اخبرني احد الاصدقاء يوم امس ، بأن الفنان القدير جلال الحسيني قد رحل عن دنيانا قبل يومين اثنين مودعا مدينته الموصل ام الربيعين وداعا ابديا .. تلك المدينة الرائعة التي ولد جلال فيها وتربى في ربوعها وابدع في افيائها .. كان جلال فنانا موسيقيا ورساما تشكيليا وعازفا موهوبا ومطربا رائعا .. وقد اجاد كثيرا في فنه وعرفه الناس من خلال حرصه على الفن الراقي ، وهو من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية ، أي انه شهد مختلف الاحداث والوقائع والمصاعب التي عرفها ابناء جيله في النصف الثاني من القرن العشرين وما لحقه من مصائب لاحقا .. عرفته منذ زمن بعيد هاويا ثم محترفا ، وكان يحترم فنه ويعشق كل الطرب العربي الاصيل ، مارس الغناء والعزف وأجاد فيهما وقدم العديد من الأغاني للإذاعة والتلفزيون، وبالرغم من عشقه الفن العربي ، واخذ عن بعض المبدعين العرب ، وغنى القصيدة والموشح ، الا انه اعتنى ايضا بالموال والأغنية الشعبية والمحليات الموصلية ، وكانت له تسجيلات عديدة في تلفزيون الموصل . وبالرغم من قوة فنه وابداعاته ، الا انه بقي معروفا في النطاق المحلي لالتصاقه ببيئته اسوة ببقية الفنانين والمبدعين في الموصل امثال الموسيقار زكي ابراهيم والمطرب الراحل محمد حسين مرعي وغيرهما .. كان جلال الحسيني مستقلا بفنه وهو من امهر العازفين على آلة العود .. ولشدة عشقه للموسيقى ، فلقد ترجم مشاعره وأحاسيسه الفنية على آلة العود، بعد ان درس مختلف الطرائق واتقنها .. وبعد مرور ثلاث سنوات من الممارسة المتواصلة والعزف المنفرد ، تمكن الراحل وهو شاب ، أن يقف على خشبة المسرح وقدم وصلات عزف فيها على العود وابدع فيها .. كان قد انضم إلى فرقة الخلد الموسيقية التي تشكلت عام 1963 وأقامت حفلات عدة ومتنوعة على مسارح المدينة، . ويقال ان جلال الحسيني كان يقتني منذ بداياته الاولى اسطوانات وتسجيلات كثيرة ، وانه كان يسمع شتى ألوان الموسيقى والغناء العربي قديمه وحديثه سواء من العراق ام سوريا ولبنان ومصر .. فحفظ جلال الحسيني الكثير من الأغاني، وتعلم العزف بطرق مختلفة وبعد المواصلة والمران تمكن من الغناء أمام الجمهور، فغنى القصيدة والأغنية العاطفية والأغنية الشعبية والأغنية الوطنية الفلكلورية والأغنية الدينية . ان أول مرة رأيناه فيها ، عندما كنا طلابا في الاعدادية الشرقية بالموصل عام 1967 ضمن حفل اقيم في قاعة المدرسة وكان جلال يعزف على مسرحها انغاما رخيمة على عوده الذي كان يعتز به اعتزازا كبيرا .. وفي عام 1972 سجل جلال الحسيني أغنية دينية للإذاعة . وفي عام 1976سجل أغاني من قصائد سالم الخباز وحكمت صالح، ونتيجة لإعجابه الشديد بفريد الأطرش صدح الحسيني بالعديد من أغانيه وعد من أهم مطربي مدينة الموصل .. كان اعجابه باعمال الموسيقار فريد الاطرش الموسيقية والغنائية تصل الى درجة العشق ، وكان يجيد تقليد كل اعمال فريد .. وكانت له منزلة خاصة عند فريد الاطرش نفسه ، اذ كان قد قابله عدة مرات ، وتوثقت العلاقة بينهما منذ زمن طويل .. كان جلال الحسيني يحترم فنه كثيرا ولا يتدنى به ابدا .. كان لا يغني الا في الحفلات العامة ولم ينزل بفنه الى مستوى الكابريهات والنوادي الليلية والحفلات الخاصة .. لم يتطفل على احد في العراق قاطبة ، كي يشهره او يمدحه في اعلان او صحيفة .. لقد عرفته مستقلا ونظيفا واصيلا ويعتز بفنه كثيرا ، وعندما كان يغني يندمج كليا مع فنه ولا يريد من سامعه الا ان يصمت له ليسمعه فقط ، ويشجى لما يطرب .. كان هذا الفنان يحمل كل مواصفات الفنان الحقيقي .. ولا ادري ان ترك جلال الحسيني رحمه الله تسجيلات لأعماله الرائعة ام لا ؟ انني اذ اكتب عنه كلمة التأبين هذه بحقه ، فهي اقل ما يمكن ان يزجى من الوفاء لفنان مبدع واصيل انجبته مدينة الموصل الى جانب نخبة رائعة من الفنانين الذين لم يأخذوا حقهم ابدا من الذيوع والانتشار . اتمنى ان يكون جلال الحسيني وامثاله من المبدعين مدرسة من الجماليات يستلهم منها الجيل الجديد ابداعهم .. تحية كبيرة الى كل الفنانين الرائعين في الموصل ومن هاجر منهم الى الشتات .. ورحم الله الفقيد واسكنه فسيج جنانه والهم اهله وذويه وكل اصدقائه والمعجبين به الصبر والسلوان .
تورنتو في 12 آب / اغسطس 2012
شاهد أيضاً
عمالقة الغناء المصري في مائة عام
مقدمة : ريادة التجديد عاشت مصر على مدى مائة عام من 1869 إلى 1967 ذروة …