محاضرة عن الملك فيصل الاول ومكانته التاريخية
مؤسس سوريا والعراق في التاريخ الحديث
ضمن التشكيلة الجديدة لنخبة المثقفين في التجمع الثقافي العراقي ، اجتمعت على قاعة بانيرا بمدينة مسيسوغا في كندا ، وتم عقد الاجتماع الدوري لاعضائه مساء يوم الاربعاء 10 تموز / يوليو 2019 ، بمحاضرة قدّمها الاستاذ الدكتور سيار الجميل وكان موضوعها عن الملك فيصل الاول الذي يعد المؤسس الحقيقي لكل من سوريا والعراق في التاريخ الحديث ..
شملت المحاضرة كلمة ترحيبية بالضيوف ، ثم مقدمة تاريخية وتوثيقية ثم كيفية اكتساب الشريف فيصل شرعيته التاريخة اثر انتصاره وقيادته الثورة العربية 1916 – 1918 ودخوله دمشق وتأسيسه للحكومة العربية في دمشق معتمدا على الضباط الشريفيين وكان اغلبهم من العراقيين سواء بقياداتهم العليا ونزولا الى المراتب الوسطى ثم الدنيا ، وقد تناولت المحاضرة لأول مرة تحليل معلومات موثقة عن قوة هذه النخبة العراقية العسكرية وكان يرافقها بعض المدنيين وهيمنتهم على بعض المناصب العليا .. ولقد صادفت تلك النخبة العراقية وبمعيتها بعض الفلسطينيين بعد مرور قرابة سنة على وجودها في ظل فيصل شبه قطيعة من قبل السوريين .. وبدا للمؤرخ من خلال تعمقه في قراءة الادبيات السياسية الصادرة في تلك المرحلة انتقالا خفيا من العروبة الى القطرية وبشكل واضح ، وباتت الحكومة العربية تسمى بالسورية ، وبات الجيش العربي يدعى بالجيش السوري وتحولت القضية العربية برمتها الى قضية سورية وفيصل يشهد بنفسه هذا التحول وهو يتلقى التحديات بشكل قوي من قبل الفرنسيين فاصبح التحدي ثلاثي الابعاد ما بين الترك الاتحاديين والبريطانيين والفرنسيين .. ونجح الفرنسيون في الهيمنة على سوريا وانسحب فيصل مع حاشيته وكان قد فشل الجيش في مواجهة القوات الفرنسية باقل من ساعة وتبدد شمله ورحلت الحكومة الفيصلية الى الابد في سوريا .. وكان مصير نخبة الضباط الشريفيين مهددا وخصوصا بعد رحيل فيصل والقادة الكبار امثال جعفر العسكري وياسين الهاشمي ونوري السعيد ومولود مخلص وغيرهم اذ يحكي لنا توفيق الدملوجي في مذكراته ( وقد تأكدت من المعلومات من خلال الوثائق البريطانية والفرنسية ) قصة مأساوية اولئك الضباط العراقيين مع عوائلهم في سوريا ، وكيف اسرتهم فرنسا ونفتهم الى جزيرة ارواد ومن ثم ارجاعهم الى الشام ونقلهم وهم بحالة مزرية الى الاسماعيلية بمصر وابقائهم في مستودعات الاسر حتى نقلهم الى العراق في باخرة اوصلتهم الى البصرة وهم بالمئات .. هؤلاء مع قادتهم سيشكلون حجر اساس تأسيس العراق الملكي بريادة فيصل الاول ويأخذوا مواقع عليا من اجل تأسيس دوائر ومؤسسات ..
اختيار فيصل الاول ملكا على العراق كان موفقا ومن حظ العراقيين الذين اختلفوا اختلافا شديدا كما تدل كل الوثائق والادبيات على اختيار ملك عليهم من العراق اذ كانت هناك ثلاثة اسماء مرشحة للمنصب : عبد الرحمن الكيلاني من بغداد والفيلد مارشال عبد الهادي العمري من الموصل وطالب باشا النقيب من البصرة ودخل على الخط الشيخ خزعل امير المحمرة .. ولم يتفق العراقيون في ما بينهم على اختيار ملك عراقي عليهم ( مع وجود بعض المثقفين العراقيين طالبوا بتأسيس نظام جمهوري ) ولكن اغلب العراقيين كان يردد اسم الملك فيصل بن الحسين نظرا للسمعة الطاغية التي كسبها منذ دخوله دمشق وتجربته المريرة في سوريا واشتراكه في مؤتمر الصلح بفرساي عام 1919 ، فتقرر في مؤتمر القاهرة برئاسة السير ونستون تشرشل ترشيح فيصل وكان يحضر في المؤتمر جعفر العسكري والمس بل ولورانس .. فكان ان ذهب وفد عراقي يضم اكثر من تسعين شخصا يضم علماء واعيان وشيوخ وافندية الى مقابلة ابي فيصل الشريف الحسين بن علي ، وطلب فيصل لمبايعته ملكا على العراق والكل يدري ما الذي اجابهم به ابوه : اخشى عليه ان يكون مصيره في العراق وعلى ايديكم كما كان مصير جده الحسين !!
وصل الملك فيصل البصرة بحرا ومن هناك اخذ القطار الى بغداد .. وعلى طول الطريق كانت تنحر له الذبائح ويستقبل شعبيا استقبالا منقطع النظير .. وبدا لي ان الرجل كان قد خبر العراقيين خبرته بالسوريين ..وعلى اساس رؤيته العقلانية ونظرته الذكية حكم العراق وكان غارقا في مشاكله كالعادة ، وقد خرج المجتمع من ايدي الاتراك الاتحاديين العثمانيين ودخله الانكليز كان متعبا جائعا متأخرا وفقيرا قد سحقته المجاعات والاوبئة مع انقسامات مجتمعه وهزال مؤسساته وتأخر التعليم فيه .. كان فيصل منقذا له من خلال سياسته ونهجه وبالرغم من التحديات التي صادفها الرجل فقد نجح في فرض الامن والنظام وتبديل هياكل المؤسسات واصدار المزيد من التشريعات والعناية القصوى بالتربية والتعليم والاعتماد على كوادر ذكية .. ومن ميزاته الرائعة ان فيصل وقف على مساحة واحدة من الجميع ، لم يميز بين العراقيين على اساس العرق او الدين وبدا وطنيا عراقيا اكثر من عراقيين اظهرت الايام انهم يكرهون العراق .. معتمدا على طواقم عمل ممتازة وعليه ومن خلال قراءاتي لمعظم صحف العشرينيات العراقية وجدت ان اخصب مرحلة زمنية مرت بالعراق هي العشرينيات من القرن العشرين ، اي في عهد فيصل الاول اذ تكلل عام 1930 بتوقيع معاهدة الاستقلال مع بريطانيا واشترك العراق بتأسيس منظمة عصبة الامم وعد واحدا من المؤسسين . وكان العراق قد سبق حتى مصر بتلك المعاهدة اذ وقعت مصر معاهدتها عام 1936 ..
وكان اغلب القيادات العسكرية العليا قد تدربت على ايام العثمانيين في المانيا القيصرية فكانوا يجيدون المهنية الالمانية التي تزاوجت مع تقاليد جديدة من قبل البريطانيين ، فالتأسيس التاريخي للعراق المعاصر في القرن العشرين ساهم ببنائه وبقيادة الملك فيصل الاول وعلى مدى 12 سنة من حكمه 1921 – 1933 كل من :
نخب الضباط الشريفيين وابرزهم : جعفر العسكري وياسين الهاشمي ونوري السعيد وجميل المدفعي وعلي جودت الايوبي ومولود مخلص وعبد الله الدليمي وطه الهاشمي وغيرهم ثم كان معهم العديد من الضباط والقيادات العراقية من غير الشريفيين .
المستشارون البريطانيون ، وهم كثرة تقف على رأسهم المس غرترود بل وهم يتبدلون بين حين واخر وكانوا يتوزعون في كل المؤسسات سواء في العاصمة ام في اهم مراكز الالوية كالموصل والبصرة .
النخبة المدنية العليا ( عراقيون وعرب ) وهم من بقايا الافندية والعلماء والادباء والاعيان العراقيين المعروفين ، ومنهم بعض من جاهد في ثورة العشرين ونخب من الوطنيين والمثقفين والشعراء ومنهم فهمي المدرس ومعروف الرصافي وناجي السويدي وتوفيق السويدي ورشيد عالي وساسون حزقيل والسيد احمد الفخري وعلي البازركان وغيرهم .. كما شاركت فيصل نخبة من المختصين والخبراء العرب وكانوا من المع الاذكياء امثال : رستم حيدر وساطع الحصري ودرويش المقدادي وراسم سرداست ومحمود هندي ( عسكري ) .. فضلا عن نسوة عربيات شهيرات من سوريا وفلسطين ولبنان عملن في التدريس في ابرز الثانويات
وقد انتهى المحاضر الى جملة من الاستنتاجات المهمة حول تاريخ العراق الملكي الذي انتهى في 14 تموز / يوليو 1958 واهم الاستتنتاجات ان العراقيين خصوصا والعرب عموما سيدركون يوما بعد آخر وبعد تراكم التجارب الصعبة وبعد تفاعل الوعي لدى الاجيال مكانة بعض الرجال من المؤسسين الاوائل في القرن العشرين وفي مقدمتهم فيصل الاول ورهطه من الذين نجحوا في بناء مؤسسات دولة محترمة
ورسموا هوية مجتمع ونفذوا نهج تعليم قوي .. لقد جازاهم المجتمع باسوأ جزاء .. لكن الاجيال القادمة ستكون اذكى بكثير ممن ساد ويسود اليوم من الاغبياء !
وقد اعقب المحاضرة حوار خصب بين المحاضر والاعضاء حول الموضوع
يبدو في الصورة الاستاذ الدكتور سيار الجميل وعلى يمينه الاستاذ يقظان كامل الجادرجي والاستاذ عماد شريف والاستاذ الدكتور بسمان الفيصل والاستاذ موفق العلي والاستاذ غسان راسم والاستاذ وائل عويني ( وهو من لبنان ) .. وقد اعتذر عن الحضور لاسباب طارئة كل من الاساتذة : يزن النائب وصهيب جلميران وزهير حمودي
تنشر على الموقع الرسمي للدكتور سيار الجميل
https://sayyaraljamil.com/wp/