في مقالة موجزة, »كلام ..في الادب«, يدعو د. خالد الشايجي (للاسف لم يعرف عن نفسه لأتعرف على تخصصه العلمي) الى ضرورة ان يكون الادب مؤدبا, او لنقل ادبا اخلاقيا, لانه يرى اننا اليوم بحاجة الى ” ادب الاخلاق”! ورغم ان موضوع اطروحتي للدكتوراه عن ” الفكر السياسي لابي الحسن الماوردي”, الا ان قراءتي في الادب من روايات وقصص (والشكر كل الشكر لمن شجعني على ذلك باهداءاته الجميلة: الروائي الاخ اسماعيل فهد اسماعيل , وايضا الاخ طالب الرفاعي) تسمح لي, ان اخالف الاخ د. الشايجي فيما ذهب اليه حول علاقة الادب بالاخلاق.
اختلف مع الاخ الكريم حول تعريفه للادب عند العرب باعتبار الادب يعني التهذيب وحسن الخلق. اي الادب كسلوك اخلاقي. ولا علاقة في رايي بين هذا التعريف ومفهوم الادب كما يتجلى في الرواية والقصة والمسرح والسينما, حيث ان هذا المفهوم لا نراه مثلا في رواية “مئة عام من العزلة” او رواية, »الخبز الحافي« للمرحوم محمد شكري, او حتى في كثير من روايات الاديب نجيب محفوظ الذي استشهد به الدكتور الشايجي, دون ذكر للرواية الشهيرة ” وليمة لاعشاب البحر”. من جانب اخر ليس صحيحا قوله,” حري بالاديب الحقيقي ان يكون مصلحا من خلال ما يكتب لا ان يكون مشهرا و فاضحا وخصوصا في هذه الحقبة المنحطة من حياة الامة العربية”. اعتقد ان الاديب الحقيقي هو الاديب الناقد الذي يعري, يفضح, ويشهر بسلبيات الامة حتى تصحو وتعمل على تعديل اوضاعها . الاديب الحقيقي هو ذلك الكاتب الذي يصفع المجتمع لكي يصحو, وبالتالي عليه ان يضع نفسه في وجه المدفع. الاديب الحقيقي هو ذلك الكاتب الذي يظهر الوجه الخفي , او لنقل الوجه القبيح للمجتمع, الوجه الذي لا يريد احد ان يراه لقبحه ودمامته, فضلا عن ان هجر الاديب هذا الاسلوب النقدي في رواياته وقصصه ومسرحياته سيؤدي بالمجتمع على كارثة اخلاقية, والدليل على ذلك المسرحيات الكويتية القديمة التي كانت تفضح سلبيات المجتمع , والمسرحيات الحديثة التي ليست سوى صراخ او لهو تافه هدفه اضحاك الجمهور, حتى تحول المسرح الى مصرخ, وغابت الروايات القوية من حياتنا.
لقد ادى الادب »المؤدب« الى الخواء الفكري, ودونكم ما هو موجود على الساحة العربية بالمقارنة مع العالم الغربي, في نفس الوقت الذي يتطور العالم الغربي في المجال الروائي مخترقا الرموز الدينية كما في رواية دان براون »شيفرة دافنشي«,(انظر المقال الممتع حول العلاقة المستقبلية المحتملة بين الرواية والرموز الدينية للدكتور سيار الجميل المنشورة في موقع ” ايلاف”, اواخر شهر مايو الماضي), نجد الروائي العربي خائفا من نقد المؤسسة الدينية, دع عنك الرموز الدينية ذاتها.
من جانب اخر, يمكن القول بكل تأكيد ان لا علاقة بين الكتابة الروائية والانتماء الوطني, كما يرى الكاتب في مقاله سالف الذكر. ذلك ان الرواية المحددة بمكان معين تحسسا من الوطنية المزعومة, غالبا ما تكون ساذجة في مضمونها الروائي اليوم المتسم بعصر العولمة, حيث اصبحت القضايا الانسانية ذات طابع كوني, كالجوع والفقر والعلاقات الجنسية المفتوحة والحريات المدنية المنطلقة, والتي لا يستطيع الاديب العربي تناولها روائيا خشية التكفير والقتل في مجتمع عربي مسلم غير متسامح مع الابداع الفني عموما.
سؤال اخير: هل الاخلاق الحميدة ضرورة لازمة للادب الجيد والمبدع? اين اذن جان بول سارتر,والبرتو مورافيا وغابرييل غارسيا وغيرهم من عمالقة الفن الروائي الحديث? وهل ادى امتناع الاديب العربي عن الخوض في الموضوعات غير الاخلاقية (نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة التي عرضها التلفزيون المصري, وادى عملاق السينما المصرية المرحوم محمود مرسي, دور سي السيد الشهيربازدواجيته وتناقضاته الاخلاقية ذات المعيارين), هل ادى ذلك الى تحضر ام الى تردي الاخلاق العربية اليوم ? من ينكر تردي المنظومة الاخلاقية عند العرب المسلمين اليوم? السنا بحاجة اليوم الى الادب الفاضح لنفاق وازدواجية المجتمع حتى ننتبه لمدى السوء والتردي الحاصل في اخلاقياتنا في العمل والشارع والسينما والمسرح, وعلى رأسهم العمل السياسي?
السياسة الكويتية
د. احمد البغدادي
مفكر ليبرالي كويتي
شاهد أيضاً
حمّى رفع الشعارات: السياسي والأصولي والمثقف وصاحب المال
أطنب القدامى في الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة في مختلف العصور وكشفوا النقاب عن الإكراهات …