد افترستها مشروعات مؤدلجة ومواعظ وممنوعات ومحرمات وخطب سياسية رنانة عدة ازحمت بالشعارات والمقدسات والتعليمات ، فصمّت الاذان وتعطلت لغة العقل وقفل على الالسنة واضطهدت المشاعر وكممت الافواه واختنقت الانفاس ..
العرب : خطايا واقع متعفّن
اي فلسفة عربية معاصرة يمكننا ان نقف ولو لمرة واحدة مع نظرية فلسفية واحدة ؟ اي اثراء معرفي عربي حقيقي جرى في حياتنا الفكرية الحديثة لنظريات فلسفية حديثة عاشت في القرنين السابقين ؟؟ هل كانت الكتابة وحتى التأليف من قبل بعض الكتبة والكتاب للنصوص في موضوعات كالداروينية او الماركسية او الوجودية او النسبية او البنيوية .. الخ هي التي تعتبرها جوقات من الجهلة والمداحين العرب فلسفة ؟ هل نجح العرب المعاصرون في اثراء المعرفة الانسانية بالعمل جماعات وفرق عمل نظريا وميدانيا لانتاج اعمال مميزة يلتفت اليها العالم ؟ هل ساهم العرب المعاصرون الذين يهوون الندوات والمؤتمرات والشعارات والخطابات الرنانة ان يعتنوا قليلا بتربية المبدعين من اولادهم وبناتهم كي يكون لهم مستقبل وشأن كبير ؟؟ اي فلسفة عربية معاصرة هذه التي يتبجحون بها ونخبة المثقفين منهم تجتر المقولات وتردد النصوص وتستلب الافكار ولا تحترم الاخر وليس لها الا الاوهام والاخيلة والتشبب وذكر الامجاد وتكرار الاقوال والامثال وتدجن الكوارث وتشيد بالسلطات والدكتاتوريات .. ؟؟ اي فلسفة عربية معاصرة هذه التي لم تزل هذه النخبة من الكتاب العرب الذين لا يعرفون الا الكتابة ولا اتخّيل كيف انهم يكتبون وماذا يكتبون من دون ان يقرأون ولا يتدارسون ولا يتابعون !؟؟ كيف يمكنني ان أصف اوضاع حياتنا العربية المعاصرة التي لم تشهد حتى الان اي ثورة نقدية وفكرية حقيقية او اكاديمية منهاجية لدراسة تراثنا ونقده وكشف مستوراته وفضح عوارضه وتعرية مفاسده وتقويم اعوجاجاته الى جانب احترام رجالاته وثمار ابداعاته بعيدا عن النرجسية وعن التقديسية وعن التكفيرية وعن سحق الموضوعات الحية باسم عدم سحق الذات والذات منسحقة من عصر بعيد وقد غدت في اسفل سافلين !!
واخيرا : ما الذي يمكنني قوله ؟
متى يتخلص العرب من صناعة الكلام اللاغي ؟ متى يفكرون الف مرة قبل ان يهتاجوا ويقولوا ويكتبوا ويقدموا النصائح البليدة ؟؟ متى يتخلصون من الوعظية وتوزيع الاحكام المجانية والقاء الاتهامات القاصمة على الاحرار والمفكرين والنقاد الحقيقيين ؟ متى تفرز الحياة العربية النقاوة من المفاسد والبياض من العتمة والنظافة من الاوساخ والعقل من الجهالة والحداثة بعيدا عن اقانيم التخلف .. ؟؟
وتعالوا نسأل : اين العرب اليوم من بحثهم عن حقائق الاشياء وتوليد المعاني وخصب التفكير وابداعات الروح والعقل ؟ اين هم من الحكمة ؟ حتى لو كانت شعرا ” وان من الشعر لحكمة ” – كما يقول الرسول الاعظم – ؟ اين هم الان من نظريات العصر الفلسفية الحديثة ؟ لماذا يتقبلون كل شيىء مادي وتكنولوجي ينتجه الغربيون ببساطة وسذاجة باعتباره تحصيل حاصل مشروع وشرعي ، ولكنهم يحجمون ويتبلدون عن قبول فلسفات الغرب ونظريات المعرفة الحقيقية المعاصرة ؟ لو كان لديهم فقط حركة نقدية وفكرية وفقهية اجتهادية جريئة وحرة لنفضوا عنهم وعن انفسهم وعقولهم غبار الاختناقات وترسبات الماضويات وعفونة الواقع واحترموا تراثهم الحضاري الزاهر بعيدا عن تقديسه بغثه وسمينه ، واحيوا مقاصدهم النظيفة التي لا تتقاطع او تتناقض مع ثوابتهم الراسخة .
نعم ، لو بدأت مشروعات تجديدية وتحديثية في التفكير العربي والاسلامي الحديث وعالج العرب زمنهم لشاركوا مشاركة حقيقية في حياة العصر ، ولكنهم ويا للاسف الشديد كانوا وما زالوا بعيدون جدا عن اللحاق حتى بفهم ذيوله وقوة صعقاته ! لو تيسّرت الامور عندهم وغدت الحياة العربية بأيدي عقلائها ورجالاتها الحقيقيين لأنتجت بعد اجيال واجيال من ( نهضتها ) حكماء يتدبرون امرها وستحل مشكلات ومعضلات لا حصر لها بأيديهم باعتبارهم من اهل الحل والعقد .. ولتغير وجه حياتنا العربية واسرعت خطاها نحو ركب التحولات في العالم كله ! وأخيرا ليس لي الا ان أسأل : هل ما زال هناك بشر سوي يقول بأن لدينا فلسفة حديثة وبعض فلاسفة كبار من المعاصرين ؟؟

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …