الرئيسية / الشأن العراقي / حِراك الرفض من أجل التغيير.. ثوبٌ يتّسعُ لكلِّ العِراقيِين

حِراك الرفض من أجل التغيير.. ثوبٌ يتّسعُ لكلِّ العِراقيِين

غاب مصطلح الثورة والتغيير زمنا طويلا في العراق بعد ان شبعوا من سماع هذا ” المصطلح ” كثيرا على مدى خمسين سنة ، ولم يجنوا منه الا الخراب والدمار وسفح الدماء جراء سياسات العنف الثوري.. فنام الناس طويلا .. ليس لغيبوبة وعيهم عن الواقع ، بل لأنهم منذ أزمان طوال ، لم يعرفوا صنع ثورة حقيقية تعّبر عن آمانيهم وتطلعاتهم نحو التقدم والحريات والبناء والإنسان والمعاصرة .. وعاشوا طويلا على انتظار بيانات رقم (1) وانقلابات العسكر وتآمر الاحزاب وسذاجة بما ” رسمنا بما هو آت ” ! بل وألفوا سماع الأكاذيب والمزيفات والمفذلكات والخطابات وتناقل الشعارات البهلوانية والبطولات والعنتريات التي لا أساس لها من الصحة أبدا ، بل وراح بعضهم يوظف الدين الحنيف في السياسات العربية والاقلمية وكل مستنقعاتها الآسنة .. بل ويصدر الفتاوى ويقيم الشعائر ويمارس الطقوس المتنوعة !

الزعامة الفارغة
ان الثورة الحقيقية تصنعها الشعوب ولا يخرجها خبراء في استوديوهات أفلام إعلامية ، ولا في دوائر مؤامرات خارجية .. ولا ينجزها محتل غاشم يفرض أجندته على أي شعب من الشعوب .. ولا تمثلها جوقة من الضباط الذين يسمّون انفسهم بـ ” الاحرار ” ليقوموا بانقلاب عسكري دموي او صوري ، ولا تتبنى أكذوبتها شلة حزبية قوامها أولاد شوارع من المتسكعين الفاشلين ، ولا يتبجح بها معارضون ساقطون تنقلوا على كل الموائد ، وقد نصبّهم المحتل على حكم البلاد والعباد .. إن الثورة تأتي عندما تغوص البلاد بالفساد ويحطمها الخراب ، وتجد على رأسها زعيم فاشل في إدارته ، وتافه في أقواله ، وهو يقف على رأس شلة من الوزراء والمستشارين الجهلة ، وهو يكذب على الناس أكذوبات لا تمرر حتى على الأطفال .. وهو لا يخجل من استخدامه السلطة لمآربه الشخصية ، وعلاقاته الاجتماعية ، واستثماراته الداخلية والخارجية .. وهو لا يسمع لأحد من معارضيه أو منتقديه ، بل ويبقى على غيه وعناده .. لا يفكر بمصير بلاد شاءت الأقدار المضحكة أن يكون زعيما لها .. ولا يكتفي بما هو عليه ، بل ويتحدّى الآخرين إن استطاعوا قلعه من مكانه ! مثال هذا ” الزعيم ” يسيطر عليه غباء كبير ، فهو لا يفكر بمصيره ولا يفكر بما يطويه القدر ضده .

من زمن الى آخر والعذابات واحدة
العراقيون ، طالت بهم كل العذابات وامتدت أشكالها وصورها من عهد مضى إلى عهد لم يزل يحيا من دون أي تغيير نحو الأحسن ، بل كثر الفساد ، وعم الخراب ، وزاد الانقسام ، وشّل العمل ، وانتشر الفقر ، وكبر الغلاء ، وامتدت الأمراض عند كل العراقيين .. ولم يجدوا بعد خلاصهم من الدكتاتورية والقمع والظلم إلا الضياع والفوضى وفقدان أمنهم الاجتماعي .. كانوا وما زالوا مع المبادئ الديمقراطية ، ولكنهم لم يعلموا أنهم ينتقلون باسمها من حكومة ظالمة إلى حكومة فاسدة .. ومن عذابات حكم عائلي إلى مآسي حكم طائفي .. ومن رعب سلطة غاشمة إلى فوضى سلطة مائعة .. ومن زمن جيش شعبي وطوارئ إلى زمن جماعات وعصابات وميليشيات .. ومن دستور منحاز إلى دستور بليد .. ومن زمن شوفيني إلى زمن طائفي .. ومن موديل شوارب كثة ومسدسات متدلية على البطون والالبسة الزيتونية إلى موديل عمائم ولحى من نوع الاشكال ومحابس في الأصابع .. من عهد المسيرات والهوسات والرقص والأشعار الشعبية في الشوارع والساحات إلى عهد الزيارات واللطم والتطبير والعزايات في كل الأماكن .. من أيديولوجية أبو طبر الخفية الى إيديولوجية التطبير العلنية !

الديمقراطية الكسيحة
نعم ، كما أسميتها وسأبقى اسميها بـ ” الديمقراطية الكسيحة ” التي لا تعرف طريقها إلا من خلال امتحان الأغلبية وقهرها للآخرين ، وكما قال احد منظريهم مؤخرا : إن نظام اليوم الذي يعتمد على الأغلبية يقوم بإذلال الآخرين ! فتخيلوا حجم المأساة عند العراقيين الذين لا يكتفون بالتهميش ، بل يمارسون أساليب الإذلال بالآخرين من العراقيين ! انه الإمعان في تخريب المجتمع العراقي وتمزيقه ، وبالتالي تمزيق العراق بإعدام هويته الوطنية علنا . وعليه ، لابد من ثورة عراقية على التخلف وكل صناع الخراب .. إنهم لا يخربون الحاضر ، بل يسهمون في تدمير المستقبل من خلال تربية جيل على كل هذه الأوهام والشعارات المضحكة .. إنهم ينتقدون غيرهم في مصر وغيرها كونهم يعملون بالديمقراطية لوحدهم في العراق ، وهم لا يخجلون أبدا من عدم وجود أي معارضة داخلية أمامهم .. لا يوجد في العراق اليوم أي حزب معارض ، ولا أي تيار معارض ، ولا أي صحيفة معارضة واحدة .. ولا أي جبهة برلمانية أو حزبية معارضة لهم .. إنهم قد ضحكوا على الناس وما زالوا يضحكون كونهم يحكمون باسم ما اسموه بـ (الشراكة الوطنية) ، وكأنهم أوصياء على وطن ، وكأنهم هم من امتلك الشرعية في إزاحة الحكم السابق .. وكأنهم هم الذين يحكمون بإرادتهم ولم تتحكم بهم إرادة هذا البلد او ذاك ..

ضرورة التغيير
ربما يقول بعض العراقيين بأن الأسئلة معروفة لا حاجة إلى أن نكررها مرات ومرات ! وربما يتنادى الجميع بأن الحلول جاهزة لا حاجة لمجتمعنا العراقي أن يمر بحراك ثوري قد يأخذنا إلى الدمار أو الفوضى ، فهم بذلك يريدون إبقاء الحال والأحوال على ما هي عليه ، من اجل أن يبقى هذا الحكم يزاول كل خطاياه بحق العراق ، وإذا كانوا لا يقبلون بالتغيير ، فهم بالتأكيد لا يقبلون بأي رفض جامح أو ثورة عارمة .. ولكنني أقول بأن الثورة عندما تنفجر .. فهي تيار هائج لا يعرف أن يتحكّم حتى بنفسه ، وهو يزداد ضراوة كلما تقدم على الأرض .. الثورة الشعبية العارمة هي الحل الأمثل الذي يقضي على كل رؤوس الفساد .. وان أي حراك ثوري سيعّري كل النظام من أكاذيبه ومن كل ما يدعّيه على الناس .. انه الرد الوحيد على أولئك الذين وجدوا أنفسهم فجأة في المنطقة الخضراء بحماية محتل أجنبي ، وراحوا يتلذذون بكل الافعال المشينة وهم يرون شعبهم يلعق جراحاته .. الثورة هي التي تخلق البدائل الحقيقية لما يمارسه اليوم أناس وجدوا السلطة بأيديهم ، فهم يفعلون ما يشاؤون ولم يقدموا حتى اليوم أي برنامج تنموي حتى إصلاحي .. الثورة هي التي تقتلع الفاسدين من فوق وجه العراق .. ولكن شرط أن تكون ثوبا ناصع البياض يضم كل العراقيين ، ولا يقتصر على هدف ” ارجاع القديم الى قدمه ” فالقديم ان رحل لا يرجع ابدا ، ولكن ليس من حق كائن من كان أن يمنع أي عراقي ان يعّبر عن رأيه ويقدّم مطاليبه لاولئك الذين لم يفعلوا شيئا الا ابقاء الخراب . ان العراقيين لا يمكن ان يقبلوا ان توّظف اية تظاهرة سلمية او مسيرة حراك رافض باسم أي حزب سياسي او تيار طائفي او دكتاتور راحل .. ان ارادة العراقيين لا يمكن ان يحتكرها احد ، فهي ملك لكل العراقيين .

لقد ثبت للعالم ان هؤلاء لا يصلحون للحكم !
ان الحكومة العراقية الحالية ، لم تطرح اية بدائل لما يجري من أخطاء .. إنها لم تعالج بأي طريقة من الطرق حالات الفساد المستشرية في كل المرافق .. إنها ضالعة في عمليات غير نظيفة ، ولم تفصح عن حيثيات كل ما جرى بعد أن وعدت بتشكيل لجان تحقيقية وتدارس الموقف .. لقد ثبت للعالم أن هذه النخبة السياسية الحالية لا تصلح أبدا لحكم العراق ولم تنفع العراقيين أبدا .. فهم في واد والعراقيين في واد آخر ..
دعوني أتوقف عند هامش صغير ومتواضع لابد من التفكير العراقي فيه خصوصا وان البعض يخشى على النظام من الزوال ولا يخشى على البلاد وأهلها .. وهناك من يرد عليك مباشرة : واين هو البديل ؟ ما دامت الحسبة محاصصية والشراكة قائمة للجميع .. ونجيبهم على الفور : اننا لسنا ضد الممارسات ، بل ضد البنود والتشريعات التي جعلت هذه الممارسات تحصيل حاصل . وعليه ، فان من أهم المطالب : إعلان مبادئ جديدة من اجل إصلاحات سياسية .. إعلان بنود دستورية جديدة وإلغاء ما تقرر العمل به .. القضاء على الفساد المستشري في كل مكان .. اتاحة الخدمات والكهرباء .. ايجاد فرص عمل .. وفي المقابل هناك من يطمح اليوم أن تتلاقى كل الاتجاهات والتيارات مع بعضها البعض من دون رصد مسبق كي تنبثق إرادة ثورية لتغيير كل شيء نحو الأفضل .. ويقول بأن لابد من حركات اجتماعية وسياسية كتلك التي تمثّلتها الأجيال العراقية السابقة برغم إخفاقاتها المريرة طوال القرن العشرين ، بل وكانت منطلقا للعديد من الحركات الفكرية والسياسية الساخنة ، وكانت مواطنها بؤرا راسخة لعدد لا يحصى من التجمعات والمنتديات والأحزاب السياسية والنخب الثقافية سواء الليبرالية أم الراديكالية والتي لم تنجح حتى بعد ثورة تموز 1958 ويا للأسف إلا في ترسيخ الحكومات العسكرية والأنظمة الشمولية والدكتاتوريات المنغلقة تحت مسميات وشعارات لا أول لها ولا آخر ..
إن الأجيال الجديدة منتكسة وتريد هذه النخبة الحاكمة المنغلقة على أجندتها البالية وأفكارها الطائفية البغيضة .. وأن من يحكم في العراق اليوم ـ كما نجد ذلك من ممارساتهم ـ ما زالوا يعيدون إنتاج أنفسهم ضمن اتجاهات متخلفة ، أو أصولية مكفهرة ، وتيارات ماضوية متخلفة وما ورائية بعيدا عن كل قيم التقدم والحرية في الحياة . إن هكذا جوقات من المتخلفين لا يمكنهم أن يصمدوا بوجه التحديات الثورية التي ستخلقها الأجيال مع تفاقم الوعي وجدب الحياة العراقية القاسية التي تريد الحكومة الحالية الإبقاء عليها لمنافعها الخاصة .. ولكي يبقى كل العراقيين بلا وعي وبلا أي حراك وبلا أي إرادة .. تقودهم إلى الثورة على زمن الفساد والفاسدين .. وعلى تصرفات المافيات والسارقين .. وعلى النهب المنظم للملايين .. شريطة أن تتشكل الإرادة العراقية من كل القوى العراقية ، ولا تجّير لصالح أي طرف من الأطراف .

وأخيرا : حاجة العراق الى تغييرات جذرية
ان العراق بحاجة ماسة الى تغييرات جذرية ، وكل الناس تعاني اليوم من سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية والتربوية والاجتماعية وهي تواجه العالم الصعب كله ببلد مخرب لا يريد النظام الحاكم اصلاحه او تطويره او الاخذ بالتغيير والتحديث . ان كل ما نشهده من قوى تحكم محليا او عراقيا باسم النظام انشغالاتها بتوافه الامور واشغال الشعب بها كغلق النوادي وافتعال ازمات هامشية ومنع الاختلاط في الجامعات ..
ليس لدينا نحن العراقيين حتى اليوم أي مشروع مستقبلي حقيقي سياسي او حضاري ، تنموي او ثقافي يمكننا ان ندافع عنه ، ونعد به الناس خيرا ، او نعلم به كل العالم دولا ومجتمعات ، بل تمّرر علينا اليوم في العراق : سياسات وموجات من افكار تدعو علنا لنحر الارادات العملية والإنتاجية والإبداعية ، وهي مستعدة دوما لاعادة إنتاج المستهلكات وبقايا المورثات العقيمة التي لا نفع فيها اليوم مطلقا تحت مسميات وشعارات يخدعون بها الناس ، وهذا كله يحدث اليوم في العراق الذي هو بحاجة ماسة الى عمليات جراحية تحديثية واصلاحية تعمل على استعادة الامن الجمعي والخدمات الحكومية وبث الروح النهضوية ومزاولة التفكير الحر ، واشاعة الحريات المسؤولة والاصلاحات وتنمية التفكير بعد الانغلاقات والاحتجابات والعزلة والتشرذم امام العالم ! كان على الحكومة العراقية بكل سلطاتها ، أن تدرك سرعة التحولات وقوتها في العالم ، كي تفعل شيئا من اجل التغيير في كل الاتجاهات ولكن ذلك لم يحدث – مع الأسف – ، بل حصل العكس وساد استشراء التطرف وتكريس التجزئة والتمزق الى تكوينات والتشدق باسم الطوائف والتحاصص عليها علنا من دون أي خجل او حياء ضمن فلسفه عقيمة لا تصلح للعراق والعراقيين ، بل وحوربت الديمقراطية وانتهكت العدالة ولم تخلق أي جبهة معارضة في الداخل مع انتهاك حقوق الإنسان وتخصيب النزعة الما ورائية والإنشائيات الإعلامية والخطابات الفضفاضة الفارغة وتعزيز الماضويات التي لا نفع فيها ونحن نواجه هذا العصر بكل تحدياته ! لقد قادوا الشعب العراقي الى ممارسة طقوس غريبة وعادات عجيبة ، وشغلوه بها ، والهوه عن ممارسة دوره الحقيقي في الحياة الحديثة .. ولا اعتقد ان أي عاقل على وجه الارض يختلف معي في هذا التفكير الذي يتبناه كل العقلاء من العراقيين والذين يرفضون رفضا قاطعا كل الممارسات السيئة التي تقودها الدولة تحت مسميات شتى ! فهل سنشهد حراكا ثوريا رافضا في الايام او الشهور القادمة .. ام سيبقى الشعب يتحمّل المأساة في ظل حكومة لا تعرف أي معنى لوجودها ، ولا تدرك حجم الخطايا التي تزاولها بحق العراق وأهله .. ولا تفهم أي لغة للعقل في رسم خارطة طريق جديدة لمستقبل العراق .

نشرت في الجديدة ، 28 شباط / فبراير 2011 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyarajamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …