الحلقة 27
مصر والجزائر
طيب، إذا كنت تظن كما تقول، فكيف تكتب بأن بوفري كاتب وأنا سمعت منه كثيراً! لقد أوقعت نفسك بنفسك يا هيكل.. هل أنت قارئ لما كتبه بوفري؟ أم قرأت ما تُرجم لك من نصوص نقلا عن بوفري؟ أم أنت سمعت منه ذلك شخصياً بعد كده؟ أين سمعت منه ذلك ومتى؟ ومرة أخرى ، فأنني وجدتك ، وأنت مضطرب جداً بين بوفري القائل أم بوفري الكاتب؟ طيب متى قال الجنرال أليي رئيس الأركان لبوفري بتأسيس خطة حملة علي مصر؟ متى كان ذلك؟ ومتى هيطلع الانجليز؟ وأي فراغ سيكون؟ ومتى مصر ستنطلق تساعد الثورة الجزائرية؟ هذا الكلام متى قيل حتى نتأكد من صحته وصوابه ، أو ننفيه جملة وتفصيلا ؟ يقال إنه قيل والثورة الجزائرية قد انطلقت.. وهل فرنسا ستنتظر شهوراً طويلة حتى تنطلق مصر لمساعدة الثورة؟ ألا تعلم فرنسا أن انطلاق الثورة كان قد رتّب له منذ زمن، وانه قد أعدّ له في القاهرة؟
دعونا نتوقف عند نص آخر لنرى كيف أن مصر خانت فرنسا.. يقول هيكل : “وأنا لما كنت باتكلم مع بوفري ومع غيره من الجنرالات وجنرال جالو منهم مثلا كل الناس يعجبوا كيف دخلت مصر في موضوع الجزائر . وهنا كان في عند الفرنسيين وتتحس قوي أنه في نوع من اللي ممكن يعتبروه شبه خيانة من مصر هم يتصوروا أن عندهم علاقات مع مصر وإنها من نوع معين وصحيح حصل انقطاع بعد 23 يوليو وحصل تغير في النخب إلي آخره لكنه ده لا ينعكس علي مصر هم بيحبوا أو بقي عندهم نوع من الهوس بمصر وده حقيقة يعني لكن بمصر معينة مصر فرعونية وآثارها وتأثيرها في الأمبير إلي آخره ونابليون كل الحاجات كثير قوي مختلطة أساطير مختلطة ببعضها لكن يتصوروا أن عندهم حق في مصر” ( نص هيكل ) .
ماذا أقول ؟
أنا مجرد أتساءل: ما فائدة كل هذا اللغط والإعادة والتكرار؟ ما دخل نابليون؟ والهوس بمصر؟ وما معنى أساطير مختلطة؟ ما شبه الخيانة؟ أتمنى على هيكل ـ وهو الذي عرفناه يغرم باستعراض عضلاته من خلال عرض صفحات يقول بأنها وثائق ـ أن يكون قد رجع إلى الوثائق ، وهذا صعب عليه جدا ، كونه لا يعرف التمييز بين الوثائق ، ولا يفّرق بين تقرير صحفي أو وثيقة تاريخية ! إن قسما من وثائق عام 1956 قد كشف عنه عام 1986، وسيرى أن تبلور التحالف البريطاني الفرنسي ضد العسكريين الانقلابيين في مصر ، قد جاء قبل سنتين من الانفجار عام 1956، ـ كما تخبرنا بذلك تحليلات العديد من المؤرخين البريطانيين والفرنسيين الذين استندوا أساسا على الوثائق الرسمية ـ وكيف أن السير ونستون تشرشل ، وهو الرجل الأقوى في بريطانيا ، قد نبه السير انتوني ايدن ألا يثق بضباط خانوا الشرعية وتسلموا حكم البلاد ! وكيف أن الفرنسيين هم الذين عرضوا على البريطانيين التحالف بعد أن وجدوا أن موارد القناة التي ساهموا في بنائها ستذهب إلى ثوار الجزائر! فأي خيانة وأي حق وأي هوس عندهم بمصر؟
بين بيلا وعبد الناصر وبينهاما بومدين
يقول هيكل : “ونحن سوف نوجه تهديد لفرنسا ذاتها دي مش مستعمرة النقطة اللي كانت غائبة عننا كلنا في ذلك الوقت أقصد غائبة عن السياسة المصرية أنا باتكلم باقول كلنا باسهل الرواية يعني اللي غائبة عن السياسة المصري هو… إن الجيش الفرنسي بالدرجة الأولي في الجزائر ما هواش جيش محتل لا يعتبر نفسه تقليديا جيش محتل لكن الموجودين فيه يعتبروا إنهم في فرنسا… هذه كانت معركة وإحنا أظن في مصر لم يكن أحد يدري أو يتفهم بالضبط أن هذه ليست المغرب وأن هذه ليست تونس وأنه حتي هذه ليست فيتنام البعيدة..” ( نص هيكل ).
ماذا اقول ؟
كيف فاتكم ذلك؟ الم يقرأ أحد منكم تاريخ فرنسا مع الجزائر؟ كيف تغيب هذه النقطة عن أصحاب قرار مصر في أشد المراحل خطورة؟ فإذا كانت هذه قد غابت عنكم، فكم من الحاجات الأخرى قد غابت من التي كانت اخطر بكثير؟ كيف يغيب مثل هذا التمييز عن السياسة المصرية؟ كيف تساوون الجزائر بتونس أو المغرب أو المصيبة حتى فيتنام؟ الكل يعرف أن فرنسا احتلت الجزائر منذ عام 1830، أي كان قد مضي أكثر من 124 سنة على احتلالها عندما اندلعت ثورتها المعاصرة.. وكلّ مؤرخي مصر الذين عاصروا الثورة الجزائرية يدركون الحقائق ، ويعرفون أن احتلالها كلف كلاً من الفرنسيين والجزائريين الكثير.. فكيف كانت السياسة المصرية ترسم خطوطها، إذا كانت مثل هذه تغيب عنكم؟ طبعا ، تغيب عنكم ، اذا كنتم شبابا تقودون مصر من دون أي مستشارين من وزن ثقيل ، ومن دون الاستعانة بمؤرخين كبار ، ومن دون ان تفرقّوا بين خصائص كل بلد عربي !
بعد أن يحكي هيكل قصة الثورة الجزائرية وعجز الحكومات الفرنسية عن المواجهة والتخبط الذي أصابها، ومجيء الجنرال ديجول إلي السلطة عام 1958 اثر انقلاب عسكري قام به جنرالات الجزائر وأن الجمهورية الرابعة بفرنسا كانت تائهة.. وان مكانتها كدولة في أوروبا قد اهتزت يرجع يقول بالنص:”.. ألمانيا بدت تبقي ترجع تاني ألمانيا قوة وفرنسا في ذلك الوقت كارهة لانجلترا عندها نوع من الاحتقار كده لأميركا وعندها نوع من الأوهام مع مصر وعندها نوع من الأوهام في أوروبا وعندها ألمانيا بتطلع جنبها وعندها إنجلترا في شمالها نتيجة ده إن باريس فعلا ما كانتش لم تكن هناك حكومة قادرة فرنسا وأنا يعني أكاد أقول إن أنا شفت كل الناس شفت رؤساء الجمهورية الفرنسية كلها الرابعة والخامسة فيما بعد وشفت معظم رؤساء وزرائهم وتكلمت معهم كلهم فرنسا هنا مش قادر أتصور… الوجع الفرنسي هم مش قادرين ينسبوا ما يواجهه في الجزائر..” ( نص هيكل ) .
أوهام فرنسا أم أوهام هيكل؟
يبدو لي أن هيكل يتحدث قليلا بشكل مرضٍ نظرا لأنه يعتمد ـ هنا ـ على مادة كان قد سجلها أو نقلها من مكان ما.. وفجأة يدخل نفسه شخصيا، فيخلط علينا ـ كالعادة ـ الأمور عاليها واطيها.. كنت تتحدث عن فرنسا وما كانت تلاقيه من مشكلات الثورة الجزائرية.. فما دخل المانيا ترجع قوة؟ وكيف أن فرنسا في ذلك الوقت كارهة لانجلترا؟ الجواب كما تقول الوثائق هو بالنفي، فبريطانيا حليفتها في الحرب العالمية الثانية.. وبعدين بأي منطق سياسي دولي تتحدث يا هيكل عن حب وكره بين الدول؟ إنها المصالح التي تجمع كلاً من الدولتين الكبيرتين وكلتاهما تراقب ما الذي يفعله الزعيم العسكري الشاب الجديد جمال عبد الناصر بمصر.. أي احتقار فرنسي هذا لأمريكا؟ أي أوهام فرنسية مع مصر؟ وأي أوهام مع أوروبا؟ كيف لم تكن في فرنسا حكومة قادرة؟ أعتقد أن أحكامك خاطئة بدليل انك شفت كل الناس! ما معنى شفت كل الناس؟ وشفت رؤساء فرنسا كلهم فيما بعد؟ وشفت أيضا معظم رؤساء وزرائهم؟ ولم ترهم فقط، بل تكلمت كلهم معهم كلهم؟ هنا أسأل هيكل: ما دمت قد شفتهم كلهم، وتكلمت معهم كلهم.. لماذا لم نجد لك أي ذكر في أدبياتهم ، كما اننا لم نعثر ابدا على اسمك في مذكراتهم أبدا؟ وأنا أتحداك إن أظهرت مراسلاتهم الشخصية لك بالذات! ولا ادري هل هؤلاء كلهم لا شغلة ولا مشغلة لهم إلا استقبالك وصرف الساعات الطويلة معك؟ لا أنفي عنك أنك ربما حضرت مؤتمراً صحفياً كبقية الصحفيين العرب.. أو رافقت وفدا بتكليف رسمي من قبل المسئولين المصريين الكبار .. أما أن تكون على علاقة وثيقة مع رؤساء فرنسا ورؤساء حكوماتها، وشفتهم وشافوك.. فهذا لا يصدقه أحد أبداً! انك لو تبقى تنقل ما سجلته عن كتب كتّاب إنجليز وأمريكان وفرنسيين.. أفضل بكثير مما لو تدخل نفسك على الخط وتبعثر كل الأمور.. إننا نعرف من أي كتاب تنقل معلوماتك وبالنص المترجم بما قاله سوستيل مثلا عن عبد الناصر وكيفية قطعه أذرع الإخطبوط، ولا يكفي قطعها بل على الفرنسيين أن يحطموا رأس الإخطبوط ورأس الإخطبوط في القاهرة.. إلخ من الأحداث والأقاويل التي تنقلها أو ينقلها لك غيرك ممن تعتمد عليهم من دون أن تعرف ربما من أين ينقلون لك مثل هذا الكلام.. كان عليك أن تقول للناس إنني يا ناس أنقل هذا الكلام عن المؤرخ مورييه أو المؤرخ لاكوست أو مذكرات سوستيل.. إلخ. وانك شخصيا لا تعرف هؤلاء ولم تلتق بهم ابدا ! ثم انك تنقل ما وصف به الرئيس جمال عبد الناصر من قبلهم برأس الاخطبوط .. تمنيتك تدافع دفاعا مستميتا عن الرجل الذي صنع لك كل المجد .. دافع عنه دفاع الابطال ، بدل ان تتباهى بصداقاتك الموهومة والكاذبة معهم !
الأسطوانة المشروخة
كنت تتحدث عن التعبئة العسكرية وأنت تنقلها أو تنسخها مترجمة ولكن بأسوأ صورة.. فإذا بك تعود إلى طبيعتك من جديد.. تقول: “والحاجة الثانية هو هذه التعبئة السياسية اللي بتعملها إذاعات القاهرة في نصرة الثورة الجزائرية وأنه هنا في المشكلة الكبرى أنا سمعت تفاصيل فيما بعد سواء من جنرال بوفري أو من كوف ديمورفيل على الجنون إللي كان بيصيب اللي كان أصاب فعلا القيادة الفرنسية في الجزائر وهو عصبي إلى درجة أن يأخذ بعد كده تقريبا إيماءات صليبية نسمع كلام زي إللي بيتقال دلوقتي..” ( نص هيكل ).
دعني اقول :
إنهم تحدثوا عن التعبئة الإعلامية والسياسية التي جند لها عبد الناصر كل الخبرات والأموال، خصوصا إذاعة صوت العرب.. فجأة أيضا تعيد الاسطوانة من انك سمعت من جنرال بوفري أو من كوف ديمورفيل على.. إلخ طيب، ما كنت تحكي على الناس ما يترجمه لك طاقمك في مكتبك.. ما دخلك أنت مع بوفري وكوف ديمورفيل؟ وحالما تكمل الفقرة التي أدخلتها من عندك علي النص حتى تعود ثانية إلى القول: “يكتب سوستيل أو يقول سوستيل لحكومته. يقول لها”.. ثم تكمل وترجع تنتقد سوستيل.. لا مانع، انتقد سوستيل، إذ تقول: “أنه سوستيل تاني يشبه دائما إحنا كلنا في ثقافتنا ولما نتكلم في أي موضوع نـتأثر.. قوي نتأثر قوي بالنماذج إللي نعرفها في ثقافتنا والتعبيرات ألاقي الجنرالات الفرنسيين يجدون في جمال عبد الناصر وعلى غير حق الحقيقة يعني نموذج أو صورة هوتشمن قاعد في شمال فيتنام بيساعد جنوب فيتنام في ذلك الوقت ويحرره لكن هو الخطر في هوناي (الصواب: هانوي) وليس في سيغرن (الصواب: سايغون) عند هوتشمن وليس عند القوات في الجنوب دائما في أحوال العجز وأحوال التخبط يحصل أنه الدول والحكومات تبرئ نفسها أو في رغبتها في تبرئة نفسها وتلقي اللوم على كل الناس إلا هي إلا من يستحق اللوم.
هيكل.. ميتران والبرطمة السياسية
فجأة ينتقل هيكل من نقده سوستيل حتى يفاجئنا بقصته الفضفاضة الرائعة مع ميتران، وكأنه بذلك يريد الرد على من انتقده .. او بالأحرى على انتقاداتي الشديدة له في كتابي “تفكيك هيكل “حول علاقته بالرئيس ميتران.. دعونا نسمع ما يقول: “وأنا فاكر مرات مع الرئيس ميتران وأنا برضه كان ضيفي في القاهرة ضيف الأهرام بس أنا اللي عزمه يعني وقعد معي في القاهرة 11 يوم وبعد كده بأشوفه باستمرار أنه كان دائما أنا كنت أقول له دائما اشتكي له أنه في مرات السياسة الفرنسية تتحرك قبل أن تفكر وأنا كنت باقول له مرات إن هذا مرض متوسطي عندنا وعندكم هو مرض بحر أبيض متوسط وهو أنا فاكر له تعبير مرة أنا كنت باسأله مرة وقت الحرب الأهلية في لبنان كان في قوات بحرية فرنسية تروح للشواطئ اللبنانية وترجع تاني وتروح وترجع تاني فبقول له مش فاهم هو كان رئيس جمهورية وقتها فقال لي معلش اعتبرها نوع من البرطمة السياسية من التشويح السياسي لأنه مرات الأفراد حتى عند الأفراد وعند الأمم يعجزها التعبير عن موقفها مرات فإما تشوح وإما تبرطم وإما الفرنسيين لما أي أحد فيهم يتضايق يبدأ ينفخ بكده بشفاه نوع من تنفيس عن الغضب يعني.. “(انتهي النص) .
ماذا أقول يا ناس ؟
بالله عليكم ما دخل شعبان في رمضان؟ ما دخل ميتران بالموضوع؟ ماذا إذا كان ميتران ضيفك أو ضيف الأهرام؟ ماذا لو بقي 11 يوما أم 11 دقيقة؟ وأنت تشتكي لمين؟ تشتكي لميتران من السياسة الفرنسية.. يا سلام ما أعراض هذا المرض؟ مرض البحر الأبيض المتوسط؟ ومش فاهم عندما زارك وتسأله هو كان رئيس جمهورية وقتها أم لا؟ لا تعرف ! كل هذي الذاكرة التي دّوخت العالم باكذوبتها ، ولا تدري ان كان زائرك ميتران رئيس جمهورية ام لا ؟ قوات بحرية فرنسية تروح وترجع للشواطئ اللبنانية.. وهي برطمة سياسية أو تشويح سياسي؟ يا سلام! وأن الفرنسي حتى يتضايق .. يبرطم وينفخ وينفّس من بين شفتيه.. يعني هل أن غير الفرنسيين ينفّسون أو ينفخون من مكان آخر؟ يا سيد هيكل.. هل معقول هذا الكلام؟ يا إمبراطور الصحافة العربية.. هل ميتران ينزل إلى هذا المستوى حتى يجيبك مثل هذا الجواب؟ وما هو مرض المتوسطيين يا هيكل؟ أرى أن كل شعب متوسطي له صفاته ومزاياه وتبايناته.. ولكن كلها شأن، والشأن الآخر هو تنفيس الفرنسيين من براطمهم! كنت أتمنى أن يكون ميتران حيا يرزق حتى نسأله عن هذه القصة التي لا يحبكها إلا شخص واحد في هذا الوجود اسمه هيكل! نسأله عن هذه الاجوبة المنسوبة اليه ليعلمك درسا لن تنساه .. ولكن ماذا نفعل وميتران قد رحل منذ زمن طويل ، وجاء هيكل ليرتب على لسان ميتران قصصا كاذبة !
وماذا ايضا ؟
يرجع هيكل ليتحدث ثانية عن الموضوع بعد الفاصل الإعلاني.. يتحدث عن المخططات الفرنسية للتدخل في مصر.. ويرجع يعيد ما ترجم له عن تسلح إسرائيل من قبل الفرنسيين وصفقاتهم لها، وكيف أن فرقتين فرنسيتين بإمكانهما احتلال مصر.. حتى وصوله إلى ذكر شيمون بيريز. هنا يتوقف ليقول: “راح مدير وزارة الدفاع في ذلك الوقت شيمون بيريز صديق عدد كبير مش صديقي يعني لكن صديق عدد كبير جداً من ناس في مصر وبيعتبروه رسول سلام لكن هنا شيمون بيريز كان موجود كسكرتير وزارة الدفاع ومفوض من بن غوريون يبحث صفقة الأسلحة اللي هتعطيها فرنسا لإسرائيل هناك أحس بالجو القلق اللي في فرنسا بدأ يقعد شيمون بيريز ويعتبر إسرائيل بتدور علي قوة كبري تقف معها لأنه هي مصممة علي أن تجيء في مصر.. “(انتهى النص).
شيمون بيريز صديق عدد كبير جدا من المصريين!
يا أستاذ هيكل، شيمون بيريز ليس صديقك، ولكنك تقول إنه صديق عدد كبير جدا من ناس في مصر.. من هم أولئك الناس؟ كنت أتمنى ، لو امتلكت الشجاعة الكافية ، أن تحدد أسماء بعض أصدقائه في مصر.. وما معنى هذا الكلام إذا كنت تتحدث عنه في الخمسينيات كونه مفوضاً من بن غوريون للبحث عن أسلحة من فرنسا.. ولا أدري هل حدثك أصدقاؤك أنت يا هيكل من الفرنسيين كما قلت وهم رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء عن حجم الأسلحة التي منحتها فرنسا لإسرائيل؟ أليس من الواجب أن عرف منهم معلومات كهذه وتسجلها إن كانوا فعلا أصدقاءك كما تقول؟ أتمنى عليك يا أستاذ هيكل أن تغير هذه النظرة الخاطئة التي وصمت بها عدداً كبيراً جدا من المصريين كونهم أصدقاء شيمون بيريز! لا أبداً يا هيكل إن شيمون بيريز لا يستطيع أن يجد صديقاً واحداً له من المصريين أو العرب.. ربما ثمة علاقات بينه وبين بعض القادة العرب بحكم مشروعات السلام.. والمرحوم ياسر عرفات كلنا يذكر أنه هو الذي مد يده ليصافح إسحق رابين، ولكن لا ليتخذه صديقا له، ولكن ذلك هو مجرد تعبير عن طريق السلام الذي اختاره العرب!
هل تعلمنا من الدروس شيئا؟
إذا كان هيكل يعشق أن يتكلم عن نفسه ما يريد، فلا يمكنه أن يتكلم عن الآخرين من وراء ستار! وأن هيكل لم يتعلم شيئا من الدروس التي مرت عليه كونه يرى نفسه فقط، ولا يمكن أن يرى كل الناس في مواقعهم الطبيعية.. انه يرى نفسه اكبر من الآخرين، ولا يمكنه البتة التعلم منهم أبداً. أسألكم بالله سؤالاً واحداً فقط وأترك الجواب لضمائركم جميعا : هل يعقل أن يتكلم هيكل في هذا الموضوع المهم، خصوصا علاقة مصر بالجزائر من دون أن يستشهد بأي مؤرخ مصري أو جزائري؟ ما سر هذا التجاهل للمؤرخين والمختصين والمثقفين العرب في توضيح عدة أمور؟ لماذا لا تصادق أي واحد منهم؟ لماذا لم تذكر جهودهم في الكشف عن حقائق ومعلومات جديدة؟ إن ما قدموه أكبر وأهم وأصدق بكثير جداً مما قدمت يا هيكل!
نشرت في جريدة روز اليوسف ، العدد 1412 – الثلاثاء – 16 فبراير 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
الحلقة 28
ميتران: تشويح وكوارع ولحمة راس
كلام غير مسئول
أبدا تتكلم يا هيكل بعد ذلك كلاما اعتبره غير مسئول أبدا، بل تعيد وتكرر المسألة عن الانجليز والأمريكان والفرنسيين من وراء البحار وإسرائيل في الواجهة التي تصر علي ضربة وقائية ضد مصر قبل أن تصل صفقات الأسلحة إلي مصر بالذات.. وفرنسا، لا ندري هل كانت فعلا مصرة من خلال القادة العسكريين علي ارسال حملة عسكرية ضد مصر كما يقول هيكل، أو أن الحملة المذكورة ستعمل علي شل القدرات الفرنسية وطاقاتها؟ ويأتينا هيكل للمرة الثانية أو الثالثة بحديثه مع ميتران صديقه الذي قال له إن المسألة مجرد تشويح! وكنت أتمني علي هيكل أن يفسر الكلمات الغريبة مثل (تشويح) بتفاصيل أكبر.. يقول هيكل: “بيقول جنون ما يمكنش وبعدين ألاقي حتي المخابرات الفرنسية في ذلك الوقت تفكر في خطة أو في عملية لاغتيال جمال عبد الناصر في مجلس قيادة الثورة وجابت الأسلحة فعلا اللي تعملها وحطها الملحق العسكري الفرنسي في بدروم السفارة ولولا أن السفير الفرنسي كوندشيلا اللي جاء بعد كوف دومورفيل عرف أن في حاجة وقال إن هذه كارثة لأن الخطة كانت أو العملية كانت زي ما رسمها مدير المخابرات الفرنسية المخابرات الخارجية.. “ثم يشرح هيكل تفاصيل خطة فرنسا لاغتيال عبد الناصر، ولكننا لا ندري كل هذه التفاصيل من أين حصل عليها هيكل؟ ومدي صحتها وخطئها؟ خصوصا أن هيكل لا يذكر أبدا أي مرجع رجع إليه وأخذ منه هذه المعلومات التي أصبحت تاريخية اليوم.. إذا كنت قد اكتشفت النص الأصلي الذي نقل منه هيكل.. أو بعض الكتب التي ترجمت له من دون أن يذكر لنا عناوينها (سيجد القارئ الكريم لاحقا عند نشر الكتاب ثبت بالكتب الغربية التي استنسخ هيكل منها مادته).
أسئلة مطلوب من هيكل الإجابة عنها!
إنني أسألك: من سمي الرئيس جمال عبد الناصر بـرأس الإخطبوط الموجود في مصر؟
طيب دافع عن عبد الناصر يا اخي ورد علي من وصفه بذلك!
من قال بأن شعور الفرنسيين كلهم من أن الجزائر جزء من فرنسا، وليس مستعمرة فرنسية؟
كيف تفسر ما قلت بأن فرنسا تتصرف بالغضب أكثر من التفكير، وأنها بتتصرف بالمنطق برضه الميتراني؟
هو هل هذا الذي ذكرته علي لسان ميتران وسميته بـ”التشويح” يعتبر منطقا ميترانيا؟ ما هذه الفوضى الفكرية التي يعج بها خطاب هذا الرجل؟
ماذا أصاب هذا الرجل من أشياء جعلته يفتقد الخطوط العامة، ليقفز من هنا إلي هناك.. ولا يعرف ما الذي يريد أن يقوله؟
دعونا نتوقف قليلا لنراه يتحدث عن نفسه مرة أخري. يقول “يعني فهناك ألاقي الإنجليز بيرصدوا فرنسا أكثر منا قوي وألاقي مثلا ومن بدري الحقيقة ألاقي أول تقرير وأنا أمامي مجموعة من التقارير أول تقرير لوزارة الخارجية البريطانية يرصد هذه التحولات الجارية في الموقف الفرنسي..” الانجليز يرصدون فرنسا أكثر منا قوي.. إنه يكتشف هذا السر الخطير! طيب من انتم (أكثر منا قوي)؟
هل تقرن بريطانيا بحجمها وثقلها في العالم وهي إمبراطورية استعمارية قديمة إزاء فرنسا، وهي إمبراطورية استعمارية قديمة هي الأخرى.. هل تقرنهما بكم أنتم؟ تقصد الضباط الأحرار؟
ماذا تمتلكون من أدوات الرصد على الفرنسيين؟
ثم كنت تلاقي من تقارير.. وأنت أمامك مجموعة من التقارير، وأولها عن وزارة الخارجية؟ ما صفة هذه “التقارير”؟
من أين أتيت بها لأنك عندما تحدثت باسمها لم تذكر مصادرها؟
وعندما كنت تتكلم مثل هذا الموضوع الحيوي، لم تكن بريطانيا قد أعلنت عن فتح زمن وثائقها الرسمية.. فكيف لديك القدرة علي أن تتحدث باسم التقارير؟
مرة أخرى، تخرج عن أمانة العلم، وتخلط الأمور خلطة عجيبة.. أي تقارير هذه التي تتحدث عنها ـ وتأخذ منها؟
حلف بغداد
يقول هيكل وهو يتحدث: “فيبدأ يحدد ثلاث نقط يقول إيه يقول فرنسا غاضبة مش النهارده بس ده فرنسا غاضبة من بدري قوي لأننا في موضوع الأحلاف الغربية حلف بغداد تجاهلناها روحنا إحنا الأمريكان كان يباركوا وإحنا رحنا الإنجليز وعرضنا علي مصر ما رضيتش وعرضنا علي العراق رضي وعرضنا علي سوريا رفضت بشدة وهكذا لكن فرنسا أحست في هذه اللحظة أن أصدقاءها في الغرب يتصرفون من غيرها ولا يقيم لها اعتبارا وأن فرنسا مجروحة في كرامتها من أن الإنجليز والأمريكان في تصرفاتهم في الشرق الأوسط لا يهتمون بفرنسا الحاجة الثانية أن فرنسا تعتقد أن إنجلترا لم تتشاور معها في شأن الجلاء عن مصر رغم أنه يكشف شركة قناة السويس ففرنسا هنا أيضا مجروحة..”(انتهى النص) .
أسأل : من تجاهل فرنسا حتى تغضب؟
أي أحلاف غربية وتأتي لذكر حلف بغداد؟
حلف بغداد نواته إقليمية بحتة، إذ كان يسمي رسميا باسم ميثاق بغداد، ووقع عام 1955 بين تركيا والعراق، ثم دخلت بقية الأعضاء فيه؟
ومن هم الأعضاء؟ إيران وباكستان ثم بريطانيا.. وفي العام 1958 انخرطت أمريكا فيه! إنها قصة معقدة لا يمكنك يا هيكل أن توزع الاتهامات على كيفك وعلي مزاجك؟
أعيد التفسير التاريخي لك مرة أخرى ، كما كنت قد شرحته لك في ” تفكيك هيكل ” عسى تتعلم شيئا يسيرا من التاريخ !
بريطانيا لها علاقات قوية مع العراق ثم أصبحت أمريكا لها علاقتها القوية معه أيضا منذ العام 1952، السنة التي تغير النظام السياسي بمصر.. فمن الطبيعي أن تكونا عضوين في حلف بغداد.. فما دخل فرنسا بالموضوع؟ ثم تدعّي بأن مشروع الحلف قد عرض عليكم فأبيتم وعرض علي العراق فرضي.. الفكرة يا هيكل عراقية مائة بالمائة سواء كانت بإشارة بريطانية ام ليست بإشارات.. المشروع عراقي تركي في البداية، فما دخلك أنت؟
أنت تعرف تماما من عرض المشروع على الرئيس جمال عبد الناصر.. لقد عرضه نوري السعيد رئيس وزراء العراق ، لأنه هو صاحب المشروع أصلا ، وقد قبله عبد الناصر في البداية ثم ارتد عليه.. لما وجد انه لن يكون لاعبا أساسيا فيه! إن ما قلته حقا يا هيكل هو الهذيان بحد ذاته. إنني أنصحك ، كما نصحتك قبل سنوات أن تعود إلى الوثائق العراقية ومذكرات رجالات العراق القدماء ، أمثال : نوري السعيد وتوفيق السويدي وعلى جودت الأيوبي والدكتور فاضل الجمالي وخليل كنه وغيرهم ، إذ أن لديهم تفاصيل واسعة عن مشروع ( ميثاق بغداد ) عام 1955، لكنك لم تفعل ، فإذا كنت تستخف برجالات مصر ومؤرخيها وعلمائها الكبار ، ولم تستشر أي مؤلف من مؤلفاتهم ، فكيف لا تستخف برجالات آخرين وخصوصا إذا كانوا من العراقيين ؟
التشويح الفرنسي
تتحدث بعد ذلك عن التشويح الفرنسي! كنت أتمنى منك يا هيكل أن تتكرم وتتواضع قليلا ، وتشرح للناس ما الذي تقصده من هذا التعبير الذي تدّعي أن ميتران قد قاله لك؟ تقول: “أنا سمعت كلمة الأمريكان بالغضب بالتشويح الفرنسي من غير حدود مرات كثير قوي هم عندهم في حاجة كده في لأن جزءاً كبيراً من أمريكا كان مستعمرة فرنسية في وقت من الأوقات يعني والحرب بين إنجلترا وبين فرنسا مائة سنة حروب لا تنتهي والمعاهدات والاتفاقات لا تنزع ما في القلوب لأنه يستني أشياء منه بتستني رواسب..” ( نص هيكل ).
أقول لك : إنك كثيراً ما تكرر نفسك يا هيكل.. كل ذلك عرفناه وأنت تعيد وتصقل فيه.. إن كل ما تفكر فيه هو خاطئ حول فرنسا التي لها استقلاليتها وشخصيتها التاريخية ومصالحها ومستعمراتها.. مسألة الترسبات هذه لا تفعل فعلها في سياسات الدول، بقدر ما تشغلها المصالح.. أما الترسبات فهي كامنة في المجتمعات، وأتمنى عليك هنا أن تقرأ ما كتبه فيلسوف علم الاجتماع السياسي الألماني ماكس فيبر بهذا الصدد.
هذه المرة.. صداقة مع جنرال جالو
هنا يرجع هيكل ليتحدث عن نفسه مرة أخرى من خلال التقارير أيضا التي يلاقيها أمامه، والمشاهدين العرب المساكين لا يعرفون أبدا ما الذي يحكيه لهم هذا الرجل، اسمعوه الآن ما الذي يشرحه ويدعيه ويستعرضه.. إذ يقول: “ألاقي تقرير بيقول كده إيه على طول كده فرنسا تنظر ده التقرير ده اللي أمامي تقرير عن اجتماع لوزراء الخارجية الغربيين في جنيف بيقول إنه كل وزراء الخارجية الغربيين لاحظوا أن فرنسا تنظر إلي الشرق الأوسط كله من منظار الجزائر هنا الجزائر أنا وأنا بأسمع من بوفري وبأسمع من غيره من جنرالات بالذات من جنرال جالوا كمان مثلا أنا في جنرال فرنسي مهم قوي جنرال جالوا أنا عرفته عن طريق جنرال بوفري لأن أنا مرة من المرات باسأل جنرال بوفري على الاستراتيجي في الحرب النووية فهو بيقول لي الجنرال بوفر بيقول أنا لا أستطيع إحنا أصدقاء كنا جدا يعني أنا باستمرار كل زيارة لباريس أول يوم بأتناول الغداء مع بوفري وزوجته أنا وزوجتي وعارفين المطعم فين اللي بنروح فيه مسيولو جنرال بوفري يعني وهو مطعم كاسبيا أمام المدريين لأنه في صداقة فعلا حميمة فأبقول له يوم من الأيام بأقول له أنا الحرب في الزمن النووي إمكانيات الحرب في الزمن النووي فبيقول أنا ما أقدرش أفيدك وهنا في تواضع جنرال يعني اللي ممكن يفيدك هو صديقي جنرال جالوا وأنا فاكر إن أنا رحت في بيت جنرال جالوا في شارع كليبر في الدور الأول عمارة نمرة 8 فاكرها كويس قوي لأني رحت أسبوعا كاملا كل يوم من 9: 11 كل يوم قاعد مع جنرال جالوا اللي هو خبير في الحروب النووية ومن الناس اللي كانوا متحمسين جدا للمشروع النووي الفرنسي زي ما كان جنرال ديجول بيسميه قوة الضرب وقعدت معه ساعات بلا عدد باسمعه بنهم شديد جدا لأنه عارف بيعمل إيه لكن من كل هؤلاء الناس فعلا موضوع الجزائر زمان في وقتها في وقت الثورة الجزائرية ما كنتش متنبه له إلي أهميته لكن هنا وزراء الخارجية كلهم بيقولوا إن فرنسا كل اللي يهمها موضوع الجزائر” (انتهي نص هيكل).
بالله عليك يا هيكل ماذا يعنينا أن أنت ذهبت إلي المطعم مع بوفري أم لم تذهب؟
وماذا يعنينا إن كانت برفقتكما زوجته أم غيرها؟ وماذا يعنينا إن كان مطعم كاسبيا أو غيره؟
وماذا يعنينا أن تعيد وتصقل من جديد عن صداقتك الحميمة فعلا؟ ماذا يعنينا إن التقيت جنرال جالو أو جنرال عالو او بالو لمدة أسبوع كامل؟
وماذا يعنينا عنوانه اليوم إن كنت تحفظ النمرة وفاكرها كويس قوي؟
وماذا يعنينا قعودك كل يوم عنده ليحدثك عن الحروب النووية؟
ما علاقة ذلك بموضوعنا الذي نريد أن تقول شيئا مفيدا عنه أو جملة مفيدة واحدة عنه؟
ماذا يعنينا يا هيكل كل هذا الاستعراض الذي تشبع فيه رغبتك في أن تقول إن لك صداقات حميمة مع الفرنسيين.. وأي فرنسيين؟ جنرالات حروب استعمارية قذرة كانت لهم صفحات تاريخية بشعة في مستعمراتهم وفي مقدمتها الجزائر ، وأنت تدّعي صداقتهم ، وتدعّي قضاءك أياما برفقتهم في بيوتهم ، وتدعّي انك مدعو عندهم في مطعم كاسبيا ؟
هل مثل هؤلاء لا عمل لهم وخصوصا صاحبك الجديد جنرال جالو لكي يستقبلك بباريس يوميا وعلى مدى أسبوع كامل ويصرف معك الساعات الطوال أو كما قلت ساعات بلا عدد؟
ماذا يعنينا يا ناس إذا سمعه هيكل بنهم شديد أو لا؟
إنني أعتب عتابا لطيفا على قناة الجزيرة الفضائية أن تمرّر كل هذا الهذيان على ملايين المشاهدين العرب ، من دون أن تسأل ولو لمرة واحدة نفسها : هل يمكن التواصل مع كلام ضنين مثل هذا ؟ وأعود إلى هيكل لأسأله محاكما لما يقول ، وليس محاورا لمثل هذا الهذيان : حتى إن افترضنا يا هيكل أن جالو أو غير جالو قد التقيت بهم، فهل هم أصحاب الحقيقة؟ حتى تأخذ من وقتنا نحن كي تستعرض عضلاتك الوهمية برءوس عباد الأمة العربية ؟ وخصوصا وانت تطل على شاشة قناة الجزيرة التي لها شهرتها الواسعة .
أنت ضحية وهم.. ومن ينقاد إليك ضحاياك كلهم بلا استثناء أبدا. ودعني هنا أتكلم كمواطن عربي يتعامل بثقافة عربية، ومن حقي أن أعترض عليك وعلى هذا الأسلوب الساذج، فأنت تخاطبنا جميعا من محطة فضائية عربية مثل الجزيرة .. ولكن ما يؤلم حقا، ليس أنت أبدا، فأنت قد أصبحت خارج التاريخ منذ زمن بعيد ، بل هؤلاء الذين يسمعونك ويسخرون منك أو يتعبدون في محرابك من دون أن يقولوا لك: توقف يا هيكل ، فلقد انكشفت كل الخبايا من بقاياك الركيكة ، ومفبركاتك الكاذبة !
فرنسا زي الستات
ينقلنا هيكل مباشرة إلى نص مضحك آخر لا يمكن لعاقل أن يسكت عليه أبدا، وهو يتكلم في تاريخ سياسي وتاريخ علاقات دولية.. فماذا يقول : “وبعدين عندي تقرير إنجليزي برضه بيقول إنه فرنسا في مزاج بالغ السوء فرنسا عندها غيرة ده تقرير غيرة زي الستات يعني عندها غيرة من موقفنا إحنا ونفوذنا إحنا الإنجليز يعني في الشرق الأوسط وفي العالم العربي وبعدين فرنسا ضحية وهم عن Special Position المركز الخاص الذي تحتله أو تتصور أنها تحتله في الشرق الأوسط أو أنه حق لها..” (انتهى نص هيكل).
أسأل عامة الناس ولا اسأل المثقفين والمختصين والدبلوماسيين ورجال السياسة : اسألهم هل هذا كلام عقلاء يا ترى ؟ فرنسا زي الستات .. يا لسخرية الإعلام العربي عندما تصل درجة الاستهانة بالثقافة العربية إلى هذا المستوى ؟ يا لسخرية رجل نصّب نفسه إمبراطورا للصحافة العربية ، وهو لم يتوقف عن هذيانه يوما ؟ فرنسا زي الستات .. لو سمعه الفنان عادل إمام لأجابه قائلا بأنها زي السبعات ! يا هيكل ، هذا كلام لا يكتبه الإنجليز أبدا.. تقرير انجليزي أم عمود ساخر في صحيفة انجليزية؟ فكر يا هيكل قليلا، وأنت تخاطبنا، فنحن لسنا من السذاجة بمكان أن نقبل مثل هذه التفاهات! ماذا يعني أن كان هناك تشبيه فرنسا من قبل سياسي بريطاني أو صحفي بريطاني؟ ومن قال انه تقرير انجليزي ؟ ومن فحص هذا ” التقرير ” ؟ وما طبيعة هذا ” التقرير ” ؟
تقرير انجليزي ليس هو الحق يا هيكل.. اخرج من هذه العقلية المتهافتة، فكل ورقة تراها على الرصيف تجعلها تقريرا مهما وتفرضه علينا وتجعله دخيلا على ثقافتنا العربية.. لقد أهنت كتابة التاريخ يا هيكل.. علاقات الدول الكبرى لا تعامل مثل هكذا معاملة.. أبدا.. إنها لا تتعامل كما وصفتها كالنسوة تأكل الغيرة قلوبهن! وعليك الاعتذار للنسوة أو للستات.. واعتقد أن الستات سيكون لهن موقف من هذا التشبيه الذي اخترعه هيكل للمسخرة .. أو أساء التعبير من خلال قراءته لتقرير إنجليزي كما يدعي.. طيب وهل التقرير الإنجليزي لا معلومة فيه إلا هذه اليتيمة يا هيكل ؟
الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران
دعونا نستمع من جديد ونقرأ هيكل لنكشف المزيد من بضاعته التي أساء تسويقها بنفسه مع الأسف.. ربما كنا لا نعترض عليه إن بقي وأبقانا في إطار الموضوع، وعالجه باختصار من دون إقحام ذاته وشخصه بلا أي مبرر أبدا.. وبدون أن يتكلم باسم تقاريره البريطانية وتقاريره الأمريكية وصداقاته مع كبار الفرنسيين.. طيب من تكون أنت يا هيكل؟ ما احلى أن يكون الإنسان متواضعا في تقديم أفكاره! ما أحلى أن يكون الإنسان صادقا مع نفسه حتى يصدّقه الآخرون.. دعونا نقرأ ما يقوله هيكل من جديد : “ألاقي التقارير البريطانية والتقارير الأمريكية هنا بترصد أحوال فرنسا ودخول فرنسا إلى.. فرنسا غاضبة قوي وفرنسا داخلة ومصممة وفرنسا متجهة إلي القاهرة… فرنسا في ذلك الوقت تفكر في خطة منفردة لغزو مصر وبعدين دليل اليأس أنها تبدأ تحاول تنسق مع إسرائيل لأنها تقول إيه العسكريون الفرنسيون يقولوا إيه أنا والله ساعات باستغرب كيف ربطتني هذه الصديقة الحميمة بالجنرال بوفري لكن هنا أنا باتصور إن الإنسانية تتعدي مرات الإنسانية تتعدى المعارك وتتعدى الكراهية بتتعدى اللحظات بعينها لكن أنا كنت بالاقي دائما حد زي بوفري وحد زي جالو وكل الناس اللي شفتهم في فرنسا كل الرؤساء اللي شفتهم في فرنسا يعني أنا زمان وقت 1956 في هذه الظروف كنت أتصور أنه لا يمكن يوم من الأيام أنا هألتقي بفرنسي ما كنتش متصور أنه هيجيء يوم أنا والرئيس ميتران وهو لسه رئيس الحزب الاشتراكي بندور أو هو عارف مكان هنروح فيه عشان نتناول الغذاء متأسف أقول لحمة رأس يعني لأنه هو كان بيحبها وأنا كمان تصادف أني بأحبها وهو كان عارف محلات كتير قوي يروح فيها فمشيين عمري ما كنت أتصور كده كده عمري ما كنت أتصور أن حد زي بوفري هيبقي قريب مني إلى هذه الدرجة ولا إني أثق فيه..” (انتهي النص).
