اثارت مقالتي السابقة قبل يومين ” موت أرنب ” خلجات الكثيرين عن اسلوب كندا دولة ومجتمعا بعنايتها ليس بالانسان وحسب ، بل بالحيوان ايضا حتى ان كان بريا .. فان كان موت ارنب يثير اهتمام كل اجهزة دولة .. فهل يستقيم ذلك مع قتل الانسان او تعذيبه او ايذائه في دولنا ومجتمعاتنا ؟
كنا اطفالا في رياض الاطفال بالعراق عام 1956 ، يخرجوننا صباحا في واحد من ايام شهر آذار / مارس الى اماكن معينة ليغرس كل منا شتلة شجرة في يوم اسمه عيد الشجرة ، وكنا نفرح فيه فرحا كبيرا ، اذ كانت المملكة العراقية على عهد الملك المغدور المغفور له فيصل الثاني 1953- 1958 قد تبنت هذا اليوم الجميل باسم (عيد الشجرة) وجعلته عطلة رسمية ، وكان فيصل نفسه – رحمه الله – يخرج في صباح ذلك اليوم بسرور كبير ليزرع شجرة عراقية . وكان العراق اول بلد في آسيا وافريقيا يتخذ من يوم الشجرة عيدا رسميا . ويعود تاريخ العيد الى جولياس ستيرلينج مورتون أول من اسس عيدا للشجرة في ولاية نبراسكا باميركا سنة 1872. ورغب في النظر إلى الاشجار وارفة في كل مكان كونها عنوان الحياة . فاقترح عيد لزراعة الاشجار في اجتماع مجلس زراعة نابراسكا في ذلك العام ..
بقي هذا العيد ساري المفعول عراقيا ، بحيث اتذكر اننا كنا في الابتدائية ، اخرجونا عام 1960 الى حيث تقوم بنايات المجموعة الثقافية في الموصل ، وانتظرنا فاذا بالمتصرف وآمر الموقع يفتتحان ذلك اليوم المشمس ، فزرع كل واحد منّا شتلة شجرة .. وكان الامل يحدونا ان نجد كل المدينة وقد كبرت فيها اشجار اليوكالبتس او السرو المعمرة .. ولكن ما ان يمضي اسبوع واحد حتى تختفي تلك الشتلات اذ يقتلعها المارة من المارقين .. هكذا بلا سبب ، الا كجزء من تقاليدهم الشعبوية المؤذية وما اكثرها ، ليس ضد كل ما تريده الحكومات وقت ذاك وما يحلم به العقلاء ، بل لكل ما يحلم به المجتمع من جماليات متحضرة راقية ! وكنت اتمنى مخلصا ان يبقى العراق وكل العراقيين يهتمون باشجارهم وحدائقهم على غرار كندا والكنديين .. ولكن كيف هي عناية كندا بالشجر ؟
في كندا التي اعيش فيها منذ اكثر من 15 سنة ، لا يحق لي ان اقطع شجرة حتى ان كانت في بيتي ، الا بتصريح خاص من البلدية ، ولا يحق لي ان اقطع زهرة ولا ادوس بسيارتي او دراجتي او قدمي اية شتلة .. لأنني في هذه الحالة ساعرّض نفسي للمسائلة القضائية .. ان اي شارع جديد يفتتح لابد ان تزرع بلدية المدينة جوانبه بالاشجار ، وعلى مدى عشر سنوات تورف الاشجار ، وتكثر العصافير وصداحها ، ولا تسمع الا اصوات البلابل ، وتعتني بلدية اية مدينة كندية بكل شجرة في اي شارع او بارك .. ويحرم البناء على مساحات في غابات او احراش داخل اية مدينة ، بل تبقى مسيجة حفاظا على البيئة .. الذي يلفت النظر كما تجدون ذلك في الصورتين ان اشجارا وارفة في الصيف كما تجدونها في الصورة 1، فمتى يأتي الشتاء البارد المثلج ، تقوم البلدية بتغليف كل شجرة باغلفة زاهية كي تحافظ عليها من البرد والثلج خوفا عليها من الموت ! كما تجد ذلك في الصورة رقم 2 ، وهي الاشجار نفسها وفي الشارع نفسه .. انه شارع هورنتاريو في مدينة مسيساغا التي اعيش فيها ، وانا منذ 15 سنة ارى الاشجار نفسها تحيا بنضارتها كل عام بعد ان بقيت مغلفة لمدة اربعة اشهر كاملة لتورق بالحياة لتحيا من جديد .. وتجدون مثلا على ذلك في الصورتين قرب برجي مارلين مونرو كونهما يشبهانها في غنجها .. اشجار يحافظ عليها العقلاء وبشر تقتله المجانين !
نشرت على صفحة فيس بوك د. سيار الجميل بتاريخ 7 فبراير / شباط 2017 .