يكاد يجزم المراقبون بأن كندا هي البلد الاول في العالم الذي تتعدد فيه الثقافات وتلتقي مع بعضها الاخر في بيئة واسعة ضمن نظام حضاري منفتح على الحياة والانسان ، ولقد بدأ ذلك التنوع والتعدد برغبة عارمة من قبل الناس الذين دعموا مشروع بيل الكندي للحقوق في عام 1960 ، وما انجز بعد ذلك على مدى اكثر من عشرين سنة من بنود في الميثاق الكندي للحقوق والحريات في عام 1982 ، و ما تضمنته قوانين كندا من خصوصيات لها احترافها بشأن توفير الكثير في مسيرة التطور من الحقوق المدنية . ولقد كانت مثل هذه المشكلة تسبب قلقا وصداعا ، ولقد اكتشفت من الدعاوى المحدودة المعروضة على المحاكم. . لقد غدت كندا منذ عقد الستينيات من القرن العشرين تؤكد على المساواة والشمولية لجميع الناس على اراضيها او التابعين لها في كلّ مكان في العالم .. وان اية مشاكل تحدث تحال الى القضاء الكندي ، وهو قضاء محترم له هيبته واستقلاليته الكاملة عن اي سلطة او نفوذ .. ولقد فرضت الادارة الكندية على الجميع ” قراءة في ” المادة خمسة عشر من الميثاق الكندي للحقوق والحريات ، كما تضمن دستور كندا حرية الاحزاب السياسية والجمعيات والاتحادات والرابطات المتنوعة وقد ضمن لها حقوق متساوية لجميع الكنديين .
كانت الحوارات والنقاشات تستمر دوما في كل المؤسسات لتشريع كل ما ينفع المجتمع ويجعله في سيرورة تقدم مستمر واصلاح دائم والاستفادة من الاخطاء وتجاوزها نحو الافضل ، وتؤخذ القرارات بأغلبية الاصوات وتقوم الاعتراضات التي تفصل فيها سلسلة من القرارات من قبل محاكم المقاطعات والمحكمة العليا في كندا ، في 20 تموز/ يوليو 2005، حصلت الموافقة الملكية على قانون الزواج المدني (بيل C -38 ) ، كما تمّ إضفاء الشرعية على زواج المثليين في كندا. وبالتالي ، فلقد اصبحت كندا رابع دولة تنفي معاقبة ( رسميا ) زواج المثليين في جميع أنحاء العالم ، اي ان كندا قد جاءت بعد كل من هولندا وبلجيكا وإسبانيا. علاوة على ذلك، فلقد تم تضمين التوجه الجنسي باعتباره الوضع المحمي في قوانين حقوق الإنسان للحكومة الاتحادية و جميع المقاطعات والأقاليم في كندا .
اليوم ، لدينا على وجه كندا الأبيض الجميل ، اجمل ماكياج متنوع من الالوان الرائعة التي تؤلفها حزمة من الجنسيات التي تقوم هي نفسها بمكتسبات الحماية الدستورية للسياسات التي تشجع على التعددية الثقافية بدلا من تهميش الاخرين واقصائهم والاساءة الى ثقافاتهم بما فيها عاداتهم وتقاليدهم .. انه الاستيعاب الثقافي الامثل الذي تعبّر عنه أسطورة وطنية واحدة من الاتلانتيك الى الباسيفيك باسلوب حضاري عالي المستوى ستتعلم منه مجتمعات اخرى في العالم . وبالرغم لما نشهده في مقاطعة كيبيك الشرقية من اتباعية لخصوصية لغوية معينة ، وان الهوية الثقافية قوية، وان هناك الكثير من المرتبطين الناطقين بالفرنسية ، فان الحديث عن ثقافة كيبيك يكاد يكون خاصا بإقليم معين ويعامل بشكل عادي كما لو ان هناك بقاء مجموعة من الثقافات الفرعية في الاقاليم وخصوصا ما يتصف به السكان الأصليون من المواريث العرقية .
وقد سمحت التأثيرات الثقافية للسالتيك غير الإنجليزية ، وهي المتميزة عن الثقافة الكندية الإنجليزية .. ولكن بالرغم من ذلك ، فان كندا تعد من الناحية النظرية، قطعة جغرافية هائلة حبكت من نسيج ثقافي متلون على مساحة ارض يكسوها الثلج وتتوزعها المياه العذبة وتنتشر فيها الغابات وقد وصل الامر بالدولة اصدار قوانين دائمة لحماية الحيوانات في كندا سواء كانت اليفة ام متوحشة بما فيها الاسماك في المياه ومن يؤدي او يقتل حيوانا يحال بموجب القانون لينال عقابا صارما .. ان هوية كندا في قوتها الحضارية والانسانية كونها فسيفساء ثقافية قلما نجد مثله في دول اخرى في العالم .
وفي كندا نستطيع ان نميز بين اللهجات المستخدمة سواء في نوفا سكوتيا و نيو فاوند لاند ، وغيرها من اللهجات المحكية التي تعبر كل لهجة عن طبيعة الثقافة لهذه المجموعة او تلك الممتدة في عيشها من الشرق الى الغرب وما نجده هنا او هناك من جغرافية المدن الكندية واريافها من الوان ثقافية متنوعة ، لون ثقافي ايطالي هنا ، او لون برتغالي هناك ، او لون اسكتلندي ، او لون ايراني في شمال شارع يونك في تورنتو ، او لون عربي في مسيسوكا ، او لون متوسطي في اوتاوا ، او لون فرنسي في مونتريال ، او نفوذ صيني ثقافي كبير في كولومبيا البريطانية .. او لون ثقافي للسكان الاصليين القدماء في شمال اونتاريو .. الخ وهكذا بالنسبة الى مناطق أخرى تتعدد فيها الاديان وتتنوع فيها المجموعات الاجتماعية .. التي تعيش كلها في اطار القانون الكندي الضامن الاساسي للوجود المتنوع .
لقد اعتمدت التعددية الثقافية في السياسة الرسمية للحكومة الكندية وباهتمام بالغ من قبل رئيس الوزراء بيار ترودو ، والتي نصّ عليها في المادة 27 من الميثاق الكندي للحقوق والحريات. وتبدو تلك التعددية الثقافية الرائعة في أجزاء من كندا ، وخصوصا في المدن الرئيسية ، مثل : مونتريال وفانكوفر و أوتاوا و تورونتو .. وعدت كندا مدرسة حضارية نموذجية في العالم توفرت فيها التعددية الثقافية والتي يعتمد فيها المعيار الثقافي في كثير من المجتمعات الحضرية . ان الرمز الكندي الذي يربط كل اهل كندا يتمثل بورقة القيقب ( ميبل ليف Maple Leaf ) في عموم جغرافية كندا الواسعة ، كما وتم احترام وجود عدد كبير من السكان الأصليين الذين عانوا من غزو الوجود بكل امتداداته الثقافية اللغوية الأوروبية وتنوعاته واحدا تلو آخر، وهناك سياسات الهجرة المفتوحة نسبيا إلى مجتمع متنوع للغاية . ونتيجة لذلك تبقى مسألة الهوية الكندية تحت المجهر ، وربما بشكل موسّع من هوية الناس في أي دولة حديثة أخرى . ان رمز الهوية الكندية ورقة الميبل ليف كما هو رمز لبنان شجرة الارز .. وكم تمنيت ان تكون النخلة رمزا للعراق كشجرة مثمرة وصبورة وباسقة وعريقة ارتبط بها اسم العراق وهويته منذ الاف السنين ! ولكن ذلك لم يحدث في العراق الذي ذبحه المتخلفون والاشقياء والمتعصبون .
نشرت في صحيفة الملتقى الكندية ، العدد 24 السنة الثانية 2014 وايضا في مجلة المدار الكندية ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
انتظروا الحلقة 17 عن القومية الكندية
الرئيسية / الرئيسية / الهوية الكندية الحلقة 16 من كتاب د. سيار الجميل : دومينيون كندا من الاتلانتيك الى الباسيفيك
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …