يعد النظام القانوني الكندي من اقوى الانظمة المدنية في العالم ، اذ تم تأسيسه في سياق القانون العام الإنكليزي مع بعض التأثير من “القانون اﻻسكتلندي”، وقد ورثته كندا كونها مستعمرة سابقة من قبل المملكة المتحدة، ومن ثم غدت في وقت لاحق عضوا في “الكومنولث الملكي البريطاني ” ويعد النظام القانوني الكندي من نظم الاختصاص، بتقدمه على أي شيئ آخر ، كما تم من خلاله فصل المسؤوليات العامة (ويشمل حتى القانون الجنائي ) من خلال القانون الخاص ، وان كل تخصصات ذلك تمارس حصرا من قبل البرلمان الاتحادي فضلا عما يسري في كل اقليم . اما ما يخص كيبيك، فهي لم تزل تحتفظ بالنظام المدني لقضايا القانون الخاص (كما هو المجال نفسه الذي يندرج ضمن الاختصاص الحصري للمقاطعات).
وتخضع كل النظم القانونية لـ “الدستور الكندي”. كما وتجري المحاكمات الجنائية بنفس أسلوب القانون العام البريطاني، كما يندرج هذا الاختصاص حصرا بالحكومة الاتحادية. وهي تختص أيضا ببعض المجالات التي ينظمها البرلمان حصرا، فضلا عن جميع المسائل والمنازعات بين المقاطعات. وتشمل هذه عموما ما يخص قضايا النقل (السكك الحديدية والطيران والنقل البحري) فضلا عن التجارة المشتركة والتجارة (التي تتعلق عموما بالطاقة والبيئة والزراعة).
دعونا نتوقف عند الدستور الكندي وقفة خاصة ، اذ يعد “قانون الدستور”، باختصار غطاء لكل الاحكام في البلاد .. وكان الدستور الكندي قد انبثق عام 1867 ويعد قانون كندا الأعلى، ولا يمكن ان يمر أي قانون الا من تحت مظلته من اجل تسيير شؤون الحكومة الفيدرالية، وادارة المقاطعات أو الأقاليم . وكل ما يتعارض ولا يتفق مع الدستور يعد غير صالح ابدا .
ان قانون الدستور، الذي تضمن مواد جديدة ومعدلة عام 1982 قد نص على أن يتضمن دستور كندا مواد اساسية، اعتبرت سلسلة من ثلاثين من الأفعال والأوامر المشار إليها في وضع جدول زمني لذلك القانون ( كان من أبرزها “قانون الدستور”، للعام 1867)، وسمح بالانفتاح لأي تعديل على تلك الأفعال. ومع كل ذلك، فقد وجدت “المحكمة العليا لكندا” أن تلك القائمة من المواد ليس المقصود بها أن تكون شاملة لكل المرافق والنواحي . وعليه ، ففي العام 1998 ، تمت الإشارة قانونيا الى إعادة موضوع “انفصال كيبيك” عن بقية اجزاء كندا ، وحددت أربعة بنود لـ “دعم المبادئ والقواعد” التي ترد في العناصر التي لم تكتب في الدستور ، وخصوصا العناية بكل من : الفيدرالية والديمقراطية، والتمسك بالمبادئ الدستورية وسيادة القانون، واحترام الأقليات. في حين أن هذه المبادئ تشكل جزءا قابلاً من اجل النفاذ الى الدستور في كندا، وقد استخدمتها المحاكم الكندية لا في ما يخص تجاوز النص المكتوب في الدستور، بل في حصر دورها إلى “سد الثغرات”.
ان “قانون الدستور” للعام 1867 ينص على أن الدستور الكندي “مماثلا في المبدأ لما هو عليه حال المملكة المتحدة”، والذي يعتبر اعتماد دستور الأحوال ( الاعراف المقننة لا المكتوبة ) ، وكانت المحكمة العليا قد اعترفت أيضا بوجود أعراف دستورية. وفي الإشارة لعام 1981 تمت إعادة الاقرار بتعديل الدستور، وقدمت المحكمة العليا ثلاثة عوامل ضرورية لوجود اتفاقية دستورية من خلال: الممارسة أو الاتفاق او الضمنيات التي وضعتها الجهات الفاعلة السياسية، وتمّ الاعتراف بأنها ملزمة باتباع هذه الممارسة أو الاتفاق، وما الغرض من هذه الممارسة أو ذلك اتفاق. كما ووجدت أيضا المجال الرحب للممارسة والتطبيق .. في حين كانت تلك الاتفاقيات التي لم تقر كقانون لا فائدة منها ـ اذ انها بالتالي غير قابلة للتطبيق في المحاكم، فالمحاكم قد تعترف بالاتفاقيات في حكمهم.
لعل من ابرز الامور في المسألة الدستورية الكندية ولادة الميثاق الكندي للحقوق والقانون وكان الدستور الكندي قد عين وحدد منذ العام 1867 صلاحيات الحكومات المحلية والاتحادية. والتي شملت المسائل كلها تحت الولاية القضائية الاتحادية في ما يخص القانون الجنائي، وقانون التجارة والأعمال المصرفية، وقانون الهجرة.[كما حددت ما للحكومة الاتحادية أيضا من صلاحية متبقية لجعل القوانين اللازمة والضرورية التي تحتاجها كندا في ما يخص “السلام والنظام والحكومة الجيدة”، ناهيكم عن المسائل الخاضعة للولاية الإقليمية التي تشمل المستشفيات والبلديات، والتعليم (وجعل التعليم في سلم الاولويات في شؤون الدولة)، اضافة الى الملكية والحقوق المدنية، كما وفر قانون الدستور للعام 1867، جوانب حيوية في يخص العناية بكل خصوصيات المقاطعات الخاصة وربطها بالمحاكم العليا، وجعل الحكومة الاتحادية هي التي تنصّب القضاة فيها . كما ومنح الدستور البرلمان الفيدرالي الحق في إنشاء نظام محكمة مسؤولة عن القانون الاتحادي، ومحكمة الاستئناف بخصوص النظر في الطعون في القرارات الصادرة عن المحاكم الاتحادية والمقاطعات على حد سواء. عموما ، فان هذه السلطة الأخيرة قد أسفرت عن إنشاء “المحكمة العليا لكندا” لرعاية شؤون القانون الدستوري ، وعلى الرغم من دورها الأعلى في الحكم في ما يخص تطبيق جميع القوانين الكندية، فان عملها على امتداد تاريخها بدا لي طبيعيا وناجحا ، بل ورائعا في تطوره على امتداد القرن العشرين .. وعليه ، فلقد نجحت كندا دستوريا نجاحا ساحقا سواء ما يخص المبادئ الاولى او ما يخص التطبيق العملي او ما يخص التجديدات والتطورات بين مرحلة واخرى .
ان نموذج القانون الدستوري للعام 1982 ، وحصيلة ما حدث من تطورات وتعديلات في دستور كندا قد مثّل حالة حضارية متطورة من العمل المشترك بين الحكومات الاتحادية والإقليمية؛ وكان قبل العام 1982، يجري أي تعديل من قبل برلمان المملكة المتحدة فقط . ولكن وجدت كندا نفسها قادرة على خلق نموذج التطور لوحدها مع إنشاء ميثاق للحقوق والحريات، والذي منحت كندا بموجبه التمتع باسمى الحقوق الفردية والشخصية التي لا تتعارض ابدا مع أي قانون في المقاطعة أو القانون الفيدرالي .
واخيرا ، اقول ، بأن اهم ما طور كندا هي اعمال التشريع ، وكلها قد مرت تحت قبة البرلمان في كندا ومن قبل المجالس التشريعية المحلية التي عدت هي المصادر الأساسية للقانون في كندا. والمنصوص عليها في بندي 91 و 92 من “قانون الدستور” للعام 1867 ، وكم عولج من الموضوعات التي تطورت على أساسها كل مؤسسات الدولة سواء على مستوى الحكومة (الاتحادية ، او الحكومات الإقليمية) شرعيتها التاريخية من ارادة الناس ، ناهيكم عن استمرار النجاح في الاداء الدستوري الكندي في رسم ملامح كندا على امتداد المستقبل .
المراجع
Frederick Lee Morton , Law, Politics and the Judicial Process in Canada. (Calgary: University of Calgary Press, 2002), p. 216.
OECD , Linking Regions and Central Governments Contracts for Regional Development: Contracts for Regional Development. ( OECD Publishing, 2007) . p. 173.
Munroe Eagles; Larry Johnston, Politics: An Introduction to Modern Democratic Government. ( Toronto: University of Toronto Press, 2008) , p. 262.
Patrick N. Malcolmson; Richard Myers , The Canadian Regime: An Introduction to Parliamentary Government in Canada. ( Toronto: University of Toronto Press, 2009), p. 149.
نشرت في مجلة المدار الكندية 1 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
الرئيسية / الرئيسية / الدستور الكندي الحلقة 19 من كتاب سيار الجميل : دومينوين كندا : من الاتلانتيك الى الباسيفيك
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …