عيناها ، ومضتا ربيعين خضراوين
تبدوان بلا ازار .. بلا خمار
كانت ملكةً ساحرة للعالم منذ عصور ،
تطوفُ بعرشها فوق شطوط وأنهار
وجفناها ، بوابتان من ياقوت ومحار ،
الالواح مشرقها ألوان مرج رائع
يعيش منذ اعماق الازمنة القديمة
ومغربها شمس تسطع كالتبر الوهاج ،
وحلاها ازهار ، وكريم أحجار
نرجس وخزامى وحزمة بهار ،
في الفجر ، تشدو كالعنادل للاطفال
عند منحنى دجلة ، أو جرف قره سراي
واليوم ، بعد ان سحقها الاعراب وشذاذ الافاق
والمتوحشين البدائيين من حزام الطوق
أتخيّلها ممزقة بين احجار وشعل نار
تعيش وحيدة في الكهوف الحجرية
بعيدة مع ابنائها عن كلّ الانظار
بائسة يأكلها اليأس بعد فجيعة التاريخ
تشبه قبّرة حزينة تنوح على الاطلال
تقف فوق شجرةٍ يابسةٍ ، تدفن الأسرار
تبصر بعيداَ في المدى مثل زرقاء اليمامة ،
بحثاٌ عن زحفِ أشجار ، او منقذ بار
، تبكي واقفة لوحدها في الظلمة
أو تناجي ربّها الواحد القهّار
حطمّها الطغاة الجدد ، ودمرّتها العواهر القديمة ،
واستباحتها عصابات وبضعة أشرار
قتلوا أولادها ، وعبثوا بيزيديات جبل سنجار
حياتها غدت قطع أعناقٍ ، وحرق أرواحٍ ، وألعاب زار
مذ استحكم فيها قراصنة ووحوش
ومجانين وبرابرة واعراب وفجّار
صمدت بقوة الجبروت ضدّ الاعصار،
وهي تبعث السندان الى كلّ العالم
ممتلئ بزهرات شقائق النعمان ،
أنبتها على السفوح دم الشهداء قاني الاحمرار.
وجدتها تائهة .. همست في اذنها :
حبّك سيّدتي في الاعماق منذ الازمنة البعيدة
قالت : انّني العشّ الاول لعصفور حرّ طار بعيداٌ ،
كما الطيرُ من الاقفاص طار
قلت : وجدتك حزينة تكتبُي وصيّتك الأخيرة ،
قالت : لا أنساك أبداً يا حبيبي سيّار ،
لا في اعماق الليل .. لا في اوصال النهار
يا جذوة توقد في القلب ، نار
واردفت : ترابي لحمة من انبياء واولياء
وقديسين وأصفياء وشهداء احرار ..
وسارة ، ومسكنته وقوافل الابرار ..
وكلّ من على الدربِ سار
سكتت ، ثم بكت ..
فضجّ صوت ملأ الدنيا عند المزار :
قريباً ينادي كلّ مفجوع بثأر
يا لعزف ريح، يا لمحو عار ،
والحبّ سيعود مؤنساً لا مزمجراً ،
قرب حاوي الكنيسة او قرب باب السراي
او تلول الغزلاني .. أو حوافي ارض المطار
ارجعي يا بحيرة الغابات صافية
بعد ان فاض الدمّ منك أمواج بحار
ليرحل الاعراب عن مدينتي الى
فلا عيشَ للطيور والافاعي معاً أبداً في سفح غار
الشوارع المهجورة ستفرح قريبا ،
وتغني العصافير وترقص الاشجار
في مدينة تعّذب اهلوها في كلّ دار
من الساحل الايمن حتى صوبَ اليسار
آياتهم قريباً سيرّتل كلّ الانبياء والاولياء
ويدق كلّ القديسين أجراسهم ونواقيسهم،
وينشد الجميع في حارات كل مدار
والسيدة العذراء تمتد واقفة تذرف دموعها
في السماء المزيّنة بنجوم وأقمار
وعند الفجر ، يغسل الناس كلّ جرم .. وكلّ عار
ستورق أشجار الفستق قريبا في الجوسق
في الشهباز .. في الدوّاسة ، او قرب المطار
سنلقاك قرب الجسر العتيق ، وبرفقتي :
ابو تمّام يحملُ قيثارته شعرا ،
واسحق يدّق على العود والمزمار
وابناء الاثير الثلاثة يبحثون عن قبورهم
والناس تبكي اسفا على المنازل الجميلة ،
وذاك الملا عثمان يرتّل السور القصار
سنرجع قريباً الى أجمل دار ..
فهل يا ترى ستنتهي المهزلة
بعد ضياع الاهل ؟؟ بعد شنق الذاكرة ؟
هل ستحيا من جديد بمشيئة الاقدار ؟
سيّار
في الهزيع الاخير من ليلة 25 سبتمبر / ايلول 2016
اللوحة المرفقة للفنانة العراقية السيدة رؤيا رؤوف
نشرت على موقع الدكتور سيار الجميل
sayyaraljamil.com