غادرنا قبل ايام الى دار حقه الابدية الاستاذ القدير الدكتور مؤيد زكريا ، احد ابرز الاطباء الجراحين العراقيين المشهورين عن عمر يناهز الرابعة والثمانين من العمر ، وكان الرجل على امتداد اكثر من ثلاثين سنة مضت احد ابرز اعمدة الكلية الطبية في جامعة الموصل ، وقد عرف استاذا قديرا ، وطبيبا محترفا ، وجراحا ماهرا .. قدّم خدماته للمجتمع بكل مهنية واخلاص منذ قرابة خمسين سنة ، كما وتخّرج على يديه المئات من الاطباء العراقيين المعروفين .. الذين عرفوا فيه غزارة علمه ، وبراعة يده الفنية الجراحية الماهرة ، ومهارة مبضعه في الجراحة ونجاح عملياته الشهيرة التي تميّز بها . ولقد عرفت الفقيد معرفة كبيرة منذ سنوات طوال ، وعرفت فيه ارفع القيم وانبل المزايا والاخلاق .
ولد الاستاذ الدكتور مؤيد عبد القادر زكريا في الموصل سنة1929 في اسرة موصلية معروفة ، فهو احد ابناء التاجر المعروف عبد القادر جلبي زكريا ، وعرفت اسرته ببروز العديد من ابنائها الاذكياء الذين ساهموا في خدمة البلد ، ونال بعضهم سمعته في الخارج .. درس مؤيد في مدارس الموصل ، ونشأ منذ صغره محبا للدرس والهدوء ، وقد أنهى دراسته الابتدائية والثانوية بتفوق فيها ، وتخرج طبيبا في كلية الطب الشهيرة بجامعة بغداد عام 1955 ، وبعد أن مارس الطب العام في الموصل ، ذهب إلى النمسا وانتمى الى اكاديمية الجراحين بجامعة فينا ، ونال شهادة دبلوم جراحة ، وتعلم اشياء كثيرة ، واصبح عضوا مزاملا في تلك ” الاكاديمية ” المعروفة في فينا عام1964 ، ومن ثم سافر الى بريطانيا ، ودخل كلية الجراحين الملكية في أدنبرة في اسكتلندا ونال شهادة FRCS عام 1969، وعاد الى وطنه ، ليعيّن عضوا في كلية طب الموصل / فرع الجراحة ، وترقّى اكاديميا حتى نال الاستاذية من خلال البحوث العلمية التي نشرها في المجلات الطبية المتخصصة عالميا ، وكان متابعا لكل التطورات الجارية في العالم بشؤون الجراحة .
وأشتغل في المركز الطبي الأستشاري لجامعة الموصل ، اذ كان احد اعضائه وخبرائه البارزين .. كما شهدت له صالات العمليات الجراحية اشهر تلك العمليات المتطورة .. كما كانت له عيادته الخاصة في شارع نينوى بالموصل ، مقدما زمنه كله في خدمة مجتمعه ليل نهار .. لقد اشتهر الدكتور مؤيد بحسن اخلاقه العالية ، وامتاز بالأستقامة والنزاهة وحسن المعاملة والهدوء .. كان ايجابي الطبع ، ولم يشغله هوس المناصب ولا الاعيب السياسة .. وبقي محافظا على تقاليد اهله ومجتمعه .. فضلا عن حبه مساعدة الناس وتخليصهم من آلامهم .. فعدّ واحدا من الأطباء البارزين والرواد في فرع الجراحة بمدينة الموصل ، يحكى عن انسانيته ، انه يعالج الفقراء والمحتاجين من دون اي مقابل ، ويعتبر ذلك عملا خيريا ، بل كانت له في عيادته صيدلية صغرى يمنح اولئك الفقراء الادوية منها مجانا لوجه الله .
وبعد ثلاثين سنة من الخدمة العامة في كلية طب الموصل ومستشفيات الموصل ، تقاعد سنة 1994لبلوغه السن القانوني .. كان يعتني بصحته كثيرا ، وقد نال تكريما من قبل كليته التي عمل فيها سنوات طوال قبل رحيله المفاجئ بقرابة اسبوع واحد ..
اذا كانت الموصل أم الربيعين قد خسرت رجلا قديرا اليوم خدم العراق واهله في النصف الثاني من القرن العشرين ، فلا راد لقضاء الله ، فله ما اعطى وله ما أخذ ، رحم الله الفقيد الاستاذ الدكتور مؤيد عبد القادر زكريا واسكنه فسيح جنانه .. ولا يسعني بهذه المناسبة الا ان اقدم اسمى التعازي الى عائلته الكريمة ممثلا بعقيلته الكريمة وولديه عمر وبكر ، والى من تبقى من اخوته الكرام كل من الصديق الاستاذ امجد زكريا والصديق الاستاذ موفق زكريا .. والى كل آل زكريا الكرام .. وانا لله وانا اليه راجعون .
كتب يوم الجمعة المصادف 18 ابريل / نيسان 2014.
تنشر على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …