الرئيسية / الرئيسية / كتاب مفتوح أمام السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي

كتاب مفتوح أمام السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي

السيد رئيس مجلس الوزراء المحترم في العراق / بغداد
تحية كبيرة وبعد ،
هذا كتاب أفتحه أمام سيادتكم ، وهو يتضمّن بعض الأفكار والاراء المستمدة من مناشدات العراقيين بمختلف اطيافهم .. وان ما ساضمنّه في ادناه يشكّل مختصر خارطة طريق قدّمت فيها الاهم على المهم لما تطمح اليه أغلبية ابناء الشعب العراقي وكل من يؤمن بهذا الوطن في وحدته والحفاظ على كيانه ، وسيرورته نحو معالجة اوضاع مجتمعه واصلاح مؤسسات دولته .. وبناء مستقبل اجياله ، وأنتم أدرى بأحوال العراق اليوم وهو غارق بالازمات والمشكلات . لست سياسياً ولا حزبياً ، ولا انتمى الى أي طرف من الاطراف ، ولكن انتمائي كان وسيبقى لوطن عريق اسمه العراق ، الذي قاسى على ايدي حكومات طائشة رعناء ، او مجنونة وسارقة هوجاء ، او مجبولة بالطغيان ، وعانى ابناؤه من حروب ومشكلات وتمردات وتفجيرات واعدامات ونهب وسرقات وتشرد في الشتات .. وان طموح كلّ المخلصين له يرقى الى هدف استقراره وأمنه ، واجتثاث الفساد والفاسدين منه ، وبدء مرحلة تاريخية ، وخلاصه من كلّ التداعيات المريرة التي يعاني منها كلّ الشعب العراقي . وعليه ، فاسمحوا لي ان أطرح عليكم مختصراً لركائز أعتقد انها عملية وبنائية ، متمنياً ان يكون لديكم الوقت الكافي للاطلاع عليها ، وأعتقد اعتقاداً راسخاً انها ستجد الاذن الصاغية من لدنكم للعمل بها ، وأقول بأنكم لو أخذتم بمثل هذه ” الافكار ” ، فستجدون العراق كله معكم :
أولاً : بعد كلّ ما تحقّق على ايديكم خلال رئاستكم للسلطة التنفيذية والقيادة العامة للقوات المسلحة ، نناشدكم الخروج من حزب الدعوة وبسرعة متناهية ، فانتم الان أكبر من هذا الحزب الذي كانت له أخطاؤه وجنايات بعض قياداته الطائفية ، والاسراع بتأسيس حزب سياسي مدني بزعامتكم ، وأن تقوموا بعقد مؤتمر موسّع للتأسيس الجديد تعلنون فيه عن أفكار وطنية ومبادئ مدنية للحزب الجديد ، والذي يجمع العراقيين وكلّ اطيافهم باسم العراق بعيداً عن أي دين ، أو قومية ، أو مذهب ، أو قبيلة ، أو جهوية او قرابة عائلية .. وثق ان هذه الخطوة الشجاعة التي طالبنا بها منذ ان توليت المسؤولية ستكسب بها كلّ العراقيين ، وسترى ان كل القوى الوطنية والمدنية ستسعى للتحالف معك .

ثانيا : لقد عانى العراق المعاصر من المشكلة الكردية طويلاً ، وربّ ضارة نافعة اليوم ، اذ ظهر واضحاً ان الاستفتاء على ولادة دولة كردستان ( في العراق ) مشروع غير متحقق على الارض في الشرق الاوسط لسنوات قادمة ، واصبح عبئا ثقيلا على اصحابه . ولما كان الكرد والعرب والتركمان وكلّ أبناء الطيف قد تعايشوا لأزمنة طوال ، فأتمنى عليك ان تكون رائداً لهذا التعايش ، فالكرد ما زالوا عراقيين ، وكانت لهم وقفاتهم التاريخية . وعليه ، فان الحرب ( سواء عبر المدافع ام الالسنة والاعلام المضاد ) لا تؤدي الا الى المزيد من الخراب والدمار ، وما دام هناك دستور يحكم العلاقة بين الطرفين ، فاتمنى ان تجنّب اقليم كردستان العراق أية مأساة أو أيّ افتقاد للامن – كما يطمح الى ذلك أقرب خصومك من السياسيين – ، وان تعود الى كردستان الحياة الطبيعية .

ثالثا : لقد عانت المناطق والمدن العراقية في محافظات الموصل وتكريت والرمادي وديالى من الاهوال التي مارستها ضدهم عصابات ارهابية منظمة ومتنوعة ، ثم بطشت داعش بالناس لاكثر من ثلاث سنوات ، وقد دمرت المدن جراء تحريرها تدميرا كبيرا ، وخصوصا الموصل واهلها ، اذ دمّرت المدينة التاريخية وتشّرد معظم ابناؤها ، وسحقت مؤسساتها ومصانعها وكل بنيتها التحتية ، وقد طالبنا قبل اشهر بتشكيل هيئة لاعمارها وتخصيص صندوق خاص لذلك ، ولكن لم نجد أية استجابة لندائنا، وانتم تعلمون بأنّ الموصل مع أطرافها هي المدينة الوحيدة التي نالت من التدمير والانسحاق وفقدان الالاف من اهلها ضحايا لداعش ، أو ماتوا تحت الانقاض ميتة بشعة .. متمنياً عليك يا سيدي العزيز زيارتها والامر بحلّ كل مشاكلها ، وان تجد الموصل عناية خاصة منكم ، وانتم ادرى بأهلها الذين استقبلوك استقبالاً عظيماً . انّ الموصل وديعة الله في عنقك وأعناق كلّ العراقيين ، فهي بأمسّ الحاجة الى عودة الحياة اليها واصلاح جسورها ومستشفياتها وجامعتها وكل مؤسساتها واجهزتها واسواقها ومرافقها .. كي يعود أهلها الى بيوتهم واعمالهم ومقاعد دراستهم ..

رابعاً : مضاعفة خطواتك في القضاء على الفساد واجتثاث الفاسدين ومحاسبتهم وملاحقتهم . لقد دمّر الفساد والفاسدون كلّ العراق والعراقيين بنهب الاموال العامة واستشراء العقود الوهمية ، والاتفاقات والصفقات وازدياد عدد السماسرة واللصوص والمرتشين والطفيليين .. نطالب باجراء التحقيقات مباشرة وتجريم كل الفاسدين وانزال العقوبات الصارمة بحقهم ، مهما كانت مواقعهم ومناصبهم .. فليس من العدالة ابدا ان يسرق بعض المسؤولين المليارات والملايين على حساب لقمة عيش الملايين من الفقراء العراقيين ! مطلوب منك اجتثاث ثقافة الفساد اينما كانت في العراق .

خامسا : لا يمكن للعراق ان يستقر أبداً ما دامت تتحكم في مصائره مراكز قوى ومنظمات حزبية وميلشياوية واوليغارشية تثير المشكلات ، وتتدّخل سياسياً وأمنياً في كلّ الامور ، وتجعل من نفسها وصيّة على السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية . وعليه ، ينبغي ضرب واستئصال أي مراكز قوى ضارة بالعراق ، وتستمد سلطتها وقوتها من خارج الحدود ، وادماج قطعات اويغارشية وطنية مع القوات المسلحة العراقية . ان بقاء اية مراكز قوى وعصابات مضادة تحركهّا اجندة خارجية حتى الانتخابات القادمة سيمنحها الفرصة ان تعبث بالعراق ومصيره ، وتحول دون ابقائكم في الحكم بل تسعى لارجاع عقارب الساعة الى الوراء .

سادسا : تحقيق مبدأ ” تكافؤ الفرص ” للعراقيين وتحقيق العدالة للجميع ، والنظر الى العراقيين من دون أية تمايزات او تفرقة باستثناء من يمتلك قدراته الذهنية والتخصصية ، وبذلك تقلل من آليات المحاصصة التي نخرت كل البلاد نخرًا . واعتقد ان المحاصصة سوف لن يقضى عليها بسهولة ، ولكن لابدّ من زرع الثقة بين كلّ العراقيين من خلالك وحدك ، كي تكون مثلا أعلى يحتذى بك الناس . ان دولة المواطنة لابد ان تكون بديلاً عن دولة المكونات مهما بلغت التحديات .. ان خطواتك في هذا الطريق ستلف الشعب من حولك وتبقيك زعيما منقذاً .

سابعاً : ينبغي العمل منذ هذه اللحظة على مشروع اعادة النظر في “الدستور ” الذي كانت بعض بنوده وراء تدمير العراق واهله ، ومع الاسف كنت احد المشاركين في لجنته . هذا الدستور الذي وصفته قبل الاستفتاء عليه أنه ” دستور يحمل تابوت العراق ” ، وانتم أدرى بما يحمله من الغام مدّمرة لوحدة العراق الوطنية ، منتجاً هذه العملية السياسية التي قادت البلاد الى هذه الفجيعة ، خصوصاً ، تناقضات من جمع بين الدين والديمقراطية وغيرها .. أتمنى عليك ان تعمل على تشكيل هيئة من المختصين العراقيين وحكمائهم لتشريع دستور مدني يكون عمودا فقريا لعراق مدني مستقبلاً . وأتمنى ان يتحقّق ذلك في رئاستك الثانية القادمة بحول الله .

ثامنا : ان الشعب العراقي باسره ينتظركم بتوظيف كلّ مؤسسات الدولة في خدمته على أحسن وجه ، وان يتقّدم العراقي في اي مجال يبدع فيه ، وان تمنح الفرص للمبدعين والاكفاء العراقيين ، وان تكون أنت العين الساهرة على ما يحتاجه كلّ العراقيين من أمن وخدمات ورعاية ومستشفيات ومدارس ودور رعاية .. وان تحسّن ظروف الناس ، وان تنظر الى كلّ العراقيين بعين عطوفة واحدة بلا تفرقة ولا تمييز ، وان تمنح حقوق الناس كلهم ، فان هناك من لم يستلم راتباً حتى الان بعد مضى اشهر !! وان تعيد العمل بنظام التفتيش الاداري والتربوي والقضائي للقضاء على التسيب والتجاوزات والضعف والبطالة المقنعة .

تاسعا : أتمنى عليكم يا سيادة الرئيس أن تقدمّوا الاهم على المهم في علاقاتكم الخارجية ، وان تعتمد مبدأ المغفور له الملك المؤسس فيصل الاول ” خذ وطالب ” في تعاملك مع الامريكان الذين كانت لسياساتهم الخاطئة دورها في فجيعة العراق .. كما اتمنى مخلصا ان يبقى العراق مستقلا بارادته الوطنية من دون أيّة املاءات من قبل اي دولة اقليمية خارجية ، وخصوصا ايران التي لها أجندتها المضرّة للمصالح العراقية . ان مصالح العراق العليا والدنيا لا يمكن أبدا التفريط بها على حساب هذا البلد او ذاك .. مع عدم توريط العراق بأية مشكلات مع الاخرين او حروب اقليمية .. ولكن لابدّ أن يكون للعراق عمقه العر بي ، اذ أنه كان مركز اً حقيقياً للحضارة والثقافة العربيتين ، والعراق له مكانته في قلوب كلّ العرب . ولا يمكن ابداً اأن يجد العراق متنفساً ثقافياً وسياسياً واجتماعياً واعلامياً الا من خلال ذلك العمق العربي .

عاشرا : ترشيق السلطات والمؤسسات من خلال رئاسة الوزراء ، وان تشكيل اية سلطة وطنية في العراق ينبغي ان يكون تحت رعايتك واختيارك للاكفأ في شغل مكانه المناسب ، بعيدا عن املاءات الاحزاب والتيارات والكتل والتحالفات والوسطاء وسماسرة المصالح الخاصة . وان تبدأ بالحلقة الاولى من حولك ثم تتسّع الى الوزراء والسفراء والوكلاء والرؤساء والمدراء العامين وكل القادة العسكريين .. الخ أي بمعنى ” تهذيب الدولة من كل الطارئين عليها ” .

وأخيرا ، ان هذه ” الافكار ” التي تضمنتها عشر نقاط تعدّ ركائز لخطّة عمل ينبغي البدء بها منذ اللحظة والالتزام امام العالم بتنفيذها ، وثق يا سيدي العزيز ان المضيّ بها بشجاعة وايمان سيجعل هذا الشعب يرى فيك كلّ الامل المنشود .. وستذوب كلّ الاحتقانات ، وتختفي كلّ التناقضات .. مؤملاً أخذها كاملة دون نقصان وان تعلن ذلك على رؤوس الاشهاد دون أيّ تراجع ، فهي مبادئ اكثر منها وسائل ، وربما ستشتد عليك ضغوطات أصحاب المصالح الشخصية والفئوية والطائفية ، فلا تلتفت اليهم ، فلقد ثبت للعالم تمتعك بالصبر والجلد والمثابرة .. ان اية تحولاّت نحو الافضل سوف لن تتم الا من خلال تحولّكم تماماً الى الخط المدني ، وسيتحوّل أغلب العراقيين نحو الافضل ، وبدأ صفحة تاريخية جديدة ..اللهم اني بلغّت ، اللهم اشهد تمنياتي لكم بالنجاح والسؤدد ، وتقبّلوا أسمى الموّدة ووافر التقدير .
كتب في يوم الجمعة العاشر من تشرين الثاني / نوفمبر 2017 .
أ.د. سيّار الجميل
تنشر على موقع الدكتور سيار الجميل
https://sayyaraljamil.com/wp/

شاهد أيضاً

رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟

رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …