هناك بيت قديم هجموه حجراً فوق حجر ، فغدا ساحة خربة وسط بيوت عامرة بحدائقها الغنّاء .. جعلوا الخربة مدجناً ومسلخاً ، فازدحمت الخربة بالدواجن التي ليس لها الا الاكل والسفاد والنوم ، دجاجات بيضاوات ، وأخريات سوداوات فاحمات ، وبعضهن بنيّ اللون أو صفراوات وغيرهن من المكوّنات والفراخ بألوانهن الباهتة . كان يقف على رأسهم ديك هراتي ضخم الجئة ، عريض الجناحين ، طويل العرف الاحمر ، اذا صاح صيحة واحدة تتقافز الدجاجات خوفاً منه ويرتعدن بأبوالهن من الديك الهراتي الشرس ومن نظراته وعيونه اللامعة وذيله العالي ، وان قسا على واحدة ، فنقرة منه يسقطها تتضرّج بدمها .. دخل الهراتي يوماً معركة خاسرة مع ثعالب وواوية يقودهم ذئب أملح ، فخسر جولته بعد صولاته في معارك من قبلها ، اذ صارع فيها ديكة آخرين يميتهم بمنقاره ومخالبه ، ولكن هذه المرة مسكت به الواوية وأعدمته وقد تحزمت الدجاجات ورقصن فرحاً .. وخرجت من الأوكار الخفية شرذمة من ديكة آخرين ، فيهم الاصفر ابو نظارة ، والفاحم ابو شحاطة ، والاحمر الاعور ، والبني الاعرج ، وابو قنبوعة الدجال ، والقوس قزح ابو عمامة الذي يتبختر وكأنه عارض أزياء .. وازدادت الديكة ، وهي اما تتصارع في ما بينها على الأكل اذ كانت جائعة ، أو تتصدر مشهداً اباحياً أمام كلّ جوقات الدجاج .. اختارت الثعالب والواوية ديكاً تافهاً اسمه جيجو ليكون زعيماً على الماشي ، فغدا لقطة كوميدية سينماوية اسكوب بالالوان أمام العالم ، اذ ينام كثيراً ويهذي طويلاً ، وغدا أضحوكة هزلية ، فانفلت وضع المدجن على زمنه ، ثم توّلى الامر ديك آخر اشتهر بمخاطه اسمه نينو ابو دعبولة لم يهمّه أمر البيت الخراب أبداً ، وقد ماتت مئات الدواجن على زمنه ، وهو يتراقص فرحاً ، وبدأ صراع الديكة من شراذمه للاستحواذ على الحبوب وكل الغذاء .. وترك نينو أسيجة المدجن سائبة ، فبدأت ترتاده الفئران والجرذان والبعران والقطط السمان وكلّ يوم نجد دجاجات مفتقدة ، وفراخ مقتنصة ، وأخرى مغتصبة ، وصبغت ارض المدجن بالدماء ، والريش منكوث فوق المستنقعات الآسنة في كلّ حدبٍ وصوب .. وكان نينو تافهاً ومنافقاً وغادراً لا يأتمنه أحد .. كان قد منح الواوية فرصتهم في العبث ليلاً بأحوال المدجن .. كرهته كلّ الدواجن كراهية عمياء لفعلته الدنيئة ، ولكنه قبيح الوجه لا يخجل منها ابداً ، اذ يبقى منفوشاً بريشه ، ولكنه جبان تافه .. المهم ، ان الذئب الأملح أصدر أوامره بتنحية نينو كي يأتي بديك آخر اسمه حاحو ، فتسلّم حاحو الجديد الزعامة .. كان ديكاً لا يعتني بنفش ريشه ، وتراه مدعبلا وقصير الرجلين وعريض المنكعين .. يصفق بجناحية دوماً بلا أيّ سبب ، لكنه لا يقوى على الطيران أبداً ، فهو خوّاف جدّاً ، وليس له الا المراوغة والكذب على معشر الدجاج ، وعليه أسموه حاحو ، (فالحاح تعني كذبة كبيرة ) .. كلّ يوم له مع الاخرين قصّة بطولية هوائية ، فهو يقف فوق الحاوية ليعوي بأعلى صوته ممّا سبب ضوضاء يوقظ الناس من عزّ نومهم عند الفجر فتجرّد أحدهم لمعالجة صياح حاحو ، فانسلّ ليقبض عليه .. فدهن مخرجه بالوازرين .. فكلما أراد حاحو الصياح لم يستطع كون مخرجه مفتوحاً بتأثير الوازرين ، فيظل يحزق ويحزق دون جدوى ، اذ لا يخرج منه الا صوت الهواء الفاسد .. فرح الناس وارتاحوا قليلاً من صياحه .. وفي فجر اليوم التالي وجدوا على سطح البيت الخرب أكثر من سبعين من الديكة ليس فيهم هراتي واحد ، وكلّهم يصيحون ويعوعون ويتصارعون على الزعامة والدماء تشخل منهم ، وبينهم نينو وحاحو دون جدوى .. مرّ من جانبهم أديب ساخر ، فعلق قائلا :
كلا الاخين ضرّاط ولكن شهاب الدين أضرط من أخيه
كتبت فجر يوم 17 تموز / يوليو 2018 ، وتنشر على موقع الدكتور سيّار الجميل
https://sayyaraljamil.com/wp/