رموز وأشباح
الحلقة 30 : هل كان أحمد حسن البكر يطلع حسن علوي على أسراره الخاصة ؟
وأسئلة دامغة ينبغي على العراقيين التفكير فيها
أ.د. سيّار الجميل
مقارنة لا تصلح أبدا
عندما اخضعت كتابات الكاتب المصري الشهير محمد حسنين هيكل للنقد والتشريح سواء في نقد كتبه ( كتابي : تفكيك هيكل ) ، او في نقد احاديثه في لقاءاته التلفزيونية ( كتابي : بقايا هيكل) ، كنت أجد صعوبة بالغة في فك الغاز وطلاسم ومفبركات ذلك الرجل المصري الذي عرف ببراعته في الاختلاقات وسرد الروايات والتصديق بها، وجعل نفسه محورا للجميع ، وهو يحرك الجميع من أجل ان يسعى اليه الزعماء لينالوا الرضى منه ، ولا اعتقد أحداً قد وصل الى درجته الذكية العالية والمثقفة من تخيلات احداث، ونسج أقاويل وحكايات،وابتداع مفبركات صدّق بها الناس الذين كانوا وما زالوا يتوّهمون مصداقيته بالرغم من تنبيه اساتذة ونقاد من اكاديميين ومفكرين الى ذلك .
ولكن الامر يختلف تماماً مع غير محمد حسنين هيكل، اذ يريد البعض أن يقلّده ، ولكن لم يستطع أبداَ فعل ذلك ، لأن غيره يكشف عن بضاعته التافهة بسرعة جراء مواقفه المتلّونة ، وتناقضاته السياسية، وغبائه او بلادته في ما يحكيه ويقوله ، او تصادم أفكاره بين عهد وآخر ، او تهويله للامور ، او تفخيمه لذاته بدرجة لا يمكن تصورها ، فهناك من يكذب ولا يبدو عليه كذبه ابدا ،وهناك من يكذب ولكنه يبدو مفضوحاً .. واذا كان الناس قد التفتوا الى مثل هذا ” النموذج ” في مرحلة من المراحل ، وراجت بعض كتاباته المنحرفة وغير الامينة والفاقدة للمصداقية والتوثيق وللمنهجية التاريخية ، فان الزمن سيسقطها عاجلاً ام آجلاً .. ولكن بعد ان ساهمت هي وأمثالها في تدمير الذاكرة ومسخها بتزوير التاريخ عمدا ، وزرع الفتنة ، وممارسة الاخطاء جهلاً ، وتشويه الواقع غصباً ، وصبغه بالاكاذيب والتدليسات اساءة ..
خطورة الأدعياء
هنا اريد التوقف قليلاً من خلال طرح عشرة أسئلة فقط ، فالامر ليس هيناً ان تبقى العجلة تدور وهي تسحق الحقائق من أجل اشباع الذات المحمومة بحبّ الظهور وشهوة العظمة .. ومن هذا ” البعض ” من يريد ان يجعل نفسه (عظيماً ) باية وسيلة ، فهو يفتري على الحق ، ويدعّي خلق الزعامات، وهو الذي يستشيره الرؤساء، وهو الذي يقضي ساعات بينهم ، وهو الذي يعرف أسرارهم ، لكنه في الحقيقة ، انسان جاهل لا يعرف من السياسة او الجغرافية او علوم الاجتماع او حتى الثقافة العامة شيئاً ، اذ لو احصينا ما وقع فيه من اخطاء تاريخية وجغرافية لعلمنا كم سعر هؤلاء في سوق المعرفة ، ومع ذلك ، فهو يدعو الاخرين والاعلاميين بشكل خاص كي يسمونه (مفكراً ) .. و (مؤرخاً ) وقد اكتشفت منذ زمن طويل أنه لا يفقه أبسط مبادئ المعرفة البسيطة ! باستثناء ما حفظه في مراهقته من ابيات شعر او ما صكّ في سمعه منذ بداياته البيئية الاولى من أمثال وأقوال يردّدها هذا وذاك أمامه .. وكنت طوال حياتي الاكاديمية ، انصح طلبتي في الدراسات العليا وفي الجامعات العراقية والعربية ان يحذروا جعل لقاءاتهم مع بعض المسؤولين السابقين وما يقولونه لهم مسلمّات ما لم يفحصوا اقوالهم ويتأكدوا منها تماما .
لا لتشويه التاريخ يا برنامج الذاكرة السياسية
من عادتي ان لا اضيّع وقتي في سماع ترهّات تحت واجهة ” ذاكرة سياسية ” او غيرها ، قد تكون مثيرة للمتعة ، ولكنني ادرك ضحالتها من قبل اصحابها ، ولكن ما دعاني الى متابعتها رسالة وصلتني على الواتساب من أحد الاصدقاء ،وتتضمن جملة اقوال هادئة تلاها السيد عبد السلام احمد حسن البكر ، وهو ينتقد بأدب جم الاحاديث الاخيرة التي أدلى بها السيد حسن العلوي في برنامج ” الذاكرة السياسية ” لقناة العربية والذي يقدّمه الاعلامي طاهر بركة ، وقد التقطت انتقاد ابن الرئيس الاسبق احمد حسن البكر لحسن العلوي من خلال اشارات تفيد بتكذيب ما ورد في تلك أحاديث الأخير جملة وتفصيلا ، وأنا ادرك منذ اكثر من ربع قرن مضى ، أن كلّ ما يكتبه حسن علوي ( كما ورد اسمه على غلاف كتابه : العراق دولة المنظمة السرية ) لا يمكن البتة الاعتماد عليه ، وقد ساهمت في احدى المرات تصويب ما تحدث به تاريخيا وجغرافيا باتصالي مع مدير احدى القنوات الفضائية التي كان يغّرد من خلال شاشتها في لندن ، ولكن يبدو ان هذا الرجل لا يعترف باخطائه حتى البسيطة ابدا ، كما يريد ان يبقى نفسه محورا للاخبار ومثار جدل ، مشاركا هو واقربائه في احداث خطيرة لزعماء عراقيين امثال : نوري السعيد وعبد الكريم قاسم وغيرهما ، واليوم يحكي بطولاته الواهية مع أحمد حسن البكر وصدام حسين ، وما كنت اريد ان تصل الانوية الى جعل نفسه مستودع الحكمة ويصور نفسه الامر الناهي في العراق وهو الوحيد الذي يمتلك الحقائق ( كذا ) ، وكل ذلك لا أساس له من الصحة مطلقاً . ان من غباء البعض تصوّرهم انهم وحدهم الذين يضحكون على الناس ، ويتخّيّلون أنهم اذكى من الاخرين ليستغفلونهم – كما يقول المصريون – أو يستزوجونهم – كما يقول العراقيون – ليأخذ بعض الادعياء تزوير التاريخ عرضا وطولا .. من دون اي اعتبار لذكاء الاكثرية ، وخبرة المختصين، ومعرفة الاخرين بدواخل الامور ! وحتى الجيل الجديد ، فان الاكاذيب باتت لا تنطلي عليه، فانه سوف يكشفها مع الزمن ، خصوصاً وان هناك شواهد حيّة على تاريخ مثقل بالاحداث والشخوص وانهم لم يرحلوا حتى الان .
الاسئلة النقدية الدامغة
هنا دعوني أوجه بعض الاسئلة لكلّ العراقيين حول ما سمعته من أقاويل لا أساس لها من الصحة كما يدركها المنطق، وكما عرفناها في حياتنا على امتداد اكثر من ستين سنة مضت.. واذا كانت هناك صورة عابرة جمعت حسن علوي مع الرئيس السابق صدام حسين عندما كان نائبا عند الاهوار ، فهل معنى ذلك اننا سنقبل بتزوير تاريخ بكامله بدلالة صورة ؟؟ ومن أجل ان ينسج حسن علوي ما يريد ؟ انني اذ أوجه الاسئلة اليكم ، ولا أوجهها لصاحب العلاقة، لأنني مقتنع ان الرجل كبير السن ، ولن يقوى على المواجهة لا السياسية ولا التاريخية ولا المعرفية ، ولكن ستبقى كتبه معرضة للنقد والتشريح من بعده .
السؤال الاول : لماذا جعلت نفسك تحكم العراق من وراء الاستار ؟
اذا كانت علاقة حسن علوي مع كل من البكر وصدام حسين قد وصلت الى هذه الدرجة من المتانة والثقة ، واعتبارهما لك واحدا منهما ، فلماذا قبض عليك ودخلت السجن ؟ ومن طرفك ، اذا صدقّنا بما تحكيه لنا ، فكيف الغيت كل تلك العلاقة الحميمة وبدأت بنشر كتاباتك ضدهما وضد البعث الذي تربيت على مبادئه وافكاره .. اليس هذا وذاك بمثابة ادانة لك لا لهما ؟ وما الهدف الذي ترنو اليه في جعل نفسك في مثل هذا المصاف ؟؟ عندما انصت الى كلامك الاخير تعجبت انك كتبت ” دولة المنظمة السرية ” وغيره قبل اكثر من ربع قرن !
السؤال الثاني : هل كنت مستودع اسرار الرئيسين السابقين البكر وصدام ؟
هل يعقل ان يترك الرئيس السابق احمد حسن البكر كل معارفه من اقربائه وندمائه الحقيقيين واصدقائه الكبار من هم بعمره ( البكر من مواليد 1 تموز 1914 ) ،او حتى ابنه البكر هيثم ( وهو رجل قانون )، او صهره عدنان خير الله ليأتي بحسن علوي ( مواليد 1936 ) كي يحكي له اسراره ؟ ويطلعه على رسالة مكتوبة ( لا يدري بالاخضر او بالاحمر ) كتبها ابن البكر محمد لأبيه وفيها كلام خطير ضد صدام ؟ هل اتى البكر ليلا بحسن علوي كي يستشيره في امر خطير له علاقة اتهام بنائبه صدام حسين ؟ ليس هنا الفرق 22 سنة في عمريهما ، بل لأن اي رئيس عاقل لا يمكن ان يستدعي اعلامي مثل حسن علوي ليأتمنه على اسراره ، الا ان اصابه مسّ من الجنون !! فالبكر لا يمكن ان يفعلها ابدا . القصة مفبركة من اولها الى آخرها !
السؤال الثالث : هل تجرؤ ان تقول لاحمد حسن البكر : عليك ان ترعى الابقار ؟
هل بلغت الميانة ( اي : ازالة الكلفة ) بين العلوي والبكر ان ينصحه بان يقيل نفسه من كرسي الرئاسة ليذهب الى قريته في تكريت ليربي هناك العجول والابقار ويعيش بين الخضرة ويصبح راعيا ؟؟ ثم يتلعثم ويفسر لنا مكانة الراعي !! دعوني اقول : ان كانت ثقة المخضرمين بك يا علوي قد اهتزت منذ ربع قرن مضى ، فانك قد احرقت نفسك اليوم ، واحرقت كل ما تملكه من الاخضر واليابس امام الاجيال الجديدة ! هل يعقل يا حسن العلوي وانت بمثل هذا العمر ان تقترح على الرئيس البكر وكنت بعمر اولاده مثل هذا ” المقترح ” وهو رئيس الجمهورية ، وقد ذكرت انت نفسك ما كان يتمتع به الرجل من صفات !؟؟ وحتى من الوجهة الرسمية لا يمكنك الا ان تقول له : نعم يا سيدي ! ان كنت فعلا قد استدعاك الى مكتبه ، وقد نفى ولده حدوث ذلك ؟؟
السؤال الرابع : هل يطرق صدام باب غرفتك في القطار وينتظرك لتفتح الباب له ؟
هل من المنطق ان يذهب السيد النائب صدام حسين في سفرة الى الاهوار وبمعيته حسن علوي فقط من دون مرافقين ولا اعلاميين ولا حماية ، ويذهبان بالقطار .. الى هنا والقصة صحيحة، ولكن هل يقبل اي عقل ان يذهب صدام حسين بنفسه الى كابينة حسن علوي ليطرق عليه الباب فيفتحه له ويقضي معه عشر ساعات ؟؟؟ اذا كان قناة العربية تريد المتعة بمثل عرض هكذا اكاذيب ، فان العراقيين يكشفون الكاذبين بلمحة بصر خاطفة ويحتقرونهم .. هذه لا يمكن ان تحدث ابدا ، صدام حسين بنفسه يذهب ولوحده حتى يطرق الباب على حسن علوي فيدخل اليه ويبقى معه عشر ساعات ؟ وعندما يسأله مقدم البرنامج : وماذا حكيتم طوال الساعات العشر ؟ يتلعثم حسن علوي ولا يجيب ! وهل بمقدورك ان تقول لصدام بأنك بعثي ولكن ليس في قطار ، بل في موتورسايكل ؟؟
السؤال الخامس : هل انت الذي جعلت صدام حسين رئيسا ؟
هل وصل الامر بأن يكون حسن علوي صانعا للرؤساء والزعماء ، اذ يحرص ان يكون ربيبا لاحمد حسن البكر ؟ وان الذي خلق زعامة صدام حسين وهو الذي جعله رئيسا للبلاد ! ماذا تقولون لمثل هكذا شخص لا يعرف قدر نفسه ابدا ، وانه يتخيّل نفسه وهو في نهايات عمره انه هو الذي صنع صدام حسين ؟ مثلك يلتفت الى ما نشره على امتداد ربع قرن لتعتذر عن خطاياك بحق تاريخ العراق .
السؤال السادس : لماذا التنكيل بقريبك عدنان حسين وزير التخطيط السابق ؟
حتى لو كان عدنان حسين خال اولادك والعالم كله يدرك ان الرجل كان وراء اختيارك رئيسا لتحرير مجلة الف باء وترقيتك ، فلا يمكن لك ان تنّكل به بهذه الطريقة ، وانك رأيته يقبل قندرة محمد عايش ويتمسح به وحكمت عليه بالاشتراك في المؤامرة ؟؟؟ في حين كنت قد نفيت عنه التهمة قديما ؟ واذا كنت قد اتهمت الجميع بالمؤامرة واستثنيت عبد الخالق السامرائي ، فانك عدت في نهاية الحلقة لتقول ببراءة محمد محجوب !!
السؤال السابع : هل كنت تحمل درجة خاصة برتبة وزير ؟
لماذا تريد ان تثبت بشتى الوسائل انك كنت محورا لكل ما يجري في العراق ، وكما صورت نفسك ركنا اساسيا في عهد البعث وانت من دخل الى عميد كلية الاداب وتحدثت مع د. مهدي المخزومي ليخرج الى باب الكلية من اجل حماية البعثيين من الشيوعيين .. كذلك وصفت انك تحمل درجة خاصة عندما كنت رئيسا لتحرير مجلة الف باء ، ولا اعتقد ان الف باء اهم من جريدة الثورة التي تنطق باسم الحزب الحاكم ، فكيف تقول انك كنت بدرجة وزير ! ؟؟ الى هذا الحد وصلت الاكذوبة الى مرتبة الفضيحة ؟
السؤال الثامن : ما دخل أمّك وعمّك وخالك في تاريخ العراق ؟
هل من اللياقة ان يسألك المحاور عن عبد الكريم قاسم وحكمه حتى ترجع لتردد قصة العلاقة بين امك وامه رحمهما الله ، وان امه كانت بيضاء اللون ! وتسرد حكايتهن معا ! وكيف يتصدق ولداها عليها حامد وعبد الكريم ليكون عندها مبلغا شهريا قدره 30 دينارا ؟؟؟ ولو سألك المحاور عن نوري السعيد لرددت ايضا ان خالك ابو عليوي ابو البلم نقل الباشا من قصره على دجلة صباح 14 تموز 1958 !! واعتقد ان هذا الاسلوب ليس دليل شيخوختك ، بل دليل على ما اعتاد عليه الرجل طوال حياته ، ويبدو انه بضاعة رابحة قد اجدت العمل بها ! وبعد التي واللتيا ، من قال بأن الرئيس البكر ونائبه صدام قد كلفاك بمهمة نقل رسالة التهنئة الى الخميني في ايران وبمعيتك سعدون شاكر ؟ وان الخميني لن يوافق على استقبالكما ؟ من انتما ؟ وكيف تثبت صحة هذا الخبر امام العالم ؟
السؤال التاسع : لماذا استخدمت الشاشة وسيلة للخداع ؟
ما الذي تريد التوصّل اليه من كل هذه الادعاءات ، فالمعروف عن الرجل انه يستخدم التلفزيون وسيلة للتقرب الى الاجهزة الرسمية والمخابراتية في دول معروفة . اخبرني صديق مشترك بيني وبينه ( وهناك شاهد آخر على ما اقول ) انه خرج على احد التلفزيونات العربية عشية غزو الكويت 1990 ، وبدأ يذم صدام حسين ويمدح بالسعوديين ، فبنى من خلال ذلك علاقة مع السعوديين الذين فتحوا ابوابهم له ، فطالبهم بقصرين كل قصر لزوجة من زوجتيه الاثنتين ! وبعد سنين اخذ يذمهم!
السؤال العاشر والاخير : ما غاية القنوات الفضائية من بث الاكاذيب والتلفيقات ؟
اتوجه به الى القنوات الفضائية العربية : ما الذي تريد ان تصل اليه هذه ” القنوات ” من بث هكذا اكاذيب وهلوسات لا حقيقة لها ؟ هل تريد ان تفسد الذاكرة العربية بمثل هذه الاحاديث التي يتلقفها الملايين على عواهنها ؟
واخيرا ، اقول :
ان يتق الله هؤلاء من ابناء الجيل المنصرم بكل تواريخهم السوداء ، وكل افعالهم المخزية ، وليقولوا كلمة امينة واحدة قبل رحيلهم ، او يعترفوا بالحقائق ومواقعهم الحقيقية .. اذ يكفيهم نفخ انفسهم واستعراض عضلاتهم .. ولتندثر هذه الذاكرة الكاذبة المليئة بالادعاءات والاكاذيب التي جلبت الخراب الى مجتمعاتنا ، ودمّرت ثقافتنا ، وزرعت الانقسامات في بلداننا ، واساءت للمعرفة التاريخية كثيرا .. واطالب من كل المختصين والمثقفين الكبار الوقوف والتصدي لمثل هذه ، ولينتبه ابناء الاجيال الجديدة الى ما اقترفه البعض في حق تواريخنا وما اساءوا اليها ..
للاطلاع ومشاهدة الحلقتين من برنامج الذاكرة السياسية افتح الرابطين في ادناه :
https://www.youtube.com/watch?v=STTVvagEM1A
https://www.youtube.com/watch?v=NqGSYTL3RfE
تنشر يوم 1 آذار / مارس 2020 على موقع الدكتور سيار الجميل
https://sayyaraljamil.com/wp/