رحل عنّا يوم 19 فبراير / شباط 2016 ، المبدع الرائع أمبرتو إيكو Umberto Eco ، ( عاش بين 5 يناير 1932 – 19 فبراير 2016) اذ ولد في اليساندريا، شمال إيطاليا، في عام 1932 ، وتوفي بتأثير مرض السرطان.. وهو الكاتب الايطالي الذي احتلّ مكانة عالمية برواياته وكتاباته في النقد الادبي .. وفكره الفلسفي واسع الامداء ، وما اختص به من الرموز وعلم السيمياء والاشارات .. لقد اشتهر بريادته الادبية والفكرية منذ العام 1980 ، وخصوصا عندما نجح نجاحا باهرا في توظيف التاريخ بأمانة ، وكتب باسلوب مشوق تميز بصعوبته ، واختص بالغازه الفكرية التي لم يستطع غيره التمّرس بها ، فلقد جمع امبرتو ايكو بذكاء قل نظيره بين السيميائية الدالة في عالم من الخيال.. يبدو لي وانا اقرأ نصوصه بالانكليزية – بعد ترجمتها – انني امام مؤرخ متمرس بقراءة ما وراء النصوص ، اذ نجح الرجل في تحليل الكتاب المقدس، فضلا عن دراساته في مجاهل العصور الوسطى ، وبرع في النظرية الأدبية ، وانشدّ اليها العلماء والمختصون والنقاد في العالم .
في وقت لاحق كتب روايات أخرى، حلل فيها شخصية الانسان واعماقه ومضى متعمقا في اغوار سابكلوجياته سواء في ” الوردة ” او ” بندول فوكو ” او ” الوجاهة ” او “مقبرة براغ” ، التي صدرت في عام 2010، وكانت من أكثر الكتب مبيعا. ولقد تحوّلت روايته “الوردة” إلى فيلم سينمائي عام 1986 كان من بطولة الممثل الاسكتلندي شون كونري.
كما نجح امبرتو في عنايته بالنصوص الأكاديمية التي كان يحترمها للاستفادة منها وتفسير بعض مظانها ، وتميز ايضا بكتب الأطفال ، اذ يعتبر هؤلاء المخلوقات من اهم ما يمكن العناية بهم كونهم سيتحملون مسؤولية هذا العالم في قابل الايام .. وكتب جملة كبيرة من المقالات. وكان امبرتو مؤسسا لـ دي Dipartimento COMUNICAZIONE ( أي : قسم الدراسات الإعلامية) في جامعة جمهورية سان مارينو، ونصّب رئيسا فخريا لـ Umanistici (كلية الدراسات العليا لدراسة العلوم الإنسانية)، بجامعة بولونيا، وهو عضو في أكاديمية دي لنسي وزميلا فخريا في كلية كيلوغ، بأكسفورد. فضلا عن اهتمامه الواسع بالاعلام وثورة المعلومات والميديا المعاصرة .
كتب امبرتو ذات مرة قائلا : أن “الكتب تتحدث دائما مع كتب أخرى سبقتها ، وكل قصة تحكي قصة الذي سبق ” . وقال” “أنا في الحقيقة فيلسوف ” ولكنني أكتب روايات فقط في عطلة نهاية الأسبوع.”
ووجه رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينزي تحية إلى امبرتو ايكو ، وقال عنه : ” كان مثالا استثنائيا لمفكر أوروبي”. واضاف عنه قائلا : “انه يجسد كل من معلومات الماضي الفريدة ، والقدرة التي لا تتعب او تكل لتوقعات المستقبل.”
كان امبرتو ايكو كاتبا ومفكرا حقيقيا لا مزيفا ، وفيلسوفا عميق الجوانب ، ومؤرخا امينا ودقيقا في قراءة النصوص والوثائق ، وتميّز برؤيته العلمية للامور ، وكان يحترم نفسه في اسلوبه الرشيق الذي كان قوي بصنعته له .. وكان كلامه قوي العبارة وله جاذبيته لا يهذي ولا يناور ولا يلف ولا يدور .. كان لا يكتب شيئا الا اذا تأكد من مصداقيته .. وفي مناقشاته كان محاورا رائعا ومجادلا خصبا ، وفي مؤسسته الاعلامية ، كان امبرتو ايكو مخلصا للكلمة والانسان .. لقد قرأت للرجل منذ زمن طويل ، وتابعت بعض انشطته وفعالياته ونتاجاته باللغة الانكليزية بعد ترجمتها ..
كم يحتاج كتابنا العرب وعدد كبير من مبدعينا الى مثل هذه الخصال الادبية والمواصفات العلمية والعقلية النظيفة .. والتواضع المؤثر . ستبقى ذكرى امبرتو ايكو عالقة في خاطري ووجداني ، وستبقى اعماله شاهدة على مكانة رجل مثقف حقيقي افتقده العالم .
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …