مقدمة
اجبت احد المنتقدين للحلقة السابقة ، وكانت عن مأساة الموصل 1959 بكلمة مختزلة جاء فيها : اقول لكل من يعارضني في مضمون ما كتبته عن هذا ” الموضوع ” ، أنني لم اتعاطف ابدا مع اي فصيل او حزب او اتجاه او جماعة او تكتل في العراق لا في السابق ولا في اللاحق ، واريد ان يوضح لي الاخوة من المنتقدين كيف اكون متعاطفا مع البعثيين الذين ناصبوني العداء عندما اخضعت تجربة 1963 للمعالجة التاريخية قبل شهرين واكثر ! انني استغرب جدا من مواقف العراقيين بعد مرور 60 سنة على احداث مأساوية حدثت وقد قدمت اسبابها وعللها السياسية والاجتماعية من دون ان اشتم او اقدح باحد ، وقد حملّت المسؤولية للجميع ، كي يأتي البعض معارضا ما اقول ، فكل طرف من الاطراف السياسية يريد ان يتنزه أو يتبرأ من افعاله بالامس ! وكل طرف عراقي يريد ان تمدحه حتى يرضى عليك ! انني انظر الى تلك الاحداث الجنونية برؤية تاريخية وليست سياسية ولم اضع هذا في خانة والاخرين في خانات اخرى ! ولم انزه احدا من الخطأ بحيث اؤمن ايمانا جازما ان كل ما يحدث حتى وان كانت مؤامرات خارجية ، فان مادتها عراقية صرفة ، وان المجتمع مسؤول عما يفعله نفسه بنفسه ! وهو المجتمع الذي افرز البعثيين والناصريين والشيوعيين والقوميين والاسلاميين من بيئات ومدن وارياف عراقية ولم نستوردهم لا من الغرب ولا من الشرق ولا من كواكب اخرى ! والزعماء الذين حكموا العراق على العهود الجمهورية من العراقيين ولم يصل احد منهم الى حد القداسة ، فكلهم لهم اخطاؤهم وخطاياهم وزوايا ضعفهم ..
ولم أجد حتى يومنا هذا اي زعيم او مسؤول افضل مني حتى اصفق له !! وارجع لاقول مؤكدا لكم جميعا بأنني افكر بطريقة تخالف كل الاحزاب والايديولوجيات التي عاشت ابان القرن العشرين .. انني مقتنع بأن كل الشيوعيين والبعثيين والناصريين والاسلاميين لا يمكنهم ان يرضوا جميعا على من يكون موضوعيا في دراسة تاريخهم وطبيعة ما كانوا عليه منذ عشرات السنين حتى لما آلوا اليه اليوم .. قالت لي سيدة شيوعية احترمها جدا : ما دمت من هذه المدينة ، فأنت تتعاطف معها من دون وعيك ، اذ تربيت فيها ؟ اجبتها : وهل تريدون انتزاع الانسان حتى من مدينته وبيئته ، فما دام يعشق وطنه ، فهو ابن وطن لا ابن عشيرة او عقيدة او ايديولوجية !
تراجيدية الاحداث في الموصل : جروحا لم تندمل
هنا في هذا المجال ، ينبغي على المؤرخ أن يعالج ما حدث في قضاء دهوك وقضاء تلعفر وناحية تلكيف وقضاء سنجار وقضاء عقرة .. إذ أن وقائع ما حدث في المدينة كانت له علاقاته وتداعياته على أقضيتها وقصباتها صحيح أن الدمار قد حاق بمركز المدينة ، ولكن وقائع مأساوية قد سجلت في الاقضية والنواحي التابعة للموصل أيضا .
إن تاريخ تلك الأحداث لم يسجل كما حدث في بضعة أيام ، عندما تبخرت السلطة فجأة ، واختفي الامن الرسمي وتشرذم الجيش ليعيث في المدينة فسادا ، وسيطرة مليشيات المقاومة الشعبية على الشوارع ومراكز الشرطة ، فتعرضت البلدة إلى الاستباحة التي دامت أياما .. ولكن كان لها تأثيرات كبرى على مجتمع ( لواء ) الموصل .. بحيث كانت تداعياتها قد شغلت كل عهد قاسم اذ بدأت سلسلة اغتيالات في شوارع الموصل على امتداد اكثر من ثلاث سنوات .. والسؤال المهم جدا : لماذا سكت الزعيم قاسم على موجة الاغتيالات الرهيبة التي طالت العشرات بل المئات في مدينة الموصل بعد فشل حركة الشواف .. خصوصا وان كلا من آمر الموقع الجديد الزعيم حسن عبود ومدير شرطة اللواء اسماعيل عبّاوي كانا يعلمان يقينا باسماء كل القائمين بتلك الاغتيالات في وضح النهار ، وفي قلب المدينة واحدا واحدا ؟ وكان من السهل عليهما ان يقبض عليهم ويتم تصفيدهم بالاغلال وارسالهم الى بغداد !!