ماذا اقول ؟
دعوني أرد واعذروني إن كنت قاسيا في هذه الحلقة .. أرد على هيكل قائلا :
إذا كنت تستغرب من علاقتك بوفري وتهرب إلى الإنسانية كونها تتعدى الحروب والكراهية.. فلا تعتب على الآخرين إن كانت لهم صداقاتهم؟ ان كنت قد صادقت جزاري حروب وانك تتفاخر بها وتبررها بالانسانية ، فلا تلقي علينا المواعظ في اية مبادئ وطنية بعد اليوم ! واعتقد أن ليس هناك صداقات حقيقية بين سياسيين عرب وغربيين، ولكن هناك علاقات خاصة وسرية وغير نظيفة على وجه الإطلاق ! ربما تكون هناك صداقات بين عرب وغربيين في الجامعات أو زمالة في المؤسسات، أو علاقات حب نادرة تنتهي بالزيجات.. أو صحبة في جمعيات.. ولكن أن تصل درجة الصداقة كما يصورها هيكل لنا بينه وبين هذا الحشد الكبير من الأصدقاء المتلهفين له ويقضون معه أياما ويلاعبونه ويداوم في بيوتهم أياما.. فربما هناك أشياء مخفية اكبر من كونها صداقات ! أو أنها مجرد استعراضات وبطولات كاذبة ـ وهذا هو الاحتمال الأقوى ، كون الرجل لا يذكر أحدا من الناس المهمين جدا ، الا وتجده قد صادقهم وصادقوه ، ولاعبهم ولاعبوه ـ . نعم ، انها اكذوبات ان كان سابقا يضبط دوره فيها ويسوقها على الملايين ، لكنه هنا انكشف على الملأ تماما !
كيف ؟ ليسأل المرء نفسه ؟ هل بالإمكان لأي إنسان مهما بلغت مكانته ان يجعل الجميع اصدقاء له ؟ فلا وقت هيكل يسمح ولا أوقات أولئك المسئولين تقبل أن تذهب سدى هكذا. واسأل بدوري هيكل: إذا كنت قد التقيت بوفري وجالو ومالو وبالو وكل الرؤساء فرنسيين وغير فرنسيين .. فماذا قالوا لك من معلومات.. اكتبها سجلها قلها.. ثم تذكر الرؤساء كل رؤساء اللي شفتهم في فرنسا.. وعندما انتقدتك قبل عشر سنوات على ادعاءاتك صداقة الرئيس ميتران وانه قد دعاك إلى مطعم.. جئت اليوم لتزيد أنك وإياه كنتما تذهبان تبحثان عن مطعم تأكلان فيه لحمة رأس.. وسواء كان بيحبها أم أنت بتحبها، ما دخلنا نحن بذلك يا هيكل؟ هل هذا تاريخ عام تلفزيوني تسجله للعالم؟ إلى أي درجة من انعدام الرؤية وفوضى التفكير والعبثية قد وصلنا بحيث نرى صورة كاريكاتيرية لا أصل لها من الصحة: هيكل وميتران يركضان وهم يبحثان عن لحمة رأس؟ فهل هذا الذي نستحقه من المعلومات عن علاقات فرنسا بمصر؟ وهل كان الفرنسيون اصلا يأكلون لحمة راس أو طبخة كوارع ؟ وهل كان ميتران استثناء عن الفرنسيين ؟ كم كنت أود ان تستثمر مخيلتك هذه يا هيكل في كتابة روايات خيالية ، ولكنك لست فنانا ولا روائيا .. ولا تعرف مثل هذه الصنعة ! كم هو سيئ إن اختتم هذه الحلقة بمثل هذه الصورة الكاريكاتيرية عن ميتران وهو يأكل لحمة رأس ؟ وهل كان يأكلها بالشوكة والسكين يا هيكل ؟ لقد راجعت أكثر من كتاب للرئيس فرانسوا ميتران ، ولكنني لم أقع على هكذا معلومة فريدة من نوعها ! أبدا ، فما الغرض من اختلاقها ؟ وما الذي قدمه هيكل من تحليلات عن هذا الزعيم الفرنسي الذي كانت له بصماته التاريخية في حياة فرنسا إبان القرن العشرين ؟
وأخيرا : لم يعد هناك أي زمن لتصويب مثل هذه الشهادات التي لا أصل لها من الصحة .. إنني إن هاجمتها ، فان لي رسالة ابلغ بها الأجيال القادمة بالحذر كل الحذر منها .. والتحّري عن مصداقية المعاني والأشياء في حياتنا وتفكيرنا .. وان نفتح بابا جديدا للخروج من هذه المأساة الفكرية التي كنا ولم نزل نعيشها منذ خمسين سنة .. وأبطالها كانوا وما زالوا يجدون من يسمعهم ويصغي إليهم .. فهل بلغت رسالتي ؟ أتمنى ذلك .
نشرت في جريدة روز اليوسف المصرية العدد 1414 – الخميس – 18 فبراير 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com