تطور الزراعة الكندية الحلقة 23 من كتاب سيار الجميل دومينوين كندا من الاتلانتيك الى الباسيفيك

كندا ، واحدة من أكبر المنتجين الزراعيين والمصدرين في العالم. كأمة متقدمة، كانت نسبة المزارعين الكنديين كبيرة وقد قل عددهم مع الاتجاه الى التصنيع ،وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للزراعة بشكل هائل على مدى القرن العشرين، لكن الزراعة لم تزل عنصرا مهما في الاقتصاد الكندي. اذ تمارسها مجموعة واسعة من الزراع ، وان إنتاج حقول البراري المترامية الأطراف من وادي اوكاناجان. لم يزل هائلا كما تقول تقارير الحكومة الاتحادية، والصادرة عن وزارة الزراعة والأغذية الزراعية.
لابد من وقفة تاريخية عند الزراعة الكندية ، فلقد تطور قطاعها منذ القرن السابع عشر بسبب التربة الصالحة والمياه الوفيرة لإنتاج الذرة والفول (الفاصولياء)، والاسكواش (القرع) والبطاطا وعباد الشمس في جميع أنحاء الأراضي الزراعية من أمريكا الشمالية منذ بداياتها خلال القرن 16. وقد أظهرت الاكتشافات الأثرية لـ 500 سنة مضت عن زراعة الذرة في جنوب أونتاريو.
وكان المهاجرون الاوائل الذين استقروا في شرق كندا قد نجحوا في تدجين الزراعات الأوروبية مع معارف السكان الأصليين سواء للأرض او الحيوانات في المنطقة. وعند سنة 1605، بنيت عدة سدود من قبل الفرنسيين في Maritimes للقمح والكتان، والخضروات، والرعي وزراعة المستنقعات . فتراكمت الثروة الحيوانية، وبدأت مشاريع الزراعة المختلطة. وتم انتاج الفواكه في بعض المناطق الواقعة على طول المناطق الساحلية شمال غرب نوفا سكوتيا. وخلال الثورة الأمريكية 1775-1783، انخفض الانتاج الغذائي وتركت 3100 هكتارا في نيوفاوندلاند. وفي أوائل القرن 19 ، بدأ المهاجرون الأيرلنديون يزرعون اراضي نيوفاوندلاند. ولابرادور وتم استصلاح جغرافية غابات التندرا. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان التدريب الزراعي قد تطور على يد الحكومة التي دفعت المكافآت لتطهير الأراضي من الاحراش والغابات للبدء في الزراعة المساعدة وصناعة تجهيز الأغذية وخصوصا الأسماك ، وكان ذلك أكبر إسهام في نيوفاوندلاند. حيث مصائد الأسماك وصناعة صيد الأسماك لتصديره نحو العالم.
اما في الغرب ، فقد بدأت الزراعة والبستنة في بحيرة أتاباسكا عام 1778. وطورت التجار ة الزراعية شركة خليج هدسون بزراعة المحاصيل والحدائق في أقاليم الشمال الغربي، وخصوصا في يوكون، ونونافوت المغطاة بتربة الغابات عند القطب الشمالي في الدرع الكندي، الملبس بالنتوءات الصخرية، وتجهيز الأغذية الملائمة المساهمة في إنتاج الأغذية الزراعية التي امتدت نحو اونتاريو .. ونجح حصاد محصول القمح لأول مرة في البراري الغربية عام 1814. وفتحت الأراضي الحدودية من ساسكاتشوان جنوب شرق وجنوب غرب ألبرتا في القرن التاسع عشر. وان مانيتوبا لديها مزيج من صناعات الحبوب والماشية، والزراعة المختلطة في أقصى الجنوب. ويتألف شمال مانيتوبا من البحيرات الواسعة والمناطق الجغرافية التي تغطيها الغابات. وصدر قانون الأراضي لدومينيون كندا عام 1872 وتطورت زراعة الحبوب والمحاصيل مثل القمح والشوفان والكتان، والبرسيم وبذور اللفت (الكانولا خاصة) وسيطرت على منطقة الحدائق. وتطورت مزارع الألبان، وتربية الماشية وانتشر الرعي في أراضي السهول الوسطى من مقاطعة برايري في كندا ، وغدت ألبرتا ثاني أكبر منتج للقمح في كندا. مع منتجات الألبان .
في فرنسا الجديدة ، قفزت زراعة القنب كعلف للماشية منذ 1663. واعتمد نظام الزراعة الإقطاعية في كيبيك. على انتاج الخضراوت والفاكهة. وفي عام 1890، بدأت مسابقة لتشجيع المزارعين من اجل تحسين مزارعهم ، التي ارتبطت بالمقاطعة من اجل تحسين الزراعة ضمن مسابقات استمرت حتى العام 1930 فتطورت 5,000 مزرعة منذ العام 1947، ودخلت الاسمدة والتلقيح الاصطناعي الذي اعتبر احد مظاهر التقدم الزراعي الكندي في العالم .
تطورت القوانين بشأن (الحبوب) وخصوصا الذرة، للفترة 1794 – 1846 على ايدي البريطانيين، واعتمدت بريطانيا في وارداتها من القمح على أمريكا الشمالية”. ووقعت معاهدة على مبدأ المعاملة بالمثل مع اميركا في 6 يونيو 1854، ووضع اتفاق للتجارة بين الطرفين على تجارة قمح أونتاريو. بعد ان طورت مزارعها الشمالية ، فكانت هي الاساس في استعمال اراضي التندرا ومنطقة الغابات، بينما غدت حقولها الجنوبية مناسبة لتربية الماشية والزراعة معا اذ ان الجغرافيا كانت مناسبة للرعي ومنتجات الألبان من الصناعات العامة. فضلا عن مزارع الفواكه وزراعة التبغ في جنوب أونتاريو. وغدت أونتاريو أكبر منتج للحبوب المختلطة، وخصوصا فول الصويا والذرة .
امتدت منطقة الحدائق المفتوحة عبر ثلاث مقاطعات ذات مساحات هائلة من البراري في : مانيتوبا، وساسكاتشوان والبرتا. وغدا إنتاج كندا من القمح والشوفان وبذور الكتان والشعير يأتي أساسا ليطور مجال تجهيز اللحوم ، متبوعاً بإنتاج الألبان ومصانع الجعة، وصناعة الأدوات الزراعية الفرعية.
تغطي مقاطعة كولومبيا البريطانية في المرتفعات؛ حدودها الشرقية من جبال روكي. وان الإنتاج الزراعي فيها زاد من صناعة الذهب والتعدين وصناعات قطع الأخشاب. واعتمد المنتجون الزراعيون على الأسواق المحلية، وأنشئت رابطة “كولومبيا البريطانية”من مزارعي الفاكهة عام 1889 لتعزيز سوق تصديرها كسلع اساسية. ولدينا اليوم مأثورات زراعية في متاحف الزراعة بكندا للمحافظة على تاريخها . واخرها جرى استحداثه عام 2015، ومنها المتحف الزراعي في مانيتوبا ومتحف مزرعة روس وسط المزرعة التجريبية ومتحف أونتاريو الزراعي.
تطورت الحركة الاقتصادية والتسويقية التجارية للسلع الزراعية المختلفة سواء التجارة الداخلية بتوفير السلع داخل كندا وانتقالاتها بين المقاطعات. ونشوء وكالات الدعم والخدمات ومستودعات التخزين، مع وجود السكك الحديدية، والتأثير على جميع المؤسسات المصرفية التجارية المحلية. وتطور استقرار السكان وهدأت انتقالاتهم . ارتفعت أسعار القمح خلال الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1928، بدأت كندا تصدر كميات كبيرة من القمح والطحين والسلع. ومن ثم أحداث الحرب العالمية الثانية وحصار التجارة على الأسواق الأوروبية. وغدت كندا أكثر من كيان صناعي لترتقي الى دولة مصنعة اكثر من دولة زراعية. وابرمت بريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية عقدا لجلب كميات كبيرة من السلع الزراعية الكندية ، واصبحت الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري خارجي في كندا بعد ثلاث سنوات فقط من “الاتفاق الدولي للقمح” لعام 1955، والتي استمرت 6 سنوات حقاً، وشملت الصادرات من القمح أو الطحين .. وهناك حوالي 20,000 مزارع لهم مشاركتهم في النشاط الزراعي.
تضم زراعة كندا خمسة قطاعات للإنتاج الزراعي الرئيسي ومنها (القمح ، والشوفان، والشعير، والجاودار، وبذور الكتان، والكانولا، وفول الصويا، والأرز والذرة) وكانت الثورة الزراعية الكندية قد طورت الثروات الحيوانية وانتاج اللحوم، ذلك ان الثروة الحيوانية تشتمل على (الأبقار والخنازير والعجول والضأن) وهناك الكروم في جنوب كولومبيا البريطانية ومواقع في شبه جزيرة نياغارا.

انتظروا الحلقة القادمة عن تطور الثروات الحيوانية الكندية

نشرت في جريدة AKKAD الكندية سوم 17 حزيران / يونيو 2015 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com