من انقلب على الاخر ؟
إن ستين سنة مرت ولم تزل الأحداث الصعبة التي شهدتها الموصل ، تسبب جروحا لم تندمل بسبب كل ما حصل من تجاوزات من قبل الأطراف الحكومية والسياسية والعشائرية العربية والكردية والفئات الارامية .. ودور دول المنطقة ودول خارجية في إذكاء سعير قوى سياسية ضد أخرى ، فالانقسام قد حدث بين طرفين اثنين :
1/ القاسميون من شيوعيين وانصار السلام ويساريين..
2/ القوميون من ناصريين وبعثيين وقوميين عرب واسلاميين ..
وكلها ترجمة حقيقية ضمن ما اسمي بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وقت ذاك .. ان علينا ان ندرك الأسباب الحقيقية التي قادت الى التمرد في الموصل على قاسم في بغداد ؟ ثمة أحداث مأساوية حدثت على هامش الأحداث الكبرى ، وخصوصا بعد انفلات الأمور عندما غدت المدينة بأيدي عصابات ودخلاء وأجراء وطارئين .. وجرت تصفية حسابات اجتماعية وعبر البعض عن أحقاده وثاراته قتلا وتدميرا .. نهبا وتشنيعا .. ناهيكم عن ان الصراع السياسي على السلطة قاد الى نضوج صراع إيديولوجي على جملة مبادئ .. وانتهاء بصراع اجتماعي فاضح بين الناس على أساس التمايز لما هو ديني او قومي .. الخ بعد ساعات على احداث 14 تموز / يوليو 1958 المريرة ، حل ببغداد ميشيل عفلق ووجدناه جالسا مع قاسم وعارف ومجلس السيادة ومجلس الوزراء الجديد وتبودلت التبريكات بين الثوار الجدد وعبد الناصر الذي رفعت صوره في كل مكان ، وغنّت ام كلثوم ” بغداد يا قلعة الاسود .. ” وكان المهداوي يهلل باسم عبد الناصر في محكمته ، ولكن لم تمض سوى ثلاثة شهور من العسل بين الطرفين حتى غدت الاسود نعاجا عند احمد سعيد في صوت العرب ، وبدأت حرب اذاعية لاذعة ومستهترة بين الطرفين .. لتتوالد تراجيديا الموصل في مخاض لعبة المراهقين السياسيين المتصارعين على السلطة في العراق وعلى النفوذ في المنطقة ! واذا كان الشواف قد تآمر مع عبد الناصر في محاولته الانقلابية الفاشلة عام 1959 ، فان كلا من قاسم وعارف قد تآمرا مع عبد الناصر في محاولتهما الانقلابية الناجحة عام 1958 من خلال اكثر من لقاء جمعهما مع عبد الحميد السراج الذي كان يربطهما بعبد الناصر !!!! ( راجع وثائق كتابي تفكيك هيكل ) .
من يكون عبد الوهاب الشواف ؟
ولا ننسى دور العقيد الركن عبد الوهاب الشواف الذي بقي محبطا من منصبه وعصبي المزاج وغير منسجم مع الموصل ابدا ، وانه كان يضجر من المشاحنات الكلامية – كما يقول صديق اسماعيل في كتابه ( ص 37 ) كان يشعر بغبن الزعيم له فهو عضو اللجنة العليا للضباط الأحرار. وكان قاسم قد نصبه بعد 14 تموز ليكون الحاكم العسكري العام، وأبلغه بالأمر، إلا أن عبد السلام علرف عارض قاسم في ذلك، وأصر على إبعاده الى الموصل، ليقود اللواء الخامس المرابط هناك خلاصا منه وهو بنفس رتبته ، فترك ذلك في نفس الشواف حقدا بسبب احباطه من منصبه .. كان له موقفه المحايد ازاء الصراع السياسي في الموصل يقول عزيز سباهي : ” وكان حتى ذلك الحين لم يقطع روابطه السابقة بالحزب الشيوعي. وقد رشحه الحزب الشيوعي ليشغل منصب وزير الداخلية بعد إبعاد عبد السلام عارف، وأبلغه بذلك، ولم يكتم هو سروره بهذا الترشيح، إلا أن قاسم فاجأ الجميع بتعيين أحمد محمد يحي والذي لم يكن من الضباط الأحرار، لهذا المنصب. فجن جنون الشواف، وزاد في نقمته على الوضع ورغبته في التمرد. فوجد فيه الضباط القوميون في الموصل، ولاسيما قطبهم المحرك، محمود عزيز، ضالتهم التي يبحثون عنها.” (ص378. وم 14)
إن جناية الصراع السياسي في العراق المعاصر تتمثّل بالانقسام الاجتماعي الذي أنتجه ، وكان واحدا من أهم تداعياته التي يتجاهلها الجميع ! ان انفجار الوضع قد خلق بيئة صالحة لتصفية الحسابات ، ولم تكن كلها سياسية ، فبعضها طبقيا او دينيا او عنصريا او حتى شخصيا ،اذ تعددت الاسباب، ولكن استخدمت الاساليب نفسها .. ان بعض من ارّخ لهذه الحوادث راح بعيدا في تفسيراته الساذجة ، وكأنه يريد ابعاد التهمة عن حزبه من دون ادراك ما فعلته كل العناصر المشاركة من جرائم وجنايات ..
البحث عن العلل والمعلولات
ثمة اسئلة تاريخية تفرض نفسها على واقعنا بعد ستين سنة على تلك الاحداث المأساوية .. اسئلة ينبغي اثارتها امام المؤرخين والباحثين وكل المهتمين على امتداد زمن قادم :
لماذا كانت احداث الموصل مجموعة نقاط سود في عهد عبد الكريم قاسم ؟ واذا كان عبد الكريم قاسم قد نجح في وأد حركة الشواف ، فهل خرج منتصرا من خضم الاحداث ؟ ام ساهمت كلها متلاحقة في احداث 8 شباط / فبراير 1963 ؟ اذا كان العقيد حسن عبود قد تسلّم منصب الشواف بالموصل وتسّلم عقيد الشرطة اسماعيل عباّوي مديرية الشرطة ، والكل كان يعرف من كان يقوم بالاغتيالات وباسمائهم من ناصريين وبعثيين .. اغتيالات مستديمة طالت كل الشيوعيين والعديد من الابرياء ردا على ما حدث ايام الحركة من سحل وقتل ومجازر ، وكانت التقارير تصل مكتب الزعيم قاسم كل يوم عن تلك المأساة .. فلماذا غض الطرف على اولئك الذين كانوا يقومون بالاغتيالات التي سببت رعبا وهلعا عند كثير من الناس واغلبهم من المسيحيين ؟؟ فكانت الهجرة الكبرى الى بغداد ، فخسرت الموصل الالاف المؤلفة من ابنائها القدماء على حساب استيعاب طارئين ونازحين جدد لا يمتون اليها بصلة لمدينة الموصل واغلبهم الكويان والعربان والغجر ؟ لماذا اخذت الاحتفالات لما سمي بـ ” ثورة الشواف ” تأخذ مدى رسمي على عهدي عارف عبد السلام وعبد الرحمن بشكل خاص ، وكأن ذلك منح الثارات الاجتماعية مجالها بتنكيل المجتمع بنفسه بمساعدة من هذا النظام السياسي الجمهوري ضد الاخر ؟ ان سوء ما شهده العراقيون بعد ذلك جعلهم يبتعدون عن تقييم عهودهم تقييما نزيها وصحيا وصريحا ، بل وان العراقيين اليوم ان احتفلوا باحداث 14 تموز 1958 ، فهم لا يتذكرون ابدا تداعياتها المريرة عام 1959 .. بل ولم يراجعوا ما قاله العديد من الزعماء السياسيين العراقيين من شيوعيين وبعثيين وقوميين عن تلك العهود الجوفاء ، وانتقاداتهم لها ولانفسهم وادوارهم فيها !
ولعل من ابرز عوامل احداث الموصل هيمنة المقاومة الشعبية على الاوضاع ، وزيادة الاحتدام السياسي بالداخل .. واندفاع الاقليات السكانية لتأييد الاوضاع املا بالديمقراطية ضد القوى القومية والوحدوية والبعثية والناصرية والاسلامية .. ، وكانت المقاومة الشعبية قد زادت من استفزاز ليس الشارع وحده ، بل اهانة الضباط والموظفين بتفتيشهم واعتقالهم وبهدلتهم عند السيطرات الخارجية وفي الشوارع ، اذ اوجدوا لأول مرة في تاريخ العراق سيطرات للمقاومة الشعبية عند مداخل ومخارج المدن والقصبات ، يوقفون السيارات ليفتشوا ركابها ويمعنوا في اهانة الضباط والقضاة والاداريين على مرأى من الجميع ! نسأل : لماذا حدث ذلك ؟
كان لابد ان يبدأ الصراع بين الزعيمين قاسم وعارف ، ليس لاسباب ايديولوجية ، بل لاسباب سلطوية ، اذ مشى كل منهما في طريق خاص بمزاجه ، وهو يعزز الانقسام السياسي في البلاد ، فكانت احداث الموصل وما تلاها نتيجة واضحة من نتائجه الصعبة . كان الانقسام قد ولد سياسيا على العهد الجمهوري لأول مرة ، ولكنه اخذ يتسّع ليغدو انقساما اجتماعيا عراقيا لأول مرة .. ويأخذ الصراع له صفحة تاريخية مضمخة بالدماء .
اسئلة حائرة تبحث لها عن اجوبة
علينا ان نسأل : لماذا اكتست الاحداث كلها باسم الشواف ؟ ولماذا يريد البعض ان يلبس كل ما حدث تحت معطف سياسي ويتجاهل عوامل اخرى ؟ هل قتل الجميع لاسباب قومية وايدبولوجية ، اذ قتل البعض لاسباب شخصية واحقاد اجتماعية عندما فلت النظام وافتقد الامن واستبيحت المدينة ؟ ارسل لي احدهم على الخاص بعض ما كتبه بعضهم عن احداث الموصل المأساوية 1959 وفيه تمجيد في غير محله وفيه تمييز لقتلى على بقية الذين قتلوا .. وجعل البعض من الشهداء تجارة له وفيه تشويه للحقائق واختلاق اشياء لا وجود لها ابدا ابدا .. ان من يعرف التفاصيل يدرك لماذا قتل هذا الشخص من عائلة معينة ، ولم يقتل آخر من العائلة نفسها وهو في قصره بنفس الشارع ؟؟؟ وسيأتي يوم تكشف حقائق على الناس ليتبينوا ان قتلا وحرقا وسحلا قد جرى لاسباب اجتماعية لا سياسية ، فبعض من قتل وعلق على الاعمدة كان جراء احقاد شخصية ومعاشية ومشكلات لا علاقة لها بالحزبية او بالسياسة ! ان ما جرى في الموصل في آذار 1959 بحاجة الى مؤرخين لهم ضمائرهم الواعية والصاحية لا الى اناس ينساقون وراء القيل والقال لهذا وذاك .. وعليه احمل المسؤولية ثانية وثالثة الى كل الاطراف المشاركة في الاحداث لا الى طرف واحد وهذا ما يقوله ضميري بعد اطلاعي منذ سنوات طوال على كل الاوراق المتوفرة ومقارنتي للروايات التاريخية .
لماذا الموصل بالذات ؟
بدأ تآمر الضباط القوميين للانقلاب على الزعيم قاسم . نسأل ايضا : لماذا الموصل بالذات ؟ الموصل كانت منذ البداية معقلا قوميا ودينيا محافظا .. ولها قوة لا يستهان بهم من الضباط.. وهي تحادد سوريا الاقليم الشمالي من دولة عبد الناصر الوحدوية .. ناهيكم عن هويتها الاجتماعية المتنازع عليها بين اكثرية عربية واقليات متنوعة وايضا موقعها المجاور لطول الحدود السورية ، أي للجمهورية العربية المتحدة على ايام عبد الناصر .. وهو الذي ساهم في اذكاء الانقسام ايضا ، والعزف على اثارة العاطفة القومية ضد حكم قاسم ، ولكن ؟ لماذا لم يواصل عبد الناصر تنفيذ وعوده التي قطعها بارسال مظليين ومدافع وطيارات الى الموصل ؟ لماذا ساهم في اذكاء الاحداث وارسل باذاعة بائسة الى المتآمرين وواصل هجومه وبث بياناته من صوت العرب ؟ لكنه وجد تدخله سيثير عليه العالم كله ، صحيح ان الشيوعية قديمة في الموصل ، وبالرغم من قوة وفاعلية عناصرها من المواصلة البروليتاريين ، وحتى ان وصل عددهم 2000 شيوعي لمدينة كان وزنها السكاني وقت ذاك يقارب من ربع مليون نسمة ، فهو عدد قليل ولكنه منّظم جيدا على عكس القوميين الذين تحركهم عواطفهم ، ولكنهم غير منظّمين كالشيوعيين . ولقد سيق من قبض عليه من ضباط الموصل القوميين الى بغداد بقطار للحمل وبابشع معاملة ليواجهوا محاكمات المهداوي ( وسافرد لاحقا حلقة خاصة من رموز واشباح عن محكمة المهداوي )
.
التساؤلات النقدية الاخيرة
وعلينا ان نتساءل ايضا : لماذا كانت ردة الفعل من قبل أنصار عبد الكريم قاسم ضد المدنيين من أبناء الموصل بتهمة انتمائهم السياسي هي ردة فعل وحشية وغير مبررة على الإطلاق ! فالخلاف السياسي وحتى الاصطدام العسكري لا يجوز ان يتطور ليشمل الابرياء من المدنيين مهما كانت عقيدتهم السياسية .. السؤال الاخر : هل وقفت جماهير الموصل قاطبة مع حركة الشواف ؟ ام انها حركة تمرد عسكرية ، لا يمكنها ان تقاوم ابدا ، خصوصا وانها لم تلق التأييد الا من حاميتين عسكريتين تابعتين للواء الخامس نفسه ؟ ولماذا حشد الشيوعيون قرابة ربع مليون مؤيد لهم في مؤتمر انصار السلام بين 5-7 آذار/ مارس 1959 ؟ واذا كان هذا الرقم مبالغ فيه ، فاذا اعتمدنا حتى نصفه ، فيبقى العدد كبيرا جدا ؟ لماذا اصرار الزعيم قاسم على انعقاده في الموصل بالذات ؟ وقد وفر له كل الدولة من القطارات الى الدعاية الى كل التسهيلات ؟ هنا يبقى السؤال : لماذا الاصرار ؟ اجابني احد الاصدقاء الشيوعيين قائلا : ولماذا لا في الموصل وهي مدينة عراقية وقد عقدت مهرجانات اخرى في مدن عراقية اخرى ؟ ولكن لماذا الموصل بالذات ، والكل يدرك احتقان الاوضاع السياسية فيها ؟ لم يقتصر الامر على الشواف نفسه في طلبه تأجيل المؤتمر من الزعيم قاسم ، بل ذهب وفد من الموصل يطالب بذلك من دون ان يسمع الزعيم قاسم ابدا ! علينا ان نتوغل في الاجابة على مثل هذه الاسئلة والتأمل قليلا فيها .. وآخر ما يمكنني ان اختم به اليوم ، تساؤل محير عن اولئك الذين يعجبون بزعيم عراقي يصل الى حد القداسة ، وهم لا يدركون تفاصيل ما حدث خلال عهده في كل ارض العراق ، فالعراق لا يختزل بعاصمة ، ولا يتم تقزيمه بخطابات دعائية او حزبية ، ولا بمسيرات شوارعية . لقد خدع العراقيون على مدى ستين سنة مضت بزعمائهم ، اذ كنت اتمنى ان يمتلكوا قليلا من الحكمة والعقل والذكاء لسلك العراق طريقا آخر !
انتظر وا الحلقة القادمة : فجيعة كركوك 14 تموز / يوليو 1959
الصورة قلب مدينة الموصل حيث ساحة باب الطوب وسينما الفردوس التي كانت تسمى بسينما الملك غازي والمركز العام ومنطلق الاحداث ..
تنشر بتاريخ 10 آذار / مارس 2019 على الموقع الرسمي للدكتور سيار الجميل