صدرت مؤخرا عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ، الطبعة الثانية من كتاب الاستاذ الدكتور سيّار الجميل : ” العرب والاتراك : الانبعاث والتحديث من العثمنة الى العلمنة ” . وكانت طبعته الاولى قد نشرها المركز عام 1997 . وقد جاءت الطبعة الثانية بمقدمة جديدة ، يمكننا تضمينها هنا :
مقدمة الطبعة الثانية
كانت الطبعة الاولى من هذا ” الكتاب ” قد صدرت عام 1997 ، عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ، ولما كان قد مضى اكثر من 15 عاما على نشره لأول مرة ، فمن الضرورة ان اكتب مقدمة ثانية . ولست هنا في مهمة موسعة لمعالجة مثل جملة من القضايا الحيوية ونقد النصوص الجديدة التي صدرت خلال الفترة الزمنية التي تخضرم فيها كل من العرب والاتراك خلالها بين القرنين العشرين والحادي والعشرين ، اذ يطيب لي ان اعلن أن ذلك كلّه او بعضا منه سيعالجه أكثر من كتاب جديد لي سينشر قريبا ، وستتضمن محتويات كتابين جديدين معظم تلك القضايا التاريخية الاساسية التي بدأت بمعالجتها في هذا ” الكتاب ” ، وخصوصا ، بمدخلات جديدة مطولة بعض الشيء بسبب صدور جملة من المنشورات كتبا وبحوثا بالعربية او بالإنكليزية والفرنسية خصوصا تلك التي تخص موضوع التحولات التاريخية عند العرب والاتراك ابان القرنين التاسع عشر والعشرين ، وبالأخص ، موضوعات تخص الاصلاحات العثمانية والدستور والاستنارة الفكرية والعلمنة والديمقراطية ومفاهيم التاريخ العثماني والحركة النهضوية والقوميات وقضايا الحريات والتحديث بشكل عام ، فضلا عن معالجتي مفهوم ” العثمنة الجديدة ” وما اضفي على ” العلمنة ” من مفاهيم واستنتاجات جراء فشل هذه التجربة ، او نجاح تلك .. نعم ، ليدعني القارئ الكريم أتوسع بها في كتابين اثنين يحمل اولهما عنوان : ” العثمنة الجديدة : البدائل التركية والعربية الصعبة من العلمنة الى الاسلمة ” ، ويحمل ثانيهما عنوان : ” التعايش التاريخي : جدلية الجوار والانتماء بين العرب والاتراك والايرانيين ” ، وانني سأتطرق معالجا في اولهما وثانيهما ، اهم ما يمكن تسجيله من آراء ومفاهيم واشارات يمكنها اغناء البدايات التي انطلقت منها في هذا ” الكتاب ” ( الام ) بعد مرور سنوات طوال على صدور طبعته الاولى ، ونحن نعلم ما الوقائع والاحداث التاريخية المريرة التي شهدها العرب والاتراك منذ مفتتح القرن الحادي والعشرين حتى يومنا هذا .
دعوني اقول ، بأنني لو توفرت لي الفرصة ثانية لأن اكتب هذا ” الكتاب ” اليوم ثانية، لجاء على غير الصيغة والمنهج وطريقة البحث واسلوب التفكير .. مع الاحتفاظ برؤيتي التاريخية التي اتبعتها في كتابتي اياه وكل ما اتبعته سابقا من مفاهيم وثيمات ، ولكن ثمة افكار جديدة كتبتها مؤخرا ، وخصصتها لتكمل مضامين هذا ” الكتاب ” الذي ازعم ان مجتمعاتنا بحاجة ماسة اليه ، وان ما ضمنته في معالجاتي الجديدة يأتي بسبب ما اكتسبته من خبرات جديدة ، وما نشر من موضوعات وكتب وادبيات واعمال جديدة بالانكليزية والفرنسية والعربية ، وما حصل من متغيرات سياسية واجتماعية وتاريخية حقيقية في عموم المنطقة منذ بدايات القرن الحادي والعشرين . وعليه ، فإنني سألتزم الرؤية نفسها ، تلك التي كتبتها عن العرب والاتراك ، ولم ازل اؤمن بها بدليل ما قلته ونشرته قبل اكثر من 15 سنة ، وما قد تحقق حتى يومنا هذا من رؤيتي تلك من خلال ما طرحته من نتائج واستنتاجات ، ازعم متواضعا انها كانت صائبة في الموقف والرؤية ..
من جانب آخر ، اقول : لقد ازدادت مع توالي الايام اهمية موضوعات هذا ” الكتاب ” ، مما يتطلب فهمها على نحو دقيق ومتفحص ومن خلال مناهج جديدة في كتابة التاريخ الجديد ، فضلا عما صدر من دراسات وبحوث واعمال ، وخصوصا في اللغة الانكليزية مقارنة بالاصدارات الضعيفة من كتب ومقالات نشرت في اللغة العربية . وأضيف بان كلا من موضوعي ” العثمنة ” و ” العلمنة ” بحاجة الى المزيد من البحوث والدراسات في اللغة العربية والى المزيد من اعمال الترجمات اليها عن لغات اخرى ، وخصوصا عن اللغة الانكليزية لاغناء الثقافة العربية المعاصرة التي تزداد ترديا ويا للاسف الشديد .. ناهيكم عن حاجتنا الضرورية في البحث المعمق لكل من ظاهرتي ” النهضة ” و ” التحديث ” واخضاع تجاربنا التاريخية المعاصرة في القرن العشرين للدراسة والمقارنة والنقد والمعالجات نظرا لحاجة منظومتنا الفكرية العربية الى المزيد من الرؤى والتحليلات في اعادة التفكير فيها من اجل رسم طريق جديد نحو المستقبل .. خصوصا وان عالمينا العربي والاسلامي يمران اليوم بمنعطفات تاريخية خطيرة جدا في بدايات القرن الحادي والعشرين .
وعليه ، فأنني انّبه في مقدمة الطبعة الثانية من هذا ” الكتاب ” الى ظاهرتين تاريخيتين مهمتين يمكننا التقديم عنهما في الاتي :
اولاهما تعتني بموضوع ” العثمنة ” قياسا لما صدر من جديد عنها خلال السنوات العشر الماضية بالتحديد لكي نتعرف مليا على طبيعة ما تواصل عن هذه ” الظاهرة ” في الواقع الجديد وخصوصا في تركيا المعاصرة وانبثاق ما اسمي بـ ” العثمنة الجديدة ” – ان صحّت التسمية – . وهل ثمة علاقة بين العثمنة القديمة التي ازدهرت اصلاحيا وسياسيا ودستوريا وتنظيماتيا ابان القرن التاسع عشر ، وبين ” العثمنة الجديدة ” التي وصفت بها سياسات حزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا اليوم من خلال تطور الاسلام التركي ؟؟ وما الفرق بين الاسلامين السياسيين المعاصرين التركي والعربي ؟ وهل ستنجح مثل هذه التجربة السياسية ان صح وجودها وحيويتها وفاعليتها في عالم اليوم ؟ ام انها في طريقها الى الفشل التاريخي على كلا الجانبين العربي والتركي ؟
ثانيهما : تعتني بموضوع ” العلمنة ” التي اخذت لها ابعادا جدّ مهمة وحساسة وخطيرة ، اذ غدت الخصم رقم (1) ازاء الاسلام السياسي الذي تفاقم امره في السنوات العشر الاخيرة بعد مرور اكثر من مائة سنة على ولادته عند نهايات القرن التاسع عشر ، وعلى يد السيد جمال الدين الافغاني ( ت 1897 ) ، وذلك ما سيجده القارئ الكريم في معالجاتي النقدية المقارنة في كتاب جديد آخر ، اشتغلت عليه وعلى فحص وثائقه طوال العشرين سنة الفائتة ، وهو مجلد كبير بعنوان : ” السيد جمال الدين الافغاني : الصورة التاريخية الاخرى ” ، وكنت قد اوضحت عدة رؤى ووثائق منه في عدة محاضرات ودراسات قدمتها اكاديميا في الاردن وكندا والولايات المتحدة الاميركية والامارات وقطر .. وسأدفعه للنشر حال اكتماله .
وعليه ، ينبغي ان اوضح ايضا ، انني سأقدم لاحقا محاولة في مدخل لفهم ” العلمنة ” فهما علميا ، ردّا على كل الاراء الخاطئة المنتشرة حول هذا ” الموضوع ” الذي لا يمكنه ان يعمل ويستقيم مع اية تجربة دينية في السياسة !! وسأقف محللا حالة تركيا المعاصرة في تجربة حزبي الرفاه لدى اربكان والعدالة والتنمية لدى اردوغان .. وهي حالة مزدوجة التفكير والممارسة في الجمع بين العثمنة والعلمنة ، او بين الاسلام السياسي ومبادئ اتاتورك الاساسية التي لم تزل تركيا تقوم عليها منذ تأسيس الجمهورية حتى يومنا هذا ! كما سأتطرق لاحقا – ايضا – الى ” العلمنة ” في واقعنا العربي المعاصر . وهل ثمة ضرورة لألياتها في التشريعات وبناء الدساتير الجديدة ؟ وهل هي البديل الحقيقي ازاء فشل تجارب الاسلام السياسي العربي والايراني في المرحلة القادمة ؟ وكيف ؟
واخيرا ، فإنني اذ اقدم للقراء الكرام الطبعة الثانية من هذا ” الكتاب ” ، فلابد ان اثمن كل الذين كتبوا عن هذا ” الكتاب ” واهتموا به ، وذكروه بالذكر الحسن والتقويم الجاد في الصحف والمجلات ووسائل الاعلام ، وايضا ازجي امتناني الى كل الباحثين والكتّاب والمختصين الذين استخدموه في بحوثهم واطروحاتهم ودراساتهم ، وكل من استشهد به واثنى عليه او انتقد مضامينه ..
اتمنى مخلصا ان تتم الاستفادة من نشر هذه الطبعة الثانية من ” الكتاب ” في صيغته الجديدة .
سيّار الجميل
تورنتو — كندا
6 اكتوبر / تشرين الاول 2013
الرئيسية / الرئيسية / صدور الطبعة الثانية من كتاب الدكتور سيار الجميل العرب والاتراك : الانبعاث والتحديث من العثمنة الى العلمنة
شاهد أيضاً
رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …