الرئيسية / الرئيسية / رموز وأشباح الحلقة 39 : اشباح قصر سرسنك الملكي في 14 تموز 1958: الصدمة والتداعيات أ

رموز وأشباح الحلقة 39 : اشباح قصر سرسنك الملكي في 14 تموز 1958: الصدمة والتداعيات أ

رموز وأشباح
الحلقة 39 : اشباح قصر سرسنك الملكي
في 14 تموز 1958: الصدمة والتداعيات
أ.د. سيّار الجميل

الخلاصة
هذه هي الحلقة الثالثة من موضوعنا عن قصر الملك فيصل الثاني رحمه الله ، وفيها نستعرض حالة الهدوء التي تمتعت بها سرسنك اثناء قيام انقلاب 14 تموز / يوليو 1958 وقد تحولت تلك الحركة خلال ساعات الى ثورة شعبية عارمة ودموية وسنراقب ردود الفعل في سرسنك وما التداعيات على ذلك ” القصر ” الذي بات تسكنه الاشباح بعد قتل صاحبه ،وفي الحلقة القادمة سنرى كيف تلاعبت به النظم السياسية الحاكمة من دون ارجاع حقوق ملكيته الى اصحابه ، وسانتهى الى طرح مقترح بجعله متحفا لما تبقى من بقايا فيصل الثاني ليبقى شاهدا رمزيا على عهده وحكمه على مدى خمس سنوات 1953- 1958 م .

شجرة فيصل الاول في بلدة زاويتة
اذا كان فيصل الثاني قد عشق سرسنك عشقا كبيرا ، فان جده المغفور له الملك فيصل الاول ( حكم العراق 1921- 1933 ) كان قد عشق بلدة زاويته قرب دهوك في الطريق الى سرسنك ، وكان فيصل الاول قد اختار له شجرة يجلس تحت ظلها في زاويته ،، ورحل الرجل وبقيت الشجرة رمزا له ، وقد احيطت بعناية بالغة بدائرة عريضة من الحجر ، عندما جلست تحتها وانا صبي في مقتبل العمر عام 1960 ، كانت الناس كلها تعتز بشجرة الملك فيصل الاول في زاويته والناس تأخذ الصور عندها ، ولا ادري ماذا حل بتلك الشجرة التاريخية بعد مرور اكثر من ستين سنة على وجودي تحتها ، وكنت برفقة والدي ووالدتي – رحمهما الله – .. ؟؟

شهادة المس روزاليندا راميريس : مربية فيصل الثاني
كانت مربية الملك فيصل الثاني المس روزاليندا راميريس ، قد حدثتني قبل اربعين سنة عندما التقيت بها في اسكتلندا ( انظر : سيار الجميل ، ” في الذكرى الثانية والخمسين لمصرع الملك فيصل الثاني 14 تموز / يوليو 1958 روزاليندا راميريس.. المربيّة الانكليزية لفيصل الثاني ملك العراق ! ) وهي تحكي قصة ملك صبي حزين وجد عندها الحنان والدفء قبل أن يقتله ضباط جيشه ، ويتشفّى به شعبه ! .. تقول : أن فيصلا كان يعشق الجبال في شمال بلاده (كردستان ) منذ طفولته ، وقد احب الكرد وكل الاطياف من الناس محبة خاصة بتأثير بقائه برفقة والدته الملكة عالية في اربيل عندما احتمت فيها برفقة نجلها فيصل الثاني ابان حركة مايس / آيار 1941 والحرب العراقية البريطانية ، وكان عمره لم يتجاوز الست سنوات ، وقد وجد فيصل في الكرد اهله ، وبقي يعتز بهم جدا اعتزازه ببقية الاطياف العراقية .

وحكى لنا الشيخ القاضي محمد طاهر النقشبندي – رحمه الله – في مجلسه بمدينة الموصل ، بأن فيصل الثاني كان قد زار قبل تتويجه سماحة الشيخ الكبير بهاء الدين النقشبندي 1856- 1952م في بيته الكبير ببامرني ، وكان برفقة خاله الامير عبد الاله، وقد حرص الملك فيصل ان يجلس الى جنب الشيخ الكبير قرب عين ماء رقراق وهو يستمتع بخرير الماء الصافي ، ويصغي باحترام كبير لما كان يحكيه ذلك الشيخ الكبير متبركا به ، مع احتسائه الشاي دوما وكان يفضله على القهوة ، ومن اخلاق ذلك الملك انه كلما يرى ذلك الشيخ ينكّب ليقبل يده !

سرسنك صبيحة 14 تموز / يوليو 1958
يقول الشرطي خليل احمد في روايته التي يشترك معه فيها رواة آخرون : ” صحونا في صبيحة يوم 14 تموز / يوليو 2958 على صوت اجش ولهجة جلفية عراقية عبر دار الاذاعة العراقية من الراديو، وهو صوت عبد السلام عارف ينادي ويصيح قارئا بيانات الانقلاب على الملك وشاتما الامير عبد الاله ليصفه بعدو الاله ، وشامتا بمقتله ومهللا بمقتل سيده الملك ، ويدعو الرعاع والعامة الى تصفية حساباتهم مع النظام الملكي والزحف نحو قصر الرحاب ليقتصوا من الاسرة المالكة ، وينقل الصوت البيانات والبرقيات الكاذبة الى الناس الذين كانوا مذهولين من شدة الصدمة العنيفة ، وهم يسمعون بغدر الجيش لمليكه وخيانة الضباط ( الاحرار ) للقسم الذين ادوّه اثناء تخرجهم في الكلية العسكرية .. وكان الرعاع والغوغاء قد نزلوا الافا مؤلفة الى الشوارع في العاصمة بغداد والمدن الكبيرة ..” وخصوصا في الموصل وبعدها البصرة !” نعم ، لقد شهدت بغداد اقسى ساعاتها التاريخية ، اذ شاهد الناس بعض المسؤولين العراقيين والاردنيين يقتلون ويسحلون في الشوارع ،او يعلقون على الاعمدة ويقطّع لحمهم وتمزق اعضاؤهم علنا .. او تسحق السيارات عظامهم ، ورعاع من المتوحشين يحملون السكاكين والحبال ، ولقد بارك اليسار العراقي برمته ما حدث وما كان يحدث انتقاما من النظام الملكي الذي ناصبوه العداء، جراء سياسته ضدهم باعدامه (فهد) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي ، وقاموا باضطهاد اعضائه على مدى زمني طويل في السجون والمعتقلات ، وبقي الحزب محظورا كونه من الاحزاب الهدامة . وكانت ام رمزي ( التي كانت تقطن بين سرسنك والعمادية ) فرحة ومبتهجة في ذلك اليوم مع ولديها رمزي وفوزي اسوة بجماعتها اليساريين، اذ رقصت في الشوارع عند سماعها الخبر ، وكانت تقول : الان تحققت العدالة بين الشعب . وكانت معجبة بولدها الثاني فوزي وهو يلبس المقاومة الشعبية وبيده الرشاش وهو لا يعرف كيف يستخدمه ! وكان فرحا متبخترا بسلاحه وامه متباهية به وبـ ” نضاله ” ضد الخونة والرجعية والاستعمار . ولما عاتبها بعض مناصري العهد الملكي لما حدث ، اجابت : لا يهم اذا قتل وسحل كم واحد من اجل الحرية والتقدم لينعم الشعب بالسلام . ولا عتب عليها ، فهي ليست الوحيدة التي صفقت وهللت وكبّرت ، بل هي واحدة من شعب مهمته التصفيق للاحداث دون التفكير بنتائجها .. وبالمصير القادم !

هدوء سرسنك
كانت المنطقة الجبلية في مصيف سرسنك في ذلك اليوم التاريخي هادئة جدا باستثناء افراد الجيش الذين وضعوا في حالة انذار وتأهب، كما ان الناس لم تزحف نحو القصر الملكي في سرسنك لتدمره او تنال منه او تسرقه وتنهب محتوياته .. ويتابع الراوي الشرطي خليل قوله : بأن الوحدة العسكرية في سرسنك آنذاك كانت قريبة من بناية الفندق الحجري، وكان قد وضع الجيش يده على الفندق، ويذكر الراوي بأن العديد من العوائل البغدادية كانت بداخله لأغراض الاصطياف بما فيها عائلة متصرف لواء بغداد المرحوم عبد الجبار فهمي ، وكانت زوجة المتصرف في حالة يرثى لها ، يقول الراوي : وجدتها تعيش ازمة حقيقية ، وهي تبكي لما كانت قد سمعته من الاخبار ، وهي لا تعرف مصير زوجها في ساعات الانقلاب في العاصمة بغداد ! ولقد اسقط بيدها ولم تعرف كيف تتصرف وهي ازاء حالة فرض منع التجوال وتوقف حركة التنقل بين الالوية والمدن العراقية، ويتابع الراوي قائلا : ” حاولنا تهدئة روعها ووعدتها شخصيا بأني كفيل بأيصالها مع بقية افراد عائلتها والعوائل البغدادية الاخرى الى بغداد من دون ان يمسها اذى من احد وقلت لها ان المواطنين الكرد في المنطقة مسالمون كما هو حال كل الكرد في كوردستان ، وهم لا يحملون كرها ولا حقدا ولا ضغينة على احد،.. فاطمأنت وعادت الى هدوئها .
أما القصر ، فيقول الراوي السيد عبد القادر سيد احمد ( كاتب في محكمة دهوك سابقا في الستينيات ) وهو من الكرد الطيبين الذين عرفتهم ، يصف القصر بأسلوبه الشاعري : ان القصر الملكي بدا كئيبا في ذلك الصباح الكئيب، وقد ذبلت الاشجار على امتداد سفح جبل كارة وجبل متين، وصمتت كل الطيور والعصافير وغدت الدنيا حزينة جدا .. واجتمع الناس في المقهى ، وهم يسمعون صوت هائج متهدج من راديو منتصب على رف صغير في الحائط ، وهم يندبون حظهم العاثر ، ووجدت بعضهم يبكي بكاء مرا ، وهو ينظر الى القصر ، وعلّق احدهم بقوله : كم احتضنتك سرسنك يا سيدي لتقتلك بغداد ! ووجد بستاني القصر يبكي ويولول ويلطم عند بوابة القصر .. وقد قرر ان يموت من اجله ان اقتحمه احد لاحراقه او العبث به ..

انتظروا الحلقة الاخيرة عن هذا ” الموضوع ” بعنوان : مصير القصر الملكي وعبث الأقدار ضمن سلسلة كتاب ” رموز وأشباح ”
تنشر هذه ” الحلقة ” يوم 30 مايو / ايار 2020 على الموقع الرسمي للدكتور سيار الجميل
https://sayyaraljamil.com/wp/

الصور المرفقة :
الاولى : فيصل يقرأ في حديقة قصره الملكي في سرسنك
الثانية : القصر كما يبدو من الخلف وفيه الشرفة او البالكونة المطلة على الشرق .
الثالثة :فيصل الثاني طفلا في مصيف صلاح الدين قرب اربيل .

الرابعة  :صورة تاريخية تجمع عبد السلام عارف امام سيده المغدور فيصل الثاني .. ما الذي كان يفكر فيه عبد السلام في تلك اللحظات ؟
الخامسة: صورة تاريخية تجمع عبد الكريم قاسم مع سيده فيصل الثاني قبل اشهر من اشهر حدث في الخمسينيات من القرن العشرين ! الاثنان يبتسمان ، ترى من كان يضحك على الاخر ؟
السادسة : عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم بعد ساعات من قتل فيصل الثاني .. لحظة الانتصار

شاهد أيضاً

رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟

رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …