طبول الحرب تقرع وأجراس السلام تصمت
أ.د. سيّار الجميل
أعتقد أن اندلاع الحرب .. ستكون الأسوأ في التاريخ ! فالصراع حرباً مع إيران ليس كالذي كان في حرب العراق، إذ سيكون الأسوأ والأخطر والأشنع. ولا يصدر هذا الكلام من فراغ، بل انطلاقاً من المظاهر المفضوحة والتصريحات الغبيّة لكلّ من الطرفين، مع ازدياد التوتر بقرع طبول الحرب وصمت أجراس السلام، ذلك أن الولايات المتحدة وإيران تقتربان من المواجهة بشكل مثير للقلق، فالجدال لم يعد عقيماً أو تسويقياً أو دعائياً بشأن إدارة أميركية يقودها رئيس جمهوري متعجرف وسيئ الكلام، وكأنه متعطش لتحقيق أغراضه، في تركيزه على نيل مقاصده من الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، مع انقسام عربي يتمثّل بين مصفقين لأميركا وآخرين لايران وآخرين يسكنهم الهلع والخوف من مصير مجهول للمنطقة عموماً. ويؤدي جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب، دوراً رئيسياً في تعزيز حال الترقب الماثل، وأجواء العسكرة، وهو ما فعله إبان الرئيس جورج بوش في غضون غزو العراق،وخصوصاً تجربته كوكيل وزارة الخارجية للحدّ من الأسلحة والأمن الدولي. ما أكسبه سمعة متهورة ورديئة. وقد قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أيام، إن “الأفراد المتطرفين في الإدارة الأميركية” كانوا يحاولون كذباً إلقاء اللوم على إيران في حوادث الخليج.
وعلى الرغم من التشابه الموضوعي في التعامل وتسلسل الإجراءات السياسية والاقتصادية ، فإن الصراع مع إيران لن يكون مثالاً نموذجياً معاداً لحرب 2003 ضدّ العراق، فالحرب اليوم ستكون مختلفة تماماً في الطرق والأساليب والخطط والأسلحة والتدابير، وهو بالتأكيد أسوأ بكثير ممّا حدث للعراق وتداعياته على المنطقة. إن وقعت الحرب اليوم، فستكون أكثر بشاعة وتشظياً، ذلك أن النار لن تطاول إيران فقط كما حدث للعراق، بل ستحرق كلّ جيوبها. ومع الاعتبار للفارق الزمني بين الحربين، يزيد عن 15 عاماً، أي بين 2003 و2019. وسيشهد الشرق الأوسط تمزّقات واسعة ودماراً كبيراً، وخصوصاً إذا استخدمت أسلحة نووية، سواء دامت الحرب ساعات أو أياماً، فهي مختلفة جداً عما كان يحدث في الماضي.
لإيران ثقل استراتيجي في غربي آسيا، وهي ليست مغلقة وصغيرة كالعراق، وفيما سكان العراق عام 2003 كانوا 25 مليون نسمة، فإن سكان إيران اليوم 85 مليون نسمة. ورقعة إيران 591 ألف ميل مربع، مقارنة مع 168 ألف ميل مربع للعراق. لديها 523 ألف مقاتل في الخدمة من العسكريين الفعالين، فضلاً عن 250 ألف من الاحتياطي المدربين. وإيران قوة بحرية في بحر قزوين شمالاً والخليج العربي وخليج عُمان جنوباً. وتشترك في حدود برية مع حلفاء الولايات المتحدة المضطربين، بما في ذلك أفغانستان وباكستان وتركيا والعراق، ناهيكم عن حدود بحرية مع دول الخليج العربي التي تواجه إيران غرباً. وتوصف الترسانة الصاروخية الإيرانية بأنها “الأكبر والأكثر تنوعاً في الشرق الأوسط”. ومن اخطاء القادة في ايران توهمهم انهم اصبحوا قوة عالمية بالرغم من اختناقهم سياسيا واقتصاديا ، ولكن عنادهم وتصلبهم في اهدافهم التوسعية سيدّمر بلادهم ، وهذا ما حدث مرارا وتكرارا عبر تاريخهم .
والسؤال هنا: ما الذي يريده الرئيس ترامب من إيران، بحيث يُحدث منعطفاً حاسماً نحو الأسوأ، بعد تاريخ من العلاقات المضطربة؟ وهل ستصمت الصين وروسيا ؟ وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام، أن وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان، وضع خططاً لنشر 120 ألف جندي أميركي في المنطقة، إذا هاجمت إيران القوات الأميركية أو أعادت تشغيل برنامجها النووي. وكان هذا قائماً على سيناريو لا يشتمل على غزو، وهو ما يتطلب مزيداً من القوات. وهنا سيناريو يختلف تماماً عن الذي جرى ضد العراق في العام 2003، فقد شارك في غزو العراق 150 ألف جندي أميركي، إلى جانب الدول المتحالفة معها. وتم ربط التكلفة المالية لحرب العراق بأكثر من تريليوني دولار عام 2013، مع ما يقدر بنحو أربعمائة ألف شخص قتلوا بين 2003 و2011. أما إيران، فقد أكسبها موقعها في وسط أوراسيا أهمية استراتيجية خاصة للتجارة، فنحو ثلث حركة ناقلات النفط في العالم يمر عبر مضيق هرمز، وهو الطريق الاستراتيجي للشحن، ويقدر اتساعه بأقل من ميلين، وأيّ حجب للمرور من خلاله قد يؤدي إلى كارثة في نقل شحنات صادرات النفط اليومية إلى العالم لينخفض بنسبة 30%.
من حيث القوة العسكرية التقليدية، إيران أضعف بكثير من الولايات المتحدة التي انتهجت استراتيجيات غير متماثلة، يمكن أن تلحق بها أضراراً جسيمة وبمصالحها في المنطقة، وخصوصاً أن الحرس الثوري الإيراني تشكيل هائل من القوات الموالية للمرشد علي خامنئي، وهو يعدّ منفصلاً عن الجيش النظامي، ويختصّ التشكيل بالعمليات الخاصة الخارجية، وله جيوب متوزعة في أماكن حيوية في الشرق الأوسط، وذراعه التي عرفت باسم جيش القدس قد نشرت نفسها سراً وعلناً بأسأليب غير شرعية، في أماكن مثل العراق ولبنان وسورية.
وفي الوقت نفسه، عناد إيران وتصلّبها قد يعرّضانها لأخطارٍ جسيمة، ثمناً لزوال النظام السياسي فيها، الذي تغلغل في كلّ مفاصل المجال الحيوي للشرق الأوسط. وكانت إيران مصدراً أساسياً للأزمات والمشكلات المعقّدة في أكثر من مكان عربي فيه، ولم يكن ذلك ليشكّل سبباً جوهرياً في حسابات الأميركيين، بل كان ارتخاء قوتهم إزاء تغلغل النفوذ الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن سبباً في ذلك. وهنا سؤال: لماذا تصدّعت العلاقات الإيرانية الأميركية فجأة؟ هل اكتشف البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) الآن مقتل 608 أميركيين في العراق بين 2003 و2011، على أيدي الإيرانيين، وأن وكلاءهما وعملاءهما سبب الفوضى في العراق وأفغانستان مرة أخرى بعد سنوات من الفجائع؟
يعرف المخططون العسكريون الأميركيون ذلك كله، وربما ستكون هناك مفاجآت صاعقة لما قد خطط له تحت الطاولة، وستنقلب الموازين رأساً على عقب. إنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر، تثير قلق بعض أقرب حلفاء أميركا. جنون العظمة الإيراني من طرف آخر لم يحسب أي حساب لمصير إيران والمنطقة كلها، إذا استخدمت الأسلحة النووية، وليس ترامب عاجزاً عن استخدامها إن أراد، وخصوصاً أن أميركا قد استخدمتها قبله ضد اليابان، فهل في استطاعة 14 مليون طالب إيراني أن يوقفوا الجحيم، يا وزير التربية والتعليم الايراني؟
نشرت في العربي الجديد / لندن 19 مايو / ايار 2019 ، ويعاد نشرها على الموقع الرسمي للدكتور سيار الجميل
https://sayyaraljamil.com/wp