مكاشفات نقدية في إشكاليات جديدة عند محمد حسنين هيكل
على قناة الجزيرة الفضائية
الحلقة الأولى
قصتّي مع هيكل
قصتي مع الأستاذ محمد حسنين هيكل معروفة للجميع، ولا داعي لأن أعيدها عندما قمت بتأليف كتابي عنه والموسوم بـ(تفكيك هيكل)، الذي لاقي اهتماما كبيرا منذ العام 2000 وحتي اليوم، ونكررها من جديد، ذلك أن كل جديد أقدمه في نقد أفكار الأستاذ هيكل وتصريحاته، إنما يصّب أساسا في مصّب (التفكيك) الذي أزعم أنني قد نجحت في تحديد ما أردت قوله تنظيرا وممارسة.
وها نحن اليوم نراقب عن كثب ليس كتاباته وتصريحاته في مناسبات معينة، بل أحاديثه التليفزيونية منذ عشر سنوات علي صدور (تفكيك هيكل)، إذ أجده في بعض منها قد تخلي عن أفكاره القديمة التي كان يروجها، ولكنه بقي يدور في النهج نفسه وعلي المنوال ذاته الذي اختطه لنفسه سيكولوجيا وسياسيا بعيدا كل البعد عن حقائق الحياة العربية التي غدت اليوم تاريخاً، أو عن الواقع العربي الذي يزدحم يوماً بعد آخر بالمشكلات والمعضلات الصعبة من دون أن يري هيكل جذور مشاكل المنطقة، ومن الذي ساهم في خلقها علي امتداد نصف قرن مضي من ساسة مضوا إلي حال سبيلهم، وغدوا في عداد التاريخ.. وسواء كان مؤيداً لهم ومناصراًً لسياساتهم ومروجاً لشعاراتهم، أو كان متلون الاتجاهات من حولهم، إن هيكل لا يستطيع أن يقطع بأحكام صارمة، كما يفعل العلماء ورجال المعرفة والتاريخ .
إنه أضعف من أن يطلق أحكاماً قاطعة، فهو بارع في اللف والدوران.. إن باستطاعة هيكل أن يجعل من اللون الأبيض أسود ومن الأسود أبيض، ولكن يفر من الميدان ساعة يري أن هناك من سيجادله أو يعلمه أسلوب الكشف عن الحقيقة.. إنني أعجب جداً من رجل عالي الثقافة ويعد من سدنة الصحافة العربية المعاصرة لم يستطع أن يغّير من نهجه وأسلوبه مقارنة بما يحمله من متغيرات في الرؤية والتفكير.
هيكل والزعماء
هنا لابد أن أعيد وأكرر ما كنت قد قلته في “تفكيك هيكل “ذلك أن سر عقدة هيكل توهمه أنه يكشف أسراراً لم يكشفها سواه، وأنه يتخيل أنها “أسرار” لم يعرفها غيره، و أنه صانع تاريخ لا كاتبه فقط، وأن الزعماء العرب لا دراية لهم من دون أن يوجههم محمد حسنين هيكل، وأنه مستودع أسرارهم وحركاتهم وسكناتهم، وهو يعرف مخادع نومهم وتفصيلات برامجهم ومناهـج بروتوكولاتهم. لقد توضح لنا الآن عند نهايات عُمر محمد حسنين هيكل (وكل العمر له إن شاء الله) ورؤية نتاجاته، وما كتبه من (الأسرار) والمعلومات والأفكار والأخبار والآراء التي قالها وحكاها له زعماء عديدون لم ينشرها في حياتهم، إنما أبقاها – إن كانت صحيحة كما يدعي- كي ينشرها بعد وفاتهم واحداً بعد الآخر، ومنهم: جمال عبدالناصر ومحمد رضا بهلوي، شاه إيران، وأنور السادات والملك الحسين بن طلال والملك الحسن الثاني والرئيسان بورقيبة وعبدالسلام عارف والملك فيصل آل سعود والملك فهد آل سعود وغيرهم من الزعماء والمسئولين العرب وغير العرب.. وهو الآن، لا شك ينتظر أجل غيرهم من الزعماء العرب كي يبدأ بنشر تفصيلات وأسرار سياساته، وطبيعة علاقاته.. ثم يكرس الصفحات الطوال لتدبيج لقاءاته بهم، وما حكاه إليهم، وما ساقه عنهم.. إلي آخره من البضاعة المعهودة.. ناهيكم عن دور هيكل في رسم طريق هذه الدولة أو تلك، فضلاً عن دوره في الكشف عن أسرار زعيمها وعلاقاته وارتباطاته وزياراته!
وعليه، لماذا تمكث المعلومة الخطيرة حسب ما يراه هيكل، طويلاً في أرشيفه الخاص ولا يفكر بنشرها إلا حين يكون شهودها غائبين.
إنني أخلص هنا بأن هيكل لا تهمه كتابات الناس ولا كل السياسيين ولا حتى المثقفين ولا رجال الدين ولا حتي الأكاديميين المختصين.. إن ما يهمه أصلا الزعماء والمسئولون. إن عقدة هيكل ـ ويا للأسف الشديد ـ هؤلاء فقط ولا غير، فهو يستهين بكل من ذكرت، ولكنه يقف صنماً إزاء الزعماء والمسئولين، ولكن لما يتحقق منهم إزاءه، فمن يعره أهمية يضفي عليه كل التبجيل وما إن يغادر أو يموت حتي ينقلب ضده! أما من لم يعره أهمية، فدوماً ما يصنع منه خصماً، ليجعل من نفسه بموازاته!
هيكل بعيداً عن حقائق الأشياء
يضع هيكل نفسه باستمرار في مركزية الأشياء محاولاً أن يضع الآخرين من حوله مهما بلغت قيمة ذلك الآخر.. إنه دوماً يختارهم أو بالأحرى يلتقطهم من ذوي الكاريزمات التاريخية الباهرة.. وسرعان ما يضعهم جميعاً في نقاط خلاف سياسية معه، بعد أن يجعلهم مهتمين به أشد الاهتمام، وأنه لا عمل لديهم إلا السعي لملاقاته والتحدث إليه ساعات وساعات.. وأنه يستجيب لذلك من خلال المهام الموكولة إليه، يدخل معهم في جدل مصوراً إياهم كونه في مستواهم.. فيعطي لنفسه الحق في أن يجيبهم بحدة!! كما يحرص علي أن يشعر القراء أنه يعرفهم منذ زمن طويل وأن ثمة ذكريات يحملها حتي عن مشتريات خاصة بهم من إحدي أسواق القاهرة!
هكذا، مرة أخري أعيد القول وبعد قرابة عشر سنوات علي إصداري “تفكيك هيكل” إنني لا أثق أبدا بصدق روايات الرجل ولا بقوة توثيقه، وأري أن كتاباته كلها تهدف إلي هدف سياسي آنٍ ومرحلي معين أو لغرض شخصي أو ذاتي معين.. أو لغرض يرضي فئات معينة من الناس المعجبين به، وحسب الظروف السياسية القائمة أو التي تمر بها المنطقة.. أغراض لا علاقة لها بكشف الحقائق، إذ للرجل قدرة كبيرة في أن يخفي الحقيقة أو يميتها!!
وكما كتبت في “تفكيك هيكل ” وأن هذه من أخطر ما يمكن التعّرض له.. إن طريقة صنع الملابسات لا يمكن لأحد أن يجيدها، إلا من تمّرن عليها لأزمان طوال.. وأصبحت نهجاً له في أن يخرج أي معلومة مصبوغة بالصبغة التي يريدها، لا بصبغتها الأصلية.. إنه نوع من خداع التفكير الذي يمارسه البعض وإيهام الجماهير سواء كانوا من القراء أو المستمعين بـ”حقائق” لا أساس لها من الصحة أبداً.. خصوصا عندما يدخل صاحبها نفسه وذاته في صناعتها، أو الاقتراب من صنّاعها، ولا أصل أو حقيقة لذلك أبداً أبداً.
إن إيهام الناس من قبل هيكل أنه قد قابل فلاناً أو علاناً من المسئولين الكبار، وترتيب الكلام علي أفواههم وكأنه ذلك الشخص الذي يدّعي أنه واقف في مركز الكون أو الأرض.. ومن يعترض عليه، يجيبه.. إن كنت تعترض علي، فلك أن تتأكد من كلامي بأن تذرع الأرض أو الكون بنفسك كي تتأكد! ولا يوجد هناك من يكون باستطاعته التأكد!
هذا العمل النقدي الجديد
يندرج هذا “العمل” النقدي الجديد، وهو من قبيل المكاشفات أيضا ويلد في رحم ذلك “التفكيك “الأول الذي منحني فرصة رائعة في سبر أغوار النص ومعرفة ما يختبئ وراءه.. إنني أتحمل هنا مسئولية هذا النقد الآخر مثلما تحملت مسئولية الكتاب الأول. وهنا ـ أيضا ـ لابد أن أوضح للقراء الأعزاء أنني لاقيت عنتاً ولاقيت خصومًا واتهمت باتهامات شتي لا أساس لها من الصحة أبداً كوني انتقدت مقام هيكل العالي.. لقد أسيء إلي ظلماً وعدواناً من قبل سياسيين عرب وأشباه مثقفين وزملاء أكاديميين وقراء مناصرين وحزبيين مؤدلجين.. قال أحدهم معلقا في جريدة الشرق الأوسط: “مع الاحترام الشديد لسيار الذي قرأناه في أماكن عديدة، فإن التهمة الأولي والأخيرة التي يواجهها في عمله الناقد أو المكاشف لهيكل، أن عمله محتضن من دولة ينتقدها هيكل، وعلي الرغم من ما نكنه للأردن والهاشميين إلا أننا نتمني أن تكون المرة القادمة في مواجهة هيكل هي إيجاد شخصية فذة تستطيع إقناعنا بشرعية علمية أن جميع الأفعال التي يقومون بها نابعة عن تأصيل علمي وبعد أكاديمي”!!
وهنا أقول إن مثل هذه “التهمة” البليدة التي أول من وجهها لي أولئك البعثيون والناصريون كوني اشتغلت في الأردن أستاذاً بجامعتي اليرموك وآل البيت علي مدي خمس سنوات، إذ ربط الأغبياء عملي كأستاذ هناك بالكتاب، متهمين إياي بأن الأردن قد دفعني إلي نشره.. وهنا لابد لي أن أرد عليهم بأن علاقتي بالأردن لم تكن أكثر من تعاقد بين أستاذ عراقي وجامعة أردنية تعاقداً شخصياً، وليس هناك أي صلة أو دور للأردن في إصدار كتابي “تفكيك هيكل”! إذ لم أخصص الكتاب عن الأردن وحده، بل تألف الكتاب من ستة فصول، شغل فصله الأول عن هيكل نفسه وعالج الفصل الثاني مصر، أما الثالث فعالج الأردن والرابع عالج المغرب والخامس عالج العراق والسادس عالج الخليج العربي.
إن الصحافة الأردنية لم تطبل للكتاب ولم تزّمر له.. وكنت قد استغربت موقف الأردنيين، ولكن بعد مضي سنوات طوال وما حدث قبل أشهر من موقف للأردن إزاء عرض قناة الجزيرة القطرية برنامجاً لمحمد حسنين هيكل ضد الأردن والهاشميين، تذكر الأردنيون كتاب “تفكيك هيكل”، وبدءوا ينهلون منه .
نزاهة “تفكيك هيكل”
إنني أعلن للملأ أن “تفكيك هيكل “الذي قمت بتأليفه أثناء إقامتي في الأردن، لا علاقة للأردن ملكاً وحكومة وشعباً به.. وأتحدي أي شخص يؤكد للناس أن “تفكيك هيكل “ولد من خلال علاقة بأحد.. إنه منطق العاجزين أمام من هو أكبر منهم، وفي إلقاء التهم جزافاً علي مخالفيهم.. لقد غادرت الأردن عام 2000 بعد أن تلقيت تهديدات معينة إثر إصداري “تفكيك هيكل “إذ جن جنون أولئك الذين كانوا وما زالوا يتشدقون بالشعارات القومية والناصرية، وأيدهم البعثيون أيضا.. واعتبروا كتابي بمثابة طعنة في أيديولوجيتهم، من دون أن يدركوا يوماً أن هيكل قد أساء لهم ولرموزهم إساءات بالغة.. ومن دون أن يعرفوا أن هيكل لم يكن في يوم من الأيام حاملاً لأيديولوجية معينة.. إن هيكل لا يخدم إلا هيكل نفسه وذاته ومصلحته.
لقد غادرت الأردن علي عجل إلي الإمارات كي أكون أستاذاً في قسم التاريخ بجامعة الإمارات في شهر سبتمبر 2000.. وصلت وكان خبر “تفكيك هيكل “قد طار إلي هناك أيضاً.. ومنذ تلك اللحظة حتي اليوم وأنا ألاقي أذي وضرراً لا حدود لها من قبل بعض مسئولين وجامعيين وسياسيين عرب كوني تعرّضت إلي هيكل الذي يعد بالنسبة لهم الذات العليا أو المشبّه عندهم بـ”المقدّس”!
هناك والله يشهد من وقف معي، وكان ولم يزل مشجعاً ومعجباً بطريقتي النقدية في معالجة إشكاليات محمد حسنين هيكل، إذ التقيت المئات بل الآلاف من الناس الذين يؤمنون بأن هيكل قد أساء جداً لكل من تاريخنا وواقعنا ومستقبلنا.التفت إلي زميل في واحدة من الجامعات ليقول لي معاتباً: من يكون هيكل حتي تصرف وقتك الثمين علي كتاباته؟ أجيبه: حتي أوضح للناس والأجيال انحرافات أعماله ومشكلات تفكيره وأشعل ضوءاً أخضر أمام الأجيال القادمة، كاشفاً خطورة ما نشره من (معلومات) لا أساس لها من الصحة! يجيب زميلي: ومن سيلتفت إليه، فأنت أستاذ أكاديمي، أرفع بكثير من كتابات شخص لا يحمل شهادة الثانوية!
أجيبه: أنا أخالفك الرأي لا المعلومة.. الإنسان ليس بشهاداته فقط، بل بقدراته وكفاءاته. إن هيكل من أعمدة الصحافة العربية في القرن العشرين، وقد تربي من سنوات مراهقته علي أيدي كبار الصحفيين المصريين واعتني بلغته، وتعلم أسرار صناعة الأخبار والحبكة والإثارة.. إنه شخص يجيد الهجوم لكنه لا يجيد الدفاع.. إنه يغتنم اللحظات الأولي ليلقي قولته ويهرب من الميدان.. إذ ليس لديه القدرة علي المجادلة والحوار الند للند.. إنه ذكي باختيار اللحظات المهمة ليصنع من نفسه فارساً لها.. ثم ينسي ما كان قد قاله أصلا..
لماذا الصمت؟ لماذا الهروب ؟
كنت أتمني علي الرجل أن يجيب عن كل الأسئلة المهمة التي طرحها عليه نقاده، وهم كثر، وأنا واحد من بينهم، خصوصا أولئك الأكاديميين المختصين الذين واجهوه علناً أمام الناس.. كي يكوِّن الناس حكماً بينه وبين نقاده، لكنه بقي صامتاً أو هارباً، وربما سيتعلل كونه أرفع مستوي من كل العالم ومن كل نقاده، ومن كل مخالفيه أو مجادليه.. والعالم كله يدرك أن المعرفة لا تعرف إلا أصحابها بعيداً عن السياسيين والمهنيين والمعرفة تعاون وتلاقح، فالمعرفة والبحث عن الحقيقة وفلسفة التاريخ.. لا تعرف كلها أي معني للنرجسية أبدًا.. إن المعرفة الحقيقية يمتلكها الأكاديميون الذين توكل إليهم مهمات البحث العلمي والإشراف الأكاديمي وتقييم الكتابات ومناقشة المشروعات.. إن الدراسات العليا لا يمكن أن يشرف عليها مثلاً محمد حسنين هيكل، بل هي من مهام أساتذة المعرفة.. وعليه، لو أتوا لي باسم محمد حسنين هيكل وقالوا: هل تقبل الإشراف علي رسالة يقدمها لنيل الماجستير؟ لرفضت ذلك، ليس لأنه لا يحمل شهادتي الثانوية البكالوريا والجامعية الليسانس أو البكالوريوس.. بل لأن الرجل لا يمتلك مؤهلات الباحث الأكاديمي أبداً!
وعليه، أقول إن هيكل ليس باستطاعته هو نفسه أن يرد علي الآخرين كي لا تنزلق رجلاه أمامهم، ويعجز عن دحض آرائهم ويرد علي نقداتهم.. فليس من سبيل أمامه إلا دفع هذا أو ذاك للقيام بأدوار الدفاع عنه، وتمجيد أدواره وكتاباته، والنيل شخصيا من نقاده، وخلط الأوراق بين منتقديه السياسيين مع الصحفيين مع الأكاديميين.. إن علي من يحترم نفسه إن كان فعلا يريد الدفاع عن هيكل، ألا يكون مطبلاً له أو مزمرا لكتاباته.. بل أن يعالج ما كتبه النقاد نقطة بعد أخري بإقامة الدليل علي خلافاتهم مع هيكل ومعالجة الحيثيات التي قدموها.
كتب أحدهم يقول إن سيار الجميل ما كان عليه أن ينتقد هيكل علي كتاباته ويطالبه بالمنهج كون هيكل ليس مؤرخاً، بل صحفيا! هنا أسأل: إذا كان هيكل صحفيا، فقد كان عليه أن يكتفي بكتابة مقال الرأي أو معالجة الأخبار علي الصحف من دون أن يؤلف كتباً في تواريخ معاصرة، أو أنه يعالج سيرا بيوغرافية، أو أنه يكتب عن تواريخ بلدان.. إلخ، فما دام قد أدخل نفسه هذا “المدخل”، فإن عليه أن يتحّمل نتائج ما فعله.. فالرجل غير متسّلح بأبسط قواعد منهجية كتابة التاريخ، ولا يعرف معاني الكتابة التاريخية الحيادية ولا قيمها المعرفية.. لا يعرف الاختزال ولا المنهج المقارن، ولم يقرأ بحوثاً تاريخية.. وليست له قدرة الباحثين والمؤرخين في الأمانة والموضوعية والحيادية وصولاً إلي جهله التام في كتابة هامش من الهوامش!
وانتقدني آخر كوني قد انتقدته بمنهجية أكاديمية.. وكيف أن أكاديميا يستخدم لغة خطاب مباشرة في توجيه أسئلته إلي هيكل واستفزازه من قبيل: أهذا صحيح يا هيكل؟ ما هكذا يا هيكل!.. إلخ، هنا أجيب بأن كتاب تفكيك هيكل وحتي بقايا هيكل.. يتخذان أسلوب المناظرة أو الجدل.. بين اثنين أحدهما يسأل ويستفهم والآخر صامت لا يتكلم.. وعندما تتم التجاوزات علي الحقائق، تنتفي صفة المعرفة، وهنا يكون الدور بين معلم وتلميذ في كيفيةإلقاء المعلم أسئلته علي تلميذه الذي لم يحسن التصرف في كتابته أو معلوماته أو مواقفه! ثمة من كتب يقول إن كتاب “تفكيك هيكل” هو بمثابة تصفية حسابات تاريخية مألوفة بين مصر والعراق، إذ كانا علي امتداد التاريخ ندين.. وفي مثل هذا “التوصيف”سذاجة بالغة، لأنني عندما بدأت “المشروع” لم يكن في خاطري مثل هذا الميراث، واعتقادي أن مصر والعراق قد تبادلا الأدوار السياسية والحضارية علي امتداد التاريخ .
وقال لي أحد أصدقائي من المفكرين المصريين في لقاء عابر معه: عتبي عليك يا سيار خفيف جدا، إذ كيف تطلق عنوان “تفكيك هيكل”.. تفكيك.. تفكيك حتي لو كان من باب التورية؟ وهي تورية جميلة وساحرة، ولكنها في الحقيقة حقيقة ساخرة!! أجبته: صديقي العزيز، ثمة منهج تفكيكي اليوم واقرأها كما تشاء..
لا أريد أن استدعي كل ما قيل من سفاسف ومعارضات، ولكنها مجرد فتات إزاء ما نشر من ملاحظات وإيجابيات وتشجيعات ومواقف موافقة للعمل ومؤيدة له..
===========
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، 28 سبتمبر 2009 ، ويعاد نشره على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح باعادة النشر تحريريا او الكترونيا ، الا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .
الحلقة الثانية
توبة المنوم المغناطيسي
عاد ليحكي ما يشاء.. بعد أن كتب كل ما شاء!
إن حكايا هيكل اليوم، تعد مثلاً حيا علي انهزامية الثقافة السياسية العربية وضعفها، فما يقدمه الرجل اليوم مثًلا، يعد مجرد بقايا هيكل.. أي بمعني بقايا من القرن العشرين يتغذي عليها الناس وهم يعيشون في القرن الواحد والعشرين. من الأهمية بمكان أن تستخدم الفضائيات الإعلامية في بناء الأجيال وتكوين ثقافتهم السياسية، ولكن ليس علي مجرد بقايا ذاكرة لا أقول إنها منهكة بيولوجيا، فالرجل لم يزل يتمتع بكامل قواه البيولوجية والعقلية، ولكن اعتراضي علي بقاياه التي تمثّل أسلوب دعايات القرن العشرين، واجترار كل ما كان مسجلا ولكن بطريقة غير أمينة أبدًا.. أي بنفس الأسلوب الذي كان يستخدمه الرجل أيام الحرب الباردة وأيام الهوس الثوري وأيام العواطف القومية الجياشة.. تلك التي أسييء استخدامها دعائيا، فكان أن حلت الفجيعة بواقعنا العربي ليغدو كما هو عليه اليوم.
في بقايا هيكل، هذا الذي بين يديك، سنعالج جملة هائلة من الموضوعات التي تناولها الأستاذ هيكل علي شاشة فضائية الجزيرة، وبالنقد والتحليل، وبتشخيص جملة كبيرة من الادعاءات والحكايا الملتبسة أو المثيرة للشك، أو المفرقعة للجدل.. وبإثارة جملة من الإشكاليات المعرفية خصوصًا التاريخية والجغرافية والبيوغرافية سواء عن مصر أو عن دول ومجتمعات الإقليم كله.. وسأكون حراً في معالجاتي بقايا هيكل، كما سمح الأستاذ هيكل لنفسه أن يكون حرا في تناوله موضوعات منها ما هو علي درجة من الاهمية، ومنها ما هو مثير للاسترخاء والنوم، ومنها ما هو مثير للسخرية والاستهزاء.. لقد آليت علي نفسي أن أتوقف عند محطات مهمة جًدا، ذلك أن المادة التي عرضها الرجل ضخمة جدا، وهي بحاجة إلي أن يتوقف عدد كبير من الباحثين والنقاد لمعالجتها وكشف خفاياها.. واذا كنت قد بدأت مع التفكيك قبل عشر سنوات، وهأنذا أكمل المسار مع البقايا، فإنني أشعل أضواءً خضراء لمن سيأتي من بعدنا من الأجيال كي ترسم خطوطًا حمراء أمام كتابات هيكل ومروياته التي لا يمكن أن تؤخذ هكذا علي عواهنها.
وسيتأكد من سيأتي من بعدي من صحة ما أقول.. بالرغم من كل ما سأتعرض له من هجوم، إذ إنني أتّوقع ان هناك من سيقف مني بالضد جراء قوة عواطفه إزاء هيكل.. وسأتّعرض أيضا إلي أذي وضرر يلحقه بي انصار هيكل ومريدوه المنتشرون في كل البلدان العربية.. بل ستزيد نقمة كل الناصريين والقوميين والبعثيين ضدي، ليس لأنهم مع هيكل، بل لكونهم يعتبرونه ركنًا من أركان تابو القومية العربية.. والمساكين لا يدرون ان الرجل لا علاقة له لا بالقومية ولا بالليبرالية ولا بالاشتراكية ولا بأي مذهب فكري علي وجه الإطلاق. انه مجرد فنان ماهر له قدرات ممتازة في اللعب علي قادة وأنظمة حكم ومسئولين مؤسسات وأحزاب..
الإصرار علي النهج
كُشفت الحقائق وحلّت بنا الهزيمة، ولانزال إلي الآن ـ وأنا ضد ذلك ـ نعتبرها مفرقاً تاريخياً يجب أن ننسي الهزيمة، المشكلة الأخري، أن الصحافة أو الصحفي يجب ألا يكتب التاريخ، الصحفي ليس مؤرخاً.. التأريخ عملية صعبة جداً، عملية تتطلب أولاً وقبل أي شيء الموضوعية، وهذا يعني أن الأستاذ هيكل يدعي الموضوعية، الأستاذ هيكل له موقف قديم وهذا طبعاً ليقال مديحاً فيه لم يغير في ذلك ولكن الدهر تغير، الدنيا تغيرت، العالم تغير، فإذن إذا كان للمؤرخ أن ينظر إلي كل التطورات التي حدثت بعين واحدة لا يمكن إطلاقاً أن يكون موضوعياً.
يعني هناك صحفيون كثيرون أو مؤرخون في الغرب مثل بول جونسون جمعوا بين الصحافة وبين التأريخ للعمل التاريخي ولكن خرجوا من ثيابهم ولم يخرجوا من أسلوبهم.. إن هيكل له أسلوب وطريقة في الكتابة ولكنه لم يخرج أبدا من مواقفه المسبقة حيال التاريخ، وانه ـ كما بدا للجميع ـ مصّر علي الاخطاء التي ارتكبها من دون أن يقف وقفة شجاعة ليعترف بها ويصححها خدمة لتاريخه الشخصي ولذاكرته من بعده !
إن التاريخ لا يقبل بموقف واحد ولا بصورة واحدة ولا برؤية واحدة لأن التاريخ مجموعة أحداث مركّبة ومعقّدة يعني متقابلة أو متناقضة أو متعاكسة، الأستاذ هيكل للأسف الشديد كتب التاريخ أو روي الآن يعني خرج من عملية الكتابة لأن الكتابة يمكن أن تناقش بالحجج وبالوثائق.
فرقعات دعائية
إن هيكل في أغلب الاحيان يستخدم فراقعه الدعائية ـ علي حد توصيف الاستاذ كرم جبر ـ ويضخم الامور تضخيما لا مبرر له ابدا، وكلها تدور حول نفسه. ان متنفسه الآن هو قناة الجزيرة الفضائية التي يطلّ من خلالها علي العالم، اذ اعلن قبل ذلك استقالته عن الكتابة واستئذانه بالانصراف، فأثار ضجة كبيرة في الإعلام والصحافة من قبل مناصرية ومؤيديه.. إذ نجح في استخدام الألفاظ الجذابة في مانشيت عريض قال فيه: استأذن في الانصراف، وقد فسّره البعض انهزامية واضحة بعد تفكيكه.. ولكن سرعان ما سعي له الساعون من الناصريين المناصرين كي يكون وجهًا من وجوه فضائية الجزيرة .
منذ تلك اللحظة، بدأت مرحلة جديدة من مراحل هيكل، إذ بدأ الناس يسمعونه.. قالوا: كان من الأفضل له أن يفي بوعده، وينصرف عن الناس! قلت: لا أبدًا.. دعوا الناس تستكشف هيكل وجهًا لوجه.. دعوهم يجدونه كما هو بصوته وصورته.. دعوه يكشف عن نفسه وإمكاناته.. دعوه يقدم نفسه للآخرين حكائيا بلا رتوش.. دعوه يخرج مع نفسه من دون احد.. إنه يهتم بذاك الاحد لو كان مجرد سائل أو مستفسر.. ولكنه يرفض رفضا قاطعا أي مجادل أو محاور ناقد يناقشه أو يحاوره.. إنه حتي عندما تلتقي به مجموعة من كبار الصحفيين والكتاب المصريين.. يسهب في مقدمته لهم، ويعلمهم منذ البداية ما الذي يريد ان يقوله للعالم، ومن ثم يفتح باب الاسئلة، ودوما ما تأتي الاسئلة علي استحياء كونه لا يقابل ابدا أي شخص من انداده، بل دوما ما لا يسعي اليه مناصروه والمصفقون له والمسبحون بحمده! كنت أتمني عليه ان يكتب بيانا يستأذن فيه الناس بالعودة إليهم بعد أن فرقع قنبلة وهو يستأذن بالانصراف! كنت أتمني عليه ان يحترم مشاعر العالم، بالرغم من اعجابه بنفسه كثيرا، فالرجل الذي لا ننكر إمكاناته فيما يتمتع به من جاذبية واسلوب كلام حكائي.. له القدرة علي ان يمارس مع اغلب الناس تنويما علي سماع أفكار وقصص وآراء ينسجها ببراعة وهي مخلوطة بين الصحيح والخطأ، ويقدمها بشكل جذاب وساحر تجعل المتلقي يحلم بها طويلاً.
الفرق بين كتابة التاريخ وقراءة التاريخ
ونسأل: هل تعني مسألة رواية التاريخ باعتبار هيكل شخصاً عاش تلك الأحداث التي يتحدث عنها، فما الضرر في ذلك إذا كان الشخص ـ هيكل ـ قد عاش هذه الأحداث فعلاً، ورواها من وجهة نظره؟
لابد أن نقول إن هناك فرقاً كبيراَ بين كتابة التاريخ وقراءة التاريخ، ذلك أن كتابة التاريخ تتطلب مستلزمات حقيقية في أن يكون الكاتب المؤرخ محايداً جدًا في كتابته أو تحليلاته واستنتاجاته. من هنا سجلنا عتبنا ونقدنا وتفكيكنا مضمون هيكل، ولقد وجدت أن حجمًا كبيراً من المثقفين والمؤرخين والمحللين العرب لهم تحفظاتهم علي كتابات هيكل.
صحيح أنه كاتب وصحفي كبير واسم مرموق في الصحافة المصرية والعربية، ولكن هذا لا يمنع من أن نسجّل بعض التحفظات علي هذا المنهج، ونسجّل بعض النقدات في تحليل النصوص، أو نرفض في النهاية هذا المنهج من كتابة التاريخ. إنني مدعو الآن كي أوضح منهجيتي في تفكيك هيكل، خصوصًا تلك التي اتبعتها في كتابي الأول عنه، والتي انتصرت لي، إذ إنني سأستدعي النصوص واحداً بعد الآخر، واخضعها للتحليل والمقارنة والتحقق.. سأقوم بنقل النص كما هو الذي كتبه أو قاله هيكل، وابدأ بمعالجته أمام القارئ، بحيث لا يمكنني ابدا ان افتري عليه. سأقوم بفحص جملة كبيرة من الوثائق المهمة جدا والتي نجحت في الحصول عليها كي أقارنها بنصوص هيكل . إنني أعد القراء الأعزاء بأنني سأقرأ التاريخ الذي كتبه هيكل.. وازعم انها ستكون واضحة تمام الوضوح .
إن كتابة التاريخ أو التكلم فيه يعدان من اصعب المهام الفكرية، وهي بحاجة ماسة إلي المؤرخ المتوازن الذي لم يغسل ويعاد تصنيعه من جديد.. إن هيكل لا يمتلك عينًا صادقة ورؤية واضحة للتاريخ.. وستعلمنا هذه الفصول من هذا “الكتاب” ضرورة المنهج والرؤية في معالجتنا ما قدمه هيكل من حكايات ومعلومات وآراء وذكريات.. وما ذكره من وثائق .
إنني سأقوم بإخضاع ما حكاه الرجل للتفكيك وإعادة التركيب كي نري أين الخطأ وأين الصواب.. كي نري نسبية الامور لا كما يراها هيكل مطلقة علي عواهنها! كي نري كم اختلف عنه اغلب الرواة والمسئولين السابقين الذين عاشوا الأحداث وساهموا في صنعها.. وكم عارضه الآخرون.
لماذا كتابي الثاني: بقايا هيكل ؟
السؤال الآن: لماذا محمد حسنين هيكل للمرة الاخري؟ ما الذي طرأ علي الرجل بعد تفكيكه؟ لماذا يأتي كتابي الثاني عنه وهو يتضمن متابعة نقدية ومكاشفة تفكيكية لأفكاره ونصوصه وتواريخه التي لم يزل يتبع نفس نهجه في كتابتها.. نعم، يأتي هذا العمل بسبب انتقال هيكل من تأثيره كاتبا له كتبه الكثيرة، إلي تأثيره ملقيا ـ في إحدي القنوات الفضائية العربية ـ احاديثه الطويلة التي لم يتخلص أبداً من اسلوبه القديم واعادته وتكراره وإطنابه واختلاق معلوماته اختلاقا من دون أي توثيق! كنت اتطلع أن يستفيد الرجل من كتاب “تفكيك هيكل”.. ـ مثلا – ولقد توقّعت ان يتعلّم الرجل كثيرا من أخطائه التي لا يمكن قبولها ابدا.. ولكنه كما يبدو مستغرق في تكريسها.. وأعتقد أن الرجل قد أصابه جنون العظمة بحيث لم يعد يلتفت أبداً لمن يقف إزاءه منتقدا موضحا.. ان هناك من يقف مع هيكل في كل هناته وأخطائه ولم يسمع هيكل من هؤلاء إلا المديح والتبجيل .
يقول أحد المثقفين العرب المعجبين به: في شخصية محمد حسنين هيكل، الكاتب العربي المرموق، تجمعت أو تكثفت مجموعة عناصر أضفت علي تجربته في السياسة والصحافة كل هذا الغني والثراء والتنوع الذي طبع مساهماته الصحفية ومؤلفاته البحثية. لكن أهم هذه العناصر علي الاطلاق هو ذلك الارتباط الوثيق بين الصحفي والسياسي في شخصه. يقال إن الصحفي أكثر كثيراً من مجرد كونه مراقباً للأحداث وأقل قليلاً من كونه مشاركاً فيها، وهو قول صحيح إلي حدود بعيدة.
لكن حين يدور الحديث عن محمد حسنين هيكل بالذات فإننا إزاء رجل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الفصل بين السياسي والصحفي فيه. إنه اكثر بكثير من مجرد كونه مراقباً لهذه الأحداث، ولكنه، للحق، شارك في صنع هذه الأحداث بالمعني المباشر للتعبير، علي الأقل في فترة حاسمة ومهمة من تاريخ مصر الحديث، وبالتالي من تاريخ العرب الحديث، بحكم الرفقة المديدة التي جمعته مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهي رفقة هيأت له أن يكون قريباً للغاية من دائرة صنع القرار ومن معرفة الآلية التي كان هذا القرار يتخذ عبرها، ثم إنها هيأت له شبكة علاقات محلية وعربية ودولية واسعة، في زمنٍ كان القرار الوطني المصري قراراً له الصفة الدولية أو العالمية، بسبب الدور المحوري الذي لعبه جمال عبدالناصر شخصياً في تأسيس حركة عدم الانحياز وبلورة سياسة الحياد الايجابي. لذا، فإن كتابات هيكل، علي خلاف الغالبية الساحقة من الكتب التي تتوخي كتابة التاريخ السياسي، لا تستند إلي عودة إلي الوثائق والملفات والمصادر والمراجع فحسب، وانما تستند، في حالات عديدة، إلي المعايشة المباشرة التي أضفت علي هذه الكتابات روحاً صادقة، حيوية.
أحسن هيكل فيما بعد توظيف هذه الشبكة من العلاقات وحيز المعلومات والمعطيات الواسع الذي توفره فيما يكتب، لذا فإنه وضع كتباً مفصلية في نطاق بحثه، ليس بوسع باحث أو قارئ جاد أو متتبع لما جري وما يجري في عالمنا العربي إلا أن يعود اليها، إذا أراد ان يكوّن لوحة بانورامية لا عن الأحداث التي جرت وانما عن خلفيات هذه الأحداث، وهذه بالمناسبة إحدي نقاط تميز كتابات هيكل الراصدة للأحداث السياسية. إنه لا يكتب تاريخاً بالمعني المتداول، حيث يسرد أحداثاً أو وقائع، وإنما يتقصي خلفيات هذه الأحداث والوقائع، أي انه يتصدي للمجهول لا للمعلوم. الواقعة التاريخية، إذا دار الحديث عن التاريخ الحديث والمعاصر خاصة، هي غالباً واقعة معروفة، وفي أحيان كثيرة للقاصي وليس للداني فقط، لكن ما يفعله هيكل هو البحث عن بواعث هذه الواقعة وخلفياتها وتداعياتها، كل ذلك من واقع المعرفة أو المعايشة أو من خلال شبكة العلاقات الواسعة التي تجعل الكثير من الوثائق والبيانات تحت تصرفه.. وهيكل لا يفعل ذلك من موقع الحياد، وإنما من موقع الانحياز لموقف ورؤية، من دون أن يحمله هذا الانحياز علي لي الوقائع والأحداث لخدمة ما يظنه صحيحاً علي نحو ما يفعل الكثيرون من كتبة التاريخ، انه يظل الباحث الموضوعي الذي يرصد ويحلل ما جري، سعياً لتحقيق هدف تعريفنا بتاريخنا، تعريفنا بأنفسنا.
دعوني أقول:
إن كلّ العالم قد تغير وكل الشعارات قد تغيرت، وكل الشخوص قد رحلت أو قريبة الرحيل، وكل المعادلات الكونية والتاريخية قد تبدلت ولكن محمد حسنين هيكل لم يزل في نفس مواقعه وخنادقه القديمة، يجّتر الماضي من أجل أن يقول أي شيء يتلفظ به .. وبقي هيكل ـ كما قلنا وأعاد القول أحد الاخوة الكّتاب ـ لا يتورع عن الاستعانة حتي بأوراق اكرمويلب؟ التي اكتشفها، بينما كان يتجول في أحد شوارع لندن، بينما لم تكتشفها بريطانيا العظمي بكل حَوْلِها وطَوْلهِا، ثم بقي يستشهد بلقاءات لم تتم مع زعماء وقادة بعد رحيلهم! عندما أعلن هيكل التوبة واعتزال الكتابة، فبكاه أغلب القوميين والمناصرين له!.. يوم ذاك قلت لأصدقائي وأعدت القول علي شاشة العربية في برنامج حواري جمعني مع الصحفي القدير سمير عطاالله.. تحدثنا فيه عن هيكل وتجاوزاته في إطلاق التهم! قلت أيضا: إن هيكل لا يمكنه أن يتوقف عن نشر ما يريد كتابيا واذاعيا وتليفزيونيا.. ان التوبة أو البراءة التي أعلنها كانت بمثابة هروب مؤقت، وأن الرجل عاد من جديد ولكن ليحكي هذه المرة ما يشاء، بعد أن كان يكتب ما يشاء.
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، 28 سبتمبر 2009 ، ويعاد نشره على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح باعادة النشر تحريريا او الكترونيا ، الا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .