يعرف الباحث والمفكر العراقي أ . د . سيار الجميل المثقف بأنه (ذلك الإنسان المبدع الذي يقدم للناس شيئاً جديداً يبهر الناس) وهذا يحيلنا إلي التسليم بضرورة أن يكون المثقف مبدعاً وتنطبق عليه مواصفات الإبداع أولا حتي يستطيع الوقوف ضمن الرعيل الأول من المشهد الثقافي الحضاري للبلدان . وبالتالي فأن هذا التعريف يجرد الكثير ممن يلصقون أنفسهم بالثقافة ويحيلهم إلي ” متابعين ” بدلاً من مثقفين . إذ أنهم لا يمتلكون ناصية الإبداع في الشعر والفن والسرد والفكر والفلسفة والنقد الخ … من ألوان الثقافة المتعددة والمتشعبة . لكن ثمة تساؤلات تحاول الدخول في صلب الإشكالية التعريفية للمثقف ومنها : هل يمكن أن نطلق علي (المتابع) هذا مصطلح ( المثقف الواقف) مثلاً ؟ أم أن تلك جناية يتصدي لها النقد أو نقد النقد ؟ ولنفترض إن هذا الطرح غير جائز ولا يستسيغه المنطق الثقافي ، فلماذا إذن ننعت المثقف بـ ” المبدع ولا ننعته بـ ” المثقف الحقيقي ” إذا أننا أسلمنا أن المثقف هو ذلك الإنسان المبدع فقط ؟ الشيء الآخر : بما أننا ألبسنا المثقف ثوب الحقيقة ، هل يعني ذلك أن ثمة مثقفاً مزيفاً ؟ أم هو تمييز يتم من خلاله الفصل بين المثقف والمتابع ؟ ان مصطلح ” أنصاف المثقفين ” علي شاكلة ” أنصاف الشعراء والأدباء ” مصطلح يراد به الطعن في ثقافة الآخر ، وهناك فرق بين أن تطعن في ثقافة المبدع وبين الطعن في إبداع المثقف . لكن هل تجتمع الثقافة الواسعة مع الموهبة الناقصة ؟ نعم قد يحدث ذلك فتكون النتيجة : مجموعة من الطروحات والتناقضات والنتاج المتوتر والمتذبذب ، وربما ينتمي هذا الصنف إلي مصطلح ” أنصاف الأدباء ” أما إذا كانت المشكلة في ثقافة المبدع دون موهبته ، فأن ذلك يقود إلي مصطلح ” أنصاف المثقفين ” وإذا اجتمع الاثنان معاً فذلك هو المثقف المدعي بعينه . أما إذا اجتمعت الثقافة الواسعة مع الموهبة الكاملة الغير منقوصة فيحق لنا ان نطلق علي هذا المثقف بـ ” المثقف الحقيقي ” ومع ذلك فأن مصطلحات ومسميات مثل ” أنصاف المثقفين او الأدباء او الشعراء تكاد تكون ركيكة وغير مبررة ، والسبب انه لا يمكن لأحد ان يكون نصف مثقف او نصف مبدع بل يمكن إدراجه ضمن مسمي آخر كأن نقول انه ” مدعٍ ” او يدعي الثقافة او الإبداع.
لا نريد الخوض في طروحات ونجتر من آثار السابقين دون دراية او معرفة ، لكن لا بدّ من الإشارة إلي ان الإبداع هو وليد الثقافة ولا يمكن للمبدع ان يأتني بالجديد ليبهر به الناس ما لم يتغذَّ من ثقافة خالية من الشوائب والتعبئة والتبعية والنظرة الشمولية المتعالية التي نجدها لدي السياسي الذي قد يبهرك بالكلمات المنمقة واللغة الخطابية المنبرية ويخلك في دهاليز موسوعة الالفاظ والمصطلحات السياسية ، لكنه في المقابل لا يستطيع ان يبهرك او يشعرك بالدهشة كما يفعل المثقف المبدع عندما تقرأ له كتاب او قصة او مقالة او رواية او قصيدة . لان المثقف المبدع او الحقيقي يختلف اختلافاً جذرياً في نمط تفكيره عن السياسي الذي لا يعبئ كثيراً بثقافة معينة سوي الثقافة السياسية والحكم والبرلمانات . عندما تصف شخص ما بأنه ” متكل ” لا تعني بالضرورة انه مثقف بل انه يجيد الكلام ولديه القدرة علي الكذب تارة والإقناع تارة أخري وربما الخداع أحيانا من خلال هذا الكلام . لكن هل من الضروري ان يبهرنا المثقف ؟
بطبيعة الحال : نعم . فالروائي والقاص والشاعر والمفكر الخ … لا بدّ أن يبهرنا بإبداعه او نتاجه كلاً حسب اشتغاله والمجال الذي يتفنن فيه من اجل المتعة أو الفن نفسه أو الناس .
ضياء الجبيلي
باحث وشاعر
الزمان 22 / 12 / 2006
شاهد أيضاً
حمّى رفع الشعارات: السياسي والأصولي والمثقف وصاحب المال
أطنب القدامى في الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة في مختلف العصور وكشفوا النقاب عن الإكراهات …