كَتبَ الرائيُ في مُفكرته القَديمة ليلة القبض على سنة 2016 ، 
يقول في قَصيدةُ نثَر : 
مَتى أحزِمُ حَقائِبي لأرحلَ عن وَطَنٍ ، وَأنا لَم أزل في مُقتَبًل العُمر ؟ 
وَطَنٌ حَقيقيٌ تَحوّل مِن بَساتين نَخلٍ مُزهِرَةٍ الى اعجاز نخل خاوية 
الى غاباتِ وحوشٍ قاتلة ، تَحكُمُها شَرائعَ تافِهة بقيت مطوّية مُنذُ دَهر 
وطن حَياتُنا فيه ، مُعتَقلٌ بَربَريٌ لا يَحيَا فيه انسانٌ سَوي حُرّ 
أينَ المَفرّ يا بشر .. وبِرفقَتي حَقيبة سَفر ؟ 
هَل أرحَل بِلا قُيودٍ وَلا حُدودٍ .. الى كَونٍ بَعيدٍ ؟ 
وَماذا أفعَل ، وأنا أعيشُ لوَحدي هُناكَ ، وذاكرتي وَطَني المُستَتِر ؟ 
وَطنٌ مشتّتٌ امتَلئ بالمَجانين والسُفهَاء والمُشَعوِذين والطُفيلّيين ! 
وَطنٌ دنّسه الغزاةُ وَحَكَمهُ الطُغاةُ والشُقاةُ والبُغاةُ وأشرارٌ كاَلتتَر 
والأصدِقاءُ الحَمقى ، مُجرّد أنذالٍ غَيرَ أوفياء ، مَلأوا هَذا العَصر ! 
وَطنٌ جَعلوهُ مّنخورا مِثلَ بِيوتِ عَناكِبٍ قديمة ، غَدَت لِلعالمِ مَواخير عُهر 
سَنَة تَمضي أقسى قَبلَ اخرى .. والآتيةُ ستَأتي كَريهة ، وهي أدهى وأمّرّ 
وسَنواتِنا المُظلِمَة لَم تَزل تَرسمُ للأجيالِ خُطوطاً مُتَعَرِجة على صَفَحاتُ قَهر 
عَلى مَاذا أهَنّئكُم ؟ عَلى مَاذا أبَارك لَكُم ؟ 
عَلى سَنَةٍ حمراءَ تَنتَشِلُها السَماء ، اشلاء بلا حُروفِ جَر ؟ 
أم سَتبقى أزمنة جَريحة بائِسةً ، تَبدَأ فجائعها مَطلع كُلّ شَهر؟ 
عَلى زُعماءٍ تَافهينَ ومّارقين يّتناسَلون عَلى كراسيهم العَالية ويسرقون حتى الحجر .. 
وَهُم يَعدّون أنفُسَهم آلهة فَوقَ مستوى البَشَر 
دينهَم سِحرٌ ، وَسياساتُهم مِكرٌ ، وَأقنِعةٌ مُزيّفة ، وَايقونات كُلّها صُوَر 
وَكلامَهم غريبٌ غَيرَ مَفهومٍ أبَداً .. لا مُبتَدأ فيهِ وَلا خَبر 
وَنحنُ نَشهد البُركان يزحفُ ، كُلّه أحجارٍ وَشواظ مِن نَار وَجَمر 
وَنشهدُ عَلى أطفالٍ بِلا مَنازل ، وَكَأن التَوّحشَ لَهُ مَعَهم ثَأر 
مَزّقوا أشلاءَهم ، وَهشّموا عِظامَهم في كُلّ الشوارعِ والحارات 
والنُسوةٍ سُبينَ واُهِنَ في البرَاري الموحِشةُ ، حَيث ظُلماتِ قَفر 
وَنشهدُ عَلى أغنيّةٍ مَسلوبةٍ ، دُفنَت حَيّة في أعماقِ قَبر 
ونَشهدُ غَيبوبة زَهرٍ ، وهجرة طُيور حُبّ ، وّخراب مّدينةٍ ، وَموتِ نَهر 
وَيشهدُ كُلّنا قِصّةَ طِفلٍ غَريقٍ بَرئ لفَظَتهُ مَوجَاتُ بَحر 
وَنسألُ عَن مُجتَمع دَولِي سَافل بِلا أخلاقٍ 
يَكيلُ بمكياليَن في عالمٍ بلا قِيَمٍ ، بِلا ميزان عَدلٍ .. شيمَتهُ الغَدر 
لا أرّى اليَومَ الاّ صُورة لها ثَلاثَة وُجوهٍ : 
بّعضُهم مُنتهَكٌ ، وَمستَلبٌ ، يَتلوّى بِآلامِه في لَيلٍ حَالِكٍ 
وَبَعضهم يَرقُص سَفاهَة دون احساسٍ حَتّى مَطلَع الفَجر 
وَنَحنُ نَحلَمُ بِطلوعِ الشَمسِ مِن جَديدٍ، 
وَنردّد مَعاً : اللهُ يُعطينا العَافيّة !
 
سيّار الجَميل 
في ليلة الاثنين 28 ديسمبر / كانون الاول 2015 / كندا
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …
 د. سيّار الجميل الموقع الرسمي لـ (د. سيّار الجميل)
د. سيّار الجميل الموقع الرسمي لـ (د. سيّار الجميل)
				 
						
					 
						
					 
						
					