أذاعت القيادة المركزية الأميركية منذ نحو شهر أن عملية تحرير الموصل من “داعش” ستجري في الربيع، أي أنها ستكون في أبريل/ نيسان ومايو/ أيار. ولا يمكن الوثوق بهذا “الخبر”، فالأخبار متضاربة جداً حول توقيت هذه العملية، سواء من الحكومة العراقية أو الحكومة المحلية في كردستان، أو من المسؤولين الأكراد، أو من المسؤولين الأميركان. ويتملك أهل الموصل، تحديداً، مخاوف شتى، وهم الذين عانوا كثيراً من المأساة منذ عام 2003، إذ تعتريهم هواجس شتى حول مصيرهم ومآل مدينتهم التي تعد ثاني أكبر مدينة في العراق، إذ يزيد عدد سكانها على مليونين ونصف المليون من السكان، وقد غادرها أكثر من ثلث سكانها بين مهاجرين ولاجئين ومشردين، في أسوأ كارثة تاريخية تتعرض لها الموصل في العصر الحديث. كما يتخّوف أهل المدينة من وقوعها فريسة بأيدي الإيرانيين، وعصائبهم الذين لهم ثارات تاريخية معها منذ القدم، خصوصاً أن أهالي الموصل عانوا كثيراً من سوء معاملة الجيش العراقي والقوات الاتحادية لهم، ومن هيمنة قوى الإرهاب عليهم من طرف آخر، على امتداد عشر سنوات مضت، لكي تقع الموصل بأيدي تنظيم داعش، وتعيش أسوأ مراحل تاريخها، بهجرة أهلها وتشردهم، وشهد العالم كله تحطيم حضارتها وآثارها وحرق مكتباتها وسحق متاحفها وتفجير معابدها، جوامع وكنائس وأديرة، كما أنها المدينة الوحيدة التي شهدت استئصال أبنائها المسيحيين، وهم القدامى فيها، ظلماً وعدواناً، والتعدي على ممتلكاتهم وحلالهم، فضلاً عما فعلته داعش من شناعات باليزيديين والشبك وغيرهما.
هكذا وردت الأخبار، مؤكدة أنه يجري تجهيز قوة عراقية وكردية، تضم ما بين 20 ألفاً إلى 25 ألف جندي، لاستعادة مدينة الموصل من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية داعش في شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار المقبلين. وهذا ما قاله للصحافيين مسؤول في القيادة المركزية “عملية تحرير الموصل ستغيّر المعادلة، ليس السياسية، بل التاريخية، في العراق وسورية، وإن حرّرت الموصل، فسيبدأ تاريخ جديد يستلزم إجراء تحولات واسعة، من خلال طور انتقالي في التاريخ”
الأميركية، رفض الكشف عن اسمه، لافتاً إلى أن الموصل تقع، حالياً، تحت سيطرة ما بين ألف إلى ألفين من مقاتلي الجماعة المتشددة. وأفاد بأن القوة المهاجمة الرئيسية التي يجري تجميعها، اليوم، لحملة الموصل ستضم خمسة ألوية من الجيش العراقي. وستعمل ثلاثة ألوية، أصغر حجماً، قوة احتياطية، وستحتوي ثلاثة ألوية من قوات البشمركة الكردية المدينة من الشمال وتعزلها عن قوات داعش المتمركزة إلى الغرب، ليكون مجموع القوات المهاجمة من 20 ألفاً إلى 25 ألف مقاتل. وقال مستطرداً إنه لم يتم اتخاذ قرار بعد، بشأن ما إن كان ينبغي وجود عدد صغير من المستشارين العسكريين الأميركيين على الأرض قرب الموصل، لتوجيه دعم جوي عن قرب. ولكنه لم يستبعد مشاركة مراقبين جويين أميركيين، لتوجيه عمليات القصف خلال الهجوم، لكن ذلك يعود إلى الرئيس باراك أوباما في البت بهذه المسألة، حسب قوله. والسؤال: ما موقع العشائر والأهالي في عملية تحرير الموصل؟
نلتقط ضمن ردود الفعل على التصريحات الأميركية، أن المستشار السياسي لبرلمان إقليم كردستان العراق صرّح، أخيراً، بأن العملية البرية ضد داعش في الموصل تحتاج إلى إشراك قوات العشائر وسكان تلك المناطق فيها، من أجل النجاح في تحقيق الانتصار على التنظيم. وأوضح أن قوات البشمركة أثبتت قدرتها في التصدي لداعش، بفضل تدريبها الجيد ودعم قوات التحالف لها. ويؤكد المسؤولون الموصليون المحليون أن الفشل سيلحق بمصير العملية في حال عدم التنسيق مع عشائر الموصل ومع أهلها، كما يخشى أهل الموصل حدوث مجازر لهم، وسحق مناطقهم وإفناءهم، من كل من الطرفين، المحتلين والمهاجمين. وفي ضوء تقرير نشرته (CNN)، فإن المسؤولين في القيادة الأميركية الوسطى رسموا الإطار الزمني لتحرير الموصل بين أبريل أو مايو، واحتمال حدوث معركة تلوح التحضيرات لها في الأفق ضد داعش في الموصل، وثمة استراتيجيات بديلة، تنطوي على سلسلة من الخطط العسكرية قبل الهجوم على الموصل، يمكن العمل بها ضمن جدول زمني.
يبدو واضحاً وجود “عدم توافق عريض في الآراء” بين المسؤولين العسكريين وكل من الحكومتين، الأميركية والعراقية، بشأن انطلاق الحملة في الموعد المحتمل، فثمة من يقول إن مدينة الموصل ستكون الهدف الأول، ويقترح أنه بدلاً منها، بسبب كونها منطقة حضرية مكتظة بالسكان، ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي الأول للقوات العراقية محافظة الأنبار ومناطق غرب بغداد، والتي لا يجوز اعتبارها تحدياً عسكرياً.
وعليه، إذا كانت الموصل الهدف الأول، فيتعين على البنتاغون الإسراع بالتخطيط سريعاً، لكي تتصدر “العملية” قائمة المهام الأساسية، وينبغي أن ترفع توصية إلى الرئيس أوباما بأن يتم إرسال عدد صغير من القوات الأميركية، من أجل المساعدة في الاستهداف، بحيث تكون القوات الأميركية أقرب إلى الخطوط الأمامية، خصوصاً أن الهجوم على الموصل وتحريرها يتطلب استخبارات إضافية، ودعماً لوجستياً من الإمدادات، مع زيادة في رحلات الاستطلاع اليومية لقصف أهداف المحتل. وتفيد المعلومات بأن البنتاغون والقيادة المركزية ستديران الحرب، ما يثير قلق حكام بغداد الذين وضعوا كل بيوضهم في السلة الإيرانية، أما موقف حكومة إقليم كردستان فيخالف رأي حكومة المركز، جملة وتفصيلاً.
السؤال الأخير: هل سيحدث ذلك أم لا؟ وما علاقة كل من حكومتي كردستان وحكومة الموصل المحلية في المنفى بذلك؟ وكيفية شراكة القوات العراقية المسلحة في العملية، وما دور الحشد الشعبي فيها إن صحت التقديرات وصحت المعلومات؟ وهل ستكون عملية تحرير الموصل غير متصلة أبداً بما يجري من عمليات في كل من الأنبار وتكريت؟ أعتقد، إن صحت مثل هذه “المعلومات”، أن عملية تحرير الموصل ستغيّر المعادلة، ليس السياسية، بل التاريخية، في العراق وسورية، وإن حرّرت الموصل، فسيبدأ تاريخ جديد يستلزم إجراء تحولات واسعة، من خلال طور انتقالي في التاريخ.
نشرت في العربي الجديد / لندن 25 آذار / مارس 2015
http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/3/24/هل-اقتربت-عملية-تحرير-الموصل
ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيّار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …