من اسوأ ما ابتلت به الثقافة العربية وعلى غرارها ثقافات المجتمعات الاخرى في آسيا وافريقيا التدليس واستخدام اسماء الاخرين من الذين يمتلكون سلطة معرفية وسمعة علمية في العالم لاغراض واهداف سياسية او طائفية او ايديولوجية او دينية او شوفينية .. وهذا ما حدث مؤخرا عندما انتشرت مقالة باللغة العربية بعنوان ” ليس هناك اكراد ولا كردستان .. ” وقد نسبت كمحاضرة قدمها المؤرخ جارلس تريب في جامعة اكسفورد .. ومن عادة الناس اليوم ان يتناقلوا اي خبر لا مصداقية له ، او معلومة لا حقيقة لها ، او مقالة تافهة مدلسة في ما بينهم من دون التحرّي عنها وعن مصداقيتها من كذبها .. وقد ارسل لي أحد الاصدقاء هذا المقال طالبا مني قراءته وتبيان مدى حقيقته كوني على صلة بالمؤرخ تريب .. ولما قرأت ” المقال ” استبعدت جدا ان يكون جارلس تريب قد قال مثل هذه التصريحات .. فقمت بالاتصال به ، وعرضت عليه الموضوع ، فنفى نفيا قاطعا مثل هذه الاقاويل ، واستنكر استخدام اسمه وزجه في مثل هكذا موضوعات ساخنة !
نعم ، لقد رفض جارلس تريب، الذي يقوم اليوم بتدريس السياسة والتاريخ في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، مثل هذه المادة الرخيصة ، ونفى أنه قد سبق له أن أعطى مثل هذه المحاضرة في اي مكان من العالم ! وقال: “لم اقدّم قط أية محاضرة في أكسفورد أو في أي مكان آخر عن الأكراد ، لأنني لم أعمل أبدا على تاريخ كردستان ، وليس لي اطلاع كاف على المنطقة الكردية نفسها”. واذا ما ناقشنا ما كتب في هذا المقال المشّوه سنجد ان من قام بصياغته قد اخترع من عنده معلومات غير صحيحة ابدا . ويسأل سائل : ولكن لماذا ظهرت المقالة لأول مرة على المواقع المسيحية العراقية ، وهي تقول إن الأكراد “سرقوا بعض الخصائص من جيرانهم مثل الجغرافيا والبنية الاجتماعية”. حتى سرقت زيهم من المزارعين السوريين”، كما يدعي. المهم ان المؤرخ تريب قد استنكر جدا الاساءة باستخدام اسمه وزجّه من اجل ان تكون للمعلومة المفترضة والكاذبة والمتحيزة مصداقية من خلال سلطة معرفية لا دخل لها في ما تداوله الناس .. وهذا من اسوء الاعمال التي تقوم بتشويه ثقافتنا العربية .. ولا يعرف ابدا من يقوم بها .. اشيد بالقراء الكرام والمتابعين في عصر الانترنيت ان لا يستسلموا ابدا لكل ما يروّج اليوم ، وان يتحرجوا كثيرا في تبادل مثل هذه التشوهات في ما بينهم ..
فماذا جاء في المقال الكاذب ؟ اليكم نص المقال المتداول بين الناس ، وهو كاذب لا اساس له من الصحة :
المقال :
” المؤرخ شارلز تريب : ليس هناك أكراد ولا كردستان … الأرض هي آشور وعاصمتها نينوى , والقومية الكردية مستحدثة ؟
اثارت محاضرة للمؤرخ البريطاني ( تشارلس تريب ) المتخصص بتاريخ العراق السياسي كان قد القاها في جامعة اكسفورد البريطانية العريقة نافيا فيها بأن هناك عرق كردي وان القومية مستحدثة لصقت بكلمة الكردية اواخر القرن التاسع عشر فأحدث بذلك جدلا واسعا بين النخب المثقفة والمتخصصة بالتاريخ هذه المحاضرة مستلة من مخطوطه له بهذا الموضوع التي يزمع طباعته مطلع العام المقبل مستندا فيها على اثار ووقائع تاريخية لا تقبل الدحض والتي تعتبر الكرد فرع من اصل فارسي وقد اشارت الموسوعة البريطانية الى ذلك بأستفاضة بالامكان الرجوع اليها كما تطرق فيها الى كل شي يتعلق ومن جملة ماتعرض له على سبيل المثال هو موضوع اللغة حيث نفى ان تكون للكرد لغة انما هي جزء من مجموعة اللهجات الخاصة باللغة الفارسية الام والدليل انهم ( اي الكورد ) لا يستطيعون التفاهم فيما بينهم الا بصعوبة بالغة وانقسام ذلك يتبدى واضحا بين مختلف المناطق كما اكد بأن لديه اكثر من مئة دليل ودليل على ذلك وفي معرض رده على سؤال كيف يتفاهمون أذن ؟
أجاب مازحا بلغة الاشارة ثم استطرد قائلا هناك الكثير الكثير من الادلة القاطعة والتي لا تقبل الشك فيما ذهبت اليه ولكني لا استطيع ان ابوح اكثر من هذا كي لا افسد او احرق ما بين دفتي الكتاب قبل ان يطبع ولكن سأكتفي بدليل لاشبع فضولكم ( ان الاكراد ابناء كيخسرو وهو شخصية فارسية ) وقد شاطرني فيما ذهبت اليه المؤرخ الكبير ( توينبي ) ابو التاريخ الحديث , وحتى لباسهم الذي يطلق عليه بالباس القومي هو في حقيقته مسروقا , فقد لبسوا الزي الشامي المعروف والذي لا يزال متمسكا به الفلاح الشامي في سوريا ولبنان وفلسطين وكذلك ماعرف خطا بالدبكة الكردية والصحيح هي الدبكة الفلسطينية اصلا ,وقبل ان ينهي محاضرته عاجله اخر بسؤال ماذا عما يطلق عليها بأرض كردستان ؟
فأجاب ليس هناك ارض بأسم كردستان هذه المنطقة تخص الدولة الاشورية اي ارض اشور وعاصمتها نينوى اما الاقوام الساكنة فيها فهي خليط من البشر غير متجانس قسم منهم مقطوعي النسب والقسم الاخر عرب اقحاح وقسم مسيحيون ليس لهم صلة بما يطلق عليهم كردا وقسم من نسل بقايا اليهود الذين اسرهم ( نبوخذ نصر ) في عملية السبي اليهودي المعروفة تاريخيا واخرين نازحين من القفقاس واستوطنوا فيها فضلا عن الشركس , وعند تحليل هذه الظاهرة ومثيلاتها يمكن الخروج بالنتيجة التالية ان الكورد يعرفون يقينا انهم بتنصلهم عن ( فارسيتهم ) فأنما هم في الواقع يتنصلون عن الكثير من عناصر هويتهم الاصلية الامر الذي وضعهم امام ضرورة تعويضها ويبدو انهم بادروا الى استعارة هذه العناصر المفقودة بل سرقوها من المجتمعات المجاورة لهم التي تشترك معهم في بعض الخصائص كالطبيعة الجغرافية والتركيبة الاجتماعية فكانت بلاد الشام هي الاقرب لهم في هذا لذا استعاروا الزي كما استعاروا الدبكة الفلسطينية لتكون عناصر جديدة في هويتهم المنتحلة هذه . ” ( انتهى ) .
تنشر على موقع الدكتور سيار الجميل وعلى صفحاته في الفيس بوك