الرئيسية / الرئيسية / شعراء العراق اهازيج وشجن لا اوصياء على وطن !

شعراء العراق اهازيج وشجن لا اوصياء على وطن !

عذرا لكم اصدقائي الشعراء ، وانا اكتب مقالتي اليوم عنكم .. امضيت الايام الاخيرة ، وانا ارقب ما حل بالعراقيين مثقفين واشباه مثقفين وادباء ومتابعين ومتفكهين وساسة وتابعين وقراء ومتسكعين .. وكأنهم غدوا في حرب اهلية مستعرة ، يتشاتمون ويتصارعون ويتنابزون ويتصايحون حول قضيّة بليدة جدا ، لا تشكّل خطرا لا قبل موت صاحبها ولا بعده ، ونسوا كل فجائعهم ومآسيهم ومشاكلهم ليشغلوا انفسهم بموقف سياسي لاحد شعرائهم الكبار الراحلين ، والذي لا يختلف اثنان على شاعريته وقوة كلمته وقد رحل عن الدنيا قبل ايام ، ولا اعتقد ابدا ان المسألة بحاجة الى هذا القدر من الانقسام وذاك الحجم من الاهتمام . واعتقد بأن التفكير الخاطئ في الزمن الخاطئ قد دفعهم كما هي العادة لخلق قضايا تافهة ، تجعلهم دوما يأكلون انفسهم بأنفسهم ، ويزداد تفسّخهم ، وتكبر تناقضاتهم في ما بينهم ، وقد غاب العقل تماما لديهم كما هو حالهم منذ ازمنة مضت !
دعوني اقول ، وليعذرني ثانية اصدقائي من الشعراء العراقيين والعرب وغيرهم في هذا العالم وهم كثر ، بأن الشاعر ليس هو المبدع الوحيد في هذا الكون الفسيح .. والشاعر ليس هو المحتكر الاول والاخير للكلمة ، ولا وحده يملك الفكر ، ولا يمكن له وحده احتكار الوطن ! ان الشاعر الحقيقي من ينغمس في الام شعبه ، ويعيش معاناة الناس ، ويعبر تعبيرا صادقا عن احلامهم وتطلعاتهم وخلاصهم من مآسيهم .. ولا تعنينا تقلّبات امزجته وتراكيب ذاته ، وكأنه وحده يعاني دون الاخرين ! نعم ، ان الشاعر الحقيقي فنّان مرهف الاحساس ، يعيش مع ( شياطينه كما قالوا في قديم الزمان) او مع توابعه – كما اسموها في التوابع والزوابع – واخيلته وعواطفه وموسيقاه من اجل ان يثير زوابعه ! والعراق يترّبع عليه الشعراء ( الذين يتبعهم الغاوون ) منذ ازمان قديمة طوال ، وهم اكثر من استحوذ على صور العراق والوانه واعلامه وترجماته واحجياته وتراثه .. وعلى مر ازمنة وعهود في التاريخ ، والمجتمع لا يعرف منهم الا المدح والقدح والهجاء والتشبّب والتفاخر والاوصاف والاوهام .. والعراق لا يعرف منهم الا تأليه المستبدّين ، والحِكَم العرجاء ، او السباب والشتائم ، او العزلة في كهوف المتصوفة ، او التغزل بالغلمان ، او التصابي امام الفتيات ، او التذلل عند الابواب ، او التلون كالحرباء مع تبدّل الازمنة ، فمن مديح بطل قومي الى اللطم عند مراقد الائمة ..
الشاعر العراقي ، عليه ان يتخلص من تناقضاته قبل ان يتخندق في زاوية من الزوايا ! الشاعر العراقي متى يعيش على الطبيعة في كوخ بسيط ، ويرضى ان يخدم الناس دون ان يكون تابعا لقائد او صديقا لزعيم ، او عضوا في حزب وتنظيم ، او طبلا لجماعة او دين .. فان ارتضى ان يكون كذلك فهو يصنّف كرقم في دائرة بلدية ، او بوقا في ثكنة عسكرية ! وعليه ان لا يصفق لجماعة او طائفة حتى لا تطوقه الاحزمة الطائفية .. طمعا في منصب ، او جاه ، او حفنة دراهم ، او التنعّم بسيارة فارهة ، او بقصر منيف ، او ببعض المكرمات بدءا بكيس مليء بالذهب قبل الف سنة الى برميل نفط كواحد من المكرمات الرئاسية ! الشاعر والفنان والعالم والمثقف الحقيقي لا يكون بيدقا يحركونه كيفما شاءوا ، ولكي لا يغدو ” مثقف سلطة ” او ” بيّاع كلام ” ابدا ! ان اكثر ما يزعج الناس العقلاء ان يتحول المبدع او المثقف عالي المستوى في المجتمع الى مثقف سلطوي ، او الى مريد ذليل ينتظر عند ابواب السلطان ، او ان يتمسّح بأذياله ويستخدم الوطن صنّاجة باسمه فقط ، كي يصفّق له التابعون !
وأسأل : متى يغيّر العراقيون نظرتهم الساذجة الى امثال هؤلاء واولئك ؟ متى يتم تحكيم العقل لا العاطفة في تقويم الناس وسلوكياتهم واخلاقياتهم ؟ متى يتم التخلّص من التسّرع في اصدار الاحكام القاتلة بحقّ هذا او ضدّ ذاك ؟ متى يتمّ التوّقف عن استهلاك بعضهم الاخر ؟ هل يلزمون انفسهم بأن لا يكيلوا آيات المدح والتأليه لشاعر ، وان لا يطلق آخرون عليه اللعنات وكلّ الشتائم ؟؟!! متى يتخلص الشاعر العراقي من تناقضات مجتمعه ، ليغدو مرآة حقيقيّة لتطلّعات شعبه نحو افاق جديدة في الحياة ؟! متى يكون مثقّفا ومبدعا عضويا يعيش الام الناس وتطلعاتهم ، ويشعر بمعاناتهم ، ويكتوي بآلامهم ، ويعبرّ عن مآسيهم وهمومهم ؟ وأسأل : متى ترجم الشاعر العراقي بشكل عام ، الام الناس العراقيين كلهم ؟ وباستثناء البعض من الشعراء الحقيقيين ، متى حكي لنا الاساطين من شعراء العراق في القرن العشرين عن متاعب الناس وافكارهم ومعاناتهم ، وقتل ابريائهم ، وملاحقة مناضليهم ، وسحق شبابهم ، وقمع نسوتهم ، وضياع اطفالهم ، وسقوط جنودهم ، وبؤس اسراهم ، واخيرا عن سبي نسائهم ، وتشريد شيوخهم وعجائزهم ؟؟؟
ومتى نجح اولئك الشعراء العمالقة في خلق نصوص حقيقيّة نفكّر فيها ، قبل ان ينظمّوا الابيات والقوافي التي توقد العواطف وتعصف بالتصفيق في رحاب القاعات المغلقة ؟! متى ينتبه الشعراء في العراق الى عمق مأساة ما جرى في بلادهم ليتخلّصوا من سماع المدائح كونهم ” قامات ” و ” هامات ” و ” عمالقة ” و ” اساطين ” دون ان ينتبهوا الى ان ادوارهم سيئة الصيت التي قاموا بها في حياتهم على مختلف العهود وتبدّل الانظمة السياسيّة ؟؟ متى يتمّ خلاصهم من غنج الكلمة وترديد الآهات والصيحات والاكاذيب والشعارات ؟؟ متى يبدّل الناس في العراق نظرتهم الى الشعراء ويتم الرفق بحالهم من دون جعلهم انبياء مرسلين او اوصياء واساطين ؟
اما تناقضاتهم كشعراء فحدث عنها ولا حرج .. وكلها غير منظورة لدى شعب مشبّع بالعواطف وتتلاعب بعقله الاساطير والخرافات ويتأمل خيرا في الاوهام والاخيلة ، ويعيش في باحات يهذي ويلطم فيها ، وتبكيه الكلمات ، ويميته المستبدون ، ويحييه الشعراء والشياطين ، انه الشعب الوحيد الذي يرى الشعراء فوق البشر ، ويختلف الشعب ويتضور انقساما على مجرد تفاهات كل من الملالي المعممّين الدجالين ، والساسة الكاذبين المارقين ، والشعراء الذين يتبعهم الغواة والمجانين ! من حق اي شاعر ان يكتب شعره للناس والحياة ، ولكن ليس من حقه ان يحتكر الوطن باسمه ، او يكون سببا في انقسام مجتمعه ، ويربك حياتنا وتفكيرنا .. !!

نشرت هذه المقالة على موقع الدكتور سيار الجميل بتاريخ 30 نوفمبر / تشرين الثاني 2015
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟

رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …