الرئيسية / قراءات اخترتها لكم / منتخبات شعرية… الشاعر بشّار عبدالله

منتخبات شعرية… الشاعر بشّار عبدالله

ترتع السواحل بزرقة البحر
لكنها، عبثا ستكتشف
بأن صبغة ماء البحر
هي زرقة وجوه الغرقى ..

***

يوما ما ..
ساهرب الى السماء
لكن عليّ اولا
ان اقطع كل الحبال
التي تشدُّ الاصيل الى الافق
فانا اكره ان ينال من قميصي الابيض
رذاذ الدم

***

تمر الريح وتنحني
اجلالا للفراغ
الذي خلفته الغابة المحترقه

***

وانت تمرق وتخرق حاجز الصوت
ايها الطيار المتغطرس،
قد تجهض جنيناً،
لكنك لن تجهض خير الله المعقود
فوق نواصي الجياد الاصيله
لانك ابداً
لن تخرق حاجز الصهيل !

***

طائرات الحلفاء
تمزق كل مساءٍ
قميص سماء مدينتنا الازرق ،
وبابرة صبرٍ
وخيط حنان
نرفو كل صباح
قميص السماء الممزق.

***

كان طريقي
الى منزل السياب
يحدثني بالنوق العصافير
التي قادها لابنة الجلبي
وحين سقطت قنبلة
صارت النوق خيولا
وطارت العصافير

***

كنت في زمن الحرب
آمر حضيرة للنبالة
اصنع طائرات ورقية متلاحقة
وارفعها فوق السواتر للتمرين
فيسقطها الجنود بغصاتهم
وحين أسألهم:
لماذا لا تطلقون نبالكم؟
يجيبون:
نخشى ان نحدث ثقبا في التراث
فنمنح للغرب فرصةً للتسلل

***

تيممت بتراب الفلوس
فطردتني المساجد النقدية
لأنني دخلتها حافياً
صمت عن الجميلات
وحين أذن المؤذن
لم أجد غير جميلة جائعة
فأفطرت على حزنها اللذيذ!
هل أنا سادي؟

***

انا الذي اكتشفت
ما بين عينيك وجرحي بئر زمزم
فكيف تسوّلُ نفسك
حرمان قلبي،
لتقولي له، حين ينوي الوضوء : تيّمم

***

بيني وبين فم الموت
جسرٌ مداه
صفير رصاصه
وآيتهُ
أن يراني الذي خلف خط الحجاب
على غفلة وأراه

***

كان بيني وبين الحبيبة
قبل سنين ثمان
صباح جميل
وخاطرة حلوة وحنان
وزيتونتان مباركتان
تصب بجذعيهما زمزم
والآن
بيني وبين الحبيبة
بعد السنين الثمان
ليل طويل طويل
وديوان شعر ذليل
وجرحان ما لهما بلسم

***

ما الذي لم يره
عنترة؟!
رأى كل هول
ولكنه لم يرَ
دمعة ذرفتها حبيبته
وهو ملقىً
وحيدا ببطن الثرى

***

ليس للملائكة زاريه

ربما ارتباك الموقد
هو الذي فضح سّري المحتمي بالجمر
وطارد القداسة
الى زيبة الأفق، كي نتساءل:
هل يكفي رسول حليب واحد
لأفحام شحنة من الرضع؟

والآن ..
هل جن شراع البحيرة الموقوت
على هلوسة الريح؟
هل عطس الفانوس المدمن
سماواتنا القديمة؟
ومع ذلك : سأقول
ربما نحن المهزومون
تحت بلاط الجنون
وصمت هذه البرية الملطخ بتهجئة البرق
حيث ريش الفجر دائما
يدغدغني الى شفق متروك مع المعوقين
وحيث المفاتيح كلها
متنكرة بنصائح لا نيات لها
غير التحرش بأقفال السراب

***

الموت طريدة

الجندي الذي فكر كثيرا
صنع احلاما كثيرة
وأثثها بالماء والخضرة والصهيل
ثم نصبها عند المداخل
فخاخا للسلام.
الجندي الذي انتظر طويلا
جمع احلامه من المداخل
لفها ودخنها الواحد تلو الآخر
ثم نصب نفسه فخا للموت
الجندي الذي نصب نفسه فخا
أصطاد الموت في اول جولة
فانحنى له السلام

***

والآن
أأملك غير يومي
لاشحذه وأسدده في خاصرة الغد؟
أأملك غير الأخضر
لأضغط على زناده
كي احرر الغابة من تضاريسها وأمضي؟!!

***

تنفرد المصطبات الحجرية بالحدائق
لتجمع نفايات القبل
وتعلقها على الأشجار
نكاية بمكنسة عامل البلدية

***

ما أشد ملوحة اليقظة
وما أكثر حموضة الصدى
في فم النعاس.

***

الخيول التي تستحث الصحراء تحتها
لن تصل ابداً

***

في قبضة المنسى
تستيقظ زرقة المناديل
فتولدين تحت ظلال الدموع.

***

لن أغفر لك أيها الفجر القادم
من صحراء الزمن
لتعلق نهاري المتأجج على جدار الغروب.

***

سماء تتوسد لثغة طفلتي
كيف لا أقذف بروحي
في زجاجة الهديل.

***

أيها الحارس النابت
من ليالي الحروب
حذار. إن فراستي مصفحة

***

في زحمة التهجم
ينحل شريط القهقهات
لكنه يبقى على علاقة طيبة بالرصيف
لأن الإسكافي
يعول كثيرا على الحروف المسمارية
في تدوين يومياته.

***

هل ينبغي عليّ الاحتفاظ بخيولي
وأنا أمتلك اليوم لجر عربتي
قطيعا من اللهفات

***

لماذا يدخر طائر الكركي تحليقه
ويجلس القرفصاء
فوق خوذتي المثقوبة؟
لماذا يهبط دمي هبوطا أضطراريا
كلما طقطقت الأفكار الغريبة في رأس الشهر؟!

***

أنا الذي فوضت الفكرة
في اقتراح شكل الضربة المفاجئة
فكيف يوقفني الأحمر في علامات المرور
وأنا المندلق من فم عصر غير مدون.
***

ها أنذا اليوم
أمتلك أذنا قصفية
لذلك، سأرشح الانفجارات
وفق أبجدية الذخائر

***

لماذا تسمونه ليلا
وهو ليس أكثر من نهار
مقمط بسواد عيونها!!

***

مثل كرة بليارد يتدحرج حلمي
وينسكب في عُرس المصّبات

***

أنا ادفع الحمى الى قاع الروح
لئلا يعلق بها زمن
أنا أفعل كل هذا
لحاجتي الى عرّاف
لا إلى طبيب باطني

***

لاخُفَّ للذكريات
وذاكرتي كثبان
فدعي الفراغ
يرقص تحت رفيف النسيان
وسأكتفي أنا
بسكب الهواء في رئة القمر

***

… ولأنني أطلقت رحمتي على الحصان المحتضر
سأتوج البغل
وأسكب في عروقه دم الأوسمة

***
أيها التجار الحفاة
دوما، ترفعون أصواتكم عاليا
وتعرفون أننا لا نمتلك السلالم.
***
ايها الهاون
دُكَّ ليلَ المهزلة
ورجّ القُرمز مع آخر هزيع في القربة العاطلة
كي يكون للنهار شفق يصغي للنجوم
ويدغدغ تخومَ الوقت في المزولة

***
أيها الليل
أتل تعويذة الذخائر
قبل أن تفضَّ مظروف النجوم!
***

صنابير الحرب

يفتح البورصويون
صنابير الحرب
فيتدفق الشهداء
الى السماء
تاركين استخفافهم الأحمر
علامات استفهام

يا نهارات طفولتي الضائعة
ماذا يفعل
طائر أبيض مثلي
إذا حطَّ عليه المساء
سوى أن يصير غرابا

يا نهارات طفولتي الهاربة
ماذا يفعل غراب مثلي
إذا جاع
سوى أن يطحنني في جرن نعيقه
وينثرني مثل غاندي
فوق كنج الصمت

يا نهارات طفولتي الـ ………
ماذا يفعل غريق مثلي
إذا رجرجه الغروب
سوى أن يسفح ظليّ
فوق بلاط النهار
ويعلقني على عمود صحفي مقروء

***
خفافيش فوق العراق

تدقُّ صافرة الأنذار
نفس الخفافيش تمرُّ
فوق سماء العراق
والعراق هو العراق،
يقول لي سائح غريب:
عجيب
كيف تنامون!
كيف تعملون!
كيف تسيرون في الأسواق!
كيف تتطاولون على قوانين الإنذار!

انه سائح غريب
يلتزم بقوانين الأنذار والدفاع المدني
أما نحن، ففي العجاجة منذ عقد
كلنا نعمل لكي نعيش
لا نختبئ لكي نهرب من الموت
أصغي الى السائح الغريب
وهو يلعن الحرب والطائرات
تماما كما نلعن نحن الجوع
ساعة يتسلل الى بيوتنا
فلا نملك سوى ان نتطاول
على قوانين الأنذار والدفاع المدني
وننزل الى العمل

***

ماذا يراقبون

منذ عشر سنوات
وأنا أنزل كل يوم
الى السوق
أحيانا للعمل
أحيانا للتبضع
وأحيانا للتسكع
وأرى بين الجموع الكادحة
بريق باج الامم المتحدة
على صدر أحد المراقبين الدوليين
وهو يدخن غليونا
وفي يده حزمة دولارات
أنا أعرفهم من ملابسهم المكوية
ووجوههم المتوردة
ودولاراتهم المتناسلة كأرانب
اسأل نفسي:
ماذا تراهم يراقبون
داخل السوق؟
لماذا لا يراقبون الجوع
وهو يمشي على قدمين
ويدخل الأزقة والمنازل
لماذا لا يراقبون الفقر
وهو يقرض مثل فأر
جيوب الملايين، الملايين الكادحة من أجل الرغيف؟
أقطع الاسئلة المريرة فجأة
وأتشبث بأول حافلة تغص بالهموم،
إذ أتذكر طفلتي الصغيرة،
إنها تنتظر أن أحضر لها الحليب..

شاهد أيضاً

حمّى رفع الشعارات: السياسي والأصولي والمثقف وصاحب المال

أطنب القدامى في الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة في مختلف العصور وكشفوا النقاب عن الإكراهات …