Home / الرئيسية / رموز وأشباح  الحلقة 34 : فضيحة طيّار عراقي اسمه منير روفه اسطورة الطائر الأزرق والعملية الماسية : وثيقة اسرائيلية تشّوه الحقائق في اختراق الموساد للعراق

رموز وأشباح  الحلقة 34 : فضيحة طيّار عراقي اسمه منير روفه اسطورة الطائر الأزرق والعملية الماسية : وثيقة اسرائيلية تشّوه الحقائق في اختراق الموساد للعراق

رموز وأشباح 

الحلقة 34   : فضيحة طيّار عراقي اسمه منير روفه

اسطورة الطائر الأزرق والعملية الماسية

وثيقة اسرائيلية تشّوه الحقائق في اختراق الموساد للعراق

أ.د. سيّار الجميل

كان منير حبيب جميل  روفه (1934 – 1998م) أحد الطيارين العراقيين ضمن منظومة القوة الجوية العراقية ، وهو مسيحي يقال انه من تلكيف احدى بلدات سهل نينوى من توابع الموصل ، وقد انشق عن العراق ليهرب بطائرته الميغ 21 إلى إسرائيل في عام 1966 فوصف بالخيانة العظمى علىى عهد الرئيس عبد الرحمن عارف 1966- 1968 وذلك عن طريق تحليق طائرته تلك التابعة لسلاح الجو العراقي ونزولها في واحد من مطارات إسرائيل ، وفي عملية منظمة من قبل الموساد واشتهرت بعملية 007،أو ” الطائر الازرق ”  . وتعتبر  تلك ” العملية التي  دعيت اسرائيليا في ما بعد بـ ” الماسية ”  Diamond واحدة من أكثر عمليات الموساد نجاحًا في القرن العشرين ، وقد تمّ تهريب كل افراد عائلة روفه بأمان من شمال العراق إلى إسرائيل ، ومنها اختفوا في  دولة  غربية  بعيدة . وكان الهدف من استلاب  الميغ 21 هو معرفة اسرار  هذه المقاتلة المختطفة سوفييتية الصنع الجديدة من قبل سلاح الجو الإسرائيلي واختبارها ، ومن ثمّ  تمّ اعارتها لاحقا بصورة مؤقتة إلى الولايات المتحدة لاكتشاف قدراتها وتحليل اسرارها. وبغرض إجراء التحليلات الفنية والهندسية المتعلقة بنظريات الطيران والخاصة بتصميم الطائرة.  وكان التعّرف على تلك الطائرة عاملاً مساعدًا في الانتصار الساحق الذي حققته القوات الجوية الإسرائيلية في مواجهاتها عام 1967 ، أي بعد سنة واحدة مع العرب  الذين  هزمتهم في 5 حزيران / يونيو 1967  .

منير روفه .. من يكون ؟

ولد منير روفا عام 1934 ، وهو الثاني من بين 9 أطفال . وكانت عائلته فقيرة كما تبين المصادر ، وقد نزحت إلى العراق ضمن انتقال وهجرة المسيحيين من جنوب شرقي تركيا وشمال غرب ايران اي من منطقة اورمية بالتحديد ، هربًا من اتون الحرب العالمية الأولى والصراعات العرقية والدينية التي جرت . وعلى عكس ما رسمته المصادر الاسرائيلية عنه ، فان اجوبة بعض الطيارين العراقيين الذين عرفوه انه لم يكن ملاكا وديعا ، بل كان شرسا ، ويتعامل بفظاظة ليس كبقية المسيحيين العراقيين الطيبين ، وكان خشنا جدا بين اقرانه ، وسكيرا  بفظاعة وملاكما يتعامل بالـ ( بوكسات )  ، ولا  يخشى من عواقب الامور ، وكما قال احد زملائه الطيارين ، كان يتعامل بقوة وسريع الغضب !

وجاء في الوثيقة الاسرائيلية ان روفه ” قد عقد مؤتمرا صحفيا بعد نجاح عمليته وهروبه أشار فيه إلى أنه عانى من تمييز ديني وعرقي في العراق ، وأنه لم يشعر أن اسرائيل موطنه اذ طلب اللجوء الى الولايات المتحدة ، ولكنه بعد ان جمع شمله مع عائلته في إسرائيل حقق رغبته بالهجرة  ولكن الى أين ؟  لا  احد يدري ، علما بأنه حصل على الجنسية الإسرائيلية ”  . وهنا نسأل : متى عقد مؤتمره الصحفي ، اذ  انه بعد هروبه ، ظن العراقيون ان احتمال سقوط طائرته وارد ، وبقي سر  اشاعة خبر وصوله اسرائيل قد اعلن بعد ثلاثة ايام ”  ، لكن احد الطيارين العراقيين الاحياء يقول  بأنه سمع من اذاعة لندن نشر خبر  وصوله اسرائيل في اليوم نفسه !  اما ما جاء عن ادعائه التمييز الديني والعرقي ، فهو محض هراء ، اذ لو كان يوجد مثل هذا التمييز لما ابقوه عضوا في القوة الجوية اولا ، ولا ائتمنوه على اهم واخطر طائرة حربية في العالم يوم ذاك !  ونسأل : لماذا حقق رغبته بالهجرة الى الغرب بمثل هذه الوسيلة القذرة باختياره  اسرائيل  العدو الحقيقي للعراق ؟  كان باستطاعته  ان يحققها بواسطة وسائل اخرى.  واعتقد كما يبدو  أنه عاش ما تبقّى من حياته وهو يتملكه الرعب من القتل حتى مات عام 1998 بتأثير نوبة قلبية عن عمر يناهز الرابعة والستين . وقد غدت عمليته التي خان بها وطنه وأهله موضوع فيلم سينمائي عنوانه  ” سرقة السماء ” الذي انتج عام 1988.  ولقد اختلفت الروايات عن  طريقة هروب  منير روفه الى  اسرائيل ، وتعددت التبريرات التي ساقها هو  نفسه ، ام  ذكرتها اسرائيل في وثائقها ، ام  قالها العراقيون عنه . كان منير روفة طيارا مقاتلا عراقيا واحدًا من ضمن خمسة طيارين فقط وثق بهم النظام الجديد الذي جاء مع الانقلاب الدموي ضد حكم عبد الكريم قاسم  ، وبقي يواصل الخدمة مع التشكيلة الوحيدة التي تشغل السرب الحديدي MiG-21 .

استلاب الطائرة : جريمة مفضوحة

في ذكرى مرور اكثر من نصف قرن على حرب 1967 ، اي مرت تلك الذكرى قبل ثلاث سنوات ، احتفلت اسرائيل احتفالا تاريخيا عام 2007 بذلك النصر ، واظهرت وثائق جديدة تحكي القصة الداخلية لمهمة جريمة سرقة علنية من خلال مغامرة جريئة وفضيحة لا اخلاقية لاستلاب مقاتلة عراقية سوفييتية الصنع من طراز ميغ 21 من العراق الى إسرائيل عام 1966 ، اي قبل سنة من حرب 5 حزيران / يونيو 1967 التي احتفلت بذكرى انتصارها المذهل في تلك الحرب التي اعتبرها العرب وقت ذاك مجرد “نكسة”، وعادوا  ليعترفوا بأنها كانت هزيمة تاريخية منكرة بكل المقاييس . وكان احد اهم اسباب انتصار اسرائيل معرفتها أسرار تلك الطائرة ، التي كشفت قدراتها امام الطيارين الإسرائيليين خلال ايام تلك الحرب سيئة الصيت  ،  فكيف  تمّت عملية استلاب تلك الطائرة العراقية  ؟

البداية

تقول اسرائيل في وثائقها :  ” كان (زئيف ليرون) طيارا اسرائيليا نجح في اقناع منير روفه الطيار العراقي بالفرار الى اسرائيل ؟ وكيف كادت المهمة بأكملها على حافة الانهيار تقريبا عندما اصيب زوجة روفه بصدمة قاسية عند وصولها الى بباريس، وعند سماعها بخبر فرار زوجها الى اسرائيل وأنها ستعيش معه في إسرائيل ، اذ لم يكن زوجها قد اخبرها بذلك . ففي العام 1966 ، كان روفه طيارًا يبلغ من العمر 32 عامًا ينتسب الى سلاح الجو العراقي. وتقول التقارير  المتعاطفة معه لتبرير  عمله : انه كان محبطًا كون خلفيته المسيحية تمنعه من فرص الترقية ، وانه غضب من كونه تلّقى الاوامر  بمهاجمة الأكراد العراقيين ” . ولمناقشة مثل هذه الادعاءات ونقدها ، نتساءل : لماذا صدمت زوجته في باريس عندما علمت انها ذاهبة الى اسرائيل ؟ هل من المعقول ان تغادر العراق مع كل اهله وعائلته ، وهي لا  تعلم انها ستذهب بلا رجعة ؟  وهل يخطو مثل هذه ” الخطوة ” من دون ان تتساءل : بأية وسيلة باستطاعته الهرب من العراق ؟

ان من التبريرات المفبركة الاخرى انه بدأ يشك في ما إذا كان لديه أي مستقبل في العراق ، وهكذا ، فقد التقى صدفة بشخص اسمه جوزيف شماش، أحد كبار عملاء إسرائيل في بغداد، فدعاه برفقة زوجته الى بيته وأقنعهما بالانضمام إليه في عطلة يقضونها في جزيرة يونانية ، وهناك تم خلالها تقديمهما إلى ليرون. وكان يعرف فقط باسم جوش ، وهمس شماش في اذن روفه :  ” ان بامكان جوش أن يساعدك على مغادرة العراق” . هل ان زوجته يمّر عليها  كل هذا الحوار  وهي لا تعلم ما الذي  يفعله زوجها ، وهو  عسكري وفي موقع رسمي خطير في الدولة ؟

قبول روفه لمهمة الاستلاب وثمن الخيانة

وتبقى الروايات الاسرائيلية مزيفة  للحقائق  ، وهي  تلبس روفة  رداء  نقيا ، لتجعله  فوق الشبهات عندما  نقرأ  :  قال ليرون: “عندما سمع منير ما أردناه – لنقل طائرته الميغ 21 من العراق إلى إسرائيل – فقد وعيه تقريبًا  قائلا : to Iseral  “. “My MiG اوه طائرتي الميغ إلى إسرائيل؟ وأشار مجاوبا  بأن طائرته العزيزة  لا تحمل وقودًا كافيًا للوصول إلى إسرائيل ، وأنه سيتم إسقاطه معها بمجرد محاولته التوجه إلى الحدود. ولكن عرضت عليه خارطة اظهرت له بأن الخطة يمكن أن تنجح. وقال ليرون: “وأخيرًا ، كان منير مقتنعًا، ولكن بحلول الصباح ربما سيبرد حماسه “. وعليه ، فقد استشار الموساد إسحاق رابين، رئيس أركان الجيش ورئيس الوزراء في السنوات القادمة ، والذي أمر بالتالي: “أحضروه إلى هنا في إسرائيل. وليرى أين سيهبط ودعوه يطير في إحدى طائراتنا. ” ! لا اعتقد ان شخصا مثل روفة يمكن ان يفقد وعيه بمجرد ذكر اسرائيل  .. اعتقد انه  سعى بنفسه كي  يكون بضاعة عراقية كاسدة ليكون اسرائيليا  .. والدليل  انه حصل على جواز سفر إسرائيلي باسم موش ميز راحي وهبط للمرة الاولى مع ليرون في تل أبيب ، حيث تم نقله إلى المطار الذي سيهبط فيه بالميغ  21 ، وقبل أن يغادر إسرائيل ، طلب روفه من ليرون ألا يخبر زوجته بأي شيء عن الخطة . ووعد قائلا : “سأجهز الأرض”. لكنه لم يفعل ذلك – وبدا انه كان يعرقل العملية ، ففي بغداد، تم تكليف روفه برحلة طويلة ، وأقنع موظفيه الأرضيين بإضافة خزان وقود إضافي إلى طائرته الميغ 21 .”  وهذا لا يمكن ايضا الوثوق به ، اذ اعتقد ان الاسرائيليين هم الذين طلبوا منه الا يخبر زوجته ! كما انه لا يمكنه ان يقنع موظفيه الارضيين باضافة خزان وقود اضافي الى طائرته الميغ 21 ، فالخبراء السوفييت  كانوا قد منعوا العراقيين منعا باتا من ملامسة هذه الطائرة ، وهم وحدهم الذين  بمقدورهم اضافة خزان ثان للطائرة !  السؤال الان : ما سر  ذلك الخزان ؟ ومن اضافه الى الطائرة كي  تتمكن من اجتياز  المسافة الى اسرائيل ؟

ردود الفعل

وفي الوقت نفسه ، رتب الإسرائيليون لعائلة روفه بأكملها. مغادرة العراق لقضاء عطلتهم الصيفية. وذهب والداه وعدد من أفراد الأسرة الآخرين الى اقصى نقطة حدودية في شمال البلاد كي يعبروا الى خارج البلاد من خلال الحدود مع ايران ، ومنها اختفوا بوصولهم الى اسرائيل . كيف ؟ لا احد يدري !  من ساعدهم الا  عملاء الموساد الذين  يبدوا انهم كانوا موجودن في العراق على مختلف العهود والازمان !

تستمر الوثيقة قائلة : ” وكانت آخر من غادرت زوجته بيتي وطفليهما ، وكانا يبلغان من العمر ثلاثة وخمسة أعوام ، فكان ان سافروا إلى باريس، وعندما التقى بها ليرون هناك في منزل آمن رتبه الموساد لهم  ، أخبرها أنهم على وشك السفر إلى إسرائيل ، فكان ان صدمت وصاحت وهي في ذروة من الهستيريا. “انسى ذلك!” وصرخت بوجهي  “إسرائيل؟ هل انت مجنون؟ ومن أنت على أي حال؟ سأذهب مباشرة إلى السفارة العراقية “. هذا ايضا  كلام لا  يتقبله العقل مع سفر زوجته وطفليها الى باريس ! فهل كان سفرهم من بغداد مباشرة ، ام من مكان آخر ؟  وهل اصابت الزوجة هكذا هستيريا  ؟  وحتى ان قامت بتمثيل  مثل هذا الدور ، فمن الذي  ستقنعه بموقفها اصلا  ؟

وحتى ان صدقّنا ما ذكر في اعلاه  ، فان تصرفا شرسا ومباشرا من الموساد معها .. عندها فقط أدركت أن منير قد فعلها حقا ،  ويكذب من يقول انه لم يقل لها كلمة واحدة عن الذهاب إلى إسرائيل “، قال ليرون مستطردا :  في نهاية المطاف ، هدأت بيتي زوجة روفة بعد أن أقنعها بعدم كشف المؤامرة للسلطات ، وأعطاها جواز سفر إسرائيليًا ، وأدخلها في عداد رحلة إلى تل أبيب. وبعد عدة ساعات من هبوطها في اسرائيل ، هبط روفه بطائرته الميغ 21  وكانت ترافقه طائرة ميراج إسرائيلية وطائرة من نوع آخر في القاعدة الجوية ، وبمساعدة روفه ، بدأ الإسرائيليون على الفور في عملية كشف أسرار الطائرة السوفييتية. وقام طياروهم باختبارها ، وحلقوا بها  في اجواء اسرائيل وحتى حدودها. ثم خاضوا معارك وهمية مع طائرات الميراج ، وتعلموا التكتيكات اللازمة للتغلب عليها .

تقول احد الوثائق ان روفه قد غادر اسرائيل بعد فترة وجيزة ، وتقول اخرى انه غادرها مع عائلته بعد حرب 1967 وبين وصوله اسرائيل واندلاع الحرب اكثر من سنة ، فمتى غادر روفه وعائلته إسرائيل ؟ ولكن المهم ، ان روفه لم يبق في اسرائيل ، ذلك ان زوجته بيتي اخبرت زوجها بأن العيش أمر غير وارد. وعليه ، فقد رتب لهم الموساد هويات جديدة ،بصفتهم أصحاب محطة بنزين في الغرب ، وقد تم اعارة الطائرة المستلبة ميغ 21 إلى الولايات المتحدة الاميركية ، التي اختبرتها في صحراء نيفادا ، وساعدت في تطوير جيل جديد من المقاتلات الأمريكيات. في المقابل ، بدأت الولايات المتحدة ، للمرة الأولى ، بتزويد إسرائيل بطائرات حديثة.  السؤال هنا : لماذا فوجئت زوجته بيتي بخبر اسرائيل الذي صعقها ؟  وما السبب الذي جعل زوجها يخفي عنها مهمته ؟

ذروة الحرب الباردة والجاسوسية

وصلت سياسات الحرب الباردة الى ذروتها في عقد الستينيات من القرن العشرين  ، وسعي  كل من المعسكرين  المناوئين للتسابق باقصى درجات التسلح من خلال تطور تكنولوجيا السلاح تنفيذاً لسياسة سباق التسلح بين العالمين الغربي والشرقي وامتلاك اقوى القوى الضاربة .

وكان مصرع الرئيس العراقي عبد السلام عارف في 13 ابريل / نيسان 1966  ولم يزل لغزا يثير التساؤلات بسقوط طائرته الهيلوكبتر التي كانت تقله وحاشيته في ظروف غامضة قرب البصرة  بتأثير عاصفة ،  وكيف اقتنع السوفييت بتزويد العراق بطائرة الميغ 21 المتطورة مع القاصفة انتونوف وعدد من منظومات الدفاع الجوي والإنذار المبكر المتقدمة ؟ وكانت قد حدثت سلسلة اغتيالات لطيارين عراقيين  تخصصوا بالطائرة المتقدمة ميغ 21 ، وهم كل من النقيب شاكر محمود يوسف ، والنقيب محمد غلوب ، والملازم الأول حامد الضاحي اذ كان الثلاثة ضحايا الموساد الإسرائيلي . وكان رد الفعل الاسرائيلي عنيفا بعد افتضاح أمر الجاسوس الإسرائيلي ايلي كوهين ( الذي  تسمى ب كامل امين ثابت )  عام 1965 في سوريا، والذي  كانت اسرائيل قد زرعته في قلب دمشق وتسلق في المناصب حتى أصبح عضوًا بارزًا في الحزب الحاكم، ووزيرًا وعضوًا في مجلس الشعب، وتلك هي  قصة مثيرة اخرى من تنافس الجواسيس في الشرق الاوسط ، وقد كشف امره وتم القبض عليه متلبسا ، واعدم في 18 مايو / ايار 1965  .  وتم الكشف ايضا عن جاسوس آخر في القاهرة يدعى وولفينغ لوتس، وعليه ، فقد أصيب  الموساد بحالة هستيرية بعد فقدانه جاسوسين مهمين زرعتهما اسرائيل في دولتين عربيتين كبيرتين محاددتين لها.

لماذا طائرة الميغ 21  ؟

استنادا إلى ما  تتضمنه ملفات الموساد ، فإن الدول العربية في كل من العراق وسوريا ومصر  اعتمدت على الاتحاد السوفيتي من خلال التعاقد لتزويدها بطائرات الميغ 21 حديثة الصنع ، والتي اعتبرت وقت ذاك قوة ضاربة في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1961 ..  وبحلول العام 1963 وخصوصا عندما تسلم مائير عاميت رئاسة الموساد، كانت طائرات الميغ 21 تعد من استراتيجيات قوات سلاح الجو في مصر وسوريا والعراق، وخشيت اسرائيل  منها كثيرا  لمواصفاتها المتفوقة، وانها لم تكن تعلم عنها شيئا كونها محاطة بإجراءات أمنية سوفيتية عالية جدا كيلا تتسرب تكنولوجيا تلك الطائرات  ، فشمل الغموض والفضول الكبيرين كل ارجاء الغرب، الذي  بات يتطلع لمعرفة اسرار  تلك الطائرة المقاتلة الجديدة  ،  وهي اسرع من الصوت ، وقد حاولت عناصر الموساد اختراق الموانع الكثيفة بشتى الطرق حول الطائرة الجديدة في العراق ومصر وسوريا ، ولكن محاولاتها نجحت فقط في العراق .

ان طائرة  الميغ 21 ، مقاتلة مذهلة واسرع من الصوت وسريعة المناورة وقاصفة باحمالها الخفيفة علاوة على اسنادها للقطعات الأرضية المشتبكة، وسرعتها فائقة تقدر بحوالي 2062 كم في الساعة. وباستطاعتها التحليق في دائرة مغلقة طولها 500 كلم، وبسرعة 1298 كلم في الساعة وفي دائرة مقفلة طولها 100 كلم. وتبلغ السرعة القصوى للطيران المستوي 2375 كم في الساعة، فهي تتفوق على الهوكر هنتر والسكاي هوك والفانتوم والميراج. ..  وقياسات الطائرة محيرة فعرض اجنحتها 7,60 م وطول جسمها 16,75 م وهذا ما تدركه الطائرات  الاوربية والأمريكية ، فكان ان تحولت إلى لغز مثير للجدل لا يدركه الا  عدد من امهر الطيارين العرب ، فكان ان جن جنون اسرائيل والغرب عموما لاقتناص هذا الكائن وتفكيكه وكشف اسراره .

أسطورة الطائر الأزرق ، الاقلاع ..  والهروب

لقد كانت عملية الموساد ، جريئة غيرت ميزان القوى في المنطقة،  ففي عام 1966 ، هرب طيار عراقي اسمه منير  روفة ، وهو مقاتل بطائرته من طراز Mig-21 إلى إسرائيل ، مما مكن إسرائيل والولايات المتحدة من دراسة واختبار الطائرة سوفيتية الصنع لأول مرة . يكشف سيناريو العملية بالوثائق عن جميع التفاصيل المتعلقة بذلك الحدث التاريخي الذي  مر عليه  قرابة 55 سنة من اليوم .

في صباح يوم الثلاثاء 16 أغسطس / آب 1966 ، حدث المستحيل اذ اصطف تشكيل من طائرات الميغ  21 من سلاح الجز العراقي ( أكدّ لي أحد الطيارين العراقيين أن المهمة كانت تدريبية لثلاث من طائرات الميغ 21 )، وعند الساعة الثامنة إلا ربعاً  صباح يوم 16 اغسطس / اب 1966 ، كان طاقم من الطيارين يتأهبون للاقلاع في طلعة تدريبية ، وكان بضمنهم منير روفا  الذي  صعد الى طائرته الجاثمة على ارض قاعدة الرشيد في بغداد ( وهذا خطأ  في المعلومات ، اذ جرى الانطلاق من قاعدة  تموز شمال الحبانية ) ، وقد تعمّد روفة ان يتأخر قليلا عن زملائه بتشغيل طائرته التي زمجرت ملتحقة بالتشكيل على مدارج القاعدة الجوية، ثم أقلع منير وألتحق وراء التشكيل، ( وذكر لي احد الطيارين العراقيين  ان مهمات الطائرات الثلاث قد تنوعت جغرافيا في المجال العراقي ، فالاول يدور في دائرة نحو الجنوب ، والثاني  يدور دورته في مجال نحو الشمال ، ومنير روفة يدور دورته  نحو الغرب ، ولكن الاخير  بقي يطير  نحو الغرب )  اذ اختفى عن الجميع بأبتعاده ، وزاد من سرعة طائرته مدعياً قيامه بمناورة تدريبية ضمن المنهج المقرر، ثم بات ساكتا عن اي اتصال به واتجه نحو الحدود الأردنية وبسرعة فائقة اتجه فوراً إلى حدود إسرائيل التي دخلها مخترقاً منطقة البحر الميت.. ثم انحدر  في الأجواء الإسرائيلية بعد رصده من قبل ثلاثة رادارات ، وقام عدد من الطائرات الاسرائيلية بأسناده، وكان الطيارون الإسرائيليون يرافقون الميغ العراقية بعلمها ذو النجمات الثلاث  التي حطّت بسلام وكاد خزانها يفرغ  من الوقود .

نعم ، هبطت الطائرة النفاثة من طراز   Mig-21، وكانت وقت ذاك هي الرائدة في الصناعة السوفياتية ومن أكثر الطائرات تقدّما والتي استخدمتها الجيوش العربية .. هبطت في قاعدة سلاح الجو الإسرائيلي المسماة بـ  هاتزور. وكانت تلك العملية بالنسبة للغرب ، حلمًا تحقق. اذ تم اعتبار تلك الطائرة المقاتلة رقم واحد خلال الحرب الباردة ، ولم يكن لدى الولايات المتحدة أي فكرة عن كيفية صنعها ، وما هي نقاط ضعفها وما هي الأسلحة التي يستوجب تطويرها  لتقف ضدها.

تبقى الوثيقة الاسرائيلية تتضمن اكاذيب  شتى ، اذ ادعّت  ما قاله النقيب منير روفا ، الطيار العراقي الذي هرب بهذه الطائرة من وطنه إلى إسرائيل ، ” بإنه قرر الهروب من العراق إلى الغرب بسبب الشعور بالذنب الذي شعر به من مهاجمة القرى الكردية بقنابل النابالم” !   ( كذا ) ( هذا افتراء مفضوح ، فقنابل النابالم استخدمتها اسرائيل عام 1967 ، ولم يستخدمها العراق ابدا ) . وتستطرد  الدوائر الاسرائيلية قائلة : ” لكن انشقاق روفه لم يكن عفويًا ، بل كان نتيجة عملية شاملة وجريئة بدأها الموساد معه ، والتي سميت بـ  “الطائر الأزرق – عملية الماس” ، والتي أنهت حظرًا أمريكيًا لمدة 20 عامًا على الأسلحة ضد إسرائيل ، وتم تعيين رحافيا فاردي ، التي توفيت 2006 ، لقيادة العملية ” .

عرف الموساد أن مصر لديها 34 طائرة Mig-21 ، وسوريا لديها 18 منها ، والعراق 10. ( وهذه ارقام غير  صحيحة  على الاقل بالنسبة  للعراق  الذي  تأكد  لي انه كان  يمتلك  26  طائرة  ميغ 21 ، وليس  10 طائرات ،  ثم  ازدادت  اعداد  طائرات القوة الجوية العراقية لتغدو  اكبر  قوة مالكة لسلاح الجو  في الشرق الاوسط قاطبة ) .وللموساد اتصال مع يوسف شيمش ، وهو رجل أعمال يهودي تعاون مع الموساد ، وعلم ان الطيار منير روفة كان محبطًا بسبب عدم ترقيته وبسبب دينه ، وكان متحمسًا للحياة في الغرب بعد زيارته للولايات المتحدة كجزء من دورة تدريبية عسكرية، وعمل شميش بربط روفه مع الموساد .   ( ومرة اخرى ، يحاولن زج الدين في الموضوع ،  للتشويش على قضية خيانة مفضوحة ، فما دخل دينه في الموضوع ؟ ). ولكن ؟

بدا واضحا  ، ان منير روفة  لم يكن محبطا جدا من العراق ، بل كان كارها له كراهية عمياء على ايام حكم الاخوين عارف ، وكان يبحث عن اية  فرصة للهروب نحو  اميركا ، وقد وجد ان انه امام خيارين احلاهما مر ، الموت او الخيانة خصوصا وانه قد وقع بايدي الموساد ، فليس امامه الا  القبول  بهذه المغامرة الدنيئة ليخون العراق ويفر  منه ، فقد  قتل بعض  زملائه الطيارين من قبل .  ولكن كان الثمن قاسيا  ، اذ عاش روفه حياته بعيدا عن  الناس ، وتوفي بتأثير نوبة قلبية في عام 1998. ( عن مجلة  تايم )

إسرائيل تحصل على طائرات فانتوم جديدة

تمكن روفه من مغادرة العراق في رحلة إلى روما ، حيث التقى بطيار في سلاح الجو الإسرائيلي ، والذي سافر معه إلى إسرائيل. مكث روفه في إسرائيل لمدة ثلاثة أيام سّرا ، حيث حصل على طائرة تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية مع رئيس الاستخبارات في ذلك الوقت ، العقيد شايك بركات. وقد عرضت مؤخرا  عدة صور لم يسبق لها مثيل لروفه في زيارته تلك ، والتي تم التقاطها دون علمه من أجل استخدامها كوسيلة للضغط عليه إذا غير رأيه وقرر عدم الالتزام بالهروب .  ثم تم إبلاغ رئيس الوزراء الاسرائيلي  ليفي إشكول فقط بالخطة قبل شهر من موعد العملية ، وبعد أن تم إخراج جميع أسرة روفه من العراق بحجة السياحة .  تم تنفيذ العملية ، وبعد شهر من العملية ، نقلت الطائرة إلى سلاح الجو الأمريكي للاختبار وتحليل الاستخبارات. وبفضل هذه “الهدية” الإسرائيلية ، تمكنت إسرائيل أخيرًا من استبدال طائراتها من طراز فوتور وميراج الفرنسية بطائرات فانتوم الممتازة والاميركية الصنع .

 ساعدت المعلومات على كسب اسرائيل للحرب عام 1967 وهزيمة العرب

بعد ذلك بعام ، خلال حرب الأيام الستة التي اندلعت يوم 5 حزيران / يونيو 1967 ، نجحت الطائرات الإسرائيلية المقاتلة في إسقاط عشرات الطائرات من طراز ميغ 21 في المعارك الجوية ، بسبب المعرفة التي تم الحصول عليها من تحليل طائرة الميغ 21 العراقية.   بعد إعادتها من الولايات المتحدة ، تم نقلها إلى متحف IAFالقوة الجوية الاسرائيلية  في Hatezrin ، بالقرب من بئر السبع ، حيث تتواجد حتى يومنا هذا.

غادر الطيار العراقي منير روفة وعائلته ، إسرائيل بعد إقامة قصيرة ، وتم نقلهم إلى دولة غربية أخرى ، واستوطن هناك حيث توفي عام 1998 بنوبة قلبية قبل 22 سنة .

وكان قد طلب اللجوء الى الولايات المتحدة. على الرغم من أنه تم لم شمله مع عائلته في إسرائيل ( هذا ما تقول به اسرائيل  ولكن لا  يعرف أحد مدى  صحته )  ، إلا أنه لم يعد إلى الولايات المتحدة ، على عكس إعلانه ، وحصل على الجنسية الإسرائيلية. وانتقل هو وعائلته بعد ذلك بوقت قصير إلى بلد غربي آخر. بعد فترة وجيزة من انشقاق روفه ، لم يُسمح للمسيحيين العراقيين بالانضمام إلى القوات الجوية بناء على أوامر من الرئيس العراقي آنذاك. وتوقف تنفيذ هذا الأمر في وقت لاحق .

مرحبًا بكم في عملية الماس

تشير الوثيقة الاسرائيلية ايضا  بقولها :  ” مرت ذكرى أكثر من نصف قرن على واحدة من أكبر العمليات وأكثرها تشويقًا ،وهي من منجزات قام بها الموساد ، جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي وذلك في 16 أغسطس/ آب  1966 ، ممثلة بعملية دايموند .  ولم تكن هناك نهاية للشائعات التي احاطت بهذه القضية ، وخاصة فيما يتعلق بأسباب انشقاق روفة وخيانته . وبحسب الرواية الإسرائيلية الرسمية للقصة .  ان  الحكومة الإسرائيلية عرضت عليه مليون دولار ، ومنحه الجنسية الإسرائيلية والعمل بدوام كامل – وقبلت شرطه بأن يقوم الإسرائيليون بتهريب عائلته خارج العراق.  وافادت العملية في نجاحات سلاح الجو الإسرائيلي خلال الحروب العربية الإسرائيلية في الفترة من 1967 إلى 1973.

عمليات الابتزاز 

من المعروف أن الموساد حاول منذ فترة طويلة إقناع بعض الطيارين العرب بالانشقاق عن اوطانهم وهروبهم إلى إسرائيل. لقد انتهت المحاولة الأولى بالفشل. اذ اقترب المخبر الإسرائيلي جان ليون توماس من النقيب عائد حنا من سلاح الجو المصري ، وعرض عليه 100 ألف دولار لنقل طائرته ميغ 17 إلى إسرائيل ، لكن الطيار المصري سرعان ما سلم جان إلى السلطات. فتم القبض عليه مع خمسة مساعدين ، وحكم عليه بالإعدام وشنق مع اثنين آخرين في ديسمبر/ كانون الاول 1962.  بعد ذلك بعامين ، كان الإسرائيليون أكثر نجاحًا إلى حد ما مع طيار مصري آخر هو الكابتن محمد عباس حلمي الذي يعتبر فاسدًا وعبثيا وغير منضبط بشكل كبير . وكان قد انشق وهرب بعد نزاع مع رؤسائه. وقد اغتيل بعد بضعة أشهر في أمريكا الجنوبية.  ولم تثمر  جهود الموساد في مصر غالبا ، وعليه ، بدأ الإسرائيليون بالبحث لاصطياد فريسة اخرى في مكان آخر. وعرضت فرصة جديدة في العراق عندما أعلن عزرا زلخا ، وهو تاجر يهودي من بغداد أطلق عليه الموساد اسم يوسف  بأن مجموعة من 15 ضابطًا في القوات الجوية العراقية ستسافر إلى الولايات المتحدة الاميركية. لدورة الموظفين في قاعدة راندولف الجوية بالقرب من لاكلاند بولاية تكساس في فبراير/ شباط 1965.

السؤال : لكن لماذا ستخضع مجموعة من طياري الميغ العراقيين للتدريب في الولايات المتحدة الاميركية في الستينيات؟

نتذكر أن العراق لم يكن حليفا دائما للسوفييت . فقد كانت البلاد حليفًا مقربًا لبريطانيا  ، ثم اقتربت من الولايات المتحدة بعد حلف بغداد عام 1955 ابان العهد الملكي ، ولقد تغّيرت سياسات العراق اثر تبدّل الطاولة بحدوث انقلاب عسكري دموي في 14 تموز / يوليو 1958، ليأتي الزعيم عبد الكريم قاسم الى حكم العراق بمفرده بلا اية انتخابات عامة، فكان ان اختار  عقيد الجو جلال جواد الأوقاتي، وهو شيوعي قوي ومن امهر الطيارين ليكون القائد الجديد للقوات الجوية .. فكان ان سارع جلال الاوقاتي الى الاتحاد السوفييتي اذ رحب به بحرارة في موسكو ، وقام بتقديم طلبات لشراء الكثير من الطائرات الجديدة. فأصبح العراق أول دولة عربية تشتري أنواعًا من المقاتلات والقاذفات امثال :  MiG-19 و MiG-21 و Tupolev Tu-16 –  ، وقبل سنوات من حصول مصر على أي من هذه الطائرات لنفسها.

بعد قرابة 4  سنوات ونصف السنة ، انتهى حكم عبد الكريم قاسم  بانقلاب عسكري دموي آخر جرى في 8/9 فبراير/ شباط 1963. اذ  وصل البعثيون الى السلطة واعدموا الزعيم قاسم ، ونصّب العقيد عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية بلا اية انتخابات أيضا، فلم تجبر الحكومة الجديدة جميع المستشارين السوفييت على مغادرة البلاد فحسب، بل ألقت القبض أيضًا على معظم الضباط الذين اعتبرتهم موالين لقاسم وزجتهم في السجون بعد قتل جلال الاوقاتي . على الرغم من تدريباتهم على طيران MiG-21s في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ، إلا أن روفة  كان واحدًا من خمسة طيارين فقط وثق بهم النظام الجديد لمواصلة العمل في القوات الجوية العراقية ، وهي الوحيدة التي تعمل MiG-21s – سرب رقم 11.

انقلاب عارف والاطاحة بالبعثيين

بعد انقلاب عسكري آخر ، جرى في بغداد يومي  17 – 18  نوفمبر / تشرين الثاني  1963 ، انفرد المشير عبدالسلام عارف بالحكم وقضى على البعثيين مستغلا انقساماتهم الايديولوجية، وتأسست حكومة جديدة ضمت عناصر  مختلفة ، وتتكون من قادة وضباط مدربين على ايدي بريطانيين واغلبهم من القوميين ، فكانت توجهات السلطة في العراق قد أخذت على الفور عناية كبيرة في إعادة العلاقات القديمة مع لندن وواشنطن.  وفي سياق إعادة تنظيمهم للجيش العراقي ، قاموا بتعيين النقيب منير روفه نائباً لقائد السرب رقم 11 ، المسمى بالرائد فهد عبد الخالق السعدون.  في ذلك الوقت ، لم يكن الجيش العراقي يهتم كثيرًا بالخلفيات العرقية والدينية والطائفية لضباطه. اذ كان ولاؤهم للدولة هو المهم. وبالمقابل ، لا يهم أن يكون روفه مسيحيًا ، فقد كان قد خضع للتدريب على MiG-21 في الاتحاد السوفياتي . وفي الواقع ، كان قد تم اختيار روفه لاحقًا لحضور دورة الأركان في الولايات المتحدة ، وتدعّي  الوثيقة الاسرائيلية  انه قد تم تعيينه قائدًا للسرب رقم 11 في يوليو / تموز 1966 ، مما يؤكد ثقة القوات الجوية العراقية به. ( وهذا يكذبه عدد من الطيارين العراقيين من زملائه ، اذ  لم يتم تعيينه  قائدا للسرب ابدا ) ومع ذلك، بمجرد وصولهم إلى الولايات المتحدة ، تم استهداف الضباط العراقيين الموثوقين من قبل العديد من عملاء الموساد.

كانت احداهن قد قدمت نفسها باسم “زينب” الى احدهم ، واقترب جان بولان من الملازم الأول حامد ضاحي في مارس / آذار  1965 ، لكن الاخير رفض اي عرض لمساعدته على الانشقاق. وقد تصّرف بغضب مما أعطى العميل الإسرائيلي ذلك الطيار العراقي الشاب مهلة ثلاثة أيام لمغادرة الولايات المتحدة. ولما تأخرت مغادرته لاسباب خارجة عن ارادته ، تم العثور على حامد ضاحي مقتولاً بالرصاص في احدى الحانات مساء 15 يونيو/ حزيران 1965. وعقب هذا الحادث، قررت القوات الجوية العراقية سحب ضباطها من التدريب في الولايات المتحدة. لكن ثلاثة نقباء منهم هم شاكر محمود يوسف ومحمد رجب ومنير روفه عادوا إلى العراق وقد تبعتهم بعض العاشقات الجاسوسات !

كانت احداهن صديقة للنقيب يوسف اذ لحقت به إلى بغداد بعد بضعة أيام فقط ، والتقت به في شقة مساء يوم 6 يوليو/ تموز 1965. وعندما رفض يوسف ما عرضته عليه للهرب مع ميغ 21 الى اسرائيل .. بعد ساعات ، وجد مقتولا بالرصاص في شقته !  وكانت تلك اللقاءات مصورة بعدسة نصبها عزرا زلخا ،. اما الثاني ، فقد رضخ بعد مطاردة الموساد له لفترة أطول قليلاً ، وقد قتل هو الآخر  ، ليس لأنه رفض الانشقاق ، ولكن لأنه طالب بمليون دولار. اذ تم القبض عليه من قبل اثنين من عملاء الموساد بعد مطاردته في قطار فائق السرعة خلال رحلة إلى ألمانيا في 11 فبراير /  شباط 1966.

وتبعت النقيب روفة إلى العراق صديقة أمريكية مفترضة أيضا. لا يعرف عنها سوى القليل باستثناء اسمها وهو ليزا برات ، التي اجتمعت بعد أيام قليلة من وصولها بغداد  مع روفه لتخيّره بين المال أو الرصاص .. رضخ روفه للامر الواقع ، وبمجرد أن اتخذ قراره ، تولى عناصر الموساد مسؤولياتهم. بعد ثلاثة أيام من إجلاء أسرته المكونة من 17 فردا عن العراق الى مكان مجهول عند حدود  إيران في شمال العراق ، انطلق روفه في مهمة تدريبية من قاعدة تموز الجوية غربي بغداد ، ثم هرب جوا عبر أجواء الأردن إلى إسرائيل.  ومن المؤكد وبدون ادنى شك ، قدّم روفه معلومات استخبارية مهمة لإسرائيل ، واذا  كان هو  واسرائيل  قد  قدما تبريرات واهية لخيانته بلده وأهله ،  فإن النتائج الأخرى لانشقاقه غالبًا ما تكون مبالغًا فيها بشكل كبير – خاصة في الولايات المتحدة – كما جاء في التقرير –  . وهنا أسأل : اذا قلبنا المعادلة ، فهل سيكون هذا تعليقا سليما اذا هرب طيار اسرائيلي او امريكي الى العدو ؟  ولماذا  يسمى انشقاقا ؟  انه خيانة عظمى !

نظرًا لأن بغداد أعادت تأسيس تعاونها مع لندن وواشنطن في أواخر عام 1963 ، فإن المخابرات الأمريكية لم تحصل على فرصة لاختبار طائرات الميغ 21 في العراق فحسب ، بل تلقت أيضًا جميع الوثائق الفنية والتدريبية ذات الصلة.  هذه هي الطريقة التي تمكن بها قسم التقنيات الأجنبية الشهير في سلاح الجو الأمريكي من الحصول على الدليل التكتيكي لـ MiG-21 وترجمته في وقت مبكر من عام 1965.  ولأن العراقيين كانوا على علم بهذا الأمر ، فليس من المستغرب أن تحقيقهم الرسمي حول هروب روفه وخيانته قد انتهى وخلص إلى أنه كان ببساطة رقم أربعة على قائمة الموساد ، وإذا رفض الاستسلام والرضوخ لمشيئة  الاسرائيليين  ، لكان الإسرائيليون قد فعلوا به ما فعلوه بغيره  ، اي ابتزازه  واغتياله  ، فتلك سياسة درجت اسرائيل عليها  باغتيال الطيار اثر الطيار حتى استسلم المرء في النهاية. لذلك نلاحظ ان لم يعاقب أي من رؤسائه أو زملائه.

واخيرا ،  لقد تم منح الأمريكيين الإذن لاختبار الطيران من طراز MiG-17 في كمبوديا في نفس الوقت تقريبًا ، وفي أوائل السبعينيات ، حصل الأمريكيون على ما يريدونه من  إندونيسيا. وقد مكّن هذا سلاح الجو الأمريكي والبحرية الأمريكية من إنشاء سرب تدريب كامل مجهز نوعيا وكشف تباعًا ليس فقط عدد قليل من طياري الاختبار الذين تم اختيارهم يدويًا ، ولكن الآلاف من طيارين الأسطول إلى طائرات الميغ.

المراجع المعتمدة

 (May 29, 2007). Weiss, Reuven ,”The Blue Bird Legend”. Ynet.

Ian Black and Benny Morris . Israel’s Secret Wars: A History of Israel’s Intelligence Services. ) Grove Press, 2007), . pp. 206–209.

Ian Black and Benny Morris . Israel’s Secret Wars: A History of Israel’s Intelligence Services. (Grove Press, 2007),  pp. 206–209.

Loch K. Johnson . Strategic Intelligence, Vol. 1. (Praeger Security International, 2007),  pp. 75–76.

Loch K. Johnson . Strategic Intelligence, Volume 1. (Praeger Security International , 2007), pp. 75–76.

News: The Blue Bird legend. ( YNet News. Reuven Weiss. May 29, 2007).

 Norton, Bill . Air War on the Edge – A History of the Israel Air Force and its Aircraft since 1947. ( Midland Publishing, 2004),  p. 382.

Norton, Bill . Air War on the Edge – A History of the Israel Air Force and its Aircraft since 1947.(  Midland Publishing, 2004). p. 382.

Tom Cooper,    In 1966, Israeli Intelligence Convinced an Iraqi Pilot to Defect with His MiG-21 Fighter, The National  Interest,  August 28, 2016

. (Uzi Mahnaimi . “Stolen Iraqi jet helped Israel win six-day war”. The Times , (June 3, 2007) .

 

تنشر  على  الموقع الرسمي  للدكتور سيار الجميل  يوم السبت  16 مايو /  أيار 2020

https://sayyaraljamil.com/wp/

Check Also

رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟

رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …