من كتابي : حقيبة ذكريات
سيّار الجميل
طلب مني بعض الاصدقاء أن اكمل نشر فصلات كتابي ” حقيبة ذكريات ” الذي نشرت منه اشياء عدة قبل سنوات، وتوقفت بسبب انشغالاتي ،وها أنا ذا أعود اليكم لأنشر فصلات اخرى منه بما تتضمنه من طرائف وافكار واخبار ونقدات ودروس من سيرتي حياتي .
الحلقة 1 : ناكر المعروف !
كلما اسمع اغنية ” يا ناكر المعروف ” للمطرب اللبناني عاصي الحلاني ، اتذكر عدة قصص من ناكري الجميل .. منها انني لم اكن اعرفه جيداً ، ولكنني كنتُ منذ الصغر صديقاً حميماً لأخيه الذي طلب مني تقديم مساعدة لأخيه ( دعوني لا اذكر اسمه ) الذي كان يعدّ اطروحة دكتوراه في الاقتصاد بجامعة لندن عام 1975، فعرفت طلبه، وبحثت طويلاَ واستقصيت وتعبت حتى وجدت ملفاً كبيراً في دائرة معينة من دوائر الدولة فيه بغيته، وبشقّ الانفس، سمح لي رسمياً بالاطلاع عليه والاستنساخ منه، وهو يحوي أسماء ومساحات وسكان 2200 من القرى والارياف في لواء الموصل، فكنت أذهب صباحاً للدائرة تلك ، ومعي دفتر كبير لأسجل المعلومات كاملة في كلّ يوم لأنني قطعت وعداً بذلك. وبعد انجازي المهمّة ،سافرت وسلّمت الدفتر بالمعلومات الرائعة، وهي بخطّ يدي عن طيب خاطر الى طالبها الذي طار من الفرح .. ومضت السنوات الطوال ، وتخرّجنا وتفرقت بنا السبل.
بعد مرور أكثر من 20 سنة ، كنت في زيارة علمية الى جامعة لندن ، وجدت نفسي في مكتبة كلية SOAS، فوقع نظري في قسم الاطروحات على أطروحة ذاك الذي قدّمت له المساعدة عن طيب خاطر قبل سنين طوال ،فسررت وانا أقلّب صفحاته عسى أجد منه أيّ ذكر جميل لما قدّمته له ، وبدا وقد استفاد من جهدي كثيراً ، ولكن خاب ظني فيه، فقد وجدته يقدّم شكره الى الفراش والسائق والسكرتيرة والاستاذة المشرفة ، وتنكّر للمعروف الذي قدمته له . فقلت مع نفسي : كم تحتوي حديقتنا الاجتماعية من ناكري الجميل ومن أهل منكر ؟ اذ اعرف انه ليس الاول والأخير ، فلا عتب عليهم فهم لا يعرفون الاصول ! فالمعروف لا يصنع في غير أهله ، علماً بأن أهل المعروف كثر في مجتمعنا، ولكن الدنيا تجمع الكلّ في سلّة واحدة ! وتذكرت قصة الشيخ والضبع ،اذ يحكى أنّ شيخاً كبير السن من قبيلة عربية ، عطف على ضبع هزيل كانت الناس تريد قتله، فأواه وأطعمه وسقاه وتأمل ان يحفظ له المعروف ، ومرّت الأيام وفي احدى المرات نام الشيخ آمنا ، فهجم الضبع عليه وقتله ، فقال الشاعر :
ومن يصنع المعروف في غير اهله يلاق الذي لاقى مجير ام عامر
نشرت يوم السبت 16 مايو / ايار 2020 